الأدب مع العلماء والصالحين
الأدب مع العلماء والصالحين
الأدب مع العلماء والصالحين
قال الله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم ، يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ، إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم﴾( [1]) .
هذه آيات أدب الله تعالى بها عباده المؤمنين فيما يعاملون به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من التوقير والاحترام والتبجيل والإعظام ، فقال تبارك وتعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله﴾ أي لا تسرعوا في الأشياء بين يديه أي قبله بل كونوا تبعا له في جميع الأمور.
قال ابن عباس: نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه
وقال الضحاك: لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله من شرائع دينكم.
وقال الحسن البصري: لا تدعوا قبل الإمام.
وقال قتادة: ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون : لو أنزل في كذا وكذا ، لو صح كذا فكره الله تعالى ذلك.
(واتقوا الله) فيما أمركم به ( إن الله سميع عليم ) أي لأقوالكم ( عليم ) بنياتكم ، وقوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ﴾ هذا أدب ثان أدب الله تعالى به المؤمنين أن لا يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوق صوته وقد روي أنها نزلت في الشيخين ( أبي بكر ) و ( عمر ) رضي الله عنهما فقد روي عن ابن أبي مليكة قال: كاد الخيران أن يهلكا ( أبو بكر ) و ( عمر ) رضي الله عنهما رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حين قدم عليه ركب بني تميم فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس رضي الله عنه أخي بني مجاشع وأشار الآخر برجل آخر قال: نافع لا أحفظ اسمه فقال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما : ما أردت إلا خلافي قال: ما أردت خلافك فارتفعت أصواتهما في ذلك فأنزل الله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ﴾ قال ابن الزبير: فما كان عمر رضي الله عنه يسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه( [2]).
وفي رواية أخرى له قال: قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أبوبكر رضي الله عنه أمر (القعقاع بن معبد) وقال عمر رضي الله عنه : بل أمر ( الأقرع بن حابس )فقال أبو بكر رضي الله عنه : ما أردت إلا خلافي فقال عمر رضي الله عنه : ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت في ذلك ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ﴾ حتى انتقضت الآية ﴿ لو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم ﴾( [3]) .
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ﴾ قلت: يا رسول الله ! والله لا أكلمك إلا كأخي السرار( [4]) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم افتقد ثابت بن قيس رضي الله عنه فقال رجل : يا رسول الله أنا أعلم لك علمه ، فأتاه فوجده في بيته منكسا رأسه فقال له : ما شأنك ؟ فقال: شر ، كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد حبط عمله فهو من أهل النار فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره أنه قال: كذا وكذا ، قال موسى فرجع المرة الآخرة ببشارة عظيمة فقال: ( اذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النار ولكن من أهل الجنة )( [5]).
وفي رواية عن أنس رضي الله عنهما أيضا قال: ( لما نزلت هذه الآية ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ﴾ إلى قوله ﴿ وأنتم لا تشعرون ﴾ وكن ثابت بن قيس بن الشماس رفيع الصوت، فقال: أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا من أهل النار حبط عملي وجلس في أهله حزينا ففقده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانطلق بعض القوم إليه فقالوا له: تفقدك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مالك؟ قال: أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأجهر له بالقول حبط عملي أنا من أهل النار فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبروه بما قال فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم «لا بل هو من أهل الجنة » فلما كان يوم اليمامة كان فينا بعض الانكشاف فجاء ثابت بن قيس بن شماس وقد تحنط ولبس كفنه فقال: بئسما تعودون أقرانكم فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه )( [6]).
وفي رواية ابن جرير: فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة؟» فقال رضيت ببشرى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أرفع صوتي أبدا على صوت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: وأنز الله تعالى ﴿ إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى﴾.
وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين.
كذلك فقد نهى الله عز وجل عن رفع الأصوات بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع صوت رجلين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد ارتفعت أصواتهما فجاء فقال: أتدريان أين أنتما ثم قال: من أين أنتما؟ قلا: من أهل الطائف ، فقال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا.
وقال العلماء: يكره رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وآله وسلم كما كان يكره في حياته عليه الصلاة والسلام لأنه محترم حيا وفي قبره صلى الله عليه وآله وسلم دائما ثم نهى عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه ممن عداه بل يخاطب بسكينة ووقار وتعظيم ولهذا قال تبارك وتعالى ﴿ ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ﴾.
كما قال تعالى ﴿ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا﴾( [7])، وقوله عز وجل ﴿ أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ﴾ أي إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك فيغضب الله تعالى لغضبه فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري كما جاء في الحديث الصحيح « إن الرجل ليتكلم الكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالا تكتب له بها الجنة وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض»( [8]).
ثم ندب الله تعالى إلى خفض الصوت عنده وحث على ذلك وأرشد إليه ورغب فيه فقال : ﴿ إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ﴾ أي أخلصها لها وجعلها أهلا ومحلا: ﴿ لهم مغفرة وأجر عظيم ﴾.
وقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: « إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورثوا العلم ، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر»( [9]).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضا « ليس منا من لم يعرف لعالمنا حقه »( [10]).
وقال أيضا فيما رواه الطبراني : « من علم عبدا آية من كتاب الله فهو مولاه ينبغي له أن لا يخذله ولا يستأثر عليه فمن فعل ذلك فقد فصم عروة من عرى الإسلام».
• قال الإمام أحمد الرفاعي قدس الله سره:
كل الآداب منحصرة في متابعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قولا وفعلا وحالا وخلقا فالصوفي آدابه تدل على مقامه زنوا أقواله وأفعاله وأحواله وأخلاقه بميزأن الشرع يعلم لديكم ثقل ميزانه وخفته خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم القرآن قال تعالى ﴿ ما فرطنا في الكتاب من شيء ﴾( [11]).
من التزم الآداب الظاهرة دخل جنسية القوم وحسب في عدادهم ومن لم يلتزم الآداب الظاهرة فهو فيهم غير لا يلتبس حاله عليهم لأن استعمال الآداب دليل الجنسية بل تكون علة الضم قال رويم رحمه الله تعالى : التصوف كله أدب . وهذا الأدب الذي أشارت إليه الطائفة أدب الشرع كن متشرعا ودع حاسدك يكذب عليك، وينسب ما يحب إليك.
ولست أبالي من رماني بريبة إذا كنت عند الله غير مريب
إذا كان سري عند ربي منزها فما ضرني واش أتى بغريب( [12])
• وقال أبو نصر السراج:
الناس في الأدب على ثلاث طبقات: أما أهل الدنيا فأكثر أدابهم الفصاحة والبلاغة وحفظ العلوم والمنظوم وأما أهل الدين فأكثر آدابهم في رياضة النفوس وتأديب الجوارح وحفظ الحدود وترك الشهوات وأما أهل الخصوصية فأكثر آدابهم في طهارة القلوب ومراعاة الأسرار والوفاء بالعهود ( التي بين العبد وربه ) وحفظ الوقت وقلة الالتفات إلى الخواطر وحسن الأدب في مواقف الطلب وأوقات الحضور ومقامات القرب.
• وقال الإمام الرواس قدس الله سره:
في المادة الثامنة من كتاب ( فذلكة الحقيقة ):
الأدب في كل قول وفعل فإن الأدب من الحياء والحياء من الإيمان وفي الأدب التخلق بخلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو أرواحنا لغبار قدميه الكريمتين الفداء قال (أدبني ربي فأحسن تأديبي)( [13]).( [14])
وقال في المادة العشرين وما بعدها:
وكمال الأدب حالة ذكر الله عز وجل سواء كان ذلك مع الإخوان أو بالانفراد فإن طريقنا يشمل الذكرين الجلي والخفي، أما الجلي فمع الإخوان في حلق الأذكار وأما الخفي فهو ورد المرء يخلو به مع الله تعالى ولا ينفع كلاهما بغير الأدب الصحيح، وهو صحة الحضور مع المذكور ليذكره الذاكر معتبرا بآياته معظما لجلال سلطانه ﴿ ألا إلى الله تصير الأمور ﴾( [15]).
والقيام بأدب النظر فلا يصرفه للمستعارات الفانيات ولا يبعث منه لحظة خائنة قال الله تعالى ﴿ يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ﴾( [16]).
والأدب العظيم حالة تلاوة الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليكون المصلي عليه كأنما يصلي عليه وهو بين يديه عارفا ما أمكنه بجليل قدر وعظمة شأنه وأنه الرحمة للعالمين والإمام لجميع المرسلين والباب لوصلة المتقين والشفيع للمذنبين عليه أفضل صلوات الباري المعين.
ومن الأدب احترام الأولياء والصالحين العلماء لأنهم ورثة الأنبياء على الحقيقة وإجلال شأنهم أحياء كانوا أو أمواتا.
وكفاك نص الكتاب المكنون : ﴿ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ﴾( [17]).
والولاية اختصاص بالرحمة من الرحيم المنعم الكريم ليست مقيدة بحياة أو موت بل لما كانت من الرحمة ففي حالة الموت هي أعم وأليق.
ولذلك فالرحمة الإلهية تشمل قصاد الأموات من الأولياء والنادبين لهم والمستنصرين بهم اللاجئين إليهم رضوان الله عليهم( [18]).
• وقال الإمام القشيري رضي الله عنه :
لو لم يكن للمريد من معرفة مقام الأدب مع الشيخ إلا قول موسى عليه السلام للخضر ﴿ هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا؟﴾( [19]) لكان في ذلك كفاية . فإن موسى لما أراد صحبة الخضر حفظ شرط الأدب فاستأذن أولا في الصحبة ثم شرط عليه الخضر أن لا يعارضه في شيء ولا يعترض عليه في حكمه ثم لما خالفه موسى تجاوز عنه المرة الأولى والثانية فلما صار إلى الثالثة التي هي آخر حد القلة وأول حد الكثرة سئمه فقال: ﴿ هذا فراق بيني وبينك ﴾( [20]).( [21])
• وقال أبو الحسين النووي:
ليس لله في عبده مقام ولا حال ولا معرفة تسقط معها آداب الشريعة وآداب الشريعة حلية الظاهر والله تعالى لا يبيح تعطيل الجوارح من التحلي بمحاسن الآداب.
• وقال الجنيد:
من أعان نفسه على هواها فقد أشرك في قتل نفسه ، لأن العبودية ملازمة الأدب، والطغيان سوء الأدب.
• وقال أبو علي الدقاق:
العبد يصل بطاعته إلى الجنة، وبأدبه في طاعته إلى الله تعالى .
• وقال الجلال البصري:
التوحيد يوجب الإيمان فمن لا إيمان له لا توحيد له والشريعة توجب الأدب فمن لا أدب له لا شريعة له ولا إيمان له ولا توحيد له.
• وقال عبدالله بن المبارك:
من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السنن، ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان المعرفة.
• وقال انس بن مالك رضي الله عنه :
الأدب في العمل علامة قبول العمل.
• وقال ابن المبارك أيضا:
نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم.
• وقال النووي :
من لم يتأدب للوقت فوقته مقت.
• وقال ذو النون:
إذا خرج المريد عن حد استعمال الأدب فإنه يرجع من حيث جاء.
قال الله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم ، يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ، إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم﴾( [1]) .
هذه آيات أدب الله تعالى بها عباده المؤمنين فيما يعاملون به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من التوقير والاحترام والتبجيل والإعظام ، فقال تبارك وتعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله﴾ أي لا تسرعوا في الأشياء بين يديه أي قبله بل كونوا تبعا له في جميع الأمور.
قال ابن عباس: نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه
وقال الضحاك: لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله من شرائع دينكم.
وقال الحسن البصري: لا تدعوا قبل الإمام.
وقال قتادة: ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون : لو أنزل في كذا وكذا ، لو صح كذا فكره الله تعالى ذلك.
(واتقوا الله) فيما أمركم به ( إن الله سميع عليم ) أي لأقوالكم ( عليم ) بنياتكم ، وقوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ﴾ هذا أدب ثان أدب الله تعالى به المؤمنين أن لا يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوق صوته وقد روي أنها نزلت في الشيخين ( أبي بكر ) و ( عمر ) رضي الله عنهما فقد روي عن ابن أبي مليكة قال: كاد الخيران أن يهلكا ( أبو بكر ) و ( عمر ) رضي الله عنهما رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حين قدم عليه ركب بني تميم فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس رضي الله عنه أخي بني مجاشع وأشار الآخر برجل آخر قال: نافع لا أحفظ اسمه فقال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما : ما أردت إلا خلافي قال: ما أردت خلافك فارتفعت أصواتهما في ذلك فأنزل الله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ﴾ قال ابن الزبير: فما كان عمر رضي الله عنه يسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه( [2]).
وفي رواية أخرى له قال: قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أبوبكر رضي الله عنه أمر (القعقاع بن معبد) وقال عمر رضي الله عنه : بل أمر ( الأقرع بن حابس )فقال أبو بكر رضي الله عنه : ما أردت إلا خلافي فقال عمر رضي الله عنه : ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت في ذلك ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ﴾ حتى انتقضت الآية ﴿ لو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم ﴾( [3]) .
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ﴾ قلت: يا رسول الله ! والله لا أكلمك إلا كأخي السرار( [4]) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم افتقد ثابت بن قيس رضي الله عنه فقال رجل : يا رسول الله أنا أعلم لك علمه ، فأتاه فوجده في بيته منكسا رأسه فقال له : ما شأنك ؟ فقال: شر ، كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد حبط عمله فهو من أهل النار فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره أنه قال: كذا وكذا ، قال موسى فرجع المرة الآخرة ببشارة عظيمة فقال: ( اذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النار ولكن من أهل الجنة )( [5]).
وفي رواية عن أنس رضي الله عنهما أيضا قال: ( لما نزلت هذه الآية ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ﴾ إلى قوله ﴿ وأنتم لا تشعرون ﴾ وكن ثابت بن قيس بن الشماس رفيع الصوت، فقال: أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا من أهل النار حبط عملي وجلس في أهله حزينا ففقده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانطلق بعض القوم إليه فقالوا له: تفقدك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مالك؟ قال: أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأجهر له بالقول حبط عملي أنا من أهل النار فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبروه بما قال فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم «لا بل هو من أهل الجنة » فلما كان يوم اليمامة كان فينا بعض الانكشاف فجاء ثابت بن قيس بن شماس وقد تحنط ولبس كفنه فقال: بئسما تعودون أقرانكم فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه )( [6]).
وفي رواية ابن جرير: فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة؟» فقال رضيت ببشرى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أرفع صوتي أبدا على صوت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: وأنز الله تعالى ﴿ إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى﴾.
وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين.
كذلك فقد نهى الله عز وجل عن رفع الأصوات بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع صوت رجلين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد ارتفعت أصواتهما فجاء فقال: أتدريان أين أنتما ثم قال: من أين أنتما؟ قلا: من أهل الطائف ، فقال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا.
وقال العلماء: يكره رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وآله وسلم كما كان يكره في حياته عليه الصلاة والسلام لأنه محترم حيا وفي قبره صلى الله عليه وآله وسلم دائما ثم نهى عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه ممن عداه بل يخاطب بسكينة ووقار وتعظيم ولهذا قال تبارك وتعالى ﴿ ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ﴾.
كما قال تعالى ﴿ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا﴾( [7])، وقوله عز وجل ﴿ أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ﴾ أي إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك فيغضب الله تعالى لغضبه فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري كما جاء في الحديث الصحيح « إن الرجل ليتكلم الكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالا تكتب له بها الجنة وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض»( [8]).
ثم ندب الله تعالى إلى خفض الصوت عنده وحث على ذلك وأرشد إليه ورغب فيه فقال : ﴿ إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ﴾ أي أخلصها لها وجعلها أهلا ومحلا: ﴿ لهم مغفرة وأجر عظيم ﴾.
وقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: « إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورثوا العلم ، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر»( [9]).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضا « ليس منا من لم يعرف لعالمنا حقه »( [10]).
وقال أيضا فيما رواه الطبراني : « من علم عبدا آية من كتاب الله فهو مولاه ينبغي له أن لا يخذله ولا يستأثر عليه فمن فعل ذلك فقد فصم عروة من عرى الإسلام».
• قال الإمام أحمد الرفاعي قدس الله سره:
كل الآداب منحصرة في متابعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قولا وفعلا وحالا وخلقا فالصوفي آدابه تدل على مقامه زنوا أقواله وأفعاله وأحواله وأخلاقه بميزأن الشرع يعلم لديكم ثقل ميزانه وخفته خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم القرآن قال تعالى ﴿ ما فرطنا في الكتاب من شيء ﴾( [11]).
من التزم الآداب الظاهرة دخل جنسية القوم وحسب في عدادهم ومن لم يلتزم الآداب الظاهرة فهو فيهم غير لا يلتبس حاله عليهم لأن استعمال الآداب دليل الجنسية بل تكون علة الضم قال رويم رحمه الله تعالى : التصوف كله أدب . وهذا الأدب الذي أشارت إليه الطائفة أدب الشرع كن متشرعا ودع حاسدك يكذب عليك، وينسب ما يحب إليك.
ولست أبالي من رماني بريبة إذا كنت عند الله غير مريب
إذا كان سري عند ربي منزها فما ضرني واش أتى بغريب( [12])
• وقال أبو نصر السراج:
الناس في الأدب على ثلاث طبقات: أما أهل الدنيا فأكثر أدابهم الفصاحة والبلاغة وحفظ العلوم والمنظوم وأما أهل الدين فأكثر آدابهم في رياضة النفوس وتأديب الجوارح وحفظ الحدود وترك الشهوات وأما أهل الخصوصية فأكثر آدابهم في طهارة القلوب ومراعاة الأسرار والوفاء بالعهود ( التي بين العبد وربه ) وحفظ الوقت وقلة الالتفات إلى الخواطر وحسن الأدب في مواقف الطلب وأوقات الحضور ومقامات القرب.
• وقال الإمام الرواس قدس الله سره:
في المادة الثامنة من كتاب ( فذلكة الحقيقة ):
الأدب في كل قول وفعل فإن الأدب من الحياء والحياء من الإيمان وفي الأدب التخلق بخلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو أرواحنا لغبار قدميه الكريمتين الفداء قال (أدبني ربي فأحسن تأديبي)( [13]).( [14])
وقال في المادة العشرين وما بعدها:
وكمال الأدب حالة ذكر الله عز وجل سواء كان ذلك مع الإخوان أو بالانفراد فإن طريقنا يشمل الذكرين الجلي والخفي، أما الجلي فمع الإخوان في حلق الأذكار وأما الخفي فهو ورد المرء يخلو به مع الله تعالى ولا ينفع كلاهما بغير الأدب الصحيح، وهو صحة الحضور مع المذكور ليذكره الذاكر معتبرا بآياته معظما لجلال سلطانه ﴿ ألا إلى الله تصير الأمور ﴾( [15]).
والقيام بأدب النظر فلا يصرفه للمستعارات الفانيات ولا يبعث منه لحظة خائنة قال الله تعالى ﴿ يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ﴾( [16]).
والأدب العظيم حالة تلاوة الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليكون المصلي عليه كأنما يصلي عليه وهو بين يديه عارفا ما أمكنه بجليل قدر وعظمة شأنه وأنه الرحمة للعالمين والإمام لجميع المرسلين والباب لوصلة المتقين والشفيع للمذنبين عليه أفضل صلوات الباري المعين.
ومن الأدب احترام الأولياء والصالحين العلماء لأنهم ورثة الأنبياء على الحقيقة وإجلال شأنهم أحياء كانوا أو أمواتا.
وكفاك نص الكتاب المكنون : ﴿ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ﴾( [17]).
والولاية اختصاص بالرحمة من الرحيم المنعم الكريم ليست مقيدة بحياة أو موت بل لما كانت من الرحمة ففي حالة الموت هي أعم وأليق.
ولذلك فالرحمة الإلهية تشمل قصاد الأموات من الأولياء والنادبين لهم والمستنصرين بهم اللاجئين إليهم رضوان الله عليهم( [18]).
• وقال الإمام القشيري رضي الله عنه :
لو لم يكن للمريد من معرفة مقام الأدب مع الشيخ إلا قول موسى عليه السلام للخضر ﴿ هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا؟﴾( [19]) لكان في ذلك كفاية . فإن موسى لما أراد صحبة الخضر حفظ شرط الأدب فاستأذن أولا في الصحبة ثم شرط عليه الخضر أن لا يعارضه في شيء ولا يعترض عليه في حكمه ثم لما خالفه موسى تجاوز عنه المرة الأولى والثانية فلما صار إلى الثالثة التي هي آخر حد القلة وأول حد الكثرة سئمه فقال: ﴿ هذا فراق بيني وبينك ﴾( [20]).( [21])
• وقال أبو الحسين النووي:
ليس لله في عبده مقام ولا حال ولا معرفة تسقط معها آداب الشريعة وآداب الشريعة حلية الظاهر والله تعالى لا يبيح تعطيل الجوارح من التحلي بمحاسن الآداب.
• وقال الجنيد:
من أعان نفسه على هواها فقد أشرك في قتل نفسه ، لأن العبودية ملازمة الأدب، والطغيان سوء الأدب.
• وقال أبو علي الدقاق:
العبد يصل بطاعته إلى الجنة، وبأدبه في طاعته إلى الله تعالى .
• وقال الجلال البصري:
التوحيد يوجب الإيمان فمن لا إيمان له لا توحيد له والشريعة توجب الأدب فمن لا أدب له لا شريعة له ولا إيمان له ولا توحيد له.
• وقال عبدالله بن المبارك:
من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السنن، ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان المعرفة.
• وقال انس بن مالك رضي الله عنه :
الأدب في العمل علامة قبول العمل.
• وقال ابن المبارك أيضا:
نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم.
• وقال النووي :
من لم يتأدب للوقت فوقته مقت.
• وقال ذو النون:
إذا خرج المريد عن حد استعمال الأدب فإنه يرجع من حيث جاء.
مواضيع مماثلة
» أقوال العلماء والصالحين والوهابية في التوسل والاستغاثة
» كتاب نبراس المهذب لاخلاق الشباب (هدية الألباب في جواهر الأدب )
» كلام العلماء في الألباني
» اقوال العلماء في التصوف
» أقوال العلماء عن الأشاعرة والماتريدية
» كتاب نبراس المهذب لاخلاق الشباب (هدية الألباب في جواهر الأدب )
» كلام العلماء في الألباني
» اقوال العلماء في التصوف
» أقوال العلماء عن الأشاعرة والماتريدية
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى