رعاية الله لمن وجهوا هممهم إليه
صفحة 1 من اصل 1
رعاية الله لمن وجهوا هممهم إليه
رعاية الله لمن وجهوا هممهم إليه
ومثل مقامات اليقين، ونور القين، الجامع لها كالأسوار المحيطة بالبلدة وقلاعها، فالأسوار هي الأنوار، وقلاعها هي مقامات اليقين التي هي دائرة بمدينة القلب، فمن أحاط بقلبه سور يقينه، وصحح مقاماته التي هي أسوار الأنوار، كالقلاع، فليس للشيطان إليه سبيل، ولا له في داره مقيل.
ألم تسمع قوله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}. أي لأنهم قد صححوا العبودية لي، فلا هم لحكمي منازعون، ولا في تدبيري متعرضون، بل علي متوكلون، والي مستسلمون، فلذلك قام لهم الحق سبحانه بالرعاية والنصر والحماية، ووجهوا هممهم إليه، فكفاهم من دونه.
قيل لبعض العارفين كيف مجاهدتك للشيطان؟
قال وما الشيطان؟ نحن قوم تصرفنا إلى الله تعالى، فكفانا من دونه. وسمعت شيخنا أبا العباس رحمه الله تعالى يقول: (لما قال الحق تعالى: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا، فقوم فهموا من هذا الخطاب: أن الله طالبهم بعداوة الشيطان فصرفوا هممهم إلى عداوته، فشغلهم ذلك عن محبة الحبيب.
وقوم فهموا من ذلك: {إن الشيطان لكم عدو} أي وأنا لكم حبيب، فاشتغلوا بمحبة الله فكفاهم من دونه، ثم ذكر الحكاية المتقدمة. فإن استعاذوا من الشيطان، فلأجل أن الله تعالى أمرهم بذلك، لا لأنهم يشهدون أن لغير الله من الحكم شيئا معه، وكيف يشهدون لغيره حكما معه، وهم يسمعونه يقول:
{إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه}.
وقال سبحانه وتعالى: {إن كيد الشيطان كان ضعيفا}.
وقال عز وجل: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}.
وقال سبحانه وتعالى: {انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون}.
وقال تعالى: {من يتوكل على الله فهو حسبه}.
وقال الله تعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور}.
وقال: {وكان حقا علينا نصر المؤمنين}.
فهذه الآيات ونظائرها قوت قلوب المؤمنين ونصرتهم النصر المبين فان استعاذوا من الشيطان فبأمره، وان استولوا بنور الإيمان عليه فبوجود نصره، وان سلموا من كيده لهم فبتأييده وبره.
قال الشيخ أبو الحسن رحمه الله تعالى:
(اجتمعت برجل في سياحتي فأوصاني، فقال لي: ليس شيء في الأقوال أعون على الأفعال من لا حول ولا قوة إلا بالله، وليس في الأفعال أعون من الفرار إلى الله والاعتصام بالله.
ثم قال: بسم الله، فررت إلى الله، واعتصمت بالله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومن يغفر الذنوب إلا الله.
بسم الله: قول باللسان، صدر عن القلب.
ففروا إلى الله، وصف الروح والسر.
واعتصمت بالله، وصف العقل والنفس.
ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلف الملك والأمر.
ومن يغفر الذنوب إلا الله.
رب أعوذ بك من عمل الشيطان، إنه عدو مضل مبين.
ثم يقول للشيطان هذا علم الله فيك، وبالله آمنت، وعليه توكلت، وأعوذ بالله منك، ولولا ما أمرني ما استعذت منك، ومن أنت حتى أستعيذ بالله منك.
فقد فهمت رحمك الله أن الشيطان أحقر في قلوبهم من أن يضيفوا إليه قدرة، أو ينسبوا له إرادة.
وسر الحكمة في إيجاد الشيطان، أن يكون مظهرا ينسب إليه سباب العصيان، ووجود الكفران والغفلة والنسيان ألم تسمع قوله: {وما أنسانيه إلا الشيطان}. و {هذا من عمل الشيطان}.
فكان سر إيجاده ليمسح فيه أوساخ النسب، ولذلك قال بعض العارفين: (الشيطان منديل هذه الدار، يمسح به وسخ المعاصي، وكل قبيح وخبيث، إن الله تعالى لو شاء أن لا يعصى لما خلق إبليس.
وقال الشيخ أبو الحسن رحمه الله تعالى: الشيطان كالذكر والنفس كالأنثى، وحدوث الذنب بينهما كحدوث الولد بين الأب والأم لا أنها أوجداه، ولكن عنهما كان ظهوره.
ومعنى كلام الشيخ هذا، أنه كما لا يشك عاقل أن الولد ليس من خلق الأب والأم ولا من إيجادهما ونسب إليهما لظهوره عنهما كذلك لا يشك مؤمن، أن المعصية ليست من خلق الشيطان والنفس بل كانت عنهما لا منهما، فلظهورها عنهما نسبت إليهما.
فنسبة المعصية إلى الشيطان والنفس نسبة إضافية وإسناد، ونسبتها إلى الله نسبة خلق وإيجاد، كما أنه خالق الطاعة بفضله، كذلك هو خالق المعصية بعدله.
{قل كل من عند الله، فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا}.
وقال الله تعالى: {والله خالق كل شيء}.
وقال سبحانه وتعالى: {هل من خالق غير الله}.
وقال سبحانه وتعالى: {أفمن يخلق، كمن لا يخلق، أفلا تذكرون}.
والآية القاصمة للمبتدعة المدعين، أن الله لا يخلق الطاعة، ولا يخلق المعصية قوله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون}.
فإن قالوا: قد قال الله تعالى: {إن الله لا يأمر بالفحشاء}.
الجواب فالأمر غير القضاء.
فإن قالوا: قد قال الله تعالى: {وما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك}.
الجواب: فهو على هذا التفصيل، تعليم للعباد التأدب معه، فأمرنا أن نضيف المحاسن إليه، لأنها اللائقة بوجوده، والمساوئ إلينا، لأنها اللائقة بوجودنا، قياما بحسن الأدب كما قال الخضر عليه السلام: {فأردت أن أعيبها}.
وقال: {فأراد ربك أن يبلغا أشدهما}.
وقال إبراهيم عليه السلام: {وإذا مرضت فهو يشفين}.
ولم يقل الخضر: (فأراد ربك أن يعبها، كما قال فأراد ربك أن يبلغا أشدهما).
فأضاف العيب إلى نفسه، والمحاسن إلى سيده، وكذلك إبراهيم عليه السلام لم يقل: فإذا أمرضني فهو يشفيني، بل قال: إذا مرضت فهو يشفين.
فأضاف المرض إلى نفسه، والشفاء إلى ربه، مع إن الله تعالى هو فاعل ذلك حقيقة وخالقه.
فقوله تعالى: {ما أصابك من حسنة فمن الله} أي خلقا وإيجادا.
{وما أصابك من سيئة فمن نفسك} أي إضافة وإسنادا.
كما قال عليه السلام (الخير بيديك، والشر ليس إليك).
فقد علم عليه السلام، أن الله خالق للخير والشر، والنفع والضر ولكن التزم أدب التعبير فقال:
(الخير بيديك والشر ليس إليك) على ما بيناه فافهم.
فإن قالوا: إن الحق سبحانه وتعالى، منزه عن أن يخلق المعصية؟
(الجواب) قلنا: تعالى الله أن يكون في ملكه ما لا يريد فافهم هدانا الله وإياك إلى الصراط المستقيم، وأقامنا على الدين القويم بفضله.
ومثل مقامات اليقين، ونور القين، الجامع لها كالأسوار المحيطة بالبلدة وقلاعها، فالأسوار هي الأنوار، وقلاعها هي مقامات اليقين التي هي دائرة بمدينة القلب، فمن أحاط بقلبه سور يقينه، وصحح مقاماته التي هي أسوار الأنوار، كالقلاع، فليس للشيطان إليه سبيل، ولا له في داره مقيل.
ألم تسمع قوله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}. أي لأنهم قد صححوا العبودية لي، فلا هم لحكمي منازعون، ولا في تدبيري متعرضون، بل علي متوكلون، والي مستسلمون، فلذلك قام لهم الحق سبحانه بالرعاية والنصر والحماية، ووجهوا هممهم إليه، فكفاهم من دونه.
قيل لبعض العارفين كيف مجاهدتك للشيطان؟
قال وما الشيطان؟ نحن قوم تصرفنا إلى الله تعالى، فكفانا من دونه. وسمعت شيخنا أبا العباس رحمه الله تعالى يقول: (لما قال الحق تعالى: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا، فقوم فهموا من هذا الخطاب: أن الله طالبهم بعداوة الشيطان فصرفوا هممهم إلى عداوته، فشغلهم ذلك عن محبة الحبيب.
وقوم فهموا من ذلك: {إن الشيطان لكم عدو} أي وأنا لكم حبيب، فاشتغلوا بمحبة الله فكفاهم من دونه، ثم ذكر الحكاية المتقدمة. فإن استعاذوا من الشيطان، فلأجل أن الله تعالى أمرهم بذلك، لا لأنهم يشهدون أن لغير الله من الحكم شيئا معه، وكيف يشهدون لغيره حكما معه، وهم يسمعونه يقول:
{إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه}.
وقال سبحانه وتعالى: {إن كيد الشيطان كان ضعيفا}.
وقال عز وجل: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}.
وقال سبحانه وتعالى: {انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون}.
وقال تعالى: {من يتوكل على الله فهو حسبه}.
وقال الله تعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور}.
وقال: {وكان حقا علينا نصر المؤمنين}.
فهذه الآيات ونظائرها قوت قلوب المؤمنين ونصرتهم النصر المبين فان استعاذوا من الشيطان فبأمره، وان استولوا بنور الإيمان عليه فبوجود نصره، وان سلموا من كيده لهم فبتأييده وبره.
قال الشيخ أبو الحسن رحمه الله تعالى:
(اجتمعت برجل في سياحتي فأوصاني، فقال لي: ليس شيء في الأقوال أعون على الأفعال من لا حول ولا قوة إلا بالله، وليس في الأفعال أعون من الفرار إلى الله والاعتصام بالله.
ثم قال: بسم الله، فررت إلى الله، واعتصمت بالله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومن يغفر الذنوب إلا الله.
بسم الله: قول باللسان، صدر عن القلب.
ففروا إلى الله، وصف الروح والسر.
واعتصمت بالله، وصف العقل والنفس.
ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلف الملك والأمر.
ومن يغفر الذنوب إلا الله.
رب أعوذ بك من عمل الشيطان، إنه عدو مضل مبين.
ثم يقول للشيطان هذا علم الله فيك، وبالله آمنت، وعليه توكلت، وأعوذ بالله منك، ولولا ما أمرني ما استعذت منك، ومن أنت حتى أستعيذ بالله منك.
فقد فهمت رحمك الله أن الشيطان أحقر في قلوبهم من أن يضيفوا إليه قدرة، أو ينسبوا له إرادة.
وسر الحكمة في إيجاد الشيطان، أن يكون مظهرا ينسب إليه سباب العصيان، ووجود الكفران والغفلة والنسيان ألم تسمع قوله: {وما أنسانيه إلا الشيطان}. و {هذا من عمل الشيطان}.
فكان سر إيجاده ليمسح فيه أوساخ النسب، ولذلك قال بعض العارفين: (الشيطان منديل هذه الدار، يمسح به وسخ المعاصي، وكل قبيح وخبيث، إن الله تعالى لو شاء أن لا يعصى لما خلق إبليس.
وقال الشيخ أبو الحسن رحمه الله تعالى: الشيطان كالذكر والنفس كالأنثى، وحدوث الذنب بينهما كحدوث الولد بين الأب والأم لا أنها أوجداه، ولكن عنهما كان ظهوره.
ومعنى كلام الشيخ هذا، أنه كما لا يشك عاقل أن الولد ليس من خلق الأب والأم ولا من إيجادهما ونسب إليهما لظهوره عنهما كذلك لا يشك مؤمن، أن المعصية ليست من خلق الشيطان والنفس بل كانت عنهما لا منهما، فلظهورها عنهما نسبت إليهما.
فنسبة المعصية إلى الشيطان والنفس نسبة إضافية وإسناد، ونسبتها إلى الله نسبة خلق وإيجاد، كما أنه خالق الطاعة بفضله، كذلك هو خالق المعصية بعدله.
{قل كل من عند الله، فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا}.
وقال الله تعالى: {والله خالق كل شيء}.
وقال سبحانه وتعالى: {هل من خالق غير الله}.
وقال سبحانه وتعالى: {أفمن يخلق، كمن لا يخلق، أفلا تذكرون}.
والآية القاصمة للمبتدعة المدعين، أن الله لا يخلق الطاعة، ولا يخلق المعصية قوله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون}.
فإن قالوا: قد قال الله تعالى: {إن الله لا يأمر بالفحشاء}.
الجواب فالأمر غير القضاء.
فإن قالوا: قد قال الله تعالى: {وما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك}.
الجواب: فهو على هذا التفصيل، تعليم للعباد التأدب معه، فأمرنا أن نضيف المحاسن إليه، لأنها اللائقة بوجوده، والمساوئ إلينا، لأنها اللائقة بوجودنا، قياما بحسن الأدب كما قال الخضر عليه السلام: {فأردت أن أعيبها}.
وقال: {فأراد ربك أن يبلغا أشدهما}.
وقال إبراهيم عليه السلام: {وإذا مرضت فهو يشفين}.
ولم يقل الخضر: (فأراد ربك أن يعبها، كما قال فأراد ربك أن يبلغا أشدهما).
فأضاف العيب إلى نفسه، والمحاسن إلى سيده، وكذلك إبراهيم عليه السلام لم يقل: فإذا أمرضني فهو يشفيني، بل قال: إذا مرضت فهو يشفين.
فأضاف المرض إلى نفسه، والشفاء إلى ربه، مع إن الله تعالى هو فاعل ذلك حقيقة وخالقه.
فقوله تعالى: {ما أصابك من حسنة فمن الله} أي خلقا وإيجادا.
{وما أصابك من سيئة فمن نفسك} أي إضافة وإسنادا.
كما قال عليه السلام (الخير بيديك، والشر ليس إليك).
فقد علم عليه السلام، أن الله خالق للخير والشر، والنفع والضر ولكن التزم أدب التعبير فقال:
(الخير بيديك والشر ليس إليك) على ما بيناه فافهم.
فإن قالوا: إن الحق سبحانه وتعالى، منزه عن أن يخلق المعصية؟
(الجواب) قلنا: تعالى الله أن يكون في ملكه ما لا يريد فافهم هدانا الله وإياك إلى الصراط المستقيم، وأقامنا على الدين القويم بفضله.
_________________
مواضيع مماثلة
» عمر رضي الله عنه يبكي عند قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم
» بيان قول (لو كان خيرا لسبقونا إليه)
» إظهار الفاقة إليه تعالى
» موقف الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رحمه الله من الخلافات التي حصلت بين الصحابة رضي الله عنهم
» حديث توسل الاعمى برسول الله صل الله علي و سلم
» بيان قول (لو كان خيرا لسبقونا إليه)
» إظهار الفاقة إليه تعالى
» موقف الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رحمه الله من الخلافات التي حصلت بين الصحابة رضي الله عنهم
» حديث توسل الاعمى برسول الله صل الله علي و سلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى