علاقة الصفات بالذات للعلامة سعيد فودة
علاقة الصفات بالذات للعلامة سعيد فودة
بحث هام للعلامة سعيد فودة عن علاقة الصفات بالذات الأقدس و أقوال الفرق الاسلامية
علاقة الصفات بالذات
وأقوال الفرق الإسلامية
كتبه
سعيد فودة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد،
فإنَّ مما كثر النزاع فيه من مسائل الاعتقاد الصفات وعلاقتها بالذات: هل هي غير الذات أو زائدة عنها، وهل المجموع يستلزم التركيب المستلزم للافتقار والإمكان، أو لا؟ وهل كون الصفات زائدة على الذات يستلزم افتقار الذات إلىها؟ وهل تعدد الصفات يستلزم تكثر القدماء أو لا؟ وهل الصفات أجزاء للذات أو لا؟ إلى غير ذلك من مسائل اهتمَّ بها المسملمون جانبا من الاهتمام، وحصل بينهم الخلاف فيها.
وسوف أبين في هذه الصفحات باختصار أهمَّ ما دار في هذه المسائل، وألحق في آخر هذا البحث الموجز كلمات لبعض العلماء من الإسلاميين من الفرق المختلفة ليكون أمام طالب العلم مادة لدراسة المسألة من كلامهم.
تحرير محل النزاع
لقد ثبت عند أهل الإسلام بلا اختلاف بينهم، أن الله تعالى وهو واجب الوجود وهو خالق العالم، له ذات، أي إنه قائم بنفسه غير محتاج إلى محل ليقوم فيه، ووجوده غير متوقف على غيره في التحقق، وهذا هو المقصود من إثبات الذات لواجب الوجود، فلو كان غير ذات لما كان واجب الوجود، ولما كان خالقا ولا إلها.
ثم اتفق أهل الإسلام على أن هذه الذات لا بدَّ أن تكون قديمة لا أول لوجودها، ولا يجوز أن يكون وجودها مستمدا من غيرها، فهي ليست ممكنة ولا مفتقرة إلى غيرها في الوجود.
وليس في هذا الموضع مجال للنزاع أصلاً!
ولكنهم اختلفوا في جهات أخرى:
أولا: فريق منهم قال إن الذات هي عين وجود الله تعالى، وهي غير متصفة بصفات وجودية زائدة عليها لا معانٍ ولا أبعاض ولا أجزاء. فقالوا بتجرد الذات عن الصفات الوجودية مطلقاً، ولم يصفوا الله تعالى إلا بالسلوب والاعتبارات والإضافات، ولذلك أرجعوا نحوَ العلم والقدرة إلى اعتبارات للذات وإضافات ، أو إلى سلوب كسلب الجهل وسلب العجز، وهكذا. وزعموا أنَّ إثبات صفات معانٍ زائدة على الذات يستلزم إثبات قدماء كثيرين، فيكفر من أثبتها كما كفرنا النصارى، أو يلزمه التشبيه. وأحالوا أيضاً اتصافه تعالى بصفات معانٍ حادثة. وهؤلاء هم المعتزلة.
ثانيا: وقال فريق من أهل الإسلام إن الله تعالى له ذات وله صفات معانٍ زائدة على الذات، وهذه الصفات وجودية، ويتصف بالصفات الوجودية الحادثة التي لم تكن قائمة به ثم تقوم، ولذلك أجازوا اتصافه بالصفات الحادثة، وأجازوا أيضا اتصاف الله تعالى بالأبعاض والأجزاء، وسمَّوا هذه صفات أعيانٍ. فصار عندهم قسمان من الصفات
القسم الأول: صفات معانٍ، أي صفات هي معانٍ في نفسها، وهذه زائدة على الذات، وبعضها قديم كالقدرة وبعضها حادث كالإرادة والغضب والرضا وغيرها، فاتصاف الله تعالى بالغضب معناه عندهم أن هناك معنى وجوديا يقوم بالله تعالى وهذا المعنى الوجودي حادث، لم يكن الله تعالى متصفا به ثم اتصف. فالمعاني عندهم قسمان حادث وقديم.
القسم الثاني: صفات أعيان، أي صفات هي أعيان في نفسها، وهذه الصفات أبعاضٌ للذات وليست مجرد معانٍ كالعلم والقدرة، بل لها محلٌّ ولها حيز معين وليست عين الذات بل زائدة عليها ولكنها لا تنفك عنها، ونسبتها إلى الذات كنسبة الجزء إلى الكل، وقالوا إن يدّ الله تعالى ووجهه وأصابعه وعينيه من هذا القسم.
وبعضهم يصرح بذلك، وبعضهم يتهرب في ألفاظه وكلماته ويخاف تشنيع أهل السنة وغيرهم، فلا يصرح! وكأنَّ الأمر متوقف على تصريحه فقط! ولكنَّ هذا المعنى هو المفهوم من حاصل كلامهم ومجموعه ومن مواضع كثيرة على منفردة دالة على ما يريدون.
وهذه الفرقة هي المجسمة على اختلاف أقسامهم ومذاهبهم.
ثالثا: أهل السنة (الأشاعرة والماتريدية) الذين قالوا إن لله ذاتا وصفات، والصفات إما وجودية وإما غيرها (كالسلبية والنفسية)، وقد يشتق لله تعالى صفات من تعلقات وإضافات للصفات أو للذات من حيثيات معينة، كالـ(ـخالق)؛ فهو مشتق من تعلق القدرة الصلوحي أو التنجيزي بالممكنات، والعالم: مِنْ تعلُّق العلم التنجيزي بالمعلوم، والمنتقم من تعلق القدرة التنجيزي بخلق عذاب من استحق العذاب، أو القادر على ذلك، والمصور من تعلق القدرة التنجيزي بخلق صورة في الذات الممكن المخلوق، أو القادر على ذلك، أي من التعلق الصلوحيّ، وهكذا.
وأما الصفات الوجودية التي أثبتوها للذات فإنما هي معانٍ زائدة على الذات ولكنها ليس بغير الذات ولا عينها، وعرفوا المتغايرين بأنهما اللذان يمكن استقلال وجود أحدهما بمعزل عن الآخر، ولذلك قالوا نحن لم نثبت قدماء كما أثبتت النصارى، فلا يلزمنا ما لزمهم، فالنصارى أثبتوا قدماء ثلاثة كل واحد منهم مستقل بالوجود في نفسه، فصار كل واحد منهم جوهراً، فلزمهم التثليث كما نصَّ القرآن، أي تثليث القدماء، فكفروا لأنهم أثبتوا قدماء مع الله تعالى، والقديم يستحيل أن يكون مخلوقا لله، فهو معه في قدمه، فهو مستغن حقيقة عنه، وإن حاول بعضهم عدم التزام ذلك. فالعبرة في المذاهب باللازم الواضح لا باعتراف صاحب المذهب به.
وأما الصفات العينية أو صفات الأعيان التي أثبتها المجسمة (ومعنى هذا المصطلح: صفات هي في حقيقتها أعيان، أو أعيان يسميها هؤلاء بالصفات!) ، فقد اتفق أهل السنة على نفيها عن الله تعالى، وقالوا إن إثباتها يستلزم تجسيم الله تعالى، وتحديده، وهذا يستلزم كونه ممكنا، كما استلزمه في حق العالم المخلوق، فإننا استدللنا على إمكان العالم الموجب لافتقاره بمحدوديته أو تركبه من أعيان يقوم كل واحد منها بنفسه، ولا يتمُّ الكلُّ إلا بالجزء فثبت الافتقار.
ولذلك خالف أهلُ السنة قاطبة المجسمةَ في هذا الباب.
وأمَّا الصفات المعاني الحادثة التي أثبتها المجسمة كما ذكرنا، فقد وقف منها أهل السنة موقفا راسخاً فاتفقوا على نفيها، وحكموا على من أثبتها أنه أثبت التغير المستلزم للإمكان على الله تعالى ذاتا وصفاتٍ.
أهمُّ ما احتج به المعتزلة على نفي صفات المعاني:
احتجوا بأمور:
أولا: الإلزام بتكثر القدماء
إثبات الصفات الوجودية القديمة يستلزم تكثر القدماء، والقِدَمُ أخصّ صفات الإله، فهذا يستلزم تكثر الآلهة، فيكفر من أثبته كما كفر النصارى لما أثبتوا الآب والابن والروح القدس.
ثانيا: الإلزام بالتركيب المستلزم للافتقار
القول بزيادة الصفة على الذات يستلزم التركيب المستلزم للافتقار والإمكان. وهذا منافٍ للألوهية.
ثالثا: إلزام١ بافتقار الذات إلى الصفات والعكس
القول بأن الذات متصفة بالصفات يستلزم افتقار الذات إلى الصفة، لأن الصفة إما كمال أو نقص، ويستحيل أن تكون نقصا، فهي كمال للذات، فالذات إذن تكملت بغيرها الذي هوا لصفة
علاقة الصفات بالذات
وأقوال الفرق الإسلامية
كتبه
سعيد فودة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد،
فإنَّ مما كثر النزاع فيه من مسائل الاعتقاد الصفات وعلاقتها بالذات: هل هي غير الذات أو زائدة عنها، وهل المجموع يستلزم التركيب المستلزم للافتقار والإمكان، أو لا؟ وهل كون الصفات زائدة على الذات يستلزم افتقار الذات إلىها؟ وهل تعدد الصفات يستلزم تكثر القدماء أو لا؟ وهل الصفات أجزاء للذات أو لا؟ إلى غير ذلك من مسائل اهتمَّ بها المسملمون جانبا من الاهتمام، وحصل بينهم الخلاف فيها.
وسوف أبين في هذه الصفحات باختصار أهمَّ ما دار في هذه المسائل، وألحق في آخر هذا البحث الموجز كلمات لبعض العلماء من الإسلاميين من الفرق المختلفة ليكون أمام طالب العلم مادة لدراسة المسألة من كلامهم.
تحرير محل النزاع
لقد ثبت عند أهل الإسلام بلا اختلاف بينهم، أن الله تعالى وهو واجب الوجود وهو خالق العالم، له ذات، أي إنه قائم بنفسه غير محتاج إلى محل ليقوم فيه، ووجوده غير متوقف على غيره في التحقق، وهذا هو المقصود من إثبات الذات لواجب الوجود، فلو كان غير ذات لما كان واجب الوجود، ولما كان خالقا ولا إلها.
ثم اتفق أهل الإسلام على أن هذه الذات لا بدَّ أن تكون قديمة لا أول لوجودها، ولا يجوز أن يكون وجودها مستمدا من غيرها، فهي ليست ممكنة ولا مفتقرة إلى غيرها في الوجود.
وليس في هذا الموضع مجال للنزاع أصلاً!
ولكنهم اختلفوا في جهات أخرى:
أولا: فريق منهم قال إن الذات هي عين وجود الله تعالى، وهي غير متصفة بصفات وجودية زائدة عليها لا معانٍ ولا أبعاض ولا أجزاء. فقالوا بتجرد الذات عن الصفات الوجودية مطلقاً، ولم يصفوا الله تعالى إلا بالسلوب والاعتبارات والإضافات، ولذلك أرجعوا نحوَ العلم والقدرة إلى اعتبارات للذات وإضافات ، أو إلى سلوب كسلب الجهل وسلب العجز، وهكذا. وزعموا أنَّ إثبات صفات معانٍ زائدة على الذات يستلزم إثبات قدماء كثيرين، فيكفر من أثبتها كما كفرنا النصارى، أو يلزمه التشبيه. وأحالوا أيضاً اتصافه تعالى بصفات معانٍ حادثة. وهؤلاء هم المعتزلة.
ثانيا: وقال فريق من أهل الإسلام إن الله تعالى له ذات وله صفات معانٍ زائدة على الذات، وهذه الصفات وجودية، ويتصف بالصفات الوجودية الحادثة التي لم تكن قائمة به ثم تقوم، ولذلك أجازوا اتصافه بالصفات الحادثة، وأجازوا أيضا اتصاف الله تعالى بالأبعاض والأجزاء، وسمَّوا هذه صفات أعيانٍ. فصار عندهم قسمان من الصفات
القسم الأول: صفات معانٍ، أي صفات هي معانٍ في نفسها، وهذه زائدة على الذات، وبعضها قديم كالقدرة وبعضها حادث كالإرادة والغضب والرضا وغيرها، فاتصاف الله تعالى بالغضب معناه عندهم أن هناك معنى وجوديا يقوم بالله تعالى وهذا المعنى الوجودي حادث، لم يكن الله تعالى متصفا به ثم اتصف. فالمعاني عندهم قسمان حادث وقديم.
القسم الثاني: صفات أعيان، أي صفات هي أعيان في نفسها، وهذه الصفات أبعاضٌ للذات وليست مجرد معانٍ كالعلم والقدرة، بل لها محلٌّ ولها حيز معين وليست عين الذات بل زائدة عليها ولكنها لا تنفك عنها، ونسبتها إلى الذات كنسبة الجزء إلى الكل، وقالوا إن يدّ الله تعالى ووجهه وأصابعه وعينيه من هذا القسم.
وبعضهم يصرح بذلك، وبعضهم يتهرب في ألفاظه وكلماته ويخاف تشنيع أهل السنة وغيرهم، فلا يصرح! وكأنَّ الأمر متوقف على تصريحه فقط! ولكنَّ هذا المعنى هو المفهوم من حاصل كلامهم ومجموعه ومن مواضع كثيرة على منفردة دالة على ما يريدون.
وهذه الفرقة هي المجسمة على اختلاف أقسامهم ومذاهبهم.
ثالثا: أهل السنة (الأشاعرة والماتريدية) الذين قالوا إن لله ذاتا وصفات، والصفات إما وجودية وإما غيرها (كالسلبية والنفسية)، وقد يشتق لله تعالى صفات من تعلقات وإضافات للصفات أو للذات من حيثيات معينة، كالـ(ـخالق)؛ فهو مشتق من تعلق القدرة الصلوحي أو التنجيزي بالممكنات، والعالم: مِنْ تعلُّق العلم التنجيزي بالمعلوم، والمنتقم من تعلق القدرة التنجيزي بخلق عذاب من استحق العذاب، أو القادر على ذلك، والمصور من تعلق القدرة التنجيزي بخلق صورة في الذات الممكن المخلوق، أو القادر على ذلك، أي من التعلق الصلوحيّ، وهكذا.
وأما الصفات الوجودية التي أثبتوها للذات فإنما هي معانٍ زائدة على الذات ولكنها ليس بغير الذات ولا عينها، وعرفوا المتغايرين بأنهما اللذان يمكن استقلال وجود أحدهما بمعزل عن الآخر، ولذلك قالوا نحن لم نثبت قدماء كما أثبتت النصارى، فلا يلزمنا ما لزمهم، فالنصارى أثبتوا قدماء ثلاثة كل واحد منهم مستقل بالوجود في نفسه، فصار كل واحد منهم جوهراً، فلزمهم التثليث كما نصَّ القرآن، أي تثليث القدماء، فكفروا لأنهم أثبتوا قدماء مع الله تعالى، والقديم يستحيل أن يكون مخلوقا لله، فهو معه في قدمه، فهو مستغن حقيقة عنه، وإن حاول بعضهم عدم التزام ذلك. فالعبرة في المذاهب باللازم الواضح لا باعتراف صاحب المذهب به.
وأما الصفات العينية أو صفات الأعيان التي أثبتها المجسمة (ومعنى هذا المصطلح: صفات هي في حقيقتها أعيان، أو أعيان يسميها هؤلاء بالصفات!) ، فقد اتفق أهل السنة على نفيها عن الله تعالى، وقالوا إن إثباتها يستلزم تجسيم الله تعالى، وتحديده، وهذا يستلزم كونه ممكنا، كما استلزمه في حق العالم المخلوق، فإننا استدللنا على إمكان العالم الموجب لافتقاره بمحدوديته أو تركبه من أعيان يقوم كل واحد منها بنفسه، ولا يتمُّ الكلُّ إلا بالجزء فثبت الافتقار.
ولذلك خالف أهلُ السنة قاطبة المجسمةَ في هذا الباب.
وأمَّا الصفات المعاني الحادثة التي أثبتها المجسمة كما ذكرنا، فقد وقف منها أهل السنة موقفا راسخاً فاتفقوا على نفيها، وحكموا على من أثبتها أنه أثبت التغير المستلزم للإمكان على الله تعالى ذاتا وصفاتٍ.
أهمُّ ما احتج به المعتزلة على نفي صفات المعاني:
احتجوا بأمور:
أولا: الإلزام بتكثر القدماء
إثبات الصفات الوجودية القديمة يستلزم تكثر القدماء، والقِدَمُ أخصّ صفات الإله، فهذا يستلزم تكثر الآلهة، فيكفر من أثبته كما كفر النصارى لما أثبتوا الآب والابن والروح القدس.
ثانيا: الإلزام بالتركيب المستلزم للافتقار
القول بزيادة الصفة على الذات يستلزم التركيب المستلزم للافتقار والإمكان. وهذا منافٍ للألوهية.
ثالثا: إلزام١ بافتقار الذات إلى الصفات والعكس
القول بأن الذات متصفة بالصفات يستلزم افتقار الذات إلى الصفة، لأن الصفة إما كمال أو نقص، ويستحيل أن تكون نقصا، فهي كمال للذات، فالذات إذن تكملت بغيرها الذي هوا لصفة
مواضيع مماثلة
» و هو معكم أينما كنتم . . الشيخ سعيد فودة
» الصفات عند السنوسي
» علاقة الشيخ ابن باديس بالتصوف وبالشيخ العلاوي
» ترجمة موجزة للعلامة ابي عبد الله السنوسي التلمساني الجزائري
» اعتراف ابن تيمية بأن الأشعري يثبت الصفات الخبرية كمَعَان لا كأعيان
» الصفات عند السنوسي
» علاقة الشيخ ابن باديس بالتصوف وبالشيخ العلاوي
» ترجمة موجزة للعلامة ابي عبد الله السنوسي التلمساني الجزائري
» اعتراف ابن تيمية بأن الأشعري يثبت الصفات الخبرية كمَعَان لا كأعيان
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى