فضائل معاوية - رضي الله عنه
فضائل معاوية - رضي الله عنه
من فضائل معاوية - رضي الله عنه -
في القرآن الكريم:
* قال الله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26)} (التوبة:25 - 26).ومعاوية - رضي الله عنه - من الذين شهدوا غزوة حُنين المقصودة في الآيات، وكان من المؤمنين الذين أنزل الله سكينتَه عليهم مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.
* وقال - عز وجل -: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)} (الحديد:10).
ومعاوية - رضي الله عنه - لا يخلو أن يكون على حالَين:
· أن يكون قد أسلم قبل فتح مكة كما رجّح وصحّح الحافظُ ابنُ حَجَر.
· أو يكون بعد ذلك، وقد أنفق وقاتل في حُنين والطائف مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فهو ممن وعَدَهم الله الحُسنى بنص الآية.
والحُسنى: الجنّة، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102)} (الأنبياء:101 - 102). وهل يُخْلِف الله وعده.
* وقال تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)} (التوبة:117).
وساعةُ العُسرة هي غزوةُ تَبُوك، وقد شَهِدَها مُعاوية - رضي الله عنه -.
في السُّنّة النبوية الصحيحة
من الشبهات التي يتعلق بها البعض شبهة أن المحدثين الأوائل ضعفوا الأحاديث الواردة في فضل معاوية - رضي الله عنه - ومن ذلك:
الشبهة الأولى: ما يتشدق به البعض من نقلهم عن إسحاق بن راهويه أنه قال: «لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في فضل معاوية شيء».
والجواب:
هذا القول عن ابن راهويه باطل ولم يثبت عنه (1).
وقد أورده السيوطي في «اللآلي المصنوعة» (2)، وابن عراق الكناني في «تنزيه الشريعة» (3)، والشوكاني في الفوائد المجموعة (4) وعلق على ذلك بقوله: «قلت: قد ذكر الترمذي في الباب الذي ذكره في مناقب معاوية من سننه ما هو معروف فليراجع».
وعلى فرض صحة هذا القول عن إسحاق بن راهويه يجاب عنه بما يلي:
* أنه يوجد من الأئمة من ذكر أحاديث في فضل معاوية مصححًا لها!
وهم بهذا يخالفون من قال بأنه «لا يصح في فضل معاوية شيء» ومن هؤلاء الأئمة:
1 - الإمام الآجري رحمه الله في «كتاب الشريعة» (5) بوَّبَ: سياق ما روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في فضائل أبي عبد الرحمن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما -.
2 - الإمام الذهبي - رحمه الله - كما في «سير أعلام النبلاء» (6) فقد ذكر أحاديث في فضل معاوية - رضي الله عنه - وقال بعد ذلك: «فهذه أحاديث مقاربة».
3 - الحافظ ابن كثير كما في «البداية والنهاية» حيث قال - رحمه الله - بعد أن ذكر أحاديث في فضل معاوية - رضي الله عنه -: «واكتفينا بما أوردناه من الأحاديث الصحاح والحسان والمستجادات عما سواه من المصنوعات والمنكرات» (7).
وقال في تعليقه على قول النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - لِمُعَاوِيَةَ: «اللهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا وَاهْدِ بِهِ»: «وقد اعتنى ابن عساكر بهذا الحديث وأطنب فيه وأطيب وأطرب وأفاد وأحسن الانتقاد فرحمه الله كم من موطن قد تبرز فيه على غيره من الحفاظ والنقاد» (.
4 - والحافظ ابن عساكر كما في «تاريخ دمشق» (9).
5 - وابن حجر الهيتمي في «تطهير الجنان» (10).
الشبهة الثانبة: ما يشاع أن الإمام البخاري لم يجد في فضائل معاوية شيئًا.
والجواب:
قد عقد الإمام البخاري - رحمه الله - في كتاب فضائل الصحابة من صحيحه بابًا قاله فيه: (بَاب ذِكْرِ مُعَاوِيَةَ - رضي الله عنه -)، أورد فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها: عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: أَوْتَرَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ الْعِشَاءِ بِرَكْعَةٍ وَعِنْدَهُ مَوْلًى لِابْنِ عَبَّاسٍ فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: «دَعْهُ فَإِنَّهُ قَدْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -».
ثانيها: عَنْ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: «هَلْ لَكَ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ فَإِنَّهُ مَا أَوْتَرَ إِلَّا بِوَاحِدَةٍ؟».
قَالَ: «أَصَابَ إِنَّهُ فَقِيهٌ».
ثالثها: عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: «إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلَاةً لَقَدْ صَحِبْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ».
وأما أن الإمام البخاري عبّر في ترجمة معاوية - رضي الله عنه - بقوله: «بَاب ذِكْرِ مُعَاوِيَةَ - رضي الله عنه -»، ولم يقل فضيلة ولا منقبة، فإن الإمام البخاري كذلك عبّر في ترجمة عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - بقوله: «بَاب ذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -»، ولم يقل فضيلة ولا منقبة. علمًا أنه أخرج فيه قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «اللهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ».
وهذا لا يختلف عاقل أنه فضيلة عظيمة لابن عباس - رضي الله عنه -. فهل يفهم أحد من ذلك أن عبد الله بن عباس ومعاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهم - ليس لهما فضائل؟!
قال الحافظ ابن حجر في شرحه: «عَبَّرَ الْبُخَارِيّ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَة بِقَوْلِهِ: «ذِكْر» وَلَمْ يَقُلْ فَضِيلَة وَلَا مَنْقَبَة لِكَوْنِ الْفَضِيلَة لَا تُؤْخَذ مِنْ حَدِيث الْبَاب، لِأَنَّ ظَاهِر شَهَادَة اِبْن عَبَّاس لَهُ بِالْفِقْهِ وَالصُّحْبَة دَالَّة عَلَى الْفَضْل الْكَثِير، وَقَدْ صَنَّفَ اِبْن أَبِي عَاصِم جُزْءًا فِي مَنَاقِبه، وَكَذَلِكَ أَبُو عُمَر غُلَام ثَعْلَب، وَأَبُو بَكْر النَّقَّاش ....
ثم قال الحافظ ابن حجر إن البخاري بِدَقِيقِ نَظَره اِسْتَنْبَطَ مَا يَدْفَع بِهِ رُءُوس الرَّوَافِض» (11).
وقد كان البخاري - رحمه الله - يترضى عن معاوية كلما ذكر اسمه، ثم إنه قد ثبت عند البخاري صحبة معاوية - رضي الله عنه - للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، وثبت فقهه أيضًا كما نص عليه ابن عباس، وقد تقدم الحديث ... وكفى بهذا الثناء من حبر الأمة من فضيلة ومنقبة.
كما أخرج البخاري رحمه الله الحديث الذي دعا فيه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لمعاوية بأن يجعله هاديًا مهديًا ويهدي به في كتابه (التاريخ الكبير).
__________
(1) انظر: الأحاديث النبوية في فضائل معاوية بن أبي سفيان للشيخ محمد الأمين الشنقيطي.
لا دفاعًا عن الألباني لعمرو عبد المنعم (ص 181 - 182).
(2) (1/ 388).
(3) (2/ 7).
(4) (407).
(5) (5/ 1524).
(6) (3/ 350).
(7) (8/ 84).
( (8/ 83).والحديث رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني.
(هَادِيًا) أَيْ لِلنَّاسِ أَوْ دَالًّا عَلَى الْخَيْرِ. (مَهْدِيًّا) أَيْ مُهْتَدِيًا فِي نَفْسِهِ.
(9) (ص59 - 79).
(10) (ص11).
(11) انظر فتح الباري (7/ 103 - 104).
*******************************************************************************************
الشبهة الثالثة: أَخْرَجَ اِبْن الْجَوْزِيّ مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن حَنْبَل: «سَأَلَتْ أَبِي مَا تَقُول فِي عَلِيّ وَمُعَاوِيَة؟».
فَأَطْرَقَ ثُمَّ قَالَ: «اِعْلَمْ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ كَثِير الْأَعْدَاء فَفَتَّشَ أَعْدَاؤُهُ لَهُ عَيْبًا فَلَمْ يَجِدُوا، فَعَمَدُوا إِلَى رَجُل قَدْ حَارَبَهُ فَأَطْرَوْهُ كِيَادًا مِنْهُمْ لِعَلِيٍّ» (1).
والجواب: هذه القصة عجيبة الله أعلم بمدى صحة إسنادها.
وقد رواها ابن الجوزي فقال: أنبأنا هبة الله بن أحمد الجريرى أنبأنا محمد بن على بن الفتح أنبأنا الدارقطني حدثنا أبو الحسين عبدالله بن إبراهيم بن جعفر بن نيار البزاز حدثنا أبو سعيد بن الحرفى حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: ... ».
ولم أجد مَن ترجم لبعض رواته، وقال الإمام الذهبي في ترجمة: مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الفَتْحِ: «وَقَدْ أُدْخِلَ فِي سَمَاعه مَا لَمْ يَتَفَطَّنْ لَهُ» (2).
والقصة على أية حال ليس لها علاقة بموضوعنا؛ فإن الإمام أحمد ـ على فرض صحة القصة ـ قد أشار إلى أن أعداء علي - رضي الله عنه - قد وضعوا أحاديث في فضائل معاوية - رضي الله عنه -، وهذا شيء معروفٌ مسلّمٌ به، بل والعكس صحيح كذلك، فقد وضع شيعة عليٍّ الكثير من الأحاديث في ذم معاوية، وكلها موضوعة. ووضعوا في فضائل علي أكثر بأضعاف مما وضع النواصب في فضائل معاوية - رضي الله عنهما -.
أما عقيدة إمام أهل السنة والجماعة في عصر أحمد بن حنبل فقد كانت واضحة جدًا في الترضي عن معاوية - رضي الله عنه - والإنكار على من يذمه.
قال الخلال: «أخبرنا أبو بكر المروزي قال: قيل لأبي عبد الله ونحن بالعسكر وقد جاء بعض رسل الخليفة وهو يعقوب، فقال: «يا أبا عبد الله، ما تقول فيما كان من علي ومعاوية رحمهما الله؟».فقال أبو عبد الله: «ما أقول فيها إلا الحسنى رحمهم الله أجمعين» (3).
بل قد صحح الإمام أحمد حديثًا في فضل معاوية - رضي الله عنه -.فقد روى الخلال: أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال: قلت لأحمد ابن حنبل: «أليس قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كُلّ صِهْرٍ وَنَسَبٍ يَنْقَطِعُ إلّا صِهْرِي وَنَسَبِي» (4)؟
قال: «بلى!».
قلت: «وهذه لمعاوية؟».
قال: «نعم، له صهر ونسب».
قال: «وسمعت ابن حنبل يقول: «ما لهم ولمعاوية؟ نسأل الله العافية!» (5).
ويستفادُ منه تثبيتُ الإمام أحمد - رحمه الله - للحديث.
وأخيرًا:
على فرض صحة ما ذُكر عن بعض الأئمة من أنه لا يصح شيء في فضل معاوية - رضي الله عنه - فأنهم رحمهم الله لا ريب أنهم يرون أن معاوية داخل في عموم النصوص التي جاءت في فضل الصحابة - رضي الله عنهم -.
فمرادهم لا يصح حديث في فضله بخصوصه أما على سبيل العموم فنعم.
__________
(1) الموضوعات (2/ 24).
(2) سير أعلام النبلاء (35/ 38).
(3) السنة (2/ 460)، وإسناده صحيح.
(4) وفي رواية «كُلُّ سَبَبٍ ونَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غَيْرَ سَبَبي ونَسَبي»، وفي رواية: «غَيْرَ نَسَبِي وصِهري». (وللحديث طرقٌ كثيرة، جوَّدَ بعضَها ابنُ كثير، وصححه ابن السَّكَن، والحاكم، والضياء، والذهبي، والألباني، وغيرُهم).
(5) السنة (654)، وإسناده صحيح.
2amine- مبتدأ
- عدد المساهمات : 3
نقاط : 7
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/01/2016
مواضيع مماثلة
» راي الاشاعرة في معاوية رضي الله عنه و ارضاه
» الرد المبين على شبهات الشيعة حول سيدنا معاوية رضي الله عنه
» مناظر والدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما من أهل الفترة، وكانت هذه المناظرة في بيت الشيخ عبد الله الزاحم رئيس
» عمر رضي الله عنه يبكي عند قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم
» موقف الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رحمه الله من الخلافات التي حصلت بين الصحابة رضي الله عنهم
» الرد المبين على شبهات الشيعة حول سيدنا معاوية رضي الله عنه
» مناظر والدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما من أهل الفترة، وكانت هذه المناظرة في بيت الشيخ عبد الله الزاحم رئيس
» عمر رضي الله عنه يبكي عند قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم
» موقف الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رحمه الله من الخلافات التي حصلت بين الصحابة رضي الله عنهم
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى