أقوال العلماء في الاتحاد والحلول
أقوال العلماء في الاتحاد والحلول
الاتحاد والحلول
أقوال العلماء في الاتحاد والحلول
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى في تبرئة السادة الصوفية من هذه التهمة الباطلة ما نصه: ليس أحد من أهل المعرفة بالله يعتمد حلول الرب تعالى به أو بغيره من المخلوقات ولا اتحاده به وإن سمع شيء من ذلك منقول عن بضع أكابر الشيوخ فكثير منه مكذوب اختلقه الأفاكون من الاتحادية الإباحية الذين أضلهم الشيطان وألحقهم بالطائفة النصرانية( [1]).
وقال أيضا : (كل المشايخ الذين يقتدى بهم في الدين متفقون على ما اتفق عليه سلف طالأمة وأئمتها من أن الخالق سبحانه مباين للمخلوقات وليس في مخلوقاته شيء من ذاته ولا في ذاته شيء من مخلوقاته وأنه يجب إفراد القديم عن الحادث وتامييز الخالق عن المخلوق وهذا في كلامهم أكثر من أن يمكن ذكره هنا( [2]).)
وقال الإمام الشعراني رحمه الله تعالى: (ولعمري إذا كان عُباد الأوثان لم يتجرؤوا أن يجلوا آلهتم عين الله بل قالوا: ﴿ما نبعدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى﴾( [3])).
فكيف يظن بأولياء الله تعالى أنهم يدعون الاتحاد بالحق على حد ما تتعقله العقول اضعيفة؟! هذا كالمحال في حقهم رضي الله عنهم إذ ما من ولي إلا وهو يعلم أن حقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق وأنها الخارجة عن جميع معلومات الخلائق لأن الله بكل شيء محيط( [4]).
وقد تحدث الإمام الغزالي عن هذه العقيدة الفاسدة وأظهر بطلانها فقال:
وأما القسم الرابع وهو الاتحاد: فذلك أيضا أظهر بطلانا لأن قول القائل: إن العبد صار هو الرب كلام متناقض في نفسه بل ينبغي أن ينزه الرب سبحانه وتعالى عن أن يجري اللسان في حقه بأمثال هذه المحالات ونقول قولا مطلقا: إن قول القائل: إن شيئا صار شيئا آخر محال على الإطلاق لأننا نقول إذا عقل زيد وحده وعمرو وحده ثم قيل إن زيدا صار عمرا واتحد به فلا يخلو عند الاتحاد إما أن يكون كلاهما موجودين أو كلاهما معدومين أو زيد موجودا وعمرو معدوما أو بالعكس ولا يمكن قسم وراء هذه الأربعة فإن كانا موجودين فلم يصر عين أحدهما عين الآخر بل عين كل واحد منهما موجود وإنما الغاية أن يتحد مكانهما وذلك لا يوجب الاتحاد فإن العلم والإرادة والقدرة قد تجتمع في ذات واحدة ولا تتباين محالها ولا تكون القدرة هي العلم ولا الإرادة ولا يكون قد اتحد البعض بالعبض وإن كانا معدومين فما اتحدا بل عدما ولعل الحادث شيء ثالث.
وإن كان أحدهما معدوما والآخر موجودا فلا اتحاد إذ لا يتحد معدوم بموجود فالاتحاد بين شيئن مطلقا محال وهذا جار في الذات المتماثلة فضلا عن المختلفة فإنه يستحيل أن يصير هذا السواد كما يستحيل أن يصير هذا السواد ذلك البياض أو ذلك العلم والتباين بين العبد والرب أعظم من التباين بين السواد والعلم فأصل الاتحاد إذا باطل.
وأما القسم الخامس وهو الحلول: فذلك أن يتصور أن يقال: إن الرب تبارك وتعالى حل في العبد أو العبد حل في الرب تعالى رب الأرباب عن قول الظالمين وهذا لو صح لما وجب الاتحاد ولا أن يتصف العبد بصفات الرب فإن صفات الحال لا تصير صفة المحل بل تبقى صفة للحال كما كان.
ووجه استحالة الحلول لا يفهم إلا بعد فهم معنى الحلول فإن المعاني المفردة إذا لم تدرك بطريق التصور لم يمكن أن يفهم نفيها أو إثباتها فمن لا يدري معنى الحلول فمن أي يدري أن الحلول موجود أو محال.
فنقول : المفهوم من الحلول أمران:
أحدهما: النسبة التي بين الجسم ومكانه الذي يكون فيه وذلك لا يكون إلا بين جسمين فالبريء عن معنى الجسيمة يستحيل في حقه ذلك.
والثاني: النسبة التي بين العرض والجوهر فإن العرض يكون قوامه بالجوهر فقد يعبر عنه بأنه حال فيه وذلك محال على كل ما قوامه بنفسه.
فدع عنك ذكر الرب تعالى وتقدس في هذا العرض فإن كل ما قوامه بنفسه يستحيل أن يحل فيما قوامه بنفسه إلا بطريق المجاورة الواقعة بين الأجسام فلا يتصور الحلول بين عبدين فكيف يتصور بين العبد والرب( [5]).
وقال الشيخ محي الدين بن عربي رحمه الله تعالى في عقيدته الصغرى: تعالى الحق أن تحله الحوادث أو يحلها.
وقال في عقيدته الوسطى: اعلم أن الله تعالى واحد بالإجماع ومقام الواحد يتعالى أن يحل فيه شيء أو يحل في شيء أو يتحد في شيء.
وقال في الباب التاسع والستين والمائة: القديم لا يكون قط محلا للحوادث ولا يكون حالا في المحدث( [6]).
وقال في الباب الثاني والستين ومئتين : من أعظم دليل على نفي الحلول والاتحاد الذي يتوهمه بعضهم أن تعلم عقلا أن القمر ليس فيه من نور الشمس شيء وأن الشمس ما انتقلت إليه بذاته وإنما كان القمر محلا لها فكذلك العبد ليس فيه من خالقه شيء ولا حل فيه.
وقال في الباب الرابع عشر وثلاثمائة: لو صح أن يرقى الإنسان عن إنسانيته وذلك عن ملكيته ويتحد بخالقه تعالى لصح انقلاب الحقائق وخرج الإله عن كونه إلها وصار الحق خلقا والخلق حقا وما وثق أحد بعلم وصار المحال واجبا فلا سبيل إلى قلب الحقائق أبدا.
وقال في الباب التاسع والخمسين وخمسمائة بعد كلام طويل: وهذا يدلك على أن العالم ما هو عين الحق ولا حل فيه الحق إذ لو كان عين الحق أو حل فيه لما كان تعلى قديما ولا بديعا.
وقال في باب الأسرار: لا يجوز لعارف أن يقول: أنا الله ولو بلغ أقصى درجات القرب وحاشا العارف من هذا القول حاشاه إنما يقول: أنا العبد الذليل في المسير والمقيل( [7]).
وقال في باب الأسرار أيضا: من قال بالحلول فهو معلول فإن القول بالحلول مرض لا يزول وما قال بالاتحاد إلا أهل الإلحاد كما أن القائل بالحلول من أهل الجهل والفضول.
وقال في باب الأسرار أيضا: الحاث لا يخلو عن الحوادث ولو حل بالحادث القديم لصح قول أهل التجسيم فالقديم لا يحل ولا يكون محلا.
وجاء في شعره ما ينفي الحلول والاتحاد كقوله:
ودع مقالة قوم قال عالمهم بأنه الإله الواحد اتحدا
الاتحاد محال لا يقول به إلا جهول به عن عقله شردا
وعن حقيقته وعن شريعته فاعبد إلهك لا تشرك به أحدا
وقال صاحب كتاب نهج الرشاد في الرد عل أهل الوحدو والحلول والاتحاد: حدثني الشيخ كمال الدين المراغي قال: اجتمعت بالشيخ أبي العباس المرسي تلميذ الشيخ الكبير أبي الحسن الشاذلي وفاوضته في هؤلاء الاتحادية فوجدته شديد الإنكار عليهم والنهي عن طريقهم وقال: أتكون الصنعة هي عين الصانع ؟!( [8]).
وأما ما ورد من كلام السادة الصوفية في كتبهم مما يفيد ظاهرة الحلول والاتحاد فهو إما مدسوس عليهم بدليل ما سبق من صريح كلامهم في نفي هذه العقيدة الضالة وإما لم يقصدوا به القول بهذه العقيدة الضالة ولكن المغرضين حملوا المتشابه من كلامهم على هذا الفهم الخاطئ ورموهم بالكفر والضلال أما العلماء المنصفون فقد فهموا كلامهم على معناه الصحيح الموافق لعقيدة أهل السنة والجماعة وأولوه بما يلائم ما ورد عنهم من نصوص صريحة موافقة لعقيدة أهل السنة والجماعة.
وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى وأما قول الشاعر في شعره:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا
فهذا إنما أراد به الشاعر الاتحاد المعنوي كاتحاد أحد المحبين بالآخر الذي يحب أحدهما ما يحب الآخر ويبغض ما يبغضه ويقول مثل ما يقول ويفعل مثل ما يفعل وهذا تشابه وتماثل لا اتحاد العين بالعين إذ كان قد استغرق في محبوبه حتى فني به عن رؤية نفسه كقول الآخر :
غبت بك عني فظننت أنك أني
فهذه الموافقة هي الاتحاد السائغ( [9]).
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في كتابه "(مدارج السالكين) ما نصه : (.. الدرجة الثالثة من درجات الفناء: فناء خواص الأولياء وأئمة المقربين وهو الفناء عن إرادة السوى شائما برق الفناء عن إرادة ما سواه سالكا سبيل الجمع على ما يحبه ويرضاه فانيا بمراد محبوبه منه عن مراده هو من محبوبه فضلا عن إرادة غيره قد اتحد مراده بمراد محبوبه أعني المراد الديني الأمري لا المراد الكوني القدري فصار المرادان واحدا... وليس في العقل اتحاد صحيح إلا هذا والاتحاد في العلم والخير فيكون المرادان والمعلومان والمذكوران واحدا مع تباين الإرادتين والعلمين والخبرين فغاية المحبة اتحاد مراد المحب بمراد المحبوب فهذا الاتحاد والفناء هو اتحاد خنواص المحبين وفناؤهم قد فنوا بعبادة محبوبهم عن عبادة ما سواه وبحبه وخوفه ورجائه والتوكل عليه والاستعانة به واطلب منه عن حب ما سواه ومن تحقق بهذا الفناء لا يحب إلا في الله ولا يبغض إلا فيه ولا يوالي إلا إياه ولا يستعين إلا به فيكون دينه كله ظاهرا وباطنا لله ويكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما فلا يواد من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب الخلق إليه بل:
يعادي الذي عادى من الناس كلهم جميعا ولو كان الحبيب المصافيا
وحقيقة ذلك فناؤه عن هوى نفسه وحظوظها بمراضي ربه تعالى وحقوقه والجامع لهذه كله تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله علما ومعرفة وعملا وحالا وقصدا وحقيقة هذا النفي والإثبات التي تضمنته هذه الشهاد\ة هو الفناء والبقاء فيفنى عن تألهه ما سواه علما وإقرارا وتعبدا ويبقى بتألهه وحده فهذا الفناء وهذا البقاء هو حقيقة التوحيد لذي اتفقت عليه الرسل صلوات الله عليهم وأنزلت به الكتب وخلقت لأجله الخليقة وشرعت له الشرائع وقامت عليه سوق الجنة وأسس عليه الخلق والأمر وهذا الموضع مما غلط فيه كثير من أصحاب الإرادة والمعصوم من عصمه الله وبالله المستعان والتوفيق والعصمة.
وقال أيضا: وإن كام مشمرا للفناء العالي وهو الفناءعن إرادة السوى لم يبق في قلبه مراد يزاحم مراده الديني الشرعي النبوي القرآني بل يتحد المرادان فيصير عين مراد الرب تعالى هو عين مراد العبد وهذه حقيقة المحبة الخالصة وفيها يكون الاتحاد الصحيح وهو الاتحاد في المراد لا في المريد ولا في الإرادة( [10]).
وقال العلامة جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه (الحاوي للفتاوى ) واعلم أنه وقع في عبارة بعض المحققين لفظ الاتحاد إشارة منهم إلى حقيقة التوحيد فإن الاتحاد عندهم هو المبالغة في التوحيد والتوحيد معرفة الواحد والأحد فاشتبه ذلك على من لا يفهم إشارتهم فحملوه على غير محمله فغلطوا وهلكوا بذلك.. ).
إن أصل الاتحاد باطل محال مردود شرعا وعقلا وعرفا بإجماع الأنبياء ومشايخ الصوفية وسائر العلماء والمسلمين وليس هذا مذهب الصوفية وإنما قاله طائفة غلاة لقلة علمهم وسوء حظهم من الله تعالى فشابهوا بهذا القول النصارى الذين قالوا في عيسى عليه السلام اتحد ناسوته بلاهوته وأما من حفظه الله تعالى بالعناية فإنهم لم يعتقدوا اتحادا ولا حلولا وإن وقع منهم لفظ الاتحاد فإنما يريدون به محو أفسهم وإثبات الحق سبحانه ... وقد يذكر الاتحاد بمعنى فناء المخالفات وبقاء الموافقات وفناء حظوظ النفس من الدنيا وبقاء الرغبة في الآخرة وفناء الأوصاف الذميمة وبقاء الأوصاف الحميدة وفناء الشك وبقاء اليقين وفناء الغفلة وبقاء الذكر... وأما قول أبي يزيد البسطامي رحمه الله تعالى الله تعالى : (سبحاني ما أعظم شأني) فهو في معرض الحكاية عن الله وكذلك قول من قال: (أنا الحق) محمول على الحكاية ولا يظن بهؤلاء العارفين الحلول والاتحاد لأن ذلك غير مظنون بعاقل فضلا عن المميزين بخصوص المكاشفات واليقين والمشاهدات ولا يظن بالعقلاء المتميزين على اهل زمانهم بالعلم الراجح والعمل الصالح والمجاهدة وحفظ حدود الشرع الغلط بالحلول والاتحاد كا غلط النصارى في ظنهم ذلك في حق عيسى عليه السلام وإنما حدث ذلك في الإسلام من واقعات جهلة المتصوفة وأما العلماء العارفون المحققون فحاشاهم من ذلك.. والحاصل أن لفظ الاتحاد مشترك فيطلق على المعنى المذموم الذي هو أخو الحلول وهو كفر ويطلق على مقام الفناء اصطلاحا اصطلح عليه الصوفية ولا مشاحة في الاصطلاح إذ لا يمنع أحد من استعمال لفظ في معنى صحيح ولا محذور فيه شرعا ولو كان ذلك ممنوعا لم يجز لأحد أن يتفوه بلفظ الاتحاد وأنت تقول: بيني وبين صاحبي زيد اتحدا وكم استعمل المحدثون والفقهاء وغيرهم لفظ الاتحاد في معان حديثية وفقهية ونحوية كقول المحدثين: اتحد مخرج الحديث وقول الفقهاء اتحد نوع الماشية وقول النحاة: اتحد العامل لفظا أو معنى.
وحيث وقع لفظ الاتحاد من محققي الصوفية فإنما يريدون به معنى الفناء الذي هو محو النفس وإثبات الأمر كله لله سبحانه لا ذاك المعنى المذموم الذي يقشعر له الجلد وقد أشار إلى ذلك سيدي علي بن وفا فقال من قصيدة له:
يظنوا بي حلولا واتحادا وقلبي من سوى التوحيد خالي
فتبرأ من الاتحاد بمعنى الحلول وقال أبي أبيات أخر:
وعلمك أن كل الأمر أمري هو المعنى المسمى باتحاد
فذكر أن المعنى الذي يريدونه بالاتحاد إذا أطلقوه هو تسليم الأمر كله لله وترك الإرادة معه والاختيار والجري على مواقع أقداره من غير اعتراض وترك نسبة شيء ما إلى غيره( [11]).
وقال الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي حفظه الله تعالى ما نصه: (ولقد كان من تأثير التباس تلك الفلسفة الفكرية الجانحة بهذه الحالة الشهودية الوجدانية على كثير من الناس جهلهم بتلك التعابير والكلمات التي تطفح على ألسنة أصحاب تلك الأحوال كتلك الألفاظ التي اشتهرت عن أبي يزيد البسطامي رحمه الله فظنوا أن قوله (ما في الجبة إلا الله) عقيدة فكرية يتبناها الشيخ فهو يعتنق إذن عقيدة الحلول وينادي بها ولو أنهم تمهلوا وأمعنوا في حقيقة الأمر وواقعه ووقفوا علىتراجم هؤلاء الرجال وأحوالهم لما تسرعوا في الانجراف في هذا الفهم الباطل والتهمة الشنعاء! بل لعلموا أنه ما من مؤمن بالله حق الإيمان إلا وله حظ من هذا الفناء ولكنه ليس فناء الشعور عن كل ما سوى الله بل هو فناء الإرادة لكل ما عدا الله وهو يتمثل في اليقين بأن الله هو النافع والضار وفي صدق التوكل عليه والتفويض إليه واخضاع إرادته وحبه لما يحبه الله ويرضاه إلا أن هؤلاء الرجال رحمهم الله تعالى لما استرسلوا في هذا الحال وواصلوا مراقبتهم لله عز وجل وعودوا أنفسهم أن لا يبصروا شيئا من مظاهر الكون إلا وتتجلى لهم صفات الله من خلاله تجاومزوا مرحلة ذلك الفناء الإرادي إلى الفناء الشعوري فمنهم من استمر على منهج التنسيق بين الجمع والفرق وذلك هو المقام السامي الذي بعث به الرسل والأنبياء وتحلوا به وهو الذي يجب أن يكون مطمح أبصار السالكين إلى الله عز وجل( [12]).والحمد لله رب العالمين
أقوال العلماء في الاتحاد والحلول
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى في تبرئة السادة الصوفية من هذه التهمة الباطلة ما نصه: ليس أحد من أهل المعرفة بالله يعتمد حلول الرب تعالى به أو بغيره من المخلوقات ولا اتحاده به وإن سمع شيء من ذلك منقول عن بضع أكابر الشيوخ فكثير منه مكذوب اختلقه الأفاكون من الاتحادية الإباحية الذين أضلهم الشيطان وألحقهم بالطائفة النصرانية( [1]).
وقال أيضا : (كل المشايخ الذين يقتدى بهم في الدين متفقون على ما اتفق عليه سلف طالأمة وأئمتها من أن الخالق سبحانه مباين للمخلوقات وليس في مخلوقاته شيء من ذاته ولا في ذاته شيء من مخلوقاته وأنه يجب إفراد القديم عن الحادث وتامييز الخالق عن المخلوق وهذا في كلامهم أكثر من أن يمكن ذكره هنا( [2]).)
وقال الإمام الشعراني رحمه الله تعالى: (ولعمري إذا كان عُباد الأوثان لم يتجرؤوا أن يجلوا آلهتم عين الله بل قالوا: ﴿ما نبعدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى﴾( [3])).
فكيف يظن بأولياء الله تعالى أنهم يدعون الاتحاد بالحق على حد ما تتعقله العقول اضعيفة؟! هذا كالمحال في حقهم رضي الله عنهم إذ ما من ولي إلا وهو يعلم أن حقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق وأنها الخارجة عن جميع معلومات الخلائق لأن الله بكل شيء محيط( [4]).
وقد تحدث الإمام الغزالي عن هذه العقيدة الفاسدة وأظهر بطلانها فقال:
وأما القسم الرابع وهو الاتحاد: فذلك أيضا أظهر بطلانا لأن قول القائل: إن العبد صار هو الرب كلام متناقض في نفسه بل ينبغي أن ينزه الرب سبحانه وتعالى عن أن يجري اللسان في حقه بأمثال هذه المحالات ونقول قولا مطلقا: إن قول القائل: إن شيئا صار شيئا آخر محال على الإطلاق لأننا نقول إذا عقل زيد وحده وعمرو وحده ثم قيل إن زيدا صار عمرا واتحد به فلا يخلو عند الاتحاد إما أن يكون كلاهما موجودين أو كلاهما معدومين أو زيد موجودا وعمرو معدوما أو بالعكس ولا يمكن قسم وراء هذه الأربعة فإن كانا موجودين فلم يصر عين أحدهما عين الآخر بل عين كل واحد منهما موجود وإنما الغاية أن يتحد مكانهما وذلك لا يوجب الاتحاد فإن العلم والإرادة والقدرة قد تجتمع في ذات واحدة ولا تتباين محالها ولا تكون القدرة هي العلم ولا الإرادة ولا يكون قد اتحد البعض بالعبض وإن كانا معدومين فما اتحدا بل عدما ولعل الحادث شيء ثالث.
وإن كان أحدهما معدوما والآخر موجودا فلا اتحاد إذ لا يتحد معدوم بموجود فالاتحاد بين شيئن مطلقا محال وهذا جار في الذات المتماثلة فضلا عن المختلفة فإنه يستحيل أن يصير هذا السواد كما يستحيل أن يصير هذا السواد ذلك البياض أو ذلك العلم والتباين بين العبد والرب أعظم من التباين بين السواد والعلم فأصل الاتحاد إذا باطل.
وأما القسم الخامس وهو الحلول: فذلك أن يتصور أن يقال: إن الرب تبارك وتعالى حل في العبد أو العبد حل في الرب تعالى رب الأرباب عن قول الظالمين وهذا لو صح لما وجب الاتحاد ولا أن يتصف العبد بصفات الرب فإن صفات الحال لا تصير صفة المحل بل تبقى صفة للحال كما كان.
ووجه استحالة الحلول لا يفهم إلا بعد فهم معنى الحلول فإن المعاني المفردة إذا لم تدرك بطريق التصور لم يمكن أن يفهم نفيها أو إثباتها فمن لا يدري معنى الحلول فمن أي يدري أن الحلول موجود أو محال.
فنقول : المفهوم من الحلول أمران:
أحدهما: النسبة التي بين الجسم ومكانه الذي يكون فيه وذلك لا يكون إلا بين جسمين فالبريء عن معنى الجسيمة يستحيل في حقه ذلك.
والثاني: النسبة التي بين العرض والجوهر فإن العرض يكون قوامه بالجوهر فقد يعبر عنه بأنه حال فيه وذلك محال على كل ما قوامه بنفسه.
فدع عنك ذكر الرب تعالى وتقدس في هذا العرض فإن كل ما قوامه بنفسه يستحيل أن يحل فيما قوامه بنفسه إلا بطريق المجاورة الواقعة بين الأجسام فلا يتصور الحلول بين عبدين فكيف يتصور بين العبد والرب( [5]).
وقال الشيخ محي الدين بن عربي رحمه الله تعالى في عقيدته الصغرى: تعالى الحق أن تحله الحوادث أو يحلها.
وقال في عقيدته الوسطى: اعلم أن الله تعالى واحد بالإجماع ومقام الواحد يتعالى أن يحل فيه شيء أو يحل في شيء أو يتحد في شيء.
وقال في الباب التاسع والستين والمائة: القديم لا يكون قط محلا للحوادث ولا يكون حالا في المحدث( [6]).
وقال في الباب الثاني والستين ومئتين : من أعظم دليل على نفي الحلول والاتحاد الذي يتوهمه بعضهم أن تعلم عقلا أن القمر ليس فيه من نور الشمس شيء وأن الشمس ما انتقلت إليه بذاته وإنما كان القمر محلا لها فكذلك العبد ليس فيه من خالقه شيء ولا حل فيه.
وقال في الباب الرابع عشر وثلاثمائة: لو صح أن يرقى الإنسان عن إنسانيته وذلك عن ملكيته ويتحد بخالقه تعالى لصح انقلاب الحقائق وخرج الإله عن كونه إلها وصار الحق خلقا والخلق حقا وما وثق أحد بعلم وصار المحال واجبا فلا سبيل إلى قلب الحقائق أبدا.
وقال في الباب التاسع والخمسين وخمسمائة بعد كلام طويل: وهذا يدلك على أن العالم ما هو عين الحق ولا حل فيه الحق إذ لو كان عين الحق أو حل فيه لما كان تعلى قديما ولا بديعا.
وقال في باب الأسرار: لا يجوز لعارف أن يقول: أنا الله ولو بلغ أقصى درجات القرب وحاشا العارف من هذا القول حاشاه إنما يقول: أنا العبد الذليل في المسير والمقيل( [7]).
وقال في باب الأسرار أيضا: من قال بالحلول فهو معلول فإن القول بالحلول مرض لا يزول وما قال بالاتحاد إلا أهل الإلحاد كما أن القائل بالحلول من أهل الجهل والفضول.
وقال في باب الأسرار أيضا: الحاث لا يخلو عن الحوادث ولو حل بالحادث القديم لصح قول أهل التجسيم فالقديم لا يحل ولا يكون محلا.
وجاء في شعره ما ينفي الحلول والاتحاد كقوله:
ودع مقالة قوم قال عالمهم بأنه الإله الواحد اتحدا
الاتحاد محال لا يقول به إلا جهول به عن عقله شردا
وعن حقيقته وعن شريعته فاعبد إلهك لا تشرك به أحدا
وقال صاحب كتاب نهج الرشاد في الرد عل أهل الوحدو والحلول والاتحاد: حدثني الشيخ كمال الدين المراغي قال: اجتمعت بالشيخ أبي العباس المرسي تلميذ الشيخ الكبير أبي الحسن الشاذلي وفاوضته في هؤلاء الاتحادية فوجدته شديد الإنكار عليهم والنهي عن طريقهم وقال: أتكون الصنعة هي عين الصانع ؟!( [8]).
وأما ما ورد من كلام السادة الصوفية في كتبهم مما يفيد ظاهرة الحلول والاتحاد فهو إما مدسوس عليهم بدليل ما سبق من صريح كلامهم في نفي هذه العقيدة الضالة وإما لم يقصدوا به القول بهذه العقيدة الضالة ولكن المغرضين حملوا المتشابه من كلامهم على هذا الفهم الخاطئ ورموهم بالكفر والضلال أما العلماء المنصفون فقد فهموا كلامهم على معناه الصحيح الموافق لعقيدة أهل السنة والجماعة وأولوه بما يلائم ما ورد عنهم من نصوص صريحة موافقة لعقيدة أهل السنة والجماعة.
وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى وأما قول الشاعر في شعره:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا
فهذا إنما أراد به الشاعر الاتحاد المعنوي كاتحاد أحد المحبين بالآخر الذي يحب أحدهما ما يحب الآخر ويبغض ما يبغضه ويقول مثل ما يقول ويفعل مثل ما يفعل وهذا تشابه وتماثل لا اتحاد العين بالعين إذ كان قد استغرق في محبوبه حتى فني به عن رؤية نفسه كقول الآخر :
غبت بك عني فظننت أنك أني
فهذه الموافقة هي الاتحاد السائغ( [9]).
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في كتابه "(مدارج السالكين) ما نصه : (.. الدرجة الثالثة من درجات الفناء: فناء خواص الأولياء وأئمة المقربين وهو الفناء عن إرادة السوى شائما برق الفناء عن إرادة ما سواه سالكا سبيل الجمع على ما يحبه ويرضاه فانيا بمراد محبوبه منه عن مراده هو من محبوبه فضلا عن إرادة غيره قد اتحد مراده بمراد محبوبه أعني المراد الديني الأمري لا المراد الكوني القدري فصار المرادان واحدا... وليس في العقل اتحاد صحيح إلا هذا والاتحاد في العلم والخير فيكون المرادان والمعلومان والمذكوران واحدا مع تباين الإرادتين والعلمين والخبرين فغاية المحبة اتحاد مراد المحب بمراد المحبوب فهذا الاتحاد والفناء هو اتحاد خنواص المحبين وفناؤهم قد فنوا بعبادة محبوبهم عن عبادة ما سواه وبحبه وخوفه ورجائه والتوكل عليه والاستعانة به واطلب منه عن حب ما سواه ومن تحقق بهذا الفناء لا يحب إلا في الله ولا يبغض إلا فيه ولا يوالي إلا إياه ولا يستعين إلا به فيكون دينه كله ظاهرا وباطنا لله ويكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما فلا يواد من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب الخلق إليه بل:
يعادي الذي عادى من الناس كلهم جميعا ولو كان الحبيب المصافيا
وحقيقة ذلك فناؤه عن هوى نفسه وحظوظها بمراضي ربه تعالى وحقوقه والجامع لهذه كله تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله علما ومعرفة وعملا وحالا وقصدا وحقيقة هذا النفي والإثبات التي تضمنته هذه الشهاد\ة هو الفناء والبقاء فيفنى عن تألهه ما سواه علما وإقرارا وتعبدا ويبقى بتألهه وحده فهذا الفناء وهذا البقاء هو حقيقة التوحيد لذي اتفقت عليه الرسل صلوات الله عليهم وأنزلت به الكتب وخلقت لأجله الخليقة وشرعت له الشرائع وقامت عليه سوق الجنة وأسس عليه الخلق والأمر وهذا الموضع مما غلط فيه كثير من أصحاب الإرادة والمعصوم من عصمه الله وبالله المستعان والتوفيق والعصمة.
وقال أيضا: وإن كام مشمرا للفناء العالي وهو الفناءعن إرادة السوى لم يبق في قلبه مراد يزاحم مراده الديني الشرعي النبوي القرآني بل يتحد المرادان فيصير عين مراد الرب تعالى هو عين مراد العبد وهذه حقيقة المحبة الخالصة وفيها يكون الاتحاد الصحيح وهو الاتحاد في المراد لا في المريد ولا في الإرادة( [10]).
وقال العلامة جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه (الحاوي للفتاوى ) واعلم أنه وقع في عبارة بعض المحققين لفظ الاتحاد إشارة منهم إلى حقيقة التوحيد فإن الاتحاد عندهم هو المبالغة في التوحيد والتوحيد معرفة الواحد والأحد فاشتبه ذلك على من لا يفهم إشارتهم فحملوه على غير محمله فغلطوا وهلكوا بذلك.. ).
إن أصل الاتحاد باطل محال مردود شرعا وعقلا وعرفا بإجماع الأنبياء ومشايخ الصوفية وسائر العلماء والمسلمين وليس هذا مذهب الصوفية وإنما قاله طائفة غلاة لقلة علمهم وسوء حظهم من الله تعالى فشابهوا بهذا القول النصارى الذين قالوا في عيسى عليه السلام اتحد ناسوته بلاهوته وأما من حفظه الله تعالى بالعناية فإنهم لم يعتقدوا اتحادا ولا حلولا وإن وقع منهم لفظ الاتحاد فإنما يريدون به محو أفسهم وإثبات الحق سبحانه ... وقد يذكر الاتحاد بمعنى فناء المخالفات وبقاء الموافقات وفناء حظوظ النفس من الدنيا وبقاء الرغبة في الآخرة وفناء الأوصاف الذميمة وبقاء الأوصاف الحميدة وفناء الشك وبقاء اليقين وفناء الغفلة وبقاء الذكر... وأما قول أبي يزيد البسطامي رحمه الله تعالى الله تعالى : (سبحاني ما أعظم شأني) فهو في معرض الحكاية عن الله وكذلك قول من قال: (أنا الحق) محمول على الحكاية ولا يظن بهؤلاء العارفين الحلول والاتحاد لأن ذلك غير مظنون بعاقل فضلا عن المميزين بخصوص المكاشفات واليقين والمشاهدات ولا يظن بالعقلاء المتميزين على اهل زمانهم بالعلم الراجح والعمل الصالح والمجاهدة وحفظ حدود الشرع الغلط بالحلول والاتحاد كا غلط النصارى في ظنهم ذلك في حق عيسى عليه السلام وإنما حدث ذلك في الإسلام من واقعات جهلة المتصوفة وأما العلماء العارفون المحققون فحاشاهم من ذلك.. والحاصل أن لفظ الاتحاد مشترك فيطلق على المعنى المذموم الذي هو أخو الحلول وهو كفر ويطلق على مقام الفناء اصطلاحا اصطلح عليه الصوفية ولا مشاحة في الاصطلاح إذ لا يمنع أحد من استعمال لفظ في معنى صحيح ولا محذور فيه شرعا ولو كان ذلك ممنوعا لم يجز لأحد أن يتفوه بلفظ الاتحاد وأنت تقول: بيني وبين صاحبي زيد اتحدا وكم استعمل المحدثون والفقهاء وغيرهم لفظ الاتحاد في معان حديثية وفقهية ونحوية كقول المحدثين: اتحد مخرج الحديث وقول الفقهاء اتحد نوع الماشية وقول النحاة: اتحد العامل لفظا أو معنى.
وحيث وقع لفظ الاتحاد من محققي الصوفية فإنما يريدون به معنى الفناء الذي هو محو النفس وإثبات الأمر كله لله سبحانه لا ذاك المعنى المذموم الذي يقشعر له الجلد وقد أشار إلى ذلك سيدي علي بن وفا فقال من قصيدة له:
يظنوا بي حلولا واتحادا وقلبي من سوى التوحيد خالي
فتبرأ من الاتحاد بمعنى الحلول وقال أبي أبيات أخر:
وعلمك أن كل الأمر أمري هو المعنى المسمى باتحاد
فذكر أن المعنى الذي يريدونه بالاتحاد إذا أطلقوه هو تسليم الأمر كله لله وترك الإرادة معه والاختيار والجري على مواقع أقداره من غير اعتراض وترك نسبة شيء ما إلى غيره( [11]).
وقال الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي حفظه الله تعالى ما نصه: (ولقد كان من تأثير التباس تلك الفلسفة الفكرية الجانحة بهذه الحالة الشهودية الوجدانية على كثير من الناس جهلهم بتلك التعابير والكلمات التي تطفح على ألسنة أصحاب تلك الأحوال كتلك الألفاظ التي اشتهرت عن أبي يزيد البسطامي رحمه الله فظنوا أن قوله (ما في الجبة إلا الله) عقيدة فكرية يتبناها الشيخ فهو يعتنق إذن عقيدة الحلول وينادي بها ولو أنهم تمهلوا وأمعنوا في حقيقة الأمر وواقعه ووقفوا علىتراجم هؤلاء الرجال وأحوالهم لما تسرعوا في الانجراف في هذا الفهم الباطل والتهمة الشنعاء! بل لعلموا أنه ما من مؤمن بالله حق الإيمان إلا وله حظ من هذا الفناء ولكنه ليس فناء الشعور عن كل ما سوى الله بل هو فناء الإرادة لكل ما عدا الله وهو يتمثل في اليقين بأن الله هو النافع والضار وفي صدق التوكل عليه والتفويض إليه واخضاع إرادته وحبه لما يحبه الله ويرضاه إلا أن هؤلاء الرجال رحمهم الله تعالى لما استرسلوا في هذا الحال وواصلوا مراقبتهم لله عز وجل وعودوا أنفسهم أن لا يبصروا شيئا من مظاهر الكون إلا وتتجلى لهم صفات الله من خلاله تجاومزوا مرحلة ذلك الفناء الإرادي إلى الفناء الشعوري فمنهم من استمر على منهج التنسيق بين الجمع والفرق وذلك هو المقام السامي الذي بعث به الرسل والأنبياء وتحلوا به وهو الذي يجب أن يكون مطمح أبصار السالكين إلى الله عز وجل( [12]).والحمد لله رب العالمين
مواضيع مماثلة
» أقوال العلماء عن الأشاعرة والماتريدية
» أقوال العلماء في أهمية التصوف:
» أقوال العلماء والصالحين والوهابية في التوسل والاستغاثة
» أقوال أهل العلم في حديث الجارية أين الله،
» أقوال العلماء في زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
» أقوال العلماء في أهمية التصوف:
» أقوال العلماء والصالحين والوهابية في التوسل والاستغاثة
» أقوال أهل العلم في حديث الجارية أين الله،
» أقوال العلماء في زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى