أقوال العلماء في زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أقوال العلماء في زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى:
قال الإمام ابن حجر في شرحه على البخاري عند قوله: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)( [104]) قوله إلا إلى ثلاثة مساجد المستثنى منه محذوف فإما أن يقدر فيصير: لا تشد الرحال إلى مكان في أي أمر كان إلا الثلاثة أو أخص من ذلك ولا سبيل إلى الأول لإفضائه إلى سد باب السفر للتجارة وصلة الرحم وطلب العلم وغيرها فتعين الثاني والأولى أن يقدر ما هو أكثر مناسبة وهو: لا تشد الرحال إلى مسجد للصلاة فيه إلا إلى الثلاثة، فيبطل بذلك قول من منع شد الرحال إلى زيارة القبر الشريف وغيره من قبور الصالحين والله أعلم.
وقال السبكي الكبير: وقد التبس ذلك على بعضهم فزعم أن شد الرحال إلى الزيارة لمن في غير الثلاثة داخل في المنع وهو خطأ لأن الاستثناء إنما يكون من جنس المستثنى منه فمعنى الحديث: لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد أو إلى مكان من الأمكنة لأجل ذلك المكان إلا إلى الثلاثة المذكورة وشد الرحال إلى زيارة أو طلب علم ليس إلى المكان بل إلى من في ذلك المكان والله أعلم( [105]).
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من زار قبري وجبت له شفاعتي»( [106]) . رواه وصححه جماعة كعبد الحق والتقي السبكي وبلفظ : «من جاءني زائرا لا تحمله حاجة إلا زيارتي كان حقا علي أن أكون له شفيعا يوم القيامة»( [107]) والمراد بقوله: لا تحمله حاجة إلا زيارتي اجتناب قصد مالا تعلق له بالزيارة.
أما ما يتعلق بها من نحو قصد الاعتكاف في المسجد النبوي وكثرة العبادة فيه وزيارة الصحابة وغير ذلك مما يندب للزائر فعله فلا يضر قصده في حصول الشفاعة له فقد قال أصحابنا وغيرهم: يسن أن ينوي مع التقرب بالزيارة التقرب بشد الرحال للمسجد النبوي والصلاة فيه كما ذكره المصنف.
ثم الحديث يشمل زيارته صلى الله عليه وآله وسلم حيا وميتا ويشمل الذكر والأنثى الآتي من قرب أو بعد فيستدل به على فضيلة شد الرحال لذلك وندب السفر للزيارة إذ للوسائل حكم المقاصد.
وقد أخرج أبو داود بسند صحيح: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه)( [108]).
فتأمل هذه الفضيلة العظيمة وهي رده صلى الله عليه وآله وسلم على المسلم عليه إذ هو صلى الله عليه وآله وسلم حي في قبره كسائر الأنبياء لما ورد مرفوعا: «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون»( [109]) ومعنى رد روحه الشريفة رد القوة المنطقية في ذلك الحين للرد عليه( [110]).
الإمام الفيروز آبادي رحمه الله تعالى:
وقال الإمام شيخ الإسلام مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي صاحب القاموس في كتابه (الصلات والبشر) : اعلم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند قبره آكد فيستحب إعمال المطى لإدراك الفوز بهذا الشرف العظيم والمنصب الكريم قال القاضي ابن كج: (وهو القاضي يوسف بن أحمد بن كجٍ) فيما حكاه الرافعي : إذا نذر أن يزور قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعندي أنه يلزمه الوفاء وجها واحدا ولو نذر أن يزور قبر غيره ففيه وجهان عندي وقد علم أنه لا يلزمه بالنذر إلا العبادات وممن صرح باستحبابها وكونها سنة من أصحابنا الرافعي في أواخر باب أعمال الحج والغزالي في الإيحاء والبغوي في التهذيب والشيخ عز الدين بن عبدالسلام في مناسكه وأبو عمرو بن الصلاح وأبو زكريا النووي رحمه الله تعالى .
ومن الحنابلة: الشيخ موفق الدين والإمام أبو الفرج البغدادي وغيرهما.
ومن الحنفية: صاحب الاختيار في شرح المختار له عقد لها فصلا وعدها من أفضل المندوبات المستحبات.
وأما المالكية: فقد حكى القاضي عياض منهم الإجماع على ذلك وفي كتاب تهذيب المطالب لعبدالحق الصقلي عن الشيخ أبي عمران المالكي أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم واجبة قال عبدالحق : يعني من السنن الواجبة وفي كلام العبدي المالكي في شرح الرسالة: أن المشي إلى المدينة لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من الكعبة ومن بيت المقدس وأكثر عبارات الفقهاء أصحاب المذاهب تقتضي السفر للزيارة لأنهم استحبوا للحاج بعد الفراغ من الحج الزيارة ومن ضرورتها السفر واما نفس الزيارة فالأدلة عليها كثيرة منها: قوله تعالى ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما﴾( [111]).
ولا شك أنه صلى الله عليه وآله وسلم حي وأن أعمال أمته معروضة عليه. ثم ذكر الشيخ جملة من أحاديث الزيارة( [112]).
الإمام محمد بن علان الصديقي رحمه الله تعالى:
قال الشيخ محمد بن علان الصديقي الشافعي شارح الأذكار معلقا على قول النووي:
(فإن زيارته أفضل القربات وأنجح المساعي): وكيف لا وقد وعد الزائر بوجوب شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم وهي لا تجب إلا لأهل الإيمان ففي ذلك التبشير بالموت على الإيمان مع ما ينضم إلى ذلك بسماعه صلى الله عليه وآله وسلم سلام الزائر من غير واسطة. وأخرج أبو داود وغيره عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وآله وسلم «ما من أحد يسلم علي إلا رد الله إلي روحي حتى أرد عليه السلام»( [113]) . قال الحافظ : حديث حسن أخرجه أحمد والبيهقي وغيرهما وأنبئت عن الشيخ السبكي في شفاء السقام قال: اعتمد جماعة من الأئمة على هذا الحديث في استحباب زيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم وهو اعتماد صحيح لأن الزائر إذا سلم عليه وقع الرد عليه من قرب وتلك فضيلة مطلوبة.
أقول: ورده عليه كذلك بنفسه ولو لم يكن للزائر من القرى إلا هذا الخطاب لكان فيه الغنى، وكيف وفيه الشفاعة العظمة ومضاعفة الصلاة في ذلك الحرم الأسنى وقد أورد جملة من الأحاديث في ذلك التقي السبكي في شفاء السقام وابن حجر الهيثمي في الدر المنظم ، وتلميذه الفاكهي في حسن الاستشارة في آداب الزيارة( [114]).
الإمام الكرماني رحمه الله تعالى:
وقال الشيخ الكرماني في شرحه على البخاري عند قوله: (إلا إلى ثلاثة مساجد) : والاستثناء مفرغ فإن قلت فتقدير الكلام لا تشد الرحال إلى موضع او مكان فيلزم ان لا يجوز السفر إلى مكان غير المستثنى حتى لا يجوز السفر لزيارة إبراهيم الخليل عليه السلام ونحوه لأن المستثنى منه في المفرغ لابد ان يقدر أعم العام.
قلت: المراد بأعم العام ما يناسب المستثنى نوعا ووصفا كما إذا قلت: ما رأيت إلا زيدا كان تقديره: ما رأيت رجلا أو واحدا إلا زيدا، لا ما رأيت شيئا أو حيوانا إلا زيدا فههنا تقديره: لا تشد إلى مسجد إلا إلى ثلاثة وقد وقع في هذه المسألة في عصرنا مناظرات كثيرة في البلاد الشامية وصنف فيها رسائل من الطرفين لسنا الآن لبيانها( [115]).
الإمام القاضي عياض رحمه الله تعالى:
وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى في شرحه للحديث الذي رواه مسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى حجرها)( [116]) .
قال : وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : وهو يأرز إلى المدينة معناه: أن الإيمان أولا وأخرى بهذه الصفة لأنه في أول الإسلام كان كل من خلص إيمانه وصح إسلامه أتى المدينة إما مهاجرا مستوطنا وإما متشوقا إلى رؤية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومتعلما منه ومتقربا ثم بعده هكذا في زمن الخلفاء كذلك ولأخذ سيرة العدل منهم والاقتداء بجمهور الصحابة رضوان الله عليهم فيها ثم من بعدهم من العلماء الذين كانوا سرج الوقت وأئمة الهدى لأخذ السنن المنتشرة بها عنهم فكان كل ثابت الإيمان منشرح الصدر به يرحل إليها ثم بعد ذلك في كل وقت إلى زماننا لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتبرك بمشاهدة وآثار أصحابه الكرام فلا يأتيها إلا مؤمن( [117]).
الإمام أبو محمد ابن قدامة إمام الحنابلة رحمه الله تعالى :
قال الشيخ موفق الدين عبدالله بن قدامة في كتابه المغني (ويستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما روى الدارقطني بإسناده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من حج قزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي»( [118]) وفي رواية «من زار قبري وجبت له شفاعتي»( [119]) وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال «ما من أحد يسلم علي عند قبري إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام»( [120])).
ويروى عن العتبي قال: كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول : ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ﴾( [121]) وقد جئتك مستغفر لذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم أنشد يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ثم انصرف الأعرابي فحملتني عيني فنمت فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم فقال: يا عتبي الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له( [122]).
الإمام الشيخ بدر الدين العيني:
قال الشيخ العيني في شرح البخاري: وحكى الرافعي عن القاضي ابن كجٍِ أنه قال: إذا نذر أن يزور قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعندي أنه يلزمه الوفاء وجها واحدا قال: ولو نذر أن يزور قبر غيره ففيه وجهان عندي وقال القاضي عياض وأبو محمد الجويني من الشافعية: أنه يحرم شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة لمقتضى النهي وقال النووي : وهو غلط والصحيح عند أصحابنا وهو الذي اختاره إمام الحرمين والمحققون أنه لا يحرم ولا يكره وقال الخطابي : لا تشد لفظة خبر ومعناه الإيجاب فيما نذره الإنسان من الصلاة في البقاع التي تبرك بها أي لا يلزم الوفاء بشيء من ذلكم حتى يشد الرحل له ويقطع المسافة إليه غير هذه الثلاثة التي هي مساجد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فأما إذا نذر الصلاة في غيرها من البقاع فإن له الخيار في أن يأتيها أو يصليها في موضعه ولا يرحل إليها وقال شيخنا زين الدين: من أحسن محامل هذا الحديث أن المراد منه حكم المساجد فقط وأنه لا يشد الرحل إلى مسجد من المساجد غير هذه الثلاثة فأما قصد غير المساجد من الرحلة في طلب العلم وفي التجارة والتنزه وزيارة الصالحين والمشاهد وزيارة الإخوان ونحو ذلك فليس داخلا في النهي وقد ورد ذلك مصرحا به في بعض طرق الحديث فعن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «لا ينبغي للمصلي أن يشد رحاله إلى مسجد يبتغي فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا»( [123]) وإسناده صحيح( [124]).
الشيخ منصور بن يونس البهوتي الحنبلي رحمه الله تعالى :
قال الشيخ منصور البهوتي في كتابه (كشاف القناع عن متن الإقناع): فصل: وإذا فرغ من الحج استحب له زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لحديث الدارقطني عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي».
وفي وراية: «من زار قبري وجبت له شفاعتي»( [125]).
تنبيه: قال ابن نصر الله : لازم استحباب زيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم استحباب شد الرحال إليها لأن زيارته للحاج بعد حجه لا تمكن بدون شد الرحال فهذا كالتصريح باستحباب شد الرحال لزيارته( [126]).
الشيخ ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى :
وقد ذكر الشيخ ابن القيم في قصيدته المعروفة بالنونية كيف تكون الزيارة وما هي الآداب المطلوبة فيها، وكيف ينبغي أن يكون شعور الزائر وهو واقف أمام المواجهة الشريفة وماذا ينبغي أن يحس به تجاه صاحب القبر وذكر في آخر تلك الأبيات أن الزيارة بهذا الإحساس والشعور وبتلك الكيفية هي من أفضل الأعمال فقال:
فإذا أتينا المسجد النبوي صلـ ـينا التحية أولا ثنتان
بتمام أركان لها وخشوعها وحضور قلب فعل ذي الإحسان
ثم اثنينا للزيارة نقصد الـ ـقبر الشريف ولو على الأجفان
فنقوم دون القبر وقفة خاضع متذلل في السر والإعلان
فكأنه في القبر حي ناطق فالواقفون نواكس الأذقان
وتفجرت تلك العيون بمائها ولطالما غاصت على الأزمان
واتى المسلم بالسلام بهيبة ووقار ذي علم وذي إيمان
لم يرفع الأصوات حول ضريحه كلا ولم يسجد على الأذقان
كلا ولم يُر طائفا بالقبر أسـ ـبوعا كأن القبر بيت ثان
ثم انثنى بدعائه متوجها لله نحو البيت ذي الأركان
هذي زيارة من غدا متمسكا بشريعة الإسلام والإيمان
من أفضل الأعمال هاتيك الزيا رة وهي يوم الحشر في الميزان
(انظر النونية المشهورة لابن القيم) وتدبر قوله رحمه الله تعالى الله : (من أفضل الأعمال هاتيك الزيارة).
الشيخ ابن عابدين رحمه الله تعالى :
وقال الشيخ صاحب الحاشية ابن عابدين عند قوله : (مندوبة) أي بإجماع المسلمين كما في اللباب قال في شرح اللباب: هل تستحب زيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم للنساء؟ الصحيح نعم بلا كراهة بشروطها على ما صرح به بعض العلماء أما على الأصح من مذهبنا وهو قول الكرخي من أن الرخصة في زيارة القبور ثابتة للرجال والنساء جميعا فلا إشكال وأما على غيره فكذلك نقول بالاستحباب لإطلاق الأصحاب والله أعلم بالصواب، وقال عند قوله ولينو معه زيارة مسجده ) : قال ابن الهمام: وفيما يقع عند العبد الضعيف تجريد النية لزيارة قبره عليه الصلاة والسلام ثم يحصل له إذا قدم زيارة المسجد، أو يستمنح فضل الله تعلى في مرة اخرى ينوي زيارة المسجد فيها "لأن في ذلك زيادة تعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم وإجلاله ويوافقه ظاهر ما ذكرناه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «من جاءني زائرا لا تعمله حاجة إلا زيارتي كان حقا علي أن أكون له شفيعا يوم القيامة»( [127]). ونقل الرحمتي عن العارف المنلاجامي أنه أفرد الزيارة عن الحج حتى لا يكون له قصد غيرها في سفره( [128]).
وقال الشيخ ابن عابدين أيضا: وهل تندب الرحلة للزيارة كما اعتيد من الرحلة إلى زيارة خليل الرحمن وأهله وأولاده وزيارة السيد البدوي وغيره من الأكابر الكبار؟ لم أرَ من صرح به من أئمتنا ومنع بعض أئمة الشافعية إلا لزيارته صلى الله عليه وآله وسلم قياسا على منع الرحلة لغير المساجد الثلاثة ورده الغزالي بوضوح الفرق فإن ماعدا المساجد الثلاثة مستوية في الفضل فلا فائدة في الرحلة إليها وأما الأولياء فإنهم متفاوتون في القرب من الله تعالى ونفع الزائرين بحسن معارفهم وأسرارهم ونقل عن ابن حجر في فتاويه قوله: ولا تترك الزيارة – لما يحصل عندها من منكرات ومفاسد كاختلاط الرجال بالنساء وغير ذلك لأن القربات لا تترك لمثل ذلك ، بل على الإنسان فعلها وإنكار البدع بل إزالتها إن أمكن قلت ويؤيده عدم ترك اتباع الجنازة وإن كان معها نساء نائحات ، تأمل( [129]).
وقال صحاب الدر المختار: وزيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم مندوبة بل قيل واجبة لمن له سعة وذكر أن الحاج يبدأ بالحج إن كان فرضا ثم يزور وإذا كان تطوعا فإنه مخير بين البدء بالحج أو الزيارة ولينوِ مع زيارته زيارة مسجده عليه الصلاة والسلام لأنه عليه الصلاة والسلام أخبر أن الصلاة فيه خير من ألف صلاة في غير مسجده إلا المسجد الحرام وكذلك بقية القرب فإن كل قربة فيه بألف قربة في غيره.
الشيخ أبو عبدالله السامري الحنبلي: قال في كتاب (المستوعب) في باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما نصه:
وإذا قدم مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استحب له أن يغتسل لدخوله ثم يأتي مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقدم رجله اليمنى في الدخول ثم يأتي القبر فيقف ناحيته ويجعل القبر تلقاء وجهه والقبلة خلف ظهره والمنبر عن يساره ثم ذكر كيفية السلام والدعاء وأطال ومنه: اللهم إنك قلت في كتابك لنبيك عليه الصلاة والسلام ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك...﴾( [130])، وإني قد أتيتك مستغفرا فأسألك ان توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حال حياته اللهم إني أتوجه إليك بنبيك وذكر دعاء طويلا ثم قال: وإذا أراد الخروج عاد إلى القبر فودع وكذلك ذكر أبو منصور الكرماني من الحنفية أن يدعو ويطيل الدعاء عند القبر المكرم وفي مناسك الإمام أبي زكريا النووي ما نصه/: فصل في زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكر كلاما مطولا ثم قال: فإذا صلى تحية المسجد أتى القبر فاستقبله واستدبر القبلة على نحو أربعة أذرع من جدار القبر وسلم مقتصدا لا يرفع صوته.
وقال الحصني: كان عمر بن عبدالعزيز يبعث بالرسول قاصدا من الشام إلى المدينة ليقرئ النبي صلى الله عليه وآله وسلم السلام ثم يرجع.
وقالت الحنفية: إن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أفضل المندوبات والمستحبات صرح بذلك الإمام محمد الكرماني أبو منصور في مناسكه والإمام عبدالله بن محمود في شرح المختار وقال الإمام أبو العباس السروجي.
وإذا انصرف الحاج من مكة شرفها الله تعالى فليتوجه إلى طيبة مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لزيارة قبره فإنها من أنجح المساعي.
وقال ابن الخطاب محفوظ الكلواذي الحنبلي من أئمة الحنابلة في كتابه (الهداية ) في آخر باب صفة الحج: استحب له زيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبيه وعقد الإمام ابن الجوزي في كتاب مثير الغرم بابا في زيارة قبره عليه الصلاة والسلام.
وقال أبو عمران المالكي: زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم واجبة . وقال العبدي المالكي في شرح الرسالة: إن المشي إلى المدينة لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من المشي إلى الكعبة وبيت المقدس( [131]).
والحنابلة قد نصوا كغيرهم على كون زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنة قصدت بالسفر لأجلها أو لم تقصد بالسفر لأجلها وأما الحديث فمعناه الذي فهمه السلف والخلف انه لا فضيلة زائدة في السفر لأجل الصلاة في مسجد إلا السفر إلى هذه المساجد الثلاثة لأن الصلاة تضاعف فيها إلى مئة ألف وذلك في المسجد الحرام وعلى ألف وذلك في مسجد الرسول والى خمسمائة وذلك في المسجد الأقصى.
والحديث المراد به السفر لأجل الصلاة ، يبين ذلك ما رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده من طريق شهر بن حوشب من حديث أبي سعيد مرفوعا: «لا ينبغي للمطي أن تعمل إلى مسجد ينبغي فيه الصلاة إلا إلى المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا»( [132]).
........................................................................................................................
( [104]) تقدم تخريجه.
( [105]) فتح الباري (3/66).
( [106]) تقدم تخريجه.
( [107]) تقدم تخريجه.
( [108]) أخرجه أحمد (14/311 - 312) الفتح الرباني ، وأبو داود (2041).
( [109]) تقم تخريجه.
( [110]) من الإيضاح ص (488).
( [111]) سورة النساء الآية (64).
( [112]) الصلاة والبشر في الصلات على خير البشر للفيروز آبادي ص (1479.
( [113]) ورد في الفتح الرباني (14/311، 312) وأبي داود (2041).
( [114]) الفتوحات الربانية على الأذكار النووية (5/231) مفاهيم ص (269).
( [115]) شرح الكرماني (7/12).
( [116]) أخرجه أحمد (1/115) ومسلم (1469.
( [117]) شرح صحيح مسلم للنووي ص (177).
( [118]) تقدم تخريجه.
( [119]) تقدم تخريجه.
( [120]) تقدم تخريجه.
( [121]) سورة النساء الآية (64).
( [122]) المغني لابن قدامة (3/556).
( [123]) أخرجه أحمد (ج13 ص 20) الفتح الرباني.
( [124]) عمدة القاري (7/254).
( [125]) تقدم تخريجه ص (329).
( [126]) كشاف القناع (2/598).
( [127]) تقدم تخريجه.
( [128]) رد المحتار لابن عابدين (2/263 و 264.
( [129]) رد المحتار (1/6319.
( [130]) سورة النساء الآية (64).
( [131]) المقالات السنية ص (152 - 153).
( [132]) المقالات السنية بتصرف (138) وفي الفتح الرباني ما نصه وقد أجاب الجمهور عن حديث شد الرحال أن القصر فيه إضافي باعتبار المساجد لا حقيقي قالوا والدليل على ذلك أنه قد ثبت بإسناد حسن في بعض ألفاظ الحديث (ولا ينبغي للمطي أن يشد رحالها إلى مسجد تبتغي فيه الصلاة غير مسجدي هذا أو المسجد الحرام والمسجد الأقصى) فالزيارة وغيرها خارجة عن النهي (وأجابوا ثانية) بالإجماع على جواز شد الرحال للتجارة وسائر مطالب الدنيا وعلى وجوبه إلى عرفة للوقوف والىمنى للمناسك التي فيها والى مزدلفة والى الجهاد والهجرة من دار الكفر وعلى استحبابه لطلب العلم وأجابو عن ماروي (لا تتخذوا قبري عيدا) بأنه يدل على الحث على كثرة الزيارة لا على منعها وأنه لا يُهمل حتى لا يزار إلا في بعض الأوقات كالعيدين ويؤيده قوله ولا تجعلوا بيوتكم قبورا أي لا تتركوا الصلاة فيها كذا قال الحافظ المنذري (وقال السبكي) معناه أنه لا تتخذوا لها وقتا مخصوصا ولا تكون الزيارة إلا فيه.
مواضيع مماثلة
» زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم
» أقوال العلماء في أهمية التصوف:
» هل ترك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأمر يدل على عدم جواز فعله؟
» أقوال العلماء والصالحين والوهابية في التوسل والاستغاثة
» أقوال العلماء في الاحتفال بالمولد النبوي وقصة عتق ثويبة
» أقوال العلماء في أهمية التصوف:
» هل ترك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأمر يدل على عدم جواز فعله؟
» أقوال العلماء والصالحين والوهابية في التوسل والاستغاثة
» أقوال العلماء في الاحتفال بالمولد النبوي وقصة عتق ثويبة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى