كتاب كشف الشبهات لمؤسس الدعوة الوهابية محمد بن عبدالوهاب .
كتاب كشف الشبهات لمؤسس الدعوة الوهابية محمد بن عبدالوهاب .
تأملات في كتاب كشف الشبهات لمؤسس الدعوة الوهابية محمد بن عبدالوهاب ..
==========================================
انتهيت للتو من كتاب (كشف الشبهات) لمحمد بن عبد الوهاب ...
ولعل التسمية الصحيحة للكتاب هي (وضع الشبهات) وليس (كشف الشبهات) لأن الكتاب وضع شبهات مفادها التكفير فهو عبارة عن خطاطيف وكلالايب للتكفير،، إن نجوت من واحدة تلقفتك الأخرى،، أو بعبارة أخرى هو (دستور التكفير) ..
فالشيخ كفر جميع المسلمين بل وحتى العلماء في سائر الأقطار .. تارة تصريحا وتارة تلميحا في عشرات المواضع .. ولا ينجو من هذا الكفر المزعوم إلا من اتبع دعوته ...
والغريب في الكتاب أن الشيخ اعتبر جميع الأفعال الصادرة من الآخرين كفرا، وليس بعضها كفر وبعضها معصية،، اعتبرها كفر مهما كانت أعذارهم أو تأويلاهم عليها،، ونسي أو تناسى بأن التكفير يمنع بالجهل والاضطرار (الإكراه) وتأويلات العلماء،، وجعل جميع من خالفه من المشركين الذين يحل دمهم ومالهم .. ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى ...
وتتلخص مضمون الكتاب في النقاط التالية:
1_ كثرة الثناء على المشركين .. فتكرر عرضه كفار قريش، وأصحاب مسيلمة، والمنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والغلاة الذي قيل بأنهم حرقهم الإمام علي، وذلك في عدة مواضع من كتابه، وتكرر الذم في المسلمين ،، وأكثر في كتابه من أنهم قوم "يتعبدون ويصلون ويتصدقون ويحجون ويذكرن الله كثيرا" وأكثر من ذكر هذا في كتابه – وهذا محض خطأ في التصوير –
وفي المقابل .. تشبيه المسلمين في عصره من علماء وعامة بالكافرين في جوانب كفرهم .. وجعل المسلمين (((( أسوأ )))) من مشركي مكة في هذه الجوانب .. وذلك حتى يبرهن أنه لم يقاتل إلا أناسا أقل فلا أشد كفرا من كفار قريش،، وأصحاب مسيلمة وأشباههم ،، وهذا خطأ بلا شك ،، لوجود الفوارقة في أقيسته التي يقيس فيها المسلمين بكفار قريش ...
ولا أدري كيف يستساغ هذا التشبيه ،، فكفار قريش الذين لا يقولون "لا إله إلا الله" ولا يرضون قولها،، ولا يؤمنون بالبعث ولا بيوم القيامة، ولا بالجنة ولا بالنار ،، ولا يؤمنون بنبي ويعبدون الأصنام،، ويقتلون ويزنون ويرتكبون جميع المحرمات... الخ ،، كيف نجعل هؤلاء أفضل من المسلمين الذين يصلون ويصومون ويزكون ويحجون ويفعلون المأمورات ويجتنبون المحرمات،، ﴿أفنجعل المسلمين كالمجرمين * ما لكم كيف تحكمون﴾ لا.. فالمسلمين ليسوا كالكفار فضلا عن أن يكونوا أسوأ منهم،، فلا يستوي من يصدق النبي مع من يكذبه ،، ولا من يتوسل بالنبي ويتبرك بالصالحين مع من يتبرك بالجماد ويطلب من الحجر ،، بين من يحب ومن يرجم النبي ويضع عليه القذر ومن يقتل الصالحين،، ...
2_ نلاحظ أن الشيخ سمى المشركين مغالين في الصالحين .. في حين أن الله تعالى سماهم كفار .. وقال عن معبوداتهم صالحين.. في حين ان الله تعالى سماهم آلهة .. ليقع التشبيه بين المغالين في الصالحين بزعمه والمشركين .. ومن ثم: يسوغ له ولاتباعه تكفيرهم،، وقتالهم واستحلال دمائهم وأموالهم ...
3- جعل الشيخ سبب قتال المشركين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو كفرهم، فقال سامحه الله: ((اذا تحققت أن الرسول صلى الله عليه وسلم (((قاتلهم))) ليكون الدعاء كله لله، والنذر كله لله، والذبح كله لله، والاستغاثة كلها بالله، وجميع انواع العبادات كلها لله ... )) إلى أن قال: ((عرفت حينئذ التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأبى عن الإقرار به المشركون ..))
أقول: نعم أن تكون جميع أنواع العبادات لله فهذا مما لا ينازع فيه أحد ،، وهذا لم يخالف فيه حتى من كفرهم الشيخ في زمانه،،
ولكن .. النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقاتلهم لأجل هذا،، وإنما قاتلهم لأنهم قاتلوه،، وما عهد عليه في سيرته انه قاتل ابتداءً بدون اعتداء أو نقض عهد أو انتهاك حرمة،، بل حتى عندما فتح مكة .. قال لهم صلى الله عليه وآله وسلم: من أغلق عليه بابه فهو آمن .. وقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء.. وهم في ذلك الوقت لم يزالوا مشركون ...
وعلى فرض ان النبي صلى الله عليه وسلم قاتلهم لهذا،، فهؤلاء كفار .. أما الشيخ فيقيس المسلمين على الكفار ،، لشبه وخيالات واهية في ذهنه ..
ويبدوا من هذا أن الشيخ بدأ يقعد ويؤسس ويبرر لقتل المسلمين،، كما هو واضح من خلال سياقه .. بدليل آخر ما جاء في عباراته.. (وأبى عن الإقرار به – أي: بالتوحيد الذي ادعاه - المشركون) أي: المسلمون الذين كفرهم الشيخ في زمانه...
4_ وسم بعض المسائل التي أسس عليها الشيخ دعوته من وسائل الشرك الاكبر ،، وهي على أسوأ تقدير معاصي وليست كفرا.. ومن ثم: جعلها مناطًا لتكفير مرتكبي هذه المخالفات بزعمه،، ورميهم بالشرك الأكبر المبيح للدم والمال .. والمتأمل يجد بأن هذا هو عين مذهب الخوارج ..
5_ مثال لبعض المسائل المشحونة في كتابه والتي كانت مناطًا للتكفير واستحلال الدماء والأموال،، قال الشيخ ((لكنهم – يعني كفار قريش – يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله)) يعني: فجاز قتالهم ،، ويجوز لنا قتالهم لنفس السبب المزعوم ..
وبمثل هذه العبارات اغترت جموع العوام،، ممن لا علم لهم بحرمة الدين،، وخطورة التكفير وحرمة الدماء ولا علم لهم بالدين،، فاجتاحوا أرض المسلمين تكفيرا وقتالًا...
6_ جعل مسألة التقسيم الخاطئ للتوحيد إلى ربوبية وألوهية .. قاعدة مسلم بها عند مؤيديه ومخالفيه .. ومن ثم يجعلها قاعدة ومنطلقا ينطلق منها إلى تكفير المسلمين،، بزعم أنهم وحدوا في الربوبية ،، وكفروا بالألوهية،، وهذا من باب النتائج الفاسدة التي تستمد فسادها من فساد مقدماتها ...
وسبب بطلانها أن القرآن الكريم والسنة المطهرة مملوئتان،، بذكر لفظ الربوبية في محل الألوهية والعكس،، ومملوئتان بما يدل على أن أدلة هذا التقسيم ،، من قبيل ما استُدل به في موطن النزاع بما هو أجنبي عنه .. وتفنيد وتحليل هذا التقسيم وبيان أدلة بطلانه يحتاج إلى صفحات كثيرة ليس هذا محلها ..
7_ إلزام الناس بمحاورات افتراضية واهية .. وافتراض إجابات مزعومة من عنده .. ومن ثم تكفيرهم بتلك الاجابات التي يجيبها هو والتي لا أساس لها من الواقع ...
8_ عندما عجز عن دفع شبهة _ بزعمه _ أن المشركين يكذبون الرسول والبعث وينكرون القرآن بخلاف المسلمين الذين يقيمون الصلاة ويتصدقون ويؤمنون النبي .. الخ .. بنى تكفيرهم على تكفير جاحد الفرائض وما هو معلوم من الدين بالضرورة .. ومن ثم .. تكفيرهم لانهم ينكرون التوحيد ... سامح الله الشيخ .. ألا يعلم الشيخ أنه يمنع من التكفير عذر الجاهل والاكراه وتأويل العالم ... وهؤلاء متأولون وليسو منكرين .. وهناك فرق كبير بين الإنكار المبني على العناد والمكابرة وبين التأويل المبني على دليل او حتى على شبهة .. على أسوأ تقدير .. وتفكيرك لهم هنا أيضا عبارة عن تأويل ...
وعلى قاعدة الشيخ هذه يمكن لبعض العلماء أن يكفر المخالفين له في بعض فروع المسائل بدعوى أن المخالف أنكر ما جاء به الرسول .. وأنه بهذا كمن كذب الرسول .. وهذا مجانب للصواب لإن الطرف الآخر لايقر بأنه ينكر لما جاء به الرسول .. بل ينكر لفهمك انت عليه ..
9_ التعويل على تكفير القرآن للمنافقين الذين يصلون ويصومون ويجاهدون .. الخ .. وجعل ذلك مسوغ لتكفير المسلمين .. ومن ثم إباحة دمائهم .. وفي موضع اخر .. ذكر قصة استهزائهم وانهم كانوا هازلين ..
اقول: لعل الشيخ لا يعي بان كل ما يصدر من هؤلاء لا يحمل الا على الكفر لانهم منافقين. نعم كفر الله المنافقين .. ولكن لم يجعل ذلك الى احد من خلقه. الا ترى بان النبي قبل حججهم واعتذارهم ،، وإن كانوا كاذبين فيها .. وعلى الرغم من فضح الله تعالى لهم وبيان كذبهم ،، إلا أنه لم يجعل له أمر قتلهم ،، لأننا في ديننا مطالبون بالأخذ بالظاهر ..
أما الشيخ سامحه الله نصب نفسه حكما على نيات الناس وعلى ما في قلوبهم .. وإباحة دمائهم .. ويقول: (أما سمعت الله كفرهم) نعم هذا لله تعالى ،، لأنه مطلع على ما في نفوس العباد .. أما الحكم على النيات وقتلهم بسببه،، فهذا لم يجعله الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بل نهى عن ذلك على الرغم من اطلاع الله له عليها ..
10_ جعل تكفير الصحابة لبني حنيفة .. باعتبار انهم يشهدون الشهادتين ويصلون .الخ . بسبب أنهم آمنوا بمسيلمة الكذاب .. ولأنهم رفعوا رجلا الى منزلة النبي كفروا فكيف بمن رفع رجلا أو صالحا إلى منزلة الجبار..
ولا يخفى ما في هذا الكلام من الأوهام .. لأن بني حنيفة كفروا بالنبي وبشريعته آمنوا بمسيلمة.. وهذا يختلف عن محبة الصالحين محبتهم النبي صلى الله عليه وسلم.. فضلا عن أن يرفع المسلمون الصالحين لمنزلة النبي أو الله تعالى ..
ولو صرنا على هذه القاعدة .. لكفرنا أتباعك الذين يغالون فيك ويقولون: بأن الله أقام في الأمة مقام نبي .. ولا يخطئون قولك .. بل ربما يردون نصا ثابتا بمقولة لك ..
11_ يأتي الشيخ بنماذج من التاريخ ليبرهن بها عن صحة وشرعنة قتاله للمسلمين .. مع تشويه الحقائق وتزييف التاريخ ليغتر العامة بكلامه .. كما جاء في قصة بني حنيفة السالفة .. ومثلها قصة تحريق سيدنا علي للمرتدين،، لانهم اعتقدوا في علي مثل ما اعتقد معاصره في أناس ذكرهم .. وتكفير المسلمين للدولة العبيدية (الفاطميين) ..
أقول: هو بهذا يسوغ سبب تكفيره للمسلمين وسبب تقتيله لهم .. وهو في هذا مزيف للحقائق .. لأن قصة نحريق سيدنا علي ان صحت فكانت لأنهم مرتدون او زنادقة كما جاء في البخاري .. وأن صح أنهم اعتقدوا في علي الألوهية .. فهو جواب على الشيخ .. لأن هذه ردة وليست مغالاة .. والمسلمون لا يعتقدون في اي أحد ألوهية..
أما الدولة العبيدية (الفاطميون) بالحرب بين الأيوبيين والعبيديين كانت سياسية بحتة وليست دينية.. وكانت المنكرات في الدولة العباسية في العراق والأيوبية وقتها وفي قصور الملوك خاصة..
12_ عول الشيخ على ما هو مذكور في كتب الفقهاء من أحكام الردة ليدلل به على صحة تكفيره للمسلمين ..
أقول: ليس فيما جاء به الفقهاء من أحكام الردة ما اعتمدت عليه انت من ذكر التوسل والنذر وغيرها .. بل لم يعتبر العلماء هذا قط من الردة بل من المسائل الجائزة .. ولم يناط الحكم بالردة إلى العامة كما فعلت انت .. بان جعلت ذلك للجنود العوام يقتلون الناس بغير علم ويستبيحون دمائهم استباحة جماعية ،، وإنما لا بد فيه من قضاء القاضي والاستتابة وغيرها مما هو مقرر في محله ..
ولم يجعل العلماء الردة بالفعل وحدة دون القصد القلبي .. بل لا بد فيه من القصد .. ولابد من أن تنتفي الردة من موانع التكفير وهي الجهل والاضطراب (الاكراه) والتأويل .. فربما دليل لم يصح او مخصص بدليل آخر .. وغيرها من وسائل التأويل عند العلماء ..
ولم يجعل هؤلاء العلماء الردة حكما عاما يعم جميع الناس عالمهم وجاهلهم قاصدهم وغافلهم تستباح به دمائهم.. بناء على قاعدتك.. من لم يكفر المشركين او شك في كفرهم او صحح مذهبهم كفر إجماعا .. فكان الشيخ اذا علم بحالات معدودة في منطقة ما .. حكم بالردة على أهل البلدة جميعا و تستباح دمائهم واموالهم بناء على تلك القاعدة كما في تاريخ بن غنام وابن بشر .. والفقهاء لا يحكمون على الجميع بفعل البعض ...
والحكم على فعل بأنه ردة لا يستلزم الحكم على فاعله بالردة لاحتمال الجهل او التأويل ...
والفقهاء أيضا لا يقسمون بلاد المسلمين إلى بلاد شرك وبلاد إسلام كما فعل الشيخ سماحه الله ...
13_ فرق الشيخ في الاستغاثة بغير الله وبين الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه ،، والاستغاثة به فيما لا يقدر عليه .. فجعل الثاني شركا ،، والأول ليس بشرك .. واستطرد في ذكر الأدلة على إثبات ان النوع الأول ليس بشرك من جنس الأدلة التي يستدل بها مخالفوه على النوع الثاني ..
ثم فرق بين التوسل بالمخلوق الحي والميت،، فاجاز الأول باعتباره توسل بدعائه.. واعتبر الثاني شركا كعادته ..
أقول: يجعلك للمخلوق قدرة مستقلة .. بأن قلت: (فيما يقدر عليه) من يكون اولى بالشرك؟؟!! هؤلاء الذين تكفرهم لا يجعلون جنس القدرة لغير الله تعالى لا لحي ولا لميت .. وانت جعلت هناك قدرة للمخلوق .. فجعلت هناك امورا يقدر عليها ،، وامورا لا يقدر عليها .. فمن أولى بالشرك الذي يجعل مطلق القدرة لله تعالى وإضافة الأمور لغير الله تعالى تعد مجازا عقليا .. على غرار ما جاء التمثيل عليه في القرآن
ثم ما هو وجه التفريق بين الحي والميت طالما ان المسئول في الحقيقة هو الله تعالى .. وما تقول في حديث عثمان بن حنيف فإن قلت: هو توسل بدعائه .. قلنا هو تأويل وإخراج للفظ عن حقيقته .. لاسيما وأنكم تنكرون التأويل .. ثم ما دليلك على ان النبي صلى الله عليه وسلم دعا له .. وليس في الحديث ما يدل على دعائه له ..
وأيضا.. لماذا تجيز للرجل أن يذهب إلى رجل صالح ليدعوا له؟؟ ولا تطلب منه أن يدعوا الله تعالى مباشرة ؟؟ بناء على قاعدتك من عدم جواز اتخاذ وسائط بينك وبين الله تعالى.. قال تعالى (فإني قريب اجيب دعوة الداع) ...
ومثله تناولوا حديث توسل عمر بالعباس .. والأدلة في هذا المقام مبسوطة في مطولات .. لا تتسع مدارك الشيخ ولا اتباعه لها ..
14_ يقول الشيخ: ((بأن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلما)) ..
اقول: الشيخ يضع قاعدة كبييييرة جدا للتكفير واستحلال دماء واموال المسلمين.. وأكاد أجزم بناء على تلك القاعدة،، أن التكفير من هذا المنطلق لا يسلم منه مسلم على وجه الأرض ولا حتى هو وأتباعه .. لأنه بهذا ادخل الكفر بالاختلال بالعمل،، ولعله من أعظم وسائل اختلال العمل قتل المسلمين وتكفيرهم بالجملة .. وعلى هذه القاعدة يمكن التكفير بالمعاصي .. ولهذا عده مخالفوه بأنه من الخوارج الذين يكفرون بالمعاصي ..
واختلال اللسان والعمل يمكن الاطلاع عليه .. لكن لا سبيل إلى الاطلاع على اختلال القلب،، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل المنافقين وحكم بأسلامهم في الظاهر .. وقبل أعذارهم .. على الرغم من إطْلَاع الله تعالى له على اعمالهم واحوالهم ..
ولكن الشيخ صرح بأنه يكفر ويقتل أناس يشهدون الشهادتين ويصلون ويزكون ويحجون ويجاهدون .. لمجرد انه ظهر منهم بعض المخالفات بزعمه ..
15_ لم يكتف الشيخ بنقد الأفعال فحسب بل انتقل إلى نقد القلوب فقال: (فإن عمل بالتوحيد عملا ظاهرا،، وهو لا يفهمه ولا يعتقد بقلبه،، فهو منافق وهو شر من الكافر الخالص)..
وهو بهذا انتقل إلى كماشات التكفير بحيث إن نجوت من هذا اصطادتك الأخرى .. وهو يقول بلسان حاله: "لن تنجو من التكفير لا محالة إلا إن اتبعتني،، فاتبعني أعطك صك الإسلام وتنجو من الكفر " حتى قال بعدها (وترى من يعمل به ظاهرا لا باطنا) فما الذي أطلع الشيخ على بواطنهم،، وعلى فرض (((جدلا))) إطلاع الله له باطنا،، فليس له الحكم على ذلك في الظاهر،، لعدم جعل ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي أطلعه الله على أحوال المنافقين بنصوص القرآن الكريم،، ولم يأمره بقتالهم ...
قال ابن حجر في الفتح: " أما بالنظر إلى ما عندنا - أي: ما يحكم به في الدنيا للإنسان بالإسلام ويعصم به دمه وماله- فالإيمان هو الإقرار فقط،، فمن أقر أجريت عليه الأحكام في الدنيا ولم يحكم عليه بكفر إلا إن اقترن به فعل يدل على كفره كالسجود للصنم".
16- جعل مناط العذر في الكفر فقط هو الإكراه،، فقال: ((فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره،، مع كون قلبه مطمئنا بالإيمان،، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه سواء فعله خوفا أو مداراة أو مشحة بوطنه أو أ أهله أو عشيرته أو ماله أو فعله على وجه المزاح، أو لغير ذلك من الأغراض .. إلا المكره)) ..
وهذا القصر فيه نظر؛؛ لأنه لا يجوز تكفير الجاهل ،، والمضطر (المكره) والمتأول ،، نعم حصل هذا الاستثاء والقصر في هذه الآية،، ولكن ذكر الشيء في دليل لا يدل على عدم ذكره في موضع أخر أو أنه غير مستمد في أدلة أخرى ...
ومثال ذلك: أن الله يذكر في بعض الأحيان جملة من المحرمات في موضع كقوله تعالى (حرمت عليكم الميتتة والدم ولحم الخنزير ...)الآية .. وليس معنى هذا عدم وجود محرمات أخرى كالسرقة والخمر والزنا .. الخ .. فلو جرينا على قاعدته لقلنا بعدم وجود محرمات أخرى ... والنص على الشيئ لا يدل على أن ما عداه بخلافه كما هو مقرر في علم الأصول ...
قوله: ((سواء فعله خوفا أو مداراة أو مشحة بوطنه أو أ أهله أو عشيرته أو ماله أو فعله على وجه المزاح، أو لغير ذلك من الأغراض)) خطأ محض!! لأن كل واحدة من هذه الأمور تصلح لأن تكون مانعا للتكفير،، والدليل مستمد من نفس الآية التي ذكرها وهو قوله تعالى: ﴿ولكن من شرح بالكفر صدرا﴾ وقوله تعالى بعدها: ﴿ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة ﴾ ..
فجعل مسوغ التكفير في الموضعين شرح الصدر بالكفر ،، واستحباب الحياة الدنيا على الآخرة ..
فطالما أنه لم توجد العلة للحكم وهو " شرح الصدر بالكفر " لم يترتب عليه المعلول وهو "الكفر" ..
.. ثم: لا أدري كيف جعل المانع هو الإكراه؟؟!! ثم اذكر الخوف في عداد ما لا يعذر المرء بالكفر فيه .. أليس الخوف ضرب من الإكراه ؟؟!! وما يفعل المكره من أفعال إلا لفرط خوفه ممن يكرره .. فكيف استثناه ثم أدخل في عداد الكفر؟؟!! أليس هذا تناقض؟؟!!
والعجيب أنه قصر استحباب الدنيا وجعله سبب في كفرهم ،، ومع ذلك فلم جعل الأسباب الأخرى من موانع الكفر.. فقال: ((قوله تعالى: {ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة} فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد أو الجهل أو البغض للدين أو محبة الكفر، وإنما سببه أن له في ذلك حظا من حظوظ الدنيا فآثره على الدين. والله سبحانه وتعالى أعلم)) ..
أقول: ما دام قد استدل على أن سبب كفرهم،، هو استحباب حظوظ الدنيا ،، وأن الله كفرهم ليس لأجل الاعتقاد أو الجهل أو البغض للدين أو محبة الكفر... كان ينبغي له في هذا أن يجعل تلك الأمور أعذار يمنع بها من تكفيرهم ...
ولكن الشيخ غض الطرف عن هذا الكلام ،، وعلى الرغم من جعله علة التكفير استحبابهم له ،، مع ذلك لم يجعل الجهل والخوف وغيرها.. من الأعذار التي تمنع الكفر،، لا سيما وأن الله تعالى قال: ﴿ولكن من شرح بالكفر صدرا﴾...
=====
تلك كنت أبرز النقاط في ذلك الكتاب،، وهذا الكتاب من أبرز ما يتمسك به أتباع الشيخ،، ويبدوا واضحا جليا من خلاله مغالات الشيخ في التكفير ،، وأنا لا أدعو إلى مطالعة هذه النقاط،، بقدر ما أدعو إلى قراءة الكتاب نفسه ليرى القاصي والداني ما في الكتاب،، الذي يزعم فيه مؤلفه أن التكفير هو مما دلت عليه النصوص الشرعية ،، وهذا ليس بصحيح،، وإنما هذا هو فهم الشيخ لتلك النصوص وهو غير ملزم ؛؛ لأنه مخالف لما دلت عليه النصوص الشرعية ..
أخرج مسلم عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش، أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: «اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا، .... إلى أن قال ....
وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله، وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة الله، ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله،
وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا»
وروى البخاري عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته»
وفي رواية عند البخاري أيضا من رواية أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم:: «من شهد أن لا إله إلا الله، واستقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم».
وروى البخاري ومسلم من حديث ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله»
=======
كتبه الفقير إلى ربه تعالى:
حمدي أحمد الطاهر
مدرس مساعد بقسم الشريعة الإسلامية جامعة الأزهر
9ربيع الثاني 1438هــ - 7/1/2017م ..
==========================================
انتهيت للتو من كتاب (كشف الشبهات) لمحمد بن عبد الوهاب ...
ولعل التسمية الصحيحة للكتاب هي (وضع الشبهات) وليس (كشف الشبهات) لأن الكتاب وضع شبهات مفادها التكفير فهو عبارة عن خطاطيف وكلالايب للتكفير،، إن نجوت من واحدة تلقفتك الأخرى،، أو بعبارة أخرى هو (دستور التكفير) ..
فالشيخ كفر جميع المسلمين بل وحتى العلماء في سائر الأقطار .. تارة تصريحا وتارة تلميحا في عشرات المواضع .. ولا ينجو من هذا الكفر المزعوم إلا من اتبع دعوته ...
والغريب في الكتاب أن الشيخ اعتبر جميع الأفعال الصادرة من الآخرين كفرا، وليس بعضها كفر وبعضها معصية،، اعتبرها كفر مهما كانت أعذارهم أو تأويلاهم عليها،، ونسي أو تناسى بأن التكفير يمنع بالجهل والاضطرار (الإكراه) وتأويلات العلماء،، وجعل جميع من خالفه من المشركين الذين يحل دمهم ومالهم .. ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى ...
وتتلخص مضمون الكتاب في النقاط التالية:
1_ كثرة الثناء على المشركين .. فتكرر عرضه كفار قريش، وأصحاب مسيلمة، والمنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والغلاة الذي قيل بأنهم حرقهم الإمام علي، وذلك في عدة مواضع من كتابه، وتكرر الذم في المسلمين ،، وأكثر في كتابه من أنهم قوم "يتعبدون ويصلون ويتصدقون ويحجون ويذكرن الله كثيرا" وأكثر من ذكر هذا في كتابه – وهذا محض خطأ في التصوير –
وفي المقابل .. تشبيه المسلمين في عصره من علماء وعامة بالكافرين في جوانب كفرهم .. وجعل المسلمين (((( أسوأ )))) من مشركي مكة في هذه الجوانب .. وذلك حتى يبرهن أنه لم يقاتل إلا أناسا أقل فلا أشد كفرا من كفار قريش،، وأصحاب مسيلمة وأشباههم ،، وهذا خطأ بلا شك ،، لوجود الفوارقة في أقيسته التي يقيس فيها المسلمين بكفار قريش ...
ولا أدري كيف يستساغ هذا التشبيه ،، فكفار قريش الذين لا يقولون "لا إله إلا الله" ولا يرضون قولها،، ولا يؤمنون بالبعث ولا بيوم القيامة، ولا بالجنة ولا بالنار ،، ولا يؤمنون بنبي ويعبدون الأصنام،، ويقتلون ويزنون ويرتكبون جميع المحرمات... الخ ،، كيف نجعل هؤلاء أفضل من المسلمين الذين يصلون ويصومون ويزكون ويحجون ويفعلون المأمورات ويجتنبون المحرمات،، ﴿أفنجعل المسلمين كالمجرمين * ما لكم كيف تحكمون﴾ لا.. فالمسلمين ليسوا كالكفار فضلا عن أن يكونوا أسوأ منهم،، فلا يستوي من يصدق النبي مع من يكذبه ،، ولا من يتوسل بالنبي ويتبرك بالصالحين مع من يتبرك بالجماد ويطلب من الحجر ،، بين من يحب ومن يرجم النبي ويضع عليه القذر ومن يقتل الصالحين،، ...
2_ نلاحظ أن الشيخ سمى المشركين مغالين في الصالحين .. في حين أن الله تعالى سماهم كفار .. وقال عن معبوداتهم صالحين.. في حين ان الله تعالى سماهم آلهة .. ليقع التشبيه بين المغالين في الصالحين بزعمه والمشركين .. ومن ثم: يسوغ له ولاتباعه تكفيرهم،، وقتالهم واستحلال دمائهم وأموالهم ...
3- جعل الشيخ سبب قتال المشركين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو كفرهم، فقال سامحه الله: ((اذا تحققت أن الرسول صلى الله عليه وسلم (((قاتلهم))) ليكون الدعاء كله لله، والنذر كله لله، والذبح كله لله، والاستغاثة كلها بالله، وجميع انواع العبادات كلها لله ... )) إلى أن قال: ((عرفت حينئذ التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأبى عن الإقرار به المشركون ..))
أقول: نعم أن تكون جميع أنواع العبادات لله فهذا مما لا ينازع فيه أحد ،، وهذا لم يخالف فيه حتى من كفرهم الشيخ في زمانه،،
ولكن .. النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقاتلهم لأجل هذا،، وإنما قاتلهم لأنهم قاتلوه،، وما عهد عليه في سيرته انه قاتل ابتداءً بدون اعتداء أو نقض عهد أو انتهاك حرمة،، بل حتى عندما فتح مكة .. قال لهم صلى الله عليه وآله وسلم: من أغلق عليه بابه فهو آمن .. وقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء.. وهم في ذلك الوقت لم يزالوا مشركون ...
وعلى فرض ان النبي صلى الله عليه وسلم قاتلهم لهذا،، فهؤلاء كفار .. أما الشيخ فيقيس المسلمين على الكفار ،، لشبه وخيالات واهية في ذهنه ..
ويبدوا من هذا أن الشيخ بدأ يقعد ويؤسس ويبرر لقتل المسلمين،، كما هو واضح من خلال سياقه .. بدليل آخر ما جاء في عباراته.. (وأبى عن الإقرار به – أي: بالتوحيد الذي ادعاه - المشركون) أي: المسلمون الذين كفرهم الشيخ في زمانه...
4_ وسم بعض المسائل التي أسس عليها الشيخ دعوته من وسائل الشرك الاكبر ،، وهي على أسوأ تقدير معاصي وليست كفرا.. ومن ثم: جعلها مناطًا لتكفير مرتكبي هذه المخالفات بزعمه،، ورميهم بالشرك الأكبر المبيح للدم والمال .. والمتأمل يجد بأن هذا هو عين مذهب الخوارج ..
5_ مثال لبعض المسائل المشحونة في كتابه والتي كانت مناطًا للتكفير واستحلال الدماء والأموال،، قال الشيخ ((لكنهم – يعني كفار قريش – يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله)) يعني: فجاز قتالهم ،، ويجوز لنا قتالهم لنفس السبب المزعوم ..
وبمثل هذه العبارات اغترت جموع العوام،، ممن لا علم لهم بحرمة الدين،، وخطورة التكفير وحرمة الدماء ولا علم لهم بالدين،، فاجتاحوا أرض المسلمين تكفيرا وقتالًا...
6_ جعل مسألة التقسيم الخاطئ للتوحيد إلى ربوبية وألوهية .. قاعدة مسلم بها عند مؤيديه ومخالفيه .. ومن ثم يجعلها قاعدة ومنطلقا ينطلق منها إلى تكفير المسلمين،، بزعم أنهم وحدوا في الربوبية ،، وكفروا بالألوهية،، وهذا من باب النتائج الفاسدة التي تستمد فسادها من فساد مقدماتها ...
وسبب بطلانها أن القرآن الكريم والسنة المطهرة مملوئتان،، بذكر لفظ الربوبية في محل الألوهية والعكس،، ومملوئتان بما يدل على أن أدلة هذا التقسيم ،، من قبيل ما استُدل به في موطن النزاع بما هو أجنبي عنه .. وتفنيد وتحليل هذا التقسيم وبيان أدلة بطلانه يحتاج إلى صفحات كثيرة ليس هذا محلها ..
7_ إلزام الناس بمحاورات افتراضية واهية .. وافتراض إجابات مزعومة من عنده .. ومن ثم تكفيرهم بتلك الاجابات التي يجيبها هو والتي لا أساس لها من الواقع ...
8_ عندما عجز عن دفع شبهة _ بزعمه _ أن المشركين يكذبون الرسول والبعث وينكرون القرآن بخلاف المسلمين الذين يقيمون الصلاة ويتصدقون ويؤمنون النبي .. الخ .. بنى تكفيرهم على تكفير جاحد الفرائض وما هو معلوم من الدين بالضرورة .. ومن ثم .. تكفيرهم لانهم ينكرون التوحيد ... سامح الله الشيخ .. ألا يعلم الشيخ أنه يمنع من التكفير عذر الجاهل والاكراه وتأويل العالم ... وهؤلاء متأولون وليسو منكرين .. وهناك فرق كبير بين الإنكار المبني على العناد والمكابرة وبين التأويل المبني على دليل او حتى على شبهة .. على أسوأ تقدير .. وتفكيرك لهم هنا أيضا عبارة عن تأويل ...
وعلى قاعدة الشيخ هذه يمكن لبعض العلماء أن يكفر المخالفين له في بعض فروع المسائل بدعوى أن المخالف أنكر ما جاء به الرسول .. وأنه بهذا كمن كذب الرسول .. وهذا مجانب للصواب لإن الطرف الآخر لايقر بأنه ينكر لما جاء به الرسول .. بل ينكر لفهمك انت عليه ..
9_ التعويل على تكفير القرآن للمنافقين الذين يصلون ويصومون ويجاهدون .. الخ .. وجعل ذلك مسوغ لتكفير المسلمين .. ومن ثم إباحة دمائهم .. وفي موضع اخر .. ذكر قصة استهزائهم وانهم كانوا هازلين ..
اقول: لعل الشيخ لا يعي بان كل ما يصدر من هؤلاء لا يحمل الا على الكفر لانهم منافقين. نعم كفر الله المنافقين .. ولكن لم يجعل ذلك الى احد من خلقه. الا ترى بان النبي قبل حججهم واعتذارهم ،، وإن كانوا كاذبين فيها .. وعلى الرغم من فضح الله تعالى لهم وبيان كذبهم ،، إلا أنه لم يجعل له أمر قتلهم ،، لأننا في ديننا مطالبون بالأخذ بالظاهر ..
أما الشيخ سامحه الله نصب نفسه حكما على نيات الناس وعلى ما في قلوبهم .. وإباحة دمائهم .. ويقول: (أما سمعت الله كفرهم) نعم هذا لله تعالى ،، لأنه مطلع على ما في نفوس العباد .. أما الحكم على النيات وقتلهم بسببه،، فهذا لم يجعله الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بل نهى عن ذلك على الرغم من اطلاع الله له عليها ..
10_ جعل تكفير الصحابة لبني حنيفة .. باعتبار انهم يشهدون الشهادتين ويصلون .الخ . بسبب أنهم آمنوا بمسيلمة الكذاب .. ولأنهم رفعوا رجلا الى منزلة النبي كفروا فكيف بمن رفع رجلا أو صالحا إلى منزلة الجبار..
ولا يخفى ما في هذا الكلام من الأوهام .. لأن بني حنيفة كفروا بالنبي وبشريعته آمنوا بمسيلمة.. وهذا يختلف عن محبة الصالحين محبتهم النبي صلى الله عليه وسلم.. فضلا عن أن يرفع المسلمون الصالحين لمنزلة النبي أو الله تعالى ..
ولو صرنا على هذه القاعدة .. لكفرنا أتباعك الذين يغالون فيك ويقولون: بأن الله أقام في الأمة مقام نبي .. ولا يخطئون قولك .. بل ربما يردون نصا ثابتا بمقولة لك ..
11_ يأتي الشيخ بنماذج من التاريخ ليبرهن بها عن صحة وشرعنة قتاله للمسلمين .. مع تشويه الحقائق وتزييف التاريخ ليغتر العامة بكلامه .. كما جاء في قصة بني حنيفة السالفة .. ومثلها قصة تحريق سيدنا علي للمرتدين،، لانهم اعتقدوا في علي مثل ما اعتقد معاصره في أناس ذكرهم .. وتكفير المسلمين للدولة العبيدية (الفاطميين) ..
أقول: هو بهذا يسوغ سبب تكفيره للمسلمين وسبب تقتيله لهم .. وهو في هذا مزيف للحقائق .. لأن قصة نحريق سيدنا علي ان صحت فكانت لأنهم مرتدون او زنادقة كما جاء في البخاري .. وأن صح أنهم اعتقدوا في علي الألوهية .. فهو جواب على الشيخ .. لأن هذه ردة وليست مغالاة .. والمسلمون لا يعتقدون في اي أحد ألوهية..
أما الدولة العبيدية (الفاطميون) بالحرب بين الأيوبيين والعبيديين كانت سياسية بحتة وليست دينية.. وكانت المنكرات في الدولة العباسية في العراق والأيوبية وقتها وفي قصور الملوك خاصة..
12_ عول الشيخ على ما هو مذكور في كتب الفقهاء من أحكام الردة ليدلل به على صحة تكفيره للمسلمين ..
أقول: ليس فيما جاء به الفقهاء من أحكام الردة ما اعتمدت عليه انت من ذكر التوسل والنذر وغيرها .. بل لم يعتبر العلماء هذا قط من الردة بل من المسائل الجائزة .. ولم يناط الحكم بالردة إلى العامة كما فعلت انت .. بان جعلت ذلك للجنود العوام يقتلون الناس بغير علم ويستبيحون دمائهم استباحة جماعية ،، وإنما لا بد فيه من قضاء القاضي والاستتابة وغيرها مما هو مقرر في محله ..
ولم يجعل العلماء الردة بالفعل وحدة دون القصد القلبي .. بل لا بد فيه من القصد .. ولابد من أن تنتفي الردة من موانع التكفير وهي الجهل والاضطراب (الاكراه) والتأويل .. فربما دليل لم يصح او مخصص بدليل آخر .. وغيرها من وسائل التأويل عند العلماء ..
ولم يجعل هؤلاء العلماء الردة حكما عاما يعم جميع الناس عالمهم وجاهلهم قاصدهم وغافلهم تستباح به دمائهم.. بناء على قاعدتك.. من لم يكفر المشركين او شك في كفرهم او صحح مذهبهم كفر إجماعا .. فكان الشيخ اذا علم بحالات معدودة في منطقة ما .. حكم بالردة على أهل البلدة جميعا و تستباح دمائهم واموالهم بناء على تلك القاعدة كما في تاريخ بن غنام وابن بشر .. والفقهاء لا يحكمون على الجميع بفعل البعض ...
والحكم على فعل بأنه ردة لا يستلزم الحكم على فاعله بالردة لاحتمال الجهل او التأويل ...
والفقهاء أيضا لا يقسمون بلاد المسلمين إلى بلاد شرك وبلاد إسلام كما فعل الشيخ سماحه الله ...
13_ فرق الشيخ في الاستغاثة بغير الله وبين الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه ،، والاستغاثة به فيما لا يقدر عليه .. فجعل الثاني شركا ،، والأول ليس بشرك .. واستطرد في ذكر الأدلة على إثبات ان النوع الأول ليس بشرك من جنس الأدلة التي يستدل بها مخالفوه على النوع الثاني ..
ثم فرق بين التوسل بالمخلوق الحي والميت،، فاجاز الأول باعتباره توسل بدعائه.. واعتبر الثاني شركا كعادته ..
أقول: يجعلك للمخلوق قدرة مستقلة .. بأن قلت: (فيما يقدر عليه) من يكون اولى بالشرك؟؟!! هؤلاء الذين تكفرهم لا يجعلون جنس القدرة لغير الله تعالى لا لحي ولا لميت .. وانت جعلت هناك قدرة للمخلوق .. فجعلت هناك امورا يقدر عليها ،، وامورا لا يقدر عليها .. فمن أولى بالشرك الذي يجعل مطلق القدرة لله تعالى وإضافة الأمور لغير الله تعالى تعد مجازا عقليا .. على غرار ما جاء التمثيل عليه في القرآن
ثم ما هو وجه التفريق بين الحي والميت طالما ان المسئول في الحقيقة هو الله تعالى .. وما تقول في حديث عثمان بن حنيف فإن قلت: هو توسل بدعائه .. قلنا هو تأويل وإخراج للفظ عن حقيقته .. لاسيما وأنكم تنكرون التأويل .. ثم ما دليلك على ان النبي صلى الله عليه وسلم دعا له .. وليس في الحديث ما يدل على دعائه له ..
وأيضا.. لماذا تجيز للرجل أن يذهب إلى رجل صالح ليدعوا له؟؟ ولا تطلب منه أن يدعوا الله تعالى مباشرة ؟؟ بناء على قاعدتك من عدم جواز اتخاذ وسائط بينك وبين الله تعالى.. قال تعالى (فإني قريب اجيب دعوة الداع) ...
ومثله تناولوا حديث توسل عمر بالعباس .. والأدلة في هذا المقام مبسوطة في مطولات .. لا تتسع مدارك الشيخ ولا اتباعه لها ..
14_ يقول الشيخ: ((بأن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلما)) ..
اقول: الشيخ يضع قاعدة كبييييرة جدا للتكفير واستحلال دماء واموال المسلمين.. وأكاد أجزم بناء على تلك القاعدة،، أن التكفير من هذا المنطلق لا يسلم منه مسلم على وجه الأرض ولا حتى هو وأتباعه .. لأنه بهذا ادخل الكفر بالاختلال بالعمل،، ولعله من أعظم وسائل اختلال العمل قتل المسلمين وتكفيرهم بالجملة .. وعلى هذه القاعدة يمكن التكفير بالمعاصي .. ولهذا عده مخالفوه بأنه من الخوارج الذين يكفرون بالمعاصي ..
واختلال اللسان والعمل يمكن الاطلاع عليه .. لكن لا سبيل إلى الاطلاع على اختلال القلب،، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل المنافقين وحكم بأسلامهم في الظاهر .. وقبل أعذارهم .. على الرغم من إطْلَاع الله تعالى له على اعمالهم واحوالهم ..
ولكن الشيخ صرح بأنه يكفر ويقتل أناس يشهدون الشهادتين ويصلون ويزكون ويحجون ويجاهدون .. لمجرد انه ظهر منهم بعض المخالفات بزعمه ..
15_ لم يكتف الشيخ بنقد الأفعال فحسب بل انتقل إلى نقد القلوب فقال: (فإن عمل بالتوحيد عملا ظاهرا،، وهو لا يفهمه ولا يعتقد بقلبه،، فهو منافق وهو شر من الكافر الخالص)..
وهو بهذا انتقل إلى كماشات التكفير بحيث إن نجوت من هذا اصطادتك الأخرى .. وهو يقول بلسان حاله: "لن تنجو من التكفير لا محالة إلا إن اتبعتني،، فاتبعني أعطك صك الإسلام وتنجو من الكفر " حتى قال بعدها (وترى من يعمل به ظاهرا لا باطنا) فما الذي أطلع الشيخ على بواطنهم،، وعلى فرض (((جدلا))) إطلاع الله له باطنا،، فليس له الحكم على ذلك في الظاهر،، لعدم جعل ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي أطلعه الله على أحوال المنافقين بنصوص القرآن الكريم،، ولم يأمره بقتالهم ...
قال ابن حجر في الفتح: " أما بالنظر إلى ما عندنا - أي: ما يحكم به في الدنيا للإنسان بالإسلام ويعصم به دمه وماله- فالإيمان هو الإقرار فقط،، فمن أقر أجريت عليه الأحكام في الدنيا ولم يحكم عليه بكفر إلا إن اقترن به فعل يدل على كفره كالسجود للصنم".
16- جعل مناط العذر في الكفر فقط هو الإكراه،، فقال: ((فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره،، مع كون قلبه مطمئنا بالإيمان،، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه سواء فعله خوفا أو مداراة أو مشحة بوطنه أو أ أهله أو عشيرته أو ماله أو فعله على وجه المزاح، أو لغير ذلك من الأغراض .. إلا المكره)) ..
وهذا القصر فيه نظر؛؛ لأنه لا يجوز تكفير الجاهل ،، والمضطر (المكره) والمتأول ،، نعم حصل هذا الاستثاء والقصر في هذه الآية،، ولكن ذكر الشيء في دليل لا يدل على عدم ذكره في موضع أخر أو أنه غير مستمد في أدلة أخرى ...
ومثال ذلك: أن الله يذكر في بعض الأحيان جملة من المحرمات في موضع كقوله تعالى (حرمت عليكم الميتتة والدم ولحم الخنزير ...)الآية .. وليس معنى هذا عدم وجود محرمات أخرى كالسرقة والخمر والزنا .. الخ .. فلو جرينا على قاعدته لقلنا بعدم وجود محرمات أخرى ... والنص على الشيئ لا يدل على أن ما عداه بخلافه كما هو مقرر في علم الأصول ...
قوله: ((سواء فعله خوفا أو مداراة أو مشحة بوطنه أو أ أهله أو عشيرته أو ماله أو فعله على وجه المزاح، أو لغير ذلك من الأغراض)) خطأ محض!! لأن كل واحدة من هذه الأمور تصلح لأن تكون مانعا للتكفير،، والدليل مستمد من نفس الآية التي ذكرها وهو قوله تعالى: ﴿ولكن من شرح بالكفر صدرا﴾ وقوله تعالى بعدها: ﴿ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة ﴾ ..
فجعل مسوغ التكفير في الموضعين شرح الصدر بالكفر ،، واستحباب الحياة الدنيا على الآخرة ..
فطالما أنه لم توجد العلة للحكم وهو " شرح الصدر بالكفر " لم يترتب عليه المعلول وهو "الكفر" ..
.. ثم: لا أدري كيف جعل المانع هو الإكراه؟؟!! ثم اذكر الخوف في عداد ما لا يعذر المرء بالكفر فيه .. أليس الخوف ضرب من الإكراه ؟؟!! وما يفعل المكره من أفعال إلا لفرط خوفه ممن يكرره .. فكيف استثناه ثم أدخل في عداد الكفر؟؟!! أليس هذا تناقض؟؟!!
والعجيب أنه قصر استحباب الدنيا وجعله سبب في كفرهم ،، ومع ذلك فلم جعل الأسباب الأخرى من موانع الكفر.. فقال: ((قوله تعالى: {ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة} فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد أو الجهل أو البغض للدين أو محبة الكفر، وإنما سببه أن له في ذلك حظا من حظوظ الدنيا فآثره على الدين. والله سبحانه وتعالى أعلم)) ..
أقول: ما دام قد استدل على أن سبب كفرهم،، هو استحباب حظوظ الدنيا ،، وأن الله كفرهم ليس لأجل الاعتقاد أو الجهل أو البغض للدين أو محبة الكفر... كان ينبغي له في هذا أن يجعل تلك الأمور أعذار يمنع بها من تكفيرهم ...
ولكن الشيخ غض الطرف عن هذا الكلام ،، وعلى الرغم من جعله علة التكفير استحبابهم له ،، مع ذلك لم يجعل الجهل والخوف وغيرها.. من الأعذار التي تمنع الكفر،، لا سيما وأن الله تعالى قال: ﴿ولكن من شرح بالكفر صدرا﴾...
=====
تلك كنت أبرز النقاط في ذلك الكتاب،، وهذا الكتاب من أبرز ما يتمسك به أتباع الشيخ،، ويبدوا واضحا جليا من خلاله مغالات الشيخ في التكفير ،، وأنا لا أدعو إلى مطالعة هذه النقاط،، بقدر ما أدعو إلى قراءة الكتاب نفسه ليرى القاصي والداني ما في الكتاب،، الذي يزعم فيه مؤلفه أن التكفير هو مما دلت عليه النصوص الشرعية ،، وهذا ليس بصحيح،، وإنما هذا هو فهم الشيخ لتلك النصوص وهو غير ملزم ؛؛ لأنه مخالف لما دلت عليه النصوص الشرعية ..
أخرج مسلم عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش، أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: «اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا، .... إلى أن قال ....
وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله، وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة الله، ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله،
وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا»
وروى البخاري عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته»
وفي رواية عند البخاري أيضا من رواية أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم:: «من شهد أن لا إله إلا الله، واستقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم».
وروى البخاري ومسلم من حديث ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله»
=======
كتبه الفقير إلى ربه تعالى:
حمدي أحمد الطاهر
مدرس مساعد بقسم الشريعة الإسلامية جامعة الأزهر
9ربيع الثاني 1438هــ - 7/1/2017م ..
مواضيع مماثلة
» ماحذفه الوهابية من كتاب ( بيان زغل العلم والطلب للذهبي
» قول الشيخ محمد بن عبدالوهاب و الشيخ ابن تيمية رحمهما الله في التوسل والاستغاثة
» كتاب الحلل السندسية في شأن وهران والجزيرة الأندلسية للعلامة محمد أبي راس الناصري المعسكري
» محمد العالم بن محمد بن محمد البكراوي
» ميمون بن عمرو بن محمد المكنى بأبي محمد الأمريني
» قول الشيخ محمد بن عبدالوهاب و الشيخ ابن تيمية رحمهما الله في التوسل والاستغاثة
» كتاب الحلل السندسية في شأن وهران والجزيرة الأندلسية للعلامة محمد أبي راس الناصري المعسكري
» محمد العالم بن محمد بن محمد البكراوي
» ميمون بن عمرو بن محمد المكنى بأبي محمد الأمريني
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى