التوسل ... الاستعانة – الاستغاثة
التوسل ... الاستعانة – الاستغاثة
التوسل
الاستعانة – الاستغاثة
التوسل: هو طريقة من طرق التضرع إلى الله عز وجل ، وأحد أبواب دعاءه والتوجه اليه سبحانه وتعالى، فالوسيلة هي كل ما جعله الله سببا للتقرب اليه وبابا لقضاء الحوائج منه، قال تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة﴾( [1]).
وأما الاستغاثة : فهي طلب الإغاثة ممن يمملكها على وجه الحقيقة وهو الله عز وجل، أو ممن أعطاهم الله بحوله وقوته القدرة عليها، وهم أنبياؤه وأولياؤه.
وأما الاستعانة: فهي طلب العون ممن يملكه على وجه الحقيقة وهو الله تبارك وتعالى أو ممن أعطاهم الله بمنه وكرمه القدرة عليها، وهم أنبياءه وأولياؤه .
فيظهر لنا أن التوسل والاستغاثة والاستعانة شيء واحد ، لأن المتوسل أو المستغاث أو المستعان به على الحقيقة هو الله وأما المتوسل به من العبيد فواسطة ووسيلة للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، هذا ولم يختلف أحد من المسلمين في مشروعية التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بالأعمال الصالحة من صلاة وصيام وقراءة قرآن وغير ذلك والدليل على هذا حديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار فتوسل أحدهم إلى الله ببر والديه، وتوسل الثاني بابتعاده عن الفاحشة بعد تمكنه من أسبابها، وتوسل الثالث بأمانته وحفظه لمال غيره وأدائه له كاملا ، ففرج الله عنهم ما هم فيه( [2]).
وأما التوسل بغير العمل الصالح كالذوات والأشخاص فما هو في الحقيقة إلا توسل بعمله الصالح فمن توسل بشخص ما فذلك لأنه يحبه إذ يقدر صلاحه وولايته وفضله تحسينا للظن به، أو لأنه يعتقد أن هذا الشخص محب لله سبحانه وتعالى، فيكون الله تعالى محبا له أيضا قال جل جلاله ﴿يبحهم ويحبونه﴾( [3]) ولو تدبرنا الأمر لوجدا أن هذه المحبة وذلك الاعتقاد هما من عمل المتوسل لأنه اعتقاده الذي انعقد عليه قلبه فهو منسوب اليه ومسؤول عنه ومثاب عليه ، فمن قال: اللهم إنيأتوسل اليك بمحبتي لنبيك أو قال بنبيك سواء لأنه ما أقدم على هذا إلا لمحبته وإيمانه بنبيه، ولولا المحب له والإيمان به ما توسل به فهو إذا توسل بعمله الصالح.
ثم إن المسلم عندما يتوسل أو يستغيث بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بالرجل الصالح إنما يتوسل به لما يعلم من كرامته وجاهه عند الله عز وجل ولاعتقاده بانه يمكن أن يكون قد أعطى القدرة على الإمداد والإعانة ونعني ببالجاه المنزلة التي يختص الله بها من يشاء من عباده فالله سبحانه وتعالى متصق بصفة تسمى صفة الاختصاص قال عز وجل﴿يختص برحمته من يشاء﴾( [4]).
والنبوة والرسالة والولاية الخاصة ليست مكتسبة بل هي محض فضل الهي واجتباء واختصاص رباني يكون بسببها لذلك العبد منزلة عند الله تسمى الجاه ، قال تعالى ﴿الله يجتبي اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب﴾( [5]) وقال سبحانه في إثبات الوجاهة والمكانة لبعض أنبيائه وملائكته عليه السلام كسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام ﴿وكان عند الله وجيها﴾( [6]) أي ذا وجاهة.
وقال في حق سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام ﴿وجيها في الدنيا والاخرة ومنا المقربين﴾( [7]) وقال عن سيدنا جبريل عليه السلام ﴿ذي قوة عند ذي العرش مكين﴾( [8]) أي صاحب مكانة.
فالإنسان عندما يتوسل إلى الله تعالى بجاه نبي أو ولي فإن ذلك يعني أنه توسل إلى الله تعالى بفعل من أفعاله خلقه لذلك النبي وسماه جاها، وبصفة من صفاته سماها اختصاصا ، وهذا من التوسل إلى الله بصفاته وأفعاله وهو مجمع على جوازه عند أهل الحق( [9]).
ونحن إذ نظرنا إلى كل فرد من أفراد المتوسلين والمستغيثين بالأنبياء والصالحين لا نجد في نفس أحد منهم إلا التقرب إلى الله تعالى لقضاء حاجاتهم الدنيوية والأخروية مع علمهم بأنهم كلهم عبيد لله تعالى فقلوبهم موقنة أنه جل جلاله تلفعال المطلق المستحق للتعظيم بالأصالة لا شريك له ولا رب ولا موجد سواه، ولا نافع ولا ضار إلا هو ، وأما تعظيمهم لغيره من خواص عبيده فإنما يكون بقدر منزلة ذلك العبد عند الله تعالى بحسب ما علموه فها هم يعظمون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من سائر الخلق لعلمهم أنه أحب عبيده تعالى إليه وأقربهم لديه ثم يعظمون بعده الأنبياء والمرسلين أكثر من غيرهم لأن درجتهم تلي درجته صلى الله عليه وآله وسلم وهكذا سائر عباد الله من صحابته صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته وبقية الأولياء والصالحين على اختلاف درجاتهم وما يمتاوزن به عن غيرهم من علم وتقوى وما خدموا به هذه الشريعة المحدية ونفعا به الأمة الإسلامية من العلوم والمعارف والفتوحات والذب عن المسلمين والإسلام بعضهم بحد القلم وبعضهم بحد الحسام وما فضلهم الله به من الكرامات وخوارق العادات فهم يعتقدون الاعتقاد الجازمم الذي لا يعتريه خلل ولا يشوبه خطأ ولا زلل أنهم كلهم عبيده وأن كل ما هم عليه من مقامات ودرجات إنما هو من فضل الله عليهم فقد أثنى عليهم الله تعالى في كتابه وأثنى عليهم نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديثه مبينا أوصافهم الجليلة وهي كلها ترجع إلى صدق عبوديتهم لله تعالى وحسن خدمتهم له عز وجل فعظموهم لذلك واتخذوهم وسائط لقضاء حوائجهم عنده لكونهم وإن شاركوهم في أصل العبودية له تعالى إلا أنهم امتازوا عنهم بما تفضل الله عليهم به م الرسالة والنبوة والولاية وكثرة العلم والعمل والمعرفة والطاعات وسائر الخدمات التي تليق به تعالى.
فيفهم مما مر أن غاية الأمر أن بعض المتوسلين والمستغيثين يتسامحون في التصريح بهذا الأمر وهو الطبب من الله دون واسطعة عملا بالحقيقة والأصل ويكتفون بعلم من لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فيادون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد الأولياء الصالحين ويطلبون منهم العون والإغاثة وهم في قريرة أنفسهم يعلمون حق العلم أنه وحده سبحانه وتعالى هو النافع والضغار ولا يقع في ملكه إلا ما يريد وذلك طمعا في الإجابة لما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من منزلة عند الله وهذا ضرب من أضرب المجاز ولا يستطيع أحد ممن له أدنى مسكة في علم الشريعة واللغة العربية أن ينكر وجود المجاز في القرآن الكريم والسنة الشريفة:
1- فقد أسند الله تعالى إلى سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص مجازا فقال جل جلاله حكاية عنه ﴿وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله﴾( [10]) فما دام قد وجه الإذن الإلهي لعبد محبوب عنده فلا حر إذا في قول الإنسان يا عيسى أحي ميتي واشف مريضي لأن الله تعالى أجاز ذلك بإلهام سيدنا عيسى هذا الكلام وإثباته قرآنا يتلى إلى يوم القيامة مع العلم أن إبراء الأكمه والأبرص وإحياء المتى أمور لا يقدر عليها حقيقة إلا الله وحده ورغم هذا رضي من عبده عيسى عليه السلام قوله وأقره عليه.
2- ومثل هذا قول سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لخادمه ربيعة بن كعب الأسلمي سلني فقال أسألك مرافقتك في الجنة فقال أو غير ذلك فقال هو ذاك قال أعني على نفسك بكثرة السجود( [11]) وسؤال الجنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استغاثة وطلب لما لا يقدر عليه إلا الله ولم ينكر عليه الصلاة والسلام سؤاله ولم يقل له لا تسأل غير الله .
3- ومن المجاز قوله تعالى حكاية عن جبريل عليه السلام ﴿لأهب لك غلاما زكيا﴾( [12]) فإسناد الوهب اليه مجاز والواهب حقيقة هو الله تعالى وحده.
4- ومن ذلك أيضا قول الله جل جلاله ﴿يوما يجعل الولدان شيبا﴾( [13]) فإسناد جعل الولدان شيبا إلى اليوم مجاز والجاعل الحقيقي هو الله تعالى وتبارك .
5- وقوله تعالى ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة﴾( [14]) فقد جعل الحق تعالى في هذا النص ملائكته أولياء للذين آمنوا واستقاموا وقال في نصنص أخرى ينوه أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض أيضا ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا﴾( [15]) وقال أيضا: ﴿ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون﴾( [16]) .
وقال : ﴿وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير﴾( [17])، ومولاه أي ناصره فأسند الله النصرة للمؤمنين والملائكة كما أسندها إلى نفسه فلا مانع إذا أن يقول قائل: اللهم انصرني بجبريل أو يا جبريل انصرني أو اللهم انصرني وأيدني بصالحي المؤمنين وبملائكتك أو يا أيها الصالحون ويا أيها المئكة انصروني وما هو بذلك إلا مقتد بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال: يا عباد الله احبسوا( [18]) كما سيأتي معنا في هذا الباب إن شاء الله تعالى .
فالنصوص كلها عامة التعليق دون تخصيص حياة أو موت لأن المؤمنين لم يسلب عنه وصف الإيمان بانتقالهم إلى البرزخ فيكون بين المؤمنين من أهل البرزخ ولاية للمؤمنين في الدنيا ويكون للملائكة ولاية لجميعهم وولاية الملائكة مظهرولاية الله تعالى لعباده المؤمنين .
6- ومنها أيضا قوله تعالى : ﴿وإذا تليت عليهم آيته زادتهم إيمانا﴾( [19]) مسندا الزيادة إلى الآيات لأنها سبب في الزيادة والذي يزيد حقيقة هو الله تعالى وحده.
7- ومنها قوله تعالى ﴿وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر﴾( [20]) والنصر حقيقة على الله تعالى وحده.
8- ومنها قوله ﴿فالمدبرات أمرا﴾( [21]) مسندا التدبير إلى الملائكة مجازا لأنهم قائمين بإبراز مقادير الله تعالى في السماء والأرض بأمره ومشيئته وبحوله وقوته والمدبر الحقيقي هو الله تعالى.
9- ومنها قوله تعالى ﴿سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ﴾( [22]) مسندا الإنبات إلى الأرض والمنبت الحقيق هو الله تعالى.
10- ومنها ﴿فأعينوني بقوة﴾( [23]) والمعين الحقيقي هو الله.
11- ومنها قوله جل وعلا ﴿إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا﴾( [24]) مسندا التثبيت إلى الملائكة مجازا.
12- ومنها ﴿واستعينوا بالصبر والصلاة﴾( [25]).
13- ومنها ﴿فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾( [26]).
14- وها هو صلى الله عليه وآله وسلم يسمي المر مغيثا فيقول : اللهم اسقنا غيثا مغيثا( [27]).
15- وقالت أم سيدنا إسماعيل مخاطبة سيدنا جبريل: (أغث إن كان عند غوث)( [28]).
16- وقال صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه لحسان بن ثابت رضي الله عنه عندما كان يقول الشعر في المسجد النبوي ويهجو به المشركين في إحدى روايات الحديث قل وروح القدس يؤيدك( [29]) وفي رواية قل وروح القدس معك( [30]) فنسب التأييد والمعية التي فيها الغوث والعون إلى سيدنا جبريل عليه السلام.
ويقول الشيخ ابن تيمية في فتاويه في الجزء الأول منها بعد تعريفه الاستغاثة وكلامه عنها (إن جعل الله ذلك أي الغوث على يدي غيره فالحقيقة له سبحانه وتعالى ولغيره مجاز.
وها هو الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى أيضا يتكلم عن الطلب من غير الله منوها أنه في الحقيقة طلب من الله وأنه من العبد مجاز وشرح بذلك حديث »وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله( [31]).
فيقول : إنما قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا سأتل فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله فيفهم منه الاستعانة المطلقة أما الاستعانة بالأسباب فيقصد بها الاستعانة بالله بواسطة السبب.
وقال الشيخ محمد علوي المالكي عن هذا الحديث: هذا الحديث يخطئ كثير من الناس في فهمه إذ يستدل به على أنه لا سؤال ولا استعانة مطلقا من أي وجه وبأي طريق إلا بالله ويجعل السؤال والاستعانة بغير الله من الشرك المخرج عن الملة وهو بهذا ينفي الأخذ بالأسباب والاستعانة بها ويهدم كثيرا من النصوص الواردة في هذا الباب.
والحق:
إن هذا الحديث الشريف ليس المقصود به النهي عن السؤال والاستعانة بما سوى الله كما يفيد ظاهر لفظه وإنما المقصود به النهي عن الغفلة عن كون ما جرى من الخير على يد الأسباب فهو من الله والأمر بالانتباه إلى أن ما كان من نعمة على يد المخلوقات فهي من الله وبالله فالمعنى: وإذا أردت الاستعانة بأحد من المخلوقين ولا بد لك من ذلك – فاجعل كل اعتمادك على الله وحده ولا تحجبنك الأسباب عن رؤية المسبب جل جلاله ولا تكن ممن يعلمون ظاهر من هذه الاتباطات والعلاقات بين الأشياء المترتب بعضها على بعض وهم عن الذي ربط بينها غافلون.
وقد أومأ هذا الحديث نفسه إلى هذا المعنى وذلك في قوله عليه الصلاة والسلام في تتمة الحديث نفسه عقيب هذه الجملة الشريفة: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) فأثبت لهم كما ترى نفعا وضرا بما كتبه الله للعبد أو عليه. فهذا منه صلى الله عليه وآله وسلم توضيح لمراده.
والحديث ليس فيه أصلا لا تسأل غير الله ولا تستعن بغير الله وإنما هو كقوله: صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي»( [32]) فهل في هذا الحديث أن مصاحبة غير المسلم حرام؟! وهل يفهم منه أن إطعام غير التقي حرام؟! وقد رخص الله في كتابه بإطعام الأسير الكافر بل مدح ذلك بقوله: ﴿ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا﴾( [33]) .
الأدلة من القرآن الكريم
1- قال تعالى : ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة﴾( [34]): لفظ الوسيلة عام في الآية كما نرى فهو شامل للتوسل بالذوات الفاضلة من الأنبياء والصالحين في الحياة وبعد الممات لأنه لا فرق بينهما كما سيمر معنا وهو شامل أيضا للتوسل بالأعمال الصالحة.
2- وقال تعالى: ﴿أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب﴾( [35]) وقال سيدنا ابن عباس ومجاهد: هم عيسى عليه السلام وأمه وعزير والملائكة والشمس والقمر والنجوم، يبتغون أي يطالبون إلى ربهم الوسيلة أي القربة، وقيل الدرجة: أي يتضرعون إلى الله في طلب الدرجة العليا وقيل: الوسيلة ما يتقرب به إلى الله تعالى وقوله: ﴿أيهم أقرب﴾ معناه ينظرون أيهم أقرب إلى الله تعالى فيتوسلون به.
وقال الزجاج أيهم أقرب يبتغي الوسيلة إلى الله تعالى ويتقرب إليه بالعمل الصالح ونحوه في تفسير الخازن.
3- وقال تعالى: ﴿فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه﴾: يقص الله جل وعلا علينا في هذه الآية قصة الرجل القبطي الذي استغاث بسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام، وهو من شيعته فأغاثه ن ومعلوم أن الأنبياء عليهم السلام كلهم جاؤوا بالتوحيد الخالص لله تعالى وعدم الإشراك به، فلو كانت الاستغاثة الرجل به نوعا من الشرك لم يجز لسيدنا موسى أن يغيثه وحاشا الأنبياء أن يقروا الناس على ما فيه مخالفة المولى عز وجل.
4- وقال تعالى: ﴿فتلقى آدم من ربه كلمات﴾( [36]) قال ابن عباس هي: ﴿ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين﴾( [37]) وذكر الألوسي في تفسيره عن ابن مسعود رضي الله عنه أنها (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).
وقيل : رأى مكتوبا على ساق العرش محمد رسول الله فتشفع به .
5- وقال تعالى: ﴿وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين﴾( [38]) قال الحافظ ابن كثير في التاريخ: قال ابن جرير عن هذا التابوت: وكانوا إذا قاتلوا أحدا من الأعداء يكون معهم تابوت الميثاق الذي كان في قبة الزمان فكانوا ينصرون ببركته وبما جعل الله فيه من السكينة والبقية مما ترك آل موسى وآل هارون فلما كان في بعض حروبهم مع أهل غزة وعسقلان غلبوهم وقهروهم على أخذه فانتزعوه من أيديهم.
قال ابن كثير: وقد كانوا ينصرون على أعدائهم بسببه، وكان فيه طمست من ذهب كانت يغسل فيه صدور الأنبياء( [39]).
وقال ابن كثير في التفسير: كان فيه عصا موسى وعصا هارون ولوحان من التوراة وثياب هارون ومنهم من قال: العصا والنعلان.
وقال القرطبي: والتابوت كان من شأنه فيما ذكر أنه أنزله الله على آدم عليه السلام فكان عنده إلى أن وصل إلى يعقوب عليه السلام فكان في بني إسرائيل يغلبون به من قاتلهم حتى عصوا فغلبوا على التابوت غلبهم عليه العمالقة وسلبوا التابوت منهم( [40]).
وهذا في الحقيقة ليس إلا توسلا بآثار أولئك الأنبياء إذ لا معنى لتقديمهم التابوت بين أيديهم في حروبهم غير ذلك والله سبحانه وتعالى راض عن ذلك بدليل أنه رده إليهم وجعله علامة وآية على صحة ملك طالوت ولم ينكر عليهم ذلك الفعل.
6- وقال تعالى: ﴿ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين﴾( [41]) روى أبو نعيم في دلائل النبوة من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت يهود بني قريظة والنضير من قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم يستفتحون الله يدعون على الذين كفروا يقولون: اللهم إنا نستنصرك بحق النبي الأمي إلا نصرتنا فينصرون فلما جاءهم ما عرفوا يريد محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ولم يشكوا فيه كفروا به ولهذا الأثر طرق كثيرة.
وفي تفسير النيسابوري ما نصه: قوله يستفتحون على الذين كفروا وذلك أن اليهود قبل مبعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونزول القرآن يسألون به الفتح والنصرة على المشركين إذا قاتلوهم يقولون: اللهم انصرنا بالني المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته وصفته في التوراة وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين : قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم.
وقال في تفسير الكشاف وفي تفسير الخازن ما نصه: وكانوا يعني اليهود من قبل أي من قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستفتحون أي يستنصرون به على الذين كفروا يعني مشركي العرب وذلك أنهم كانوا إذا حزبهم أمر ودهمهم عدو يقولون: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد صفته في التوراة فكانوا ينصرون وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين قد أظل زمان بني يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم فلما جاءهم ما عرفوا أي الذي عرفوه يعني محمدا صلى الله عليه وآله وسلم عرفوا نعته وصفته وأنه من غير بني إسرائيل كفروا به أي جحدوا وأنكروا بغيا وحسدا ونحوه في تفسير البغوي والنسفي.
وفي روح المعاني للآلوسي: وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا نزلت في بني قريظة والنضير كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل مبعثه قاله ابن عباس وقتادة والمعنى يطلبون من الله تعالى أن ينصرهم به على المشركين كما روى السدي أنهم كانوا إذا اشتد الحرب بينهم وبين المشركين أخرجوا التوراة ووضعوا أيديهم على موضع ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا:اللهم إنا نسألك بحق نبيك الذي وعدتنا أن تبعثه في آخر الزمان أن تنصرنا اليوم على عدونا فينصرون فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به كنى عن الكتاب المتقدم بما عرفوا لأن معرفة من أنزل عليه معرفة له ووجه الدلالة من هذه الآية ظاهر فإن الله سبحانه أقر استفتاح اليهود بالرسول ولم ينكره عليهم وإنما ذمهم على الكفر والجحود بعد إذ شاهدوا بركة الاستفتاح بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم .
7- وقال الله تعالى ﴿إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين﴾( [42]):
في هذا النص بيان أن الصحابة رضوان الله عليهم استغاثوا بالله سبحانه فاستجاب لهم فأغاثهم وأمدهم بألف من الملائكة عليهم السلام والملائكة من جنود الله تعالى يغيث بهم من يشاء من عباده والذي يغيث بالملائكة هو الله تعالى وقدرته قابلة أن يغيث بها من شاء من عباده وأن يغيث عباده بعضهم ببعض لأن الخلق جميعا سواء من حيث الإمكان والحدوث وجواز تعلق صفات الله تعالى بهم.
ومن الذي أوجب على الله تعالى أن يمد الملائكة ويمد بهم فقط ولا يمد بالأنبياء والأولياء الصالحين والجميع حولهم وقوتهم بالله سبحانه وتعالى والتفريق بين الملائكة والأنبياء والأولياء من قبيل التفريق بين المتماثلين وهو مخالف لما عليه المحققون.
8- وقال تعالى ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما﴾( [43]) .
قال الزمخشري في الكشاف: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم بالتحاكم إلى الطاغوت جاؤوك تائبين من النفاق مستنصلين عما ارتكبوا فاستغفروا الله من ذلك بالإخلاص وبالغوا في الاعتذار اليك من إيذائك برد قضائك حتى انتصبت شفيعا لهم إلى الله ومستغفرا لوجدوا الله توابا أي لتاب عليهم ولم يقل واستغفرت لهم وعد عنه إلى طريقة الالتفات تفخيما لشأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيما لاستغفاره وتنبيها على أن شفاعة من اسمه الرسول من الله بمكان.
فهذه الآية وإن نزلت بسبب المنافقين المتحاكمين إلى الطاغوت فهي عامة تشمل كل عاص ومقصر، لأن ظلم النفس المذكور فيها يشمل كل معصية ثم إنها أي الآية تدل على الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في حالتي حياته ووفات9ه لأن كلا من المجيء والاستغفار وقع في سياق الشرط فيدل على العموم ، الاستشفاع في حال الحياة ظاهر ليس فيه خلاف.
وورد في تفسير ابن كثير: عند قوله تعالى: ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ..﴾( [44]) ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي قال: كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول: ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاوؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما﴾ وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم انشد يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم فقال: «الحق بالأعربي فبشره أن الله قد غفر له»( [45]).
وقد جاء في تفسير القرطبي ما نصه: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك روى أبو صالح عن علي قال: قدم علينا أعرابي بعدما دفنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة أيام فرمى بنفسه على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحثا على رأسه من ترابه فقال: قلت يا رسول الله فسمعنا قولك ووعيت عن الله فوعينا منك وكان فيما أنزل الله عليك ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاوؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما﴾ وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي فنودي من القبر أنه قد غفر لك( [46]).
فالآية دليل على جواز التوسل والاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في سائر الأحوال لأنه في قبره الشريف حي يرزق تعرض عليه أعمال أمته فيدعو لهم ويستغفر ويلحق به في جواز التوسل كل ما تثبت له هذه المزية كالشهداء والعلماء العاملين والأولياء المتقين ونحوهم والله أعلم.
هذا وقد روى هذه القصة غير من مضى من الأئمة:
1- الإمام النووي في كتابه الإيضاح( [47]).
2- وابن قدامة في كتابه المغني( [48]).
3- وأبو الفرج بن قدامة في كتابه الشرح الكبير( [49]).
4- والشيخ منصور البهوتي في كتابه المعروف بكشفا القناع من أشهر كتب المذهب الحنبلي( [50]) ولم يذكر واحد منهم أن هذا الفعل إشراك بالله تعالى فيكون إقرارا منهم بالتوسل.
الأدل من الأحاديث الشريفة وآثار الصحابة
ونبدأ بذكر الأدلة على التوسل والاستغاثة بالأحياء:
1- عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه: أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ادع الله لي أن يعافيني فقال: إن شئت صبرت وهو خير لك قال فادعه وفي رواية : ليس لي قائد وقد شق علي فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في قضاء حاجتي لتقضى لي اللهم شفعه في وزاد البيهقي فقام وقد أبصر وفي رواية اللهم شفعه في وشفعني في نفسي( [51])، فقوله: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك.. توسل وقوله : يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في قضاء حاجتي.. استغاثة فها هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يرض ان يدعو له هو بنفسه بل أمره أن يتوسل إلى الله به بل ويناديه حال غيابه عنه قائلا: يا محمد وحاشا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأمر بما فيه طعن في العقيدة أو يرضى به أصلا وهذا توسل ظاهر واستغاثة صريحة بذاته وجاهه صلى الله عليه وآله وسلم عليه وقد اعتمدها علماء المحدثون والحفاظ في كتب السنة في صلاة الحاجة حاثين الأمة عليها.
2- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وأسألك بحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة وخرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك فأسألك أن تعيذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك»( [52]).
وهذا حث ظاهر منه للصحابة على التوسل إلى الله تعالى بجاه ومنزلة السائلين عنده والسائلين جمع يشمل الأموات والأحياء ومن كان حاضرا ومن كان غائبا وفي الحديث دليل التوسل بالعمل الصالح وهو ممشى الرجل إلى المسجد لوجه الله فالشرع لم يفرق بين التوسل بالذوات الفاضلة وبين التوسل بالعمل الصالح بل لقائل أن يقول: كيف لا يجوز التوسل بذات النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو أشرف خلق الله ويجوز التوسل بصلاة العبد وصيامه وصدقته وكلا الأمرين خلق الله.
3- وعن سيدنا علي كرم الله وجهه: ان سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما دفن فاطمة بنت أسد أم سيدنا علي رضي الله عنهما قال: اللهم بحقي وحق الأنبياء من قبلي اغفر لأمي بعد أمي( [53]).
4- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه :كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبدالمطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا . قال: فيسقون وفي الحديث إثبات التوسل به صلى الله عليه وآله وسلم وبيان جواز التوسل بغيره كالصالحين من آل البيت وغيرهم كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري( [54]).
ومن الشبه التي قد ترد على هذا الحديث أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه توسل بالعباس لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان قد توفي والجواب أن يقال: هل قال لكم عمر أو العباس إن هذا التوسل لأن الرسول كان قد توفي كلا لا قال عمر ذلك ولا أشار إليه ولا قال العباس ذلك ولا أشار إليه، وهنا مسائل لابد من ذكرها:
1- ترك الشيء لا يدل على منعه كما تقرر في الأصول
فترك عمر للتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا دلالة فيه أصلا على منع التوسل وقد ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم كثيرا من المباحات فهل دل تركه لها على حرمتها؟ لم يقل ذلك أحد من العلماء ثم إن صاحب الوسيلة لا يتصرف بنفسه في قضاء حاجة المتوسل حتى يحول موته دون ذلك وإنما هو يسعى بالشافعة عند الله تعالى في قضاء حاجة المتوسل فهل ورد نص بتجرد الأنبياء والصالحين بموتهم مما لهم عند الله من المنزلة والجاه على أنه سيمر معنا إن شاء الله تعالى الكلام عن الروح وقوة تصرفها بعد مفارقة البدن.
2- أراد عمر ان يبين التوسل بالمفضول مع وجود الأفضل لوجود علي وعثمان رضي الله عنهما.
3- توسل عمر بالعباس في الحقيقة توسل بالنبي لأن عمر توسل به لمكانته من النبي وكونه عمه فها هو يقول عم نبينا ولم يقل بالعباس بن عبدالمطلب.
4- أراد عمر بفعله أن يبين جواز التوسل بغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أهل الصلاح ممن ترجى بركته.
5- وعن شريح بن عبيد قال: ذكر أهل الشام عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو بالعراق فقالوا: العنهم يا أمير المؤمنين قال: لا سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: الأبدال بالشام هم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقى بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب( [55]).
وفي رواية: أربعون رجلا مثل خليل الرحمن( [56]).
ومعنى المثلية في قوله مثل خليل الرحمن أنهم على طريقة إبراهيم عليه الصلاة والسلام في سلامة الصدر والرحمة لجميع المسلمين .
6- وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا كنت لابد سائلا فأسأل الصالحين( [57]) فهذا حث ظاهر منه صلى الله عليه وآله وسلم على سؤال الصالحين.
7- وقال عليه الصلاة والسلام (إن الله خلقا خلقهم لحوائج الناس يفعزع إليهم في حوائجهم أولئك هم الآمنون من عذاب الله)( [58]).
8- وعن سيدنا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله ابسوا علي ، يا عباد الله احبسوا علي، فإن لله في الأرض حاضرا سيحبسه عليكم)( [59]).
وفي رواية: »إذا أضل أحدكم شيئا أو أراد أحدم غوثا وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل: يا عباد الله أغيثوني يا عباد الله أغيثوني فإن لله عبادا لا نراهم.
وفي رواية: »إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظ يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصابت أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله أعينوني، وفي رواية أعينوا( [60]).
وذكر الإمام الطبراني في الكبير، والإمام النووي في الأذكار بعد روايتهما للحديث بأنهما جربا ذلك بأنفسهما ، وهو ظاهر جلي لا يحتمل التأويل ولا التبديل ففي هذا الموقف الذي ينادي فيه الإنسان (ياالله) بفطرته ، حيث لا يرى حوله من يآنسه أو يقاسمه همه رغم هذا أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول «يا عباد الله حثا على الأخذ بالأسباب فهل بعد الحق إلا الضلال المبين».
9- عن الحارث بن حسان البكري رضي الله عنه قال: خرجت أنا والعلاء ابن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. الحديث وفيه فقلت: أعوذ بالله وبرسوله أن أكون كوافد عاد، فقال: أي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: وما وافد عاد؟.....الخ( [61]) .
فها هو رضي الله عنه الله عنه يستعيذ بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ورغم هذا اقره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهل من المعقول أن يقره على الإشراك بالله.
10- وعن سيدنا جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ليأتين على الناس زمان يخرج الجيش من جيوشهم فيقال: هل فيكم من صحب محمدا فيستنصرون به فينصرون ثم يقال: هل فيكم من صحب محمدا فيقال: لا فيقال: فمن صحب أصحابه؟ فلو سمعوا به من وراء البحر لأتوه»( [62]).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم( [63]).
وهذا دليل على الاستغاثة بالحصابة والتوسل بهم إلى الله طلبا للنصر.
11- وعن عبدالله بن دينار رضي الله عنه قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يتمثل بشعر أي طالب:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
وفي لفظ قال: ربما ذكرت قول الشاعر وانا أنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستسقي فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب.
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل( [64])
فتمثله رضي الله عنه بهذا البيت من قول أبي طالب دون غيره دليل على توسله بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو نص لا يحتمل غير هذا الفهم، ومثل سيدنا ابن عمر لا يصدر عنه ما يشك في قبوله شرعا.
12- وعن سيدنا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في حديث الشفاعة: «إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نفصف الأذن فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم فيشفع ليقضي بين الخلق، فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم»( [65]).
وهذا الحديث ظاهر في أن الناس يتوسلون بسيد الأنام عند اشتداد الأمر عليهم ويستغيثون به، ولو كان التوسل والاستغاثة كفرا لما جاز لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يشفع لهم عند الله ، ومعلوم أن الشفاعة يوم القيامة لا تنال الكافرين بل لو كان فيهما شيء من الإشراك بالله لبينه لأصحابه عندما أخبرهم بهذا الحديث فلما لم يكن كفرا كان أمره مستحبا ومندوبا إليه في الدنيا والآخرة.
13- وعن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقص على أصحابه حادثة السيدة هاجر هي وابنها بعد أن تركها سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام في مكة أنها كلما سمعت صوتا عند الطفل قالت: (إن كنت ذا غوث فأغث)( [66]) والمخاطب هو جبريل عليه السلام فغمز الأرض بعقبه فنبعت زمزم التي ما زالت وستبقى إلى يوم القيامة مفضلة على جميع أنواع المياه لبركتها وفائدتها فهل من المعقول أن يكرم الله السيدة هاجر بماء زمزم إن كان في كلمتها شيء من الكفر ثم إن كان فيها كفر فلماذا لم ينبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه عليها وهو يحدثهم أيسكت صلى الله عليه وآله وسلم عن أمر فيه إخراج أصحابه عن عقيدتهم؟!
14- وعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه أنه شكا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم النسيان لما يسمعه من حديثه الشريف وهو يريد أن يزول عنه ذلك فقال رضي الله عنه : يا رسول الله : إني أسمع منك حديثا كثيرا فأنساه فأحب أن لا أنسى فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «ابسط ردائك فبسطه فغرف يديه فيه ثم قال: ضمه فضمه قال ابو هريرة فما نسيت حديثا بعد وفي رواية فما نسيت شيئا قط»( [67]).
وعدم النسيان من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله وحده ورغم هذا لم ينكر عليه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأجابه إلى مطلبه فهذا توسل منه رضي الله عنه بذات سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومكانته عند الله لا بدعائه فحسب لأنه لم يرد أنه دعا له وإنما اغترف له من الهواء وألقاه في ثوبه وأمره بضمه إلى صدره وهذا دليل منه رضي الله عنه على جواز سؤال مثل هذه الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله من غير الله تعالى، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل له لا تسألني وسل من هو أقرب إليك مني بل أجابه إلى مطلبه وقضيت حاجته باللحظة التي ضم فيها الرداء إلى صدره.
15- ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن عمر عس( [68]) ذات ليلة عام الرمادة فلم يجد أحجدا يضحك ولا يتحدث الناس في منازلهم على العادة ولم ير سائلا يسأل فسأل عن سبب ذلك فقيل له: يا أمير المؤمنين إن الناس سألو فلم يعطوا فقطعوا السؤال والناس في هم وضيق فهم لا يتحدثون ولا يضحكون فكتب عمر إلى أبي موسى بالبصرة أن يا غوثاه لأمة محمد وكتب إلى عمرو بن العاص بمصر أن ياغوثاه لأمة محمد فبعث إليه كل واحد منهما بقافلة عظيمة تحمل البر وسائر الأطعمة( [69]).
وهذا ظاهر في جواز إطلاق لفظ التوسل والاستغاثة.
16- وعن قتادة رضي الله عنه أنه أصيبت عينه فسالت حدقته على وجنته فأرادوا أن يقطعوها فقال: لا حتى استأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستأمره فقال: لا ثم وضع راحته على حدقته ثم غمزها فعادت كما كانت فكانت أصح عينيه( [70])، فهذا توسل منه بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم حتى يبرأ من مرضه.
ومثل هذا الفعل مما يختص به الله عز وجل إلا أن يكرم به أحد عباده ويأذن له بفعله .
17- وقال صلى الله عليه وآله وسلم «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»( [71]) فهذا دليل جواز استعانة العباد بعضهم ببعض بل والحث على ذلك وإكرام المعين لغيره بمعونة الله الكبرى.
( [2]) أخرجه البخاري (215) ومسلم (6884) وأحمد (2/307/308).
( [3]) سورة المائدة آية 54.
( [4]) سورة آل عمران الآية 74.
( [5]) سورة الشورى الآية 13.
( [6]) سورة الأحزاب الآية 13.
( [7]) سورة آل عمران آية 45.
( [8]) سورة التكوير الآية 20.
( [9]) من كتاب الإسعاد
( [10]) سورة آل عمران الآية 49.
( [11]) أخرجه مسلم (1094) وأبو داود (1320) والترمذي (3416) النسائي (1137) وابن ماجه (3879).
( [12]) سورة مريم الآية19.
( [13]) سورة المزمل الآية 17.
( [14]) سورة فصلت الآية 30- 31.
( [15]) سورة المائدة الآية 55.
( [16]) سورة المائدة الآية 56.
( [17]) سورة المائدة الآية 56.
( [18]) أخرجه الطبراني في اكبير (10518) وأبو يعلى (5269) وذكره البيهقي في مجمع الزوائد (17105).
( [19]) سورة الأنفال الآية 2.
( [20]) سورة الأنفال الآية 72.
( [21]) سورة النازعات الآ]ة5.
( [22]) سورة يس الآية 36.
( [23]) سورة الكهف الآية 95
( [24]) سورة الأنفال الآية 12.
( [25]) سورة البقرة الآية 45.
( [26]) سورة النحل الآية 43.
( [27]) أخرجه البخاري اللهخ أغثنا (968) اللهم اسقنا (967).)
( [28]) أخرجه البخاري 3365.
( [29]) أخرجه مسلم (6345).
( [30]) أخرجه البخاري (6153) ومسلم (6337) وأحمد (4/286) والنسائي في الكبرى تحفة الأشراف (1794).
( [31]) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح (2516) وأحمد (1/293).
( [32]) أخرجه أبو داود (4832) والترمذي وقال حديث حسن (2395) وأحمد (3/38) والدارمي (1985) والبغوي (3484) والحاكم (4/128) وصححه ووافقه الذهبي وحسنه ابن حبان (554) والطيالسي (2213) وأخرجه أيضا أبو يعلى (1315).
( [33]) سورة الإنسان الآية (.
( [34]) سورة المائدة الآية: 35.
( [35]) سورة الإسراء الآية 56.
( [36]) سورة البقرة الآية 37.
( [37]) سورة الأعراف الآية23.
( [38]) سورة البقرة الآية 248.
( [39]) البداية والنهاية (ج2/ ص.
( [40]) تفسير القرطبي (ج3/ص247).
( [41]) سورة البقرة الآية 89.
( [44]) سورة النساء الآية 64.
( [45]) تفسير ابن كثير (ج1/ص643).
( [46]) تفسير القرطبي (ج5/ص265).
( [47]) الباب السادس (ص498).
( [48]) (ج3/556).
( [49]) (ج3/495).
( [50]) (ج5/30).
( [51]) أخرجه الإمام أحمد في المسند (4/138) والنسائي في عمل اليوم والليلة (658) والترمذي (3578) وابن ماجه (1385) وقال أبو إسحاق: هذا حديث صحيح وعبد بن حميد (379) وابن خزيمة (1219) والحاكم (1/313) وصححه ووافقه الذهبي وفي رواية (فرجع وقد كشف له عن بصره) أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (660).
( [52]) أخرجه ابن ماجه (778) وأحمد (3/21) والطبراني في الدعاء (2/990) وابن السني في عمل اليوم والليلة ص(40) والبيهقي في الدعوات الكبير ص(47) وأخرجه ابن أبي شيبة (10/211 -212) وقد حسنه جمع من الحفاظ منهم الحافظ ابن حجر كما في أمالي الأذكار (1/72) والحافظ العراقي كما في تخريج أحاديث الإحياء (1/291) والحافظ أبو الحسن المقدسي شيخ الحافظ المنذري كما في الترغيب والترهيب (3/273) والحافظ الدمياطي كما في المتجر الرابع ص (471 -472) وقال الحافظ البوصيري في مصباح الزجاجة (1/99) رواه ابن خزيمة في صحيحه في طريق فضيل بن مرزوق فهو صحيح عنده.
( [53]) رواه الطبراني في الأوسط (1/152) وأبو نعيم في الحلية (3/121) والهيثمي في مجمع الزوائد (9/257).
( [54]) أخرجه البخاري (1010).
( [55]) أخرجه أحمد (1/112) وفي (مجمع الزوائد 10/1667).
( [56]) ذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (10/63) وقال إسناده حسن.
( [57]) أخرجه أحمد (4/324) في المسند وأبو داود (1646) والنسائي (2586).
( [58]) رواه الطبراني في الكبير (3234) وذكره السيوطي في الجامع الصغير (2350 ورمز لحسنه.)
( [59]) أخرجه الطبراني في الكبير (10518) وأبو يعلى (5269) والهيثمي في مجمع الزوائد (17105).
( [60]) أخرجه الطبراني في الكبير 17.
( [61]) ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري وقال الإسناد حسن الفتح (8/579).
( [62]) أخرجه أبو يعلى (2182).
( [63]) أخرجه البخاري (2739).
( [64]) أخرجه البخاري (1008).
( [65]) هذا الحديث متواتر ، وممن رواه البخاري ومسلم (194).
( [66]) اخرجه البخاري (3365).
( [67]) أخرجه البخاري (3648) والترمذي (3835).
( [68]) تجول في البلد ليلا لينظر في احوالها.
( [69])البداية والنهاية (7/97) وقال عنه : أثر جيد الإسناد
( [70]) أخرجه أبو يعلى (1549) وأبو نعيم في دلائل النبوة (416) وابن حجر في أسد الغابة (4/390) والإصابة (8/138) وابن هشام في اللسيرة (2/82) مرسلا والطبراني في الكبير (19 رقم 12) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (/297 -298) (6/113) وابن كثير في الشمائل ص (568) والحاكم (3/295) وابن كثير في السيرة (3/66 -67).
( [71]) أخرجه مسلم (6793) وأبو داود (4946).
الاستعانة – الاستغاثة
التوسل: هو طريقة من طرق التضرع إلى الله عز وجل ، وأحد أبواب دعاءه والتوجه اليه سبحانه وتعالى، فالوسيلة هي كل ما جعله الله سببا للتقرب اليه وبابا لقضاء الحوائج منه، قال تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة﴾( [1]).
وأما الاستغاثة : فهي طلب الإغاثة ممن يمملكها على وجه الحقيقة وهو الله عز وجل، أو ممن أعطاهم الله بحوله وقوته القدرة عليها، وهم أنبياؤه وأولياؤه.
وأما الاستعانة: فهي طلب العون ممن يملكه على وجه الحقيقة وهو الله تبارك وتعالى أو ممن أعطاهم الله بمنه وكرمه القدرة عليها، وهم أنبياءه وأولياؤه .
فيظهر لنا أن التوسل والاستغاثة والاستعانة شيء واحد ، لأن المتوسل أو المستغاث أو المستعان به على الحقيقة هو الله وأما المتوسل به من العبيد فواسطة ووسيلة للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، هذا ولم يختلف أحد من المسلمين في مشروعية التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بالأعمال الصالحة من صلاة وصيام وقراءة قرآن وغير ذلك والدليل على هذا حديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار فتوسل أحدهم إلى الله ببر والديه، وتوسل الثاني بابتعاده عن الفاحشة بعد تمكنه من أسبابها، وتوسل الثالث بأمانته وحفظه لمال غيره وأدائه له كاملا ، ففرج الله عنهم ما هم فيه( [2]).
وأما التوسل بغير العمل الصالح كالذوات والأشخاص فما هو في الحقيقة إلا توسل بعمله الصالح فمن توسل بشخص ما فذلك لأنه يحبه إذ يقدر صلاحه وولايته وفضله تحسينا للظن به، أو لأنه يعتقد أن هذا الشخص محب لله سبحانه وتعالى، فيكون الله تعالى محبا له أيضا قال جل جلاله ﴿يبحهم ويحبونه﴾( [3]) ولو تدبرنا الأمر لوجدا أن هذه المحبة وذلك الاعتقاد هما من عمل المتوسل لأنه اعتقاده الذي انعقد عليه قلبه فهو منسوب اليه ومسؤول عنه ومثاب عليه ، فمن قال: اللهم إنيأتوسل اليك بمحبتي لنبيك أو قال بنبيك سواء لأنه ما أقدم على هذا إلا لمحبته وإيمانه بنبيه، ولولا المحب له والإيمان به ما توسل به فهو إذا توسل بعمله الصالح.
ثم إن المسلم عندما يتوسل أو يستغيث بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بالرجل الصالح إنما يتوسل به لما يعلم من كرامته وجاهه عند الله عز وجل ولاعتقاده بانه يمكن أن يكون قد أعطى القدرة على الإمداد والإعانة ونعني ببالجاه المنزلة التي يختص الله بها من يشاء من عباده فالله سبحانه وتعالى متصق بصفة تسمى صفة الاختصاص قال عز وجل﴿يختص برحمته من يشاء﴾( [4]).
والنبوة والرسالة والولاية الخاصة ليست مكتسبة بل هي محض فضل الهي واجتباء واختصاص رباني يكون بسببها لذلك العبد منزلة عند الله تسمى الجاه ، قال تعالى ﴿الله يجتبي اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب﴾( [5]) وقال سبحانه في إثبات الوجاهة والمكانة لبعض أنبيائه وملائكته عليه السلام كسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام ﴿وكان عند الله وجيها﴾( [6]) أي ذا وجاهة.
وقال في حق سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام ﴿وجيها في الدنيا والاخرة ومنا المقربين﴾( [7]) وقال عن سيدنا جبريل عليه السلام ﴿ذي قوة عند ذي العرش مكين﴾( [8]) أي صاحب مكانة.
فالإنسان عندما يتوسل إلى الله تعالى بجاه نبي أو ولي فإن ذلك يعني أنه توسل إلى الله تعالى بفعل من أفعاله خلقه لذلك النبي وسماه جاها، وبصفة من صفاته سماها اختصاصا ، وهذا من التوسل إلى الله بصفاته وأفعاله وهو مجمع على جوازه عند أهل الحق( [9]).
ونحن إذ نظرنا إلى كل فرد من أفراد المتوسلين والمستغيثين بالأنبياء والصالحين لا نجد في نفس أحد منهم إلا التقرب إلى الله تعالى لقضاء حاجاتهم الدنيوية والأخروية مع علمهم بأنهم كلهم عبيد لله تعالى فقلوبهم موقنة أنه جل جلاله تلفعال المطلق المستحق للتعظيم بالأصالة لا شريك له ولا رب ولا موجد سواه، ولا نافع ولا ضار إلا هو ، وأما تعظيمهم لغيره من خواص عبيده فإنما يكون بقدر منزلة ذلك العبد عند الله تعالى بحسب ما علموه فها هم يعظمون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من سائر الخلق لعلمهم أنه أحب عبيده تعالى إليه وأقربهم لديه ثم يعظمون بعده الأنبياء والمرسلين أكثر من غيرهم لأن درجتهم تلي درجته صلى الله عليه وآله وسلم وهكذا سائر عباد الله من صحابته صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته وبقية الأولياء والصالحين على اختلاف درجاتهم وما يمتاوزن به عن غيرهم من علم وتقوى وما خدموا به هذه الشريعة المحدية ونفعا به الأمة الإسلامية من العلوم والمعارف والفتوحات والذب عن المسلمين والإسلام بعضهم بحد القلم وبعضهم بحد الحسام وما فضلهم الله به من الكرامات وخوارق العادات فهم يعتقدون الاعتقاد الجازمم الذي لا يعتريه خلل ولا يشوبه خطأ ولا زلل أنهم كلهم عبيده وأن كل ما هم عليه من مقامات ودرجات إنما هو من فضل الله عليهم فقد أثنى عليهم الله تعالى في كتابه وأثنى عليهم نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديثه مبينا أوصافهم الجليلة وهي كلها ترجع إلى صدق عبوديتهم لله تعالى وحسن خدمتهم له عز وجل فعظموهم لذلك واتخذوهم وسائط لقضاء حوائجهم عنده لكونهم وإن شاركوهم في أصل العبودية له تعالى إلا أنهم امتازوا عنهم بما تفضل الله عليهم به م الرسالة والنبوة والولاية وكثرة العلم والعمل والمعرفة والطاعات وسائر الخدمات التي تليق به تعالى.
فيفهم مما مر أن غاية الأمر أن بعض المتوسلين والمستغيثين يتسامحون في التصريح بهذا الأمر وهو الطبب من الله دون واسطعة عملا بالحقيقة والأصل ويكتفون بعلم من لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فيادون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد الأولياء الصالحين ويطلبون منهم العون والإغاثة وهم في قريرة أنفسهم يعلمون حق العلم أنه وحده سبحانه وتعالى هو النافع والضغار ولا يقع في ملكه إلا ما يريد وذلك طمعا في الإجابة لما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من منزلة عند الله وهذا ضرب من أضرب المجاز ولا يستطيع أحد ممن له أدنى مسكة في علم الشريعة واللغة العربية أن ينكر وجود المجاز في القرآن الكريم والسنة الشريفة:
1- فقد أسند الله تعالى إلى سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص مجازا فقال جل جلاله حكاية عنه ﴿وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله﴾( [10]) فما دام قد وجه الإذن الإلهي لعبد محبوب عنده فلا حر إذا في قول الإنسان يا عيسى أحي ميتي واشف مريضي لأن الله تعالى أجاز ذلك بإلهام سيدنا عيسى هذا الكلام وإثباته قرآنا يتلى إلى يوم القيامة مع العلم أن إبراء الأكمه والأبرص وإحياء المتى أمور لا يقدر عليها حقيقة إلا الله وحده ورغم هذا رضي من عبده عيسى عليه السلام قوله وأقره عليه.
2- ومثل هذا قول سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لخادمه ربيعة بن كعب الأسلمي سلني فقال أسألك مرافقتك في الجنة فقال أو غير ذلك فقال هو ذاك قال أعني على نفسك بكثرة السجود( [11]) وسؤال الجنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استغاثة وطلب لما لا يقدر عليه إلا الله ولم ينكر عليه الصلاة والسلام سؤاله ولم يقل له لا تسأل غير الله .
3- ومن المجاز قوله تعالى حكاية عن جبريل عليه السلام ﴿لأهب لك غلاما زكيا﴾( [12]) فإسناد الوهب اليه مجاز والواهب حقيقة هو الله تعالى وحده.
4- ومن ذلك أيضا قول الله جل جلاله ﴿يوما يجعل الولدان شيبا﴾( [13]) فإسناد جعل الولدان شيبا إلى اليوم مجاز والجاعل الحقيقي هو الله تعالى وتبارك .
5- وقوله تعالى ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة﴾( [14]) فقد جعل الحق تعالى في هذا النص ملائكته أولياء للذين آمنوا واستقاموا وقال في نصنص أخرى ينوه أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض أيضا ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا﴾( [15]) وقال أيضا: ﴿ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون﴾( [16]) .
وقال : ﴿وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير﴾( [17])، ومولاه أي ناصره فأسند الله النصرة للمؤمنين والملائكة كما أسندها إلى نفسه فلا مانع إذا أن يقول قائل: اللهم انصرني بجبريل أو يا جبريل انصرني أو اللهم انصرني وأيدني بصالحي المؤمنين وبملائكتك أو يا أيها الصالحون ويا أيها المئكة انصروني وما هو بذلك إلا مقتد بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال: يا عباد الله احبسوا( [18]) كما سيأتي معنا في هذا الباب إن شاء الله تعالى .
فالنصوص كلها عامة التعليق دون تخصيص حياة أو موت لأن المؤمنين لم يسلب عنه وصف الإيمان بانتقالهم إلى البرزخ فيكون بين المؤمنين من أهل البرزخ ولاية للمؤمنين في الدنيا ويكون للملائكة ولاية لجميعهم وولاية الملائكة مظهرولاية الله تعالى لعباده المؤمنين .
6- ومنها أيضا قوله تعالى : ﴿وإذا تليت عليهم آيته زادتهم إيمانا﴾( [19]) مسندا الزيادة إلى الآيات لأنها سبب في الزيادة والذي يزيد حقيقة هو الله تعالى وحده.
7- ومنها قوله تعالى ﴿وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر﴾( [20]) والنصر حقيقة على الله تعالى وحده.
8- ومنها قوله ﴿فالمدبرات أمرا﴾( [21]) مسندا التدبير إلى الملائكة مجازا لأنهم قائمين بإبراز مقادير الله تعالى في السماء والأرض بأمره ومشيئته وبحوله وقوته والمدبر الحقيقي هو الله تعالى.
9- ومنها قوله تعالى ﴿سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ﴾( [22]) مسندا الإنبات إلى الأرض والمنبت الحقيق هو الله تعالى.
10- ومنها ﴿فأعينوني بقوة﴾( [23]) والمعين الحقيقي هو الله.
11- ومنها قوله جل وعلا ﴿إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا﴾( [24]) مسندا التثبيت إلى الملائكة مجازا.
12- ومنها ﴿واستعينوا بالصبر والصلاة﴾( [25]).
13- ومنها ﴿فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾( [26]).
14- وها هو صلى الله عليه وآله وسلم يسمي المر مغيثا فيقول : اللهم اسقنا غيثا مغيثا( [27]).
15- وقالت أم سيدنا إسماعيل مخاطبة سيدنا جبريل: (أغث إن كان عند غوث)( [28]).
16- وقال صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه لحسان بن ثابت رضي الله عنه عندما كان يقول الشعر في المسجد النبوي ويهجو به المشركين في إحدى روايات الحديث قل وروح القدس يؤيدك( [29]) وفي رواية قل وروح القدس معك( [30]) فنسب التأييد والمعية التي فيها الغوث والعون إلى سيدنا جبريل عليه السلام.
ويقول الشيخ ابن تيمية في فتاويه في الجزء الأول منها بعد تعريفه الاستغاثة وكلامه عنها (إن جعل الله ذلك أي الغوث على يدي غيره فالحقيقة له سبحانه وتعالى ولغيره مجاز.
وها هو الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى أيضا يتكلم عن الطلب من غير الله منوها أنه في الحقيقة طلب من الله وأنه من العبد مجاز وشرح بذلك حديث »وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله( [31]).
فيقول : إنما قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا سأتل فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله فيفهم منه الاستعانة المطلقة أما الاستعانة بالأسباب فيقصد بها الاستعانة بالله بواسطة السبب.
وقال الشيخ محمد علوي المالكي عن هذا الحديث: هذا الحديث يخطئ كثير من الناس في فهمه إذ يستدل به على أنه لا سؤال ولا استعانة مطلقا من أي وجه وبأي طريق إلا بالله ويجعل السؤال والاستعانة بغير الله من الشرك المخرج عن الملة وهو بهذا ينفي الأخذ بالأسباب والاستعانة بها ويهدم كثيرا من النصوص الواردة في هذا الباب.
والحق:
إن هذا الحديث الشريف ليس المقصود به النهي عن السؤال والاستعانة بما سوى الله كما يفيد ظاهر لفظه وإنما المقصود به النهي عن الغفلة عن كون ما جرى من الخير على يد الأسباب فهو من الله والأمر بالانتباه إلى أن ما كان من نعمة على يد المخلوقات فهي من الله وبالله فالمعنى: وإذا أردت الاستعانة بأحد من المخلوقين ولا بد لك من ذلك – فاجعل كل اعتمادك على الله وحده ولا تحجبنك الأسباب عن رؤية المسبب جل جلاله ولا تكن ممن يعلمون ظاهر من هذه الاتباطات والعلاقات بين الأشياء المترتب بعضها على بعض وهم عن الذي ربط بينها غافلون.
وقد أومأ هذا الحديث نفسه إلى هذا المعنى وذلك في قوله عليه الصلاة والسلام في تتمة الحديث نفسه عقيب هذه الجملة الشريفة: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) فأثبت لهم كما ترى نفعا وضرا بما كتبه الله للعبد أو عليه. فهذا منه صلى الله عليه وآله وسلم توضيح لمراده.
والحديث ليس فيه أصلا لا تسأل غير الله ولا تستعن بغير الله وإنما هو كقوله: صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي»( [32]) فهل في هذا الحديث أن مصاحبة غير المسلم حرام؟! وهل يفهم منه أن إطعام غير التقي حرام؟! وقد رخص الله في كتابه بإطعام الأسير الكافر بل مدح ذلك بقوله: ﴿ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا﴾( [33]) .
الأدلة من القرآن الكريم
1- قال تعالى : ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة﴾( [34]): لفظ الوسيلة عام في الآية كما نرى فهو شامل للتوسل بالذوات الفاضلة من الأنبياء والصالحين في الحياة وبعد الممات لأنه لا فرق بينهما كما سيمر معنا وهو شامل أيضا للتوسل بالأعمال الصالحة.
2- وقال تعالى: ﴿أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب﴾( [35]) وقال سيدنا ابن عباس ومجاهد: هم عيسى عليه السلام وأمه وعزير والملائكة والشمس والقمر والنجوم، يبتغون أي يطالبون إلى ربهم الوسيلة أي القربة، وقيل الدرجة: أي يتضرعون إلى الله في طلب الدرجة العليا وقيل: الوسيلة ما يتقرب به إلى الله تعالى وقوله: ﴿أيهم أقرب﴾ معناه ينظرون أيهم أقرب إلى الله تعالى فيتوسلون به.
وقال الزجاج أيهم أقرب يبتغي الوسيلة إلى الله تعالى ويتقرب إليه بالعمل الصالح ونحوه في تفسير الخازن.
3- وقال تعالى: ﴿فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه﴾: يقص الله جل وعلا علينا في هذه الآية قصة الرجل القبطي الذي استغاث بسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام، وهو من شيعته فأغاثه ن ومعلوم أن الأنبياء عليهم السلام كلهم جاؤوا بالتوحيد الخالص لله تعالى وعدم الإشراك به، فلو كانت الاستغاثة الرجل به نوعا من الشرك لم يجز لسيدنا موسى أن يغيثه وحاشا الأنبياء أن يقروا الناس على ما فيه مخالفة المولى عز وجل.
4- وقال تعالى: ﴿فتلقى آدم من ربه كلمات﴾( [36]) قال ابن عباس هي: ﴿ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين﴾( [37]) وذكر الألوسي في تفسيره عن ابن مسعود رضي الله عنه أنها (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).
وقيل : رأى مكتوبا على ساق العرش محمد رسول الله فتشفع به .
5- وقال تعالى: ﴿وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين﴾( [38]) قال الحافظ ابن كثير في التاريخ: قال ابن جرير عن هذا التابوت: وكانوا إذا قاتلوا أحدا من الأعداء يكون معهم تابوت الميثاق الذي كان في قبة الزمان فكانوا ينصرون ببركته وبما جعل الله فيه من السكينة والبقية مما ترك آل موسى وآل هارون فلما كان في بعض حروبهم مع أهل غزة وعسقلان غلبوهم وقهروهم على أخذه فانتزعوه من أيديهم.
قال ابن كثير: وقد كانوا ينصرون على أعدائهم بسببه، وكان فيه طمست من ذهب كانت يغسل فيه صدور الأنبياء( [39]).
وقال ابن كثير في التفسير: كان فيه عصا موسى وعصا هارون ولوحان من التوراة وثياب هارون ومنهم من قال: العصا والنعلان.
وقال القرطبي: والتابوت كان من شأنه فيما ذكر أنه أنزله الله على آدم عليه السلام فكان عنده إلى أن وصل إلى يعقوب عليه السلام فكان في بني إسرائيل يغلبون به من قاتلهم حتى عصوا فغلبوا على التابوت غلبهم عليه العمالقة وسلبوا التابوت منهم( [40]).
وهذا في الحقيقة ليس إلا توسلا بآثار أولئك الأنبياء إذ لا معنى لتقديمهم التابوت بين أيديهم في حروبهم غير ذلك والله سبحانه وتعالى راض عن ذلك بدليل أنه رده إليهم وجعله علامة وآية على صحة ملك طالوت ولم ينكر عليهم ذلك الفعل.
6- وقال تعالى: ﴿ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين﴾( [41]) روى أبو نعيم في دلائل النبوة من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت يهود بني قريظة والنضير من قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم يستفتحون الله يدعون على الذين كفروا يقولون: اللهم إنا نستنصرك بحق النبي الأمي إلا نصرتنا فينصرون فلما جاءهم ما عرفوا يريد محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ولم يشكوا فيه كفروا به ولهذا الأثر طرق كثيرة.
وفي تفسير النيسابوري ما نصه: قوله يستفتحون على الذين كفروا وذلك أن اليهود قبل مبعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونزول القرآن يسألون به الفتح والنصرة على المشركين إذا قاتلوهم يقولون: اللهم انصرنا بالني المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته وصفته في التوراة وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين : قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم.
وقال في تفسير الكشاف وفي تفسير الخازن ما نصه: وكانوا يعني اليهود من قبل أي من قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستفتحون أي يستنصرون به على الذين كفروا يعني مشركي العرب وذلك أنهم كانوا إذا حزبهم أمر ودهمهم عدو يقولون: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد صفته في التوراة فكانوا ينصرون وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين قد أظل زمان بني يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم فلما جاءهم ما عرفوا أي الذي عرفوه يعني محمدا صلى الله عليه وآله وسلم عرفوا نعته وصفته وأنه من غير بني إسرائيل كفروا به أي جحدوا وأنكروا بغيا وحسدا ونحوه في تفسير البغوي والنسفي.
وفي روح المعاني للآلوسي: وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا نزلت في بني قريظة والنضير كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل مبعثه قاله ابن عباس وقتادة والمعنى يطلبون من الله تعالى أن ينصرهم به على المشركين كما روى السدي أنهم كانوا إذا اشتد الحرب بينهم وبين المشركين أخرجوا التوراة ووضعوا أيديهم على موضع ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا:اللهم إنا نسألك بحق نبيك الذي وعدتنا أن تبعثه في آخر الزمان أن تنصرنا اليوم على عدونا فينصرون فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به كنى عن الكتاب المتقدم بما عرفوا لأن معرفة من أنزل عليه معرفة له ووجه الدلالة من هذه الآية ظاهر فإن الله سبحانه أقر استفتاح اليهود بالرسول ولم ينكره عليهم وإنما ذمهم على الكفر والجحود بعد إذ شاهدوا بركة الاستفتاح بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم .
7- وقال الله تعالى ﴿إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين﴾( [42]):
في هذا النص بيان أن الصحابة رضوان الله عليهم استغاثوا بالله سبحانه فاستجاب لهم فأغاثهم وأمدهم بألف من الملائكة عليهم السلام والملائكة من جنود الله تعالى يغيث بهم من يشاء من عباده والذي يغيث بالملائكة هو الله تعالى وقدرته قابلة أن يغيث بها من شاء من عباده وأن يغيث عباده بعضهم ببعض لأن الخلق جميعا سواء من حيث الإمكان والحدوث وجواز تعلق صفات الله تعالى بهم.
ومن الذي أوجب على الله تعالى أن يمد الملائكة ويمد بهم فقط ولا يمد بالأنبياء والأولياء الصالحين والجميع حولهم وقوتهم بالله سبحانه وتعالى والتفريق بين الملائكة والأنبياء والأولياء من قبيل التفريق بين المتماثلين وهو مخالف لما عليه المحققون.
8- وقال تعالى ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما﴾( [43]) .
قال الزمخشري في الكشاف: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم بالتحاكم إلى الطاغوت جاؤوك تائبين من النفاق مستنصلين عما ارتكبوا فاستغفروا الله من ذلك بالإخلاص وبالغوا في الاعتذار اليك من إيذائك برد قضائك حتى انتصبت شفيعا لهم إلى الله ومستغفرا لوجدوا الله توابا أي لتاب عليهم ولم يقل واستغفرت لهم وعد عنه إلى طريقة الالتفات تفخيما لشأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيما لاستغفاره وتنبيها على أن شفاعة من اسمه الرسول من الله بمكان.
فهذه الآية وإن نزلت بسبب المنافقين المتحاكمين إلى الطاغوت فهي عامة تشمل كل عاص ومقصر، لأن ظلم النفس المذكور فيها يشمل كل معصية ثم إنها أي الآية تدل على الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في حالتي حياته ووفات9ه لأن كلا من المجيء والاستغفار وقع في سياق الشرط فيدل على العموم ، الاستشفاع في حال الحياة ظاهر ليس فيه خلاف.
وورد في تفسير ابن كثير: عند قوله تعالى: ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ..﴾( [44]) ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي قال: كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول: ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاوؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما﴾ وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم انشد يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم فقال: «الحق بالأعربي فبشره أن الله قد غفر له»( [45]).
وقد جاء في تفسير القرطبي ما نصه: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك روى أبو صالح عن علي قال: قدم علينا أعرابي بعدما دفنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة أيام فرمى بنفسه على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحثا على رأسه من ترابه فقال: قلت يا رسول الله فسمعنا قولك ووعيت عن الله فوعينا منك وكان فيما أنزل الله عليك ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاوؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما﴾ وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي فنودي من القبر أنه قد غفر لك( [46]).
فالآية دليل على جواز التوسل والاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في سائر الأحوال لأنه في قبره الشريف حي يرزق تعرض عليه أعمال أمته فيدعو لهم ويستغفر ويلحق به في جواز التوسل كل ما تثبت له هذه المزية كالشهداء والعلماء العاملين والأولياء المتقين ونحوهم والله أعلم.
هذا وقد روى هذه القصة غير من مضى من الأئمة:
1- الإمام النووي في كتابه الإيضاح( [47]).
2- وابن قدامة في كتابه المغني( [48]).
3- وأبو الفرج بن قدامة في كتابه الشرح الكبير( [49]).
4- والشيخ منصور البهوتي في كتابه المعروف بكشفا القناع من أشهر كتب المذهب الحنبلي( [50]) ولم يذكر واحد منهم أن هذا الفعل إشراك بالله تعالى فيكون إقرارا منهم بالتوسل.
الأدل من الأحاديث الشريفة وآثار الصحابة
ونبدأ بذكر الأدلة على التوسل والاستغاثة بالأحياء:
1- عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه: أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ادع الله لي أن يعافيني فقال: إن شئت صبرت وهو خير لك قال فادعه وفي رواية : ليس لي قائد وقد شق علي فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في قضاء حاجتي لتقضى لي اللهم شفعه في وزاد البيهقي فقام وقد أبصر وفي رواية اللهم شفعه في وشفعني في نفسي( [51])، فقوله: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك.. توسل وقوله : يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في قضاء حاجتي.. استغاثة فها هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يرض ان يدعو له هو بنفسه بل أمره أن يتوسل إلى الله به بل ويناديه حال غيابه عنه قائلا: يا محمد وحاشا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأمر بما فيه طعن في العقيدة أو يرضى به أصلا وهذا توسل ظاهر واستغاثة صريحة بذاته وجاهه صلى الله عليه وآله وسلم عليه وقد اعتمدها علماء المحدثون والحفاظ في كتب السنة في صلاة الحاجة حاثين الأمة عليها.
2- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وأسألك بحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة وخرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك فأسألك أن تعيذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك»( [52]).
وهذا حث ظاهر منه للصحابة على التوسل إلى الله تعالى بجاه ومنزلة السائلين عنده والسائلين جمع يشمل الأموات والأحياء ومن كان حاضرا ومن كان غائبا وفي الحديث دليل التوسل بالعمل الصالح وهو ممشى الرجل إلى المسجد لوجه الله فالشرع لم يفرق بين التوسل بالذوات الفاضلة وبين التوسل بالعمل الصالح بل لقائل أن يقول: كيف لا يجوز التوسل بذات النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو أشرف خلق الله ويجوز التوسل بصلاة العبد وصيامه وصدقته وكلا الأمرين خلق الله.
3- وعن سيدنا علي كرم الله وجهه: ان سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما دفن فاطمة بنت أسد أم سيدنا علي رضي الله عنهما قال: اللهم بحقي وحق الأنبياء من قبلي اغفر لأمي بعد أمي( [53]).
4- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه :كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبدالمطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا . قال: فيسقون وفي الحديث إثبات التوسل به صلى الله عليه وآله وسلم وبيان جواز التوسل بغيره كالصالحين من آل البيت وغيرهم كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري( [54]).
ومن الشبه التي قد ترد على هذا الحديث أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه توسل بالعباس لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان قد توفي والجواب أن يقال: هل قال لكم عمر أو العباس إن هذا التوسل لأن الرسول كان قد توفي كلا لا قال عمر ذلك ولا أشار إليه ولا قال العباس ذلك ولا أشار إليه، وهنا مسائل لابد من ذكرها:
1- ترك الشيء لا يدل على منعه كما تقرر في الأصول
فترك عمر للتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا دلالة فيه أصلا على منع التوسل وقد ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم كثيرا من المباحات فهل دل تركه لها على حرمتها؟ لم يقل ذلك أحد من العلماء ثم إن صاحب الوسيلة لا يتصرف بنفسه في قضاء حاجة المتوسل حتى يحول موته دون ذلك وإنما هو يسعى بالشافعة عند الله تعالى في قضاء حاجة المتوسل فهل ورد نص بتجرد الأنبياء والصالحين بموتهم مما لهم عند الله من المنزلة والجاه على أنه سيمر معنا إن شاء الله تعالى الكلام عن الروح وقوة تصرفها بعد مفارقة البدن.
2- أراد عمر ان يبين التوسل بالمفضول مع وجود الأفضل لوجود علي وعثمان رضي الله عنهما.
3- توسل عمر بالعباس في الحقيقة توسل بالنبي لأن عمر توسل به لمكانته من النبي وكونه عمه فها هو يقول عم نبينا ولم يقل بالعباس بن عبدالمطلب.
4- أراد عمر بفعله أن يبين جواز التوسل بغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أهل الصلاح ممن ترجى بركته.
5- وعن شريح بن عبيد قال: ذكر أهل الشام عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو بالعراق فقالوا: العنهم يا أمير المؤمنين قال: لا سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: الأبدال بالشام هم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقى بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب( [55]).
وفي رواية: أربعون رجلا مثل خليل الرحمن( [56]).
ومعنى المثلية في قوله مثل خليل الرحمن أنهم على طريقة إبراهيم عليه الصلاة والسلام في سلامة الصدر والرحمة لجميع المسلمين .
6- وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا كنت لابد سائلا فأسأل الصالحين( [57]) فهذا حث ظاهر منه صلى الله عليه وآله وسلم على سؤال الصالحين.
7- وقال عليه الصلاة والسلام (إن الله خلقا خلقهم لحوائج الناس يفعزع إليهم في حوائجهم أولئك هم الآمنون من عذاب الله)( [58]).
8- وعن سيدنا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله ابسوا علي ، يا عباد الله احبسوا علي، فإن لله في الأرض حاضرا سيحبسه عليكم)( [59]).
وفي رواية: »إذا أضل أحدكم شيئا أو أراد أحدم غوثا وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل: يا عباد الله أغيثوني يا عباد الله أغيثوني فإن لله عبادا لا نراهم.
وفي رواية: »إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظ يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصابت أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله أعينوني، وفي رواية أعينوا( [60]).
وذكر الإمام الطبراني في الكبير، والإمام النووي في الأذكار بعد روايتهما للحديث بأنهما جربا ذلك بأنفسهما ، وهو ظاهر جلي لا يحتمل التأويل ولا التبديل ففي هذا الموقف الذي ينادي فيه الإنسان (ياالله) بفطرته ، حيث لا يرى حوله من يآنسه أو يقاسمه همه رغم هذا أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول «يا عباد الله حثا على الأخذ بالأسباب فهل بعد الحق إلا الضلال المبين».
9- عن الحارث بن حسان البكري رضي الله عنه قال: خرجت أنا والعلاء ابن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. الحديث وفيه فقلت: أعوذ بالله وبرسوله أن أكون كوافد عاد، فقال: أي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: وما وافد عاد؟.....الخ( [61]) .
فها هو رضي الله عنه الله عنه يستعيذ بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ورغم هذا اقره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهل من المعقول أن يقره على الإشراك بالله.
10- وعن سيدنا جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ليأتين على الناس زمان يخرج الجيش من جيوشهم فيقال: هل فيكم من صحب محمدا فيستنصرون به فينصرون ثم يقال: هل فيكم من صحب محمدا فيقال: لا فيقال: فمن صحب أصحابه؟ فلو سمعوا به من وراء البحر لأتوه»( [62]).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم( [63]).
وهذا دليل على الاستغاثة بالحصابة والتوسل بهم إلى الله طلبا للنصر.
11- وعن عبدالله بن دينار رضي الله عنه قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يتمثل بشعر أي طالب:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
وفي لفظ قال: ربما ذكرت قول الشاعر وانا أنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستسقي فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب.
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل( [64])
فتمثله رضي الله عنه بهذا البيت من قول أبي طالب دون غيره دليل على توسله بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو نص لا يحتمل غير هذا الفهم، ومثل سيدنا ابن عمر لا يصدر عنه ما يشك في قبوله شرعا.
12- وعن سيدنا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في حديث الشفاعة: «إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نفصف الأذن فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم فيشفع ليقضي بين الخلق، فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم»( [65]).
وهذا الحديث ظاهر في أن الناس يتوسلون بسيد الأنام عند اشتداد الأمر عليهم ويستغيثون به، ولو كان التوسل والاستغاثة كفرا لما جاز لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يشفع لهم عند الله ، ومعلوم أن الشفاعة يوم القيامة لا تنال الكافرين بل لو كان فيهما شيء من الإشراك بالله لبينه لأصحابه عندما أخبرهم بهذا الحديث فلما لم يكن كفرا كان أمره مستحبا ومندوبا إليه في الدنيا والآخرة.
13- وعن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقص على أصحابه حادثة السيدة هاجر هي وابنها بعد أن تركها سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام في مكة أنها كلما سمعت صوتا عند الطفل قالت: (إن كنت ذا غوث فأغث)( [66]) والمخاطب هو جبريل عليه السلام فغمز الأرض بعقبه فنبعت زمزم التي ما زالت وستبقى إلى يوم القيامة مفضلة على جميع أنواع المياه لبركتها وفائدتها فهل من المعقول أن يكرم الله السيدة هاجر بماء زمزم إن كان في كلمتها شيء من الكفر ثم إن كان فيها كفر فلماذا لم ينبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه عليها وهو يحدثهم أيسكت صلى الله عليه وآله وسلم عن أمر فيه إخراج أصحابه عن عقيدتهم؟!
14- وعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه أنه شكا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم النسيان لما يسمعه من حديثه الشريف وهو يريد أن يزول عنه ذلك فقال رضي الله عنه : يا رسول الله : إني أسمع منك حديثا كثيرا فأنساه فأحب أن لا أنسى فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «ابسط ردائك فبسطه فغرف يديه فيه ثم قال: ضمه فضمه قال ابو هريرة فما نسيت حديثا بعد وفي رواية فما نسيت شيئا قط»( [67]).
وعدم النسيان من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله وحده ورغم هذا لم ينكر عليه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأجابه إلى مطلبه فهذا توسل منه رضي الله عنه بذات سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومكانته عند الله لا بدعائه فحسب لأنه لم يرد أنه دعا له وإنما اغترف له من الهواء وألقاه في ثوبه وأمره بضمه إلى صدره وهذا دليل منه رضي الله عنه على جواز سؤال مثل هذه الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله من غير الله تعالى، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل له لا تسألني وسل من هو أقرب إليك مني بل أجابه إلى مطلبه وقضيت حاجته باللحظة التي ضم فيها الرداء إلى صدره.
15- ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن عمر عس( [68]) ذات ليلة عام الرمادة فلم يجد أحجدا يضحك ولا يتحدث الناس في منازلهم على العادة ولم ير سائلا يسأل فسأل عن سبب ذلك فقيل له: يا أمير المؤمنين إن الناس سألو فلم يعطوا فقطعوا السؤال والناس في هم وضيق فهم لا يتحدثون ولا يضحكون فكتب عمر إلى أبي موسى بالبصرة أن يا غوثاه لأمة محمد وكتب إلى عمرو بن العاص بمصر أن ياغوثاه لأمة محمد فبعث إليه كل واحد منهما بقافلة عظيمة تحمل البر وسائر الأطعمة( [69]).
وهذا ظاهر في جواز إطلاق لفظ التوسل والاستغاثة.
16- وعن قتادة رضي الله عنه أنه أصيبت عينه فسالت حدقته على وجنته فأرادوا أن يقطعوها فقال: لا حتى استأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستأمره فقال: لا ثم وضع راحته على حدقته ثم غمزها فعادت كما كانت فكانت أصح عينيه( [70])، فهذا توسل منه بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم حتى يبرأ من مرضه.
ومثل هذا الفعل مما يختص به الله عز وجل إلا أن يكرم به أحد عباده ويأذن له بفعله .
17- وقال صلى الله عليه وآله وسلم «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»( [71]) فهذا دليل جواز استعانة العباد بعضهم ببعض بل والحث على ذلك وإكرام المعين لغيره بمعونة الله الكبرى.
( [2]) أخرجه البخاري (215) ومسلم (6884) وأحمد (2/307/308).
( [3]) سورة المائدة آية 54.
( [4]) سورة آل عمران الآية 74.
( [5]) سورة الشورى الآية 13.
( [6]) سورة الأحزاب الآية 13.
( [7]) سورة آل عمران آية 45.
( [8]) سورة التكوير الآية 20.
( [9]) من كتاب الإسعاد
( [10]) سورة آل عمران الآية 49.
( [11]) أخرجه مسلم (1094) وأبو داود (1320) والترمذي (3416) النسائي (1137) وابن ماجه (3879).
( [12]) سورة مريم الآية19.
( [13]) سورة المزمل الآية 17.
( [14]) سورة فصلت الآية 30- 31.
( [15]) سورة المائدة الآية 55.
( [16]) سورة المائدة الآية 56.
( [17]) سورة المائدة الآية 56.
( [18]) أخرجه الطبراني في اكبير (10518) وأبو يعلى (5269) وذكره البيهقي في مجمع الزوائد (17105).
( [19]) سورة الأنفال الآية 2.
( [20]) سورة الأنفال الآية 72.
( [21]) سورة النازعات الآ]ة5.
( [22]) سورة يس الآية 36.
( [23]) سورة الكهف الآية 95
( [24]) سورة الأنفال الآية 12.
( [25]) سورة البقرة الآية 45.
( [26]) سورة النحل الآية 43.
( [27]) أخرجه البخاري اللهخ أغثنا (968) اللهم اسقنا (967).)
( [28]) أخرجه البخاري 3365.
( [29]) أخرجه مسلم (6345).
( [30]) أخرجه البخاري (6153) ومسلم (6337) وأحمد (4/286) والنسائي في الكبرى تحفة الأشراف (1794).
( [31]) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح (2516) وأحمد (1/293).
( [32]) أخرجه أبو داود (4832) والترمذي وقال حديث حسن (2395) وأحمد (3/38) والدارمي (1985) والبغوي (3484) والحاكم (4/128) وصححه ووافقه الذهبي وحسنه ابن حبان (554) والطيالسي (2213) وأخرجه أيضا أبو يعلى (1315).
( [33]) سورة الإنسان الآية (.
( [34]) سورة المائدة الآية: 35.
( [35]) سورة الإسراء الآية 56.
( [36]) سورة البقرة الآية 37.
( [37]) سورة الأعراف الآية23.
( [38]) سورة البقرة الآية 248.
( [39]) البداية والنهاية (ج2/ ص.
( [40]) تفسير القرطبي (ج3/ص247).
( [41]) سورة البقرة الآية 89.
( [44]) سورة النساء الآية 64.
( [45]) تفسير ابن كثير (ج1/ص643).
( [46]) تفسير القرطبي (ج5/ص265).
( [47]) الباب السادس (ص498).
( [48]) (ج3/556).
( [49]) (ج3/495).
( [50]) (ج5/30).
( [51]) أخرجه الإمام أحمد في المسند (4/138) والنسائي في عمل اليوم والليلة (658) والترمذي (3578) وابن ماجه (1385) وقال أبو إسحاق: هذا حديث صحيح وعبد بن حميد (379) وابن خزيمة (1219) والحاكم (1/313) وصححه ووافقه الذهبي وفي رواية (فرجع وقد كشف له عن بصره) أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (660).
( [52]) أخرجه ابن ماجه (778) وأحمد (3/21) والطبراني في الدعاء (2/990) وابن السني في عمل اليوم والليلة ص(40) والبيهقي في الدعوات الكبير ص(47) وأخرجه ابن أبي شيبة (10/211 -212) وقد حسنه جمع من الحفاظ منهم الحافظ ابن حجر كما في أمالي الأذكار (1/72) والحافظ العراقي كما في تخريج أحاديث الإحياء (1/291) والحافظ أبو الحسن المقدسي شيخ الحافظ المنذري كما في الترغيب والترهيب (3/273) والحافظ الدمياطي كما في المتجر الرابع ص (471 -472) وقال الحافظ البوصيري في مصباح الزجاجة (1/99) رواه ابن خزيمة في صحيحه في طريق فضيل بن مرزوق فهو صحيح عنده.
( [53]) رواه الطبراني في الأوسط (1/152) وأبو نعيم في الحلية (3/121) والهيثمي في مجمع الزوائد (9/257).
( [54]) أخرجه البخاري (1010).
( [55]) أخرجه أحمد (1/112) وفي (مجمع الزوائد 10/1667).
( [56]) ذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (10/63) وقال إسناده حسن.
( [57]) أخرجه أحمد (4/324) في المسند وأبو داود (1646) والنسائي (2586).
( [58]) رواه الطبراني في الكبير (3234) وذكره السيوطي في الجامع الصغير (2350 ورمز لحسنه.)
( [59]) أخرجه الطبراني في الكبير (10518) وأبو يعلى (5269) والهيثمي في مجمع الزوائد (17105).
( [60]) أخرجه الطبراني في الكبير 17.
( [61]) ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري وقال الإسناد حسن الفتح (8/579).
( [62]) أخرجه أبو يعلى (2182).
( [63]) أخرجه البخاري (2739).
( [64]) أخرجه البخاري (1008).
( [65]) هذا الحديث متواتر ، وممن رواه البخاري ومسلم (194).
( [66]) اخرجه البخاري (3365).
( [67]) أخرجه البخاري (3648) والترمذي (3835).
( [68]) تجول في البلد ليلا لينظر في احوالها.
( [69])البداية والنهاية (7/97) وقال عنه : أثر جيد الإسناد
( [70]) أخرجه أبو يعلى (1549) وأبو نعيم في دلائل النبوة (416) وابن حجر في أسد الغابة (4/390) والإصابة (8/138) وابن هشام في اللسيرة (2/82) مرسلا والطبراني في الكبير (19 رقم 12) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (/297 -298) (6/113) وابن كثير في الشمائل ص (568) والحاكم (3/295) وابن كثير في السيرة (3/66 -67).
( [71]) أخرجه مسلم (6793) وأبو داود (4946).
عدل سابقا من قبل خيرالدين في السبت فبراير 27, 2021 9:40 am عدل 5 مرات
رد: التوسل ... الاستعانة – الاستغاثة
نزار حسام في مجموعة من تعبد الوهابية
اعلم وفقني الله واياك يا طالب الحق وسبيل الارشاد والرشاد أن التوسل والاستعانة والاستشفاع والاستغاثة بالانبياء مطلوب ومرغوب ومشروع لم يحرمه أحد من السلف الصالح بل كان معروفا بينهم التوسل وذكروه في كتبهم ومؤلفاتهم وهو المعروف من حالهم وأقوالهم فضلا عن الاحاديث التي جاءت به المصرحة والمبينة لمشروعيته حتى نبغت وظهرت بدعة تحريم التوسل من رجل قد ضل الطريق وحرم التوسل والاستغاثة وهو أحمد بن تيمية الحراني كما قال السبكي الكبير في الشفاء وقال العلامة المناوي في فيض القدير 2 ( 134 قال الامام الحافظ السبكي ( ويحسن التوسل والاستعانة والتشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم الى ربه ولم ينكر ذلك أحد من السلف ولا من الخلف ), وتبعه واقتدى به جماعة ضلوا النهج القويم وقلدوه تقليدا أعمى في التحريم وصرحوا بتحريم الزيارة بل وفي أهم أمور الدين وهي العقيدة فشبهوا الله ووصفوه بالجسمية والجهة والمكان والحد والاستقرار والتبدل والتغير والانتقال وهم مشبهة مجسمة ولو زعموا أنهم من أهل السنة , ومن هؤلاء أتباع محمد بن عبد الوهاب الضال ومن مشاهيرهم في عصرنا ابن باز ومحمد عثيمين والالباني وعائض القرني وصالح الفوزان وجميل زينو وغيرهم , فجعلوا التوسل بالأنبياء والأولياء والاستغاثة بهم من الأمور الشركية من جنس الشرك وحكموا على المسلمين بالشرك وموهوا وخلطوا وفسروا ايات نزلت في المشركين وجعلوها في أهل الاسلام وجعلوا الدعاء الوارد الذي هو العبادة بمعنى النداء والتوسل والاستثغاثة وبهذا حكموا على المسلمين المتوسلين بالشرك والتكفير وأبطلوا وضعفوا الاحاديث والاثار الواردة والثابتة في هذا الباب من غير دليل ولا تحقيق ولا برهان وانسلخوا عن قواعد الاصطلاح والاصول والجرح والتعديل المقررة جهلا أو عنادا فردوا أحاديث ثابتة لانها لم تتوافق مع أهوائهم ومشربهم وبرهنوا عن افلاسهم وموهوا على ضعاف عقول بعض الناس بشبه ما أنـزل الله بها من سلطان وسلفهم في ذلك أحمد بن تيمية الحراني وابن قيم الجوزية وقد صدق فيهم قوله عليه الصلاة والسلام: أناس من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا دعاة على أبواب جهنم من استجاب لهم قذفوه فيها. فعملا بقول الله تبارك وتعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} وقوله صلى الله عليه وسلم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر .
اعلم وفقني الله واياك يا طالب الحق وسبيل الارشاد والرشاد أن التوسل والاستعانة والاستشفاع والاستغاثة بالانبياء مطلوب ومرغوب ومشروع لم يحرمه أحد من السلف الصالح بل كان معروفا بينهم التوسل وذكروه في كتبهم ومؤلفاتهم وهو المعروف من حالهم وأقوالهم فضلا عن الاحاديث التي جاءت به المصرحة والمبينة لمشروعيته حتى نبغت وظهرت بدعة تحريم التوسل من رجل قد ضل الطريق وحرم التوسل والاستغاثة وهو أحمد بن تيمية الحراني كما قال السبكي الكبير في الشفاء وقال العلامة المناوي في فيض القدير 2 ( 134 قال الامام الحافظ السبكي ( ويحسن التوسل والاستعانة والتشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم الى ربه ولم ينكر ذلك أحد من السلف ولا من الخلف ), وتبعه واقتدى به جماعة ضلوا النهج القويم وقلدوه تقليدا أعمى في التحريم وصرحوا بتحريم الزيارة بل وفي أهم أمور الدين وهي العقيدة فشبهوا الله ووصفوه بالجسمية والجهة والمكان والحد والاستقرار والتبدل والتغير والانتقال وهم مشبهة مجسمة ولو زعموا أنهم من أهل السنة , ومن هؤلاء أتباع محمد بن عبد الوهاب الضال ومن مشاهيرهم في عصرنا ابن باز ومحمد عثيمين والالباني وعائض القرني وصالح الفوزان وجميل زينو وغيرهم , فجعلوا التوسل بالأنبياء والأولياء والاستغاثة بهم من الأمور الشركية من جنس الشرك وحكموا على المسلمين بالشرك وموهوا وخلطوا وفسروا ايات نزلت في المشركين وجعلوها في أهل الاسلام وجعلوا الدعاء الوارد الذي هو العبادة بمعنى النداء والتوسل والاستثغاثة وبهذا حكموا على المسلمين المتوسلين بالشرك والتكفير وأبطلوا وضعفوا الاحاديث والاثار الواردة والثابتة في هذا الباب من غير دليل ولا تحقيق ولا برهان وانسلخوا عن قواعد الاصطلاح والاصول والجرح والتعديل المقررة جهلا أو عنادا فردوا أحاديث ثابتة لانها لم تتوافق مع أهوائهم ومشربهم وبرهنوا عن افلاسهم وموهوا على ضعاف عقول بعض الناس بشبه ما أنـزل الله بها من سلطان وسلفهم في ذلك أحمد بن تيمية الحراني وابن قيم الجوزية وقد صدق فيهم قوله عليه الصلاة والسلام: أناس من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا دعاة على أبواب جهنم من استجاب لهم قذفوه فيها. فعملا بقول الله تبارك وتعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} وقوله صلى الله عليه وسلم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر .
رد: التوسل ... الاستعانة – الاستغاثة
ياسين بن ربيع
#الاستغاثة
والجواب أن يقال باختصار:
قال ابن تيمية الحراني: ((رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ "مُجَابِي الدُّعَاءِ" قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ سَمِعْت كَثِيرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ رِفَاعَةَ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبْجَرَ فَجَسَّ بَطْنَهُ فَقَالَ: بِك دَاءٌ لَا يَبْرَأُ. قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: الدُّبَيْلَةُ [=دمل كبير يقتل]. قَالَ فَتَحَوَّلَ الرَّجُلُ فَقَالَ: اللَّهَ اللَّهَ اللَّهَ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا اللَّهُمَّ إنِّي #أَتَوَجَّهُ_إلَيْك_بِنَبِيِّكَ_مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا، #يَا_مُحَمَّدُ_إنِّي_أَتَوَجَّهُ_بِكَ_إلَى_رَبِّكَ وَرَبِّي يَرْحَمُنِي مِمَّا بِي. قَالَ فَجَسَّ بَطْنَهُ فَقَالَ: قَدْ بَرِئْت مَا بِك عِلَّةٌ".
قُلْتُ [=ابْنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِي]: #فَهَذَا_الدُّعَاءُ_وَنَحْوُهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ #دَعَا_بِهِ_السَّلَفُ، وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي مَنْسَكِ المروذي التَّوَسُّلُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاءِ وَنَهَى عَنْهُ آخَرُونَ. فَإِنْ كَانَ مَقْصُودُ الْمُتَوَسِّلِينَ التَّوَسُّلَ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِمَحَبَّتِهِ وَبِمُوَالَاتِهِ وَبِطَاعَتِهِ فَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُمْ التَّوَسُّلَ بِذَاتِهِ فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَمَا تَنَازَعُوا فِيهِ يُرَدُّ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)) بحروفه!!! [مجموع الفتاوى (264/1)، قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص:199)].
وها هنا أمور:
أولا: لا حرج في الاستغاثة بمعنى طلب الدعاء من النبي أو الولي وهو حي في قبره مع اعتقاد أن الفاعل هو الله كما جاء ذلك عن السلف في حديث عثمان بن حنيف وهو حديث صحيح، وكذلك أثر مالك الدار الذي صححه الحافظ ابن حجر العسقلاني وجوَّد إسناده الحافظ ابن كثير وأقره حتى ابن تيمية الحراني مع أنه ينسف مذهبه في المسألة نسفا..الخ أدلة أهل السنة المبسوطة في مظانها..
ثانيا: يعد ابن أبجر من أيمة السلف أتباع التابعين، وقد كان الإمام سفيان الثوري يحدِّث عنه فيقول: "حدَّثنا مَن لَمْ تَرَ عينك مثله: ابن أبجر" كما في "تهذيب الكمال" للحافظ المزِّي، وكذلك لما حضرته الوفاة أوصى سفيان الثوري أن يصلي عليه ابن أبجر كما تجده في "تهذيب التهذيب" للحافظ ابن حجر العسقلاني..الخ
ثالثا: قول الإمام ابن أبجر: ((يَا مُحَمَّدُ إنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إلَى رَبِّكَ)) استغاثة صريحة بالميت الغائب حسب تعبير التيمية: استغاثة بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو حيٌّ في قبره الشريف، وقد اعترف ابن تيمية الحراني بأن هذا الدعاء [=الاستغاثة] دعا به السلف فقال: ((فَهَذَا الدُّعَاءُ وَنَحْوُهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ دَعَا بِهِ السَّلَف)) ولكنه كما ترى فضَّل هنا سياسة "الهروب إلى الأمام" فلم يخبرنا كيف يا ترى سيسقط فعل السلف هذا على مذهبه الشاذ المعروف في المسألة؟! مع أن تصريحه هنا حول هذا الأثر وعمل السلف به يناقض بمائة وثمانين درجة حكمه هو نفسه بالشرك الأكبر المبيح للدم والمال على المستغيثين بالأنبياء والأولياء الصالحين في قبورهم!!!..وهذه احدى عجائب المتناقضات عند هذا الرجل..
رابعا: لا يزال أيمة الإسلام يذكرون مثل هذه الاستغاثات، ويعدونها من مناقب أيمة السلف والخلف ممَّن يترجمون لهم في كتبهم، وعلى هذا ما ذكروه عن الإمام ابن أبجر، إلى أن جاء ابن تيمية الحراني واخترع بدعة التشريك هذه بالاستغاثة، فحكم على عموم أمة التوحيد المرحومة سلفا وخلفا بالشرك الأكبر، ولا يُعرف قبله مَن خالف في هذه المسألة السواد الأعظم غيره، ولكن أيمة الإسلام ألقموه بالحجج وألزموه بالأدلة وأسكتوه بالحجة والبيان قبل السيف والسنان فانطفأت بدعته معه، ولكن لما كان لكل ساقطة لاقطة -كما يقال- جاء بعده الوهابية وصادفت شواذه هذه هوى عند القوم! فأعملوها لأجل مآرب سياسية باسم "الإصلاح" و"السلفية" وغيرها من الشعارات التي تحاكي الشعارات الكاذبة التي ترفع في الحملات الانتخابية في عالمنا، وقد تبع الوهابية في هذه البدعة الخطيرة أدعياء السلفية ومشتقاتها كالباديسية عندنا والعبدوية في مصر وغيرهم. وتأمل أيها العاقل أوَّل أمر تقوم به الجماعات "الإسلاموية" المسلحة في ليبيا والشام وغيرها من هدم لضرائح الأولياء وغيره حتى تدرك جيدا هذه الحقيقة..
خامسا: أمام ابن تيمية وأتباعه أدعياء السلفية أحد الأمرين لا ثالث لهما:
(أ) طرد حكمهم الشاذ بالشرك الأكبر على السلف أيضا، ليلحقوا رأسا بسلفهم الحرورية، وهذا هو حقيقة مذهبهم الضال المضل..
(ب) التوبة إلى الله والانابة إليه، والاعتراف بأنهم استعملوا كآلات مبرمجة للقدح في عقيدة نقلة دين الله أيمة الإسلام، وأنهم ولغباوتهم وشقاوتهم وُظِّفوا سياسيا باسم الدين من طرف أعداء الإسلام لاستنزاف ثروات بلاد الإسلام والقضاء على دولة الخلافة العثمانية..
والله الموفق..
#الاستغاثة
والجواب أن يقال باختصار:
قال ابن تيمية الحراني: ((رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ "مُجَابِي الدُّعَاءِ" قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ سَمِعْت كَثِيرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ رِفَاعَةَ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبْجَرَ فَجَسَّ بَطْنَهُ فَقَالَ: بِك دَاءٌ لَا يَبْرَأُ. قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: الدُّبَيْلَةُ [=دمل كبير يقتل]. قَالَ فَتَحَوَّلَ الرَّجُلُ فَقَالَ: اللَّهَ اللَّهَ اللَّهَ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا اللَّهُمَّ إنِّي #أَتَوَجَّهُ_إلَيْك_بِنَبِيِّكَ_مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا، #يَا_مُحَمَّدُ_إنِّي_أَتَوَجَّهُ_بِكَ_إلَى_رَبِّكَ وَرَبِّي يَرْحَمُنِي مِمَّا بِي. قَالَ فَجَسَّ بَطْنَهُ فَقَالَ: قَدْ بَرِئْت مَا بِك عِلَّةٌ".
قُلْتُ [=ابْنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِي]: #فَهَذَا_الدُّعَاءُ_وَنَحْوُهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ #دَعَا_بِهِ_السَّلَفُ، وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي مَنْسَكِ المروذي التَّوَسُّلُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاءِ وَنَهَى عَنْهُ آخَرُونَ. فَإِنْ كَانَ مَقْصُودُ الْمُتَوَسِّلِينَ التَّوَسُّلَ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِمَحَبَّتِهِ وَبِمُوَالَاتِهِ وَبِطَاعَتِهِ فَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُمْ التَّوَسُّلَ بِذَاتِهِ فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَمَا تَنَازَعُوا فِيهِ يُرَدُّ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)) بحروفه!!! [مجموع الفتاوى (264/1)، قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص:199)].
وها هنا أمور:
أولا: لا حرج في الاستغاثة بمعنى طلب الدعاء من النبي أو الولي وهو حي في قبره مع اعتقاد أن الفاعل هو الله كما جاء ذلك عن السلف في حديث عثمان بن حنيف وهو حديث صحيح، وكذلك أثر مالك الدار الذي صححه الحافظ ابن حجر العسقلاني وجوَّد إسناده الحافظ ابن كثير وأقره حتى ابن تيمية الحراني مع أنه ينسف مذهبه في المسألة نسفا..الخ أدلة أهل السنة المبسوطة في مظانها..
ثانيا: يعد ابن أبجر من أيمة السلف أتباع التابعين، وقد كان الإمام سفيان الثوري يحدِّث عنه فيقول: "حدَّثنا مَن لَمْ تَرَ عينك مثله: ابن أبجر" كما في "تهذيب الكمال" للحافظ المزِّي، وكذلك لما حضرته الوفاة أوصى سفيان الثوري أن يصلي عليه ابن أبجر كما تجده في "تهذيب التهذيب" للحافظ ابن حجر العسقلاني..الخ
ثالثا: قول الإمام ابن أبجر: ((يَا مُحَمَّدُ إنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إلَى رَبِّكَ)) استغاثة صريحة بالميت الغائب حسب تعبير التيمية: استغاثة بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو حيٌّ في قبره الشريف، وقد اعترف ابن تيمية الحراني بأن هذا الدعاء [=الاستغاثة] دعا به السلف فقال: ((فَهَذَا الدُّعَاءُ وَنَحْوُهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ دَعَا بِهِ السَّلَف)) ولكنه كما ترى فضَّل هنا سياسة "الهروب إلى الأمام" فلم يخبرنا كيف يا ترى سيسقط فعل السلف هذا على مذهبه الشاذ المعروف في المسألة؟! مع أن تصريحه هنا حول هذا الأثر وعمل السلف به يناقض بمائة وثمانين درجة حكمه هو نفسه بالشرك الأكبر المبيح للدم والمال على المستغيثين بالأنبياء والأولياء الصالحين في قبورهم!!!..وهذه احدى عجائب المتناقضات عند هذا الرجل..
رابعا: لا يزال أيمة الإسلام يذكرون مثل هذه الاستغاثات، ويعدونها من مناقب أيمة السلف والخلف ممَّن يترجمون لهم في كتبهم، وعلى هذا ما ذكروه عن الإمام ابن أبجر، إلى أن جاء ابن تيمية الحراني واخترع بدعة التشريك هذه بالاستغاثة، فحكم على عموم أمة التوحيد المرحومة سلفا وخلفا بالشرك الأكبر، ولا يُعرف قبله مَن خالف في هذه المسألة السواد الأعظم غيره، ولكن أيمة الإسلام ألقموه بالحجج وألزموه بالأدلة وأسكتوه بالحجة والبيان قبل السيف والسنان فانطفأت بدعته معه، ولكن لما كان لكل ساقطة لاقطة -كما يقال- جاء بعده الوهابية وصادفت شواذه هذه هوى عند القوم! فأعملوها لأجل مآرب سياسية باسم "الإصلاح" و"السلفية" وغيرها من الشعارات التي تحاكي الشعارات الكاذبة التي ترفع في الحملات الانتخابية في عالمنا، وقد تبع الوهابية في هذه البدعة الخطيرة أدعياء السلفية ومشتقاتها كالباديسية عندنا والعبدوية في مصر وغيرهم. وتأمل أيها العاقل أوَّل أمر تقوم به الجماعات "الإسلاموية" المسلحة في ليبيا والشام وغيرها من هدم لضرائح الأولياء وغيره حتى تدرك جيدا هذه الحقيقة..
خامسا: أمام ابن تيمية وأتباعه أدعياء السلفية أحد الأمرين لا ثالث لهما:
(أ) طرد حكمهم الشاذ بالشرك الأكبر على السلف أيضا، ليلحقوا رأسا بسلفهم الحرورية، وهذا هو حقيقة مذهبهم الضال المضل..
(ب) التوبة إلى الله والانابة إليه، والاعتراف بأنهم استعملوا كآلات مبرمجة للقدح في عقيدة نقلة دين الله أيمة الإسلام، وأنهم ولغباوتهم وشقاوتهم وُظِّفوا سياسيا باسم الدين من طرف أعداء الإسلام لاستنزاف ثروات بلاد الإسلام والقضاء على دولة الخلافة العثمانية..
والله الموفق..
مواضيع مماثلة
» الاستعانة بالقرآن العظيم
» الاستغاثة والتوسل والعبادة والدعاء..
» قول الشيخ محمد بن عبدالوهاب و الشيخ ابن تيمية رحمهما الله في التوسل والاستغاثة
» الأدلة على التوسل والاستغاثة بالأموات
» أقوال العلماء والصالحين والوهابية في التوسل والاستغاثة
» الاستغاثة والتوسل والعبادة والدعاء..
» قول الشيخ محمد بن عبدالوهاب و الشيخ ابن تيمية رحمهما الله في التوسل والاستغاثة
» الأدلة على التوسل والاستغاثة بالأموات
» أقوال العلماء والصالحين والوهابية في التوسل والاستغاثة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى