وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون
صفحة 1 من اصل 1
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون
انعطاف: قد مضى قولنا في سر إحواج الحيوان، وهذا الآدمي خصوصا والى وجود تغذية ممدة له، فالآن نتحدث في تكفل الحق تعالى بهذه التغذية وقيامه بإيصالها.
فاعلم أن الحق تعالى كما أحوج الحيوان إلى مدد له، وتغذية يكون بها حفظ وجوده، وكان هذان الجنسان اللذان هما الإنس والجان، خلقا ليأمرهما بعبادته، ويطالبهما بطاعته وموافقته فقال تعالى:
{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون، إن الله هو الرازق ذو القوة المتين}.
فبين الله تعالى انه إنما خلق هذين الجنسين لعبادته، أي ليأمرهم بها، كما تقول لعبد: ما اشتريتك أيها العبد إلا لتخدمني أي لآمرك بالخدمة فتقوم بها.
وقد يكون العبد مخالفا متأبيا، ولم يكن شراؤك إياه لذلك: وإنما كان ليقوم بمهماتك ولقضاء حاجاتك.
وأهل الاعتزال يحملون الآية على ظاهرها فيقولون:
الحق خلفهم للطاعة، والكفر والمعصية، من قبل أنفسهم، وقد أبطلنا هذا المذهب قبل،
وفي تبيين سر الخلق والإيجاد، أعلام للعباد، وتنبيه: لماذا خلقوا؟ كي لا يجهلوا مراد الله تعالى فيهم، فيضلوا عن سبيل الهداية، ويهملوا وجود الرعاية. وقد جاء أن أربعة من الملائكة، يتجاوبون كل يوم، فيقول أحدهم: يا ليت هذا لم يخلقوا.
ويقول الآخر: ويا ليتهم إذا خلقوا علموا لماذا خلقوا؟
ويقول الآخر: ويا ليتهم إذا علموا لماذا خلقوا عملوا بما علموا.
ويقول الرابع: ويا ليتهم إذا لم يعملوا بما علموا أتابوا مما عملوا.
فبين الحق تعالى: انه ما خلق العباد لأنفسهم إنما خلقهم ليعبدون ويوحدوه.
فانك لا تشتري عبدا ليخدم نفسه، إنما تشتريه ليكون لك خادما.
فهذه الآية: حجة على كل عبد اشتغل بحظ نفسه عن حق ربه، وبهواه عن طاعة مولاه. ولذلك سمع إبراهيم بن ادهم ـ رحمه الله عليه، وهو كان سبب توبته لما خرج متصيدا، هاتفا يهتف به من قربوس سرجه يا إبراهيم.
ألهذا خلقت؟ أم بهذا أمرت.
ثم سمع الثانية: يا إبراهيم. ما لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت، فالفقيه من فهم سر الإيجاد فعمل له، وهذا هو الفقه الحقيقي الذي من أعطيه فقد أعطى المنة العظمى.
وفيه قال مالك رحمه الله: ليس الفقه بكثرة الرواية، وإنما الفقه نور يضعه الله في القلب.
وسمعت شيخنا أبا العباس رحمه الله يقول: (الفقيه من انفقأ الحجاب عن عيني قلبه).
فمن فقه عن سر الإيجاد بأنه ما أوجده إلا لطاعته، وما خلقه إلا لخدمته، كان هذا الفقه منه سببا لزهده في الدنيا، وإقباله على الأخرى، وإهماله لحظوظ نفسه، واشتغاله بحقوق سيده، مفكرا في المعاد، قائما بالاستعداد حتى قال بعضهم: (لو قيل لي غدا تموت لم أجد مستزاد).
وقال بعضهم: وقد قالت له أمه يا بني مالك لا تأكل الخبز؟ فقال: بين مضغ الخبز وأكل الفتيت قراءة خمسين آية.
فهؤلاء قوم أذهل عقولهم عن هذه الدار، ترقب هول المطلع، وأهوال القيامة، وملاقاة جبار السموات والأرض فغيبهم ذلك عن الاستيقاظ لملاذ هذه الدار، والميل إلى مسراتها، حتى قال بعض العارفين:
دخلت على بعض المشايخ بالمغرب في داره، فقمت لأملأ ماء للوضوء، فقام الشيخ ليملأ عني فأبيت فأبى إلا أن يملأ وأمسك طرف الحبل بيده، وفي الدار عنده بجانب البئر شجرة زيتون قد خيمت على الدار، فقلت: يا سيدي لم لا تربط طرف هذا الحبل بهذه الشجرة؟ فقال:
أو ها هنا شجرة؟ إن لي في هذه الدار ستين عاما، ما اعرف أن في هذه الدار شجرة.
فافتح رحمك الله سمعك لهذه الحكاية وأمثالها تعلم أن لله عبادا اشغلهم به عن كل شيء، ولم يشغلهم عنه شيء أذهل عقوهم عظمته، وأدهش نفوسهم هيبته، فاستقر في أسرارهم وده ومحبته.
جعلنا الله منهم، ولا أخرجنا عنهم.
ومثل هذه الحكاية: كان رجل بالصعيد من الأولياء بمسجد طلب منه أحد من يخدمه أن يأخذ جريدة من أجدى نخلتين كانتا في المسجد، فأذن له فقال: يا سيدي من أيهما آخذ؟ من الصفراء أو من الحمراء؟ فقال:
يا بني: أن لي بهذا المسجد أربعين عاما، لا اعرف الصفراء من الحمراء.
ويحكى عن بعضهم انه كان يعبر عليه أولاد في داره فيقول: أولاد من هؤلاء؟ أولاد من هؤلاء؟
فيقال له: أولادك.
فكان لا يعرفهم حتى يعرف بهم، لاشتغاله بالله تعالى.
وكان بعض المشايخ يقول في أولاده إذ رآهم: هؤلاء الأيتام، وان كان أبوهم حيا.
والاسترسال عن هذه اللامعة، يخرجنا عن غرض الكتاب
انعطاف: قد مضى قولنا في سر إحواج الحيوان، وهذا الآدمي خصوصا والى وجود تغذية ممدة له، فالآن نتحدث في تكفل الحق تعالى بهذه التغذية وقيامه بإيصالها.
فاعلم أن الحق تعالى كما أحوج الحيوان إلى مدد له، وتغذية يكون بها حفظ وجوده، وكان هذان الجنسان اللذان هما الإنس والجان، خلقا ليأمرهما بعبادته، ويطالبهما بطاعته وموافقته فقال تعالى:
{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون، إن الله هو الرازق ذو القوة المتين}.
فبين الله تعالى انه إنما خلق هذين الجنسين لعبادته، أي ليأمرهم بها، كما تقول لعبد: ما اشتريتك أيها العبد إلا لتخدمني أي لآمرك بالخدمة فتقوم بها.
وقد يكون العبد مخالفا متأبيا، ولم يكن شراؤك إياه لذلك: وإنما كان ليقوم بمهماتك ولقضاء حاجاتك.
وأهل الاعتزال يحملون الآية على ظاهرها فيقولون:
الحق خلفهم للطاعة، والكفر والمعصية، من قبل أنفسهم، وقد أبطلنا هذا المذهب قبل،
وفي تبيين سر الخلق والإيجاد، أعلام للعباد، وتنبيه: لماذا خلقوا؟ كي لا يجهلوا مراد الله تعالى فيهم، فيضلوا عن سبيل الهداية، ويهملوا وجود الرعاية. وقد جاء أن أربعة من الملائكة، يتجاوبون كل يوم، فيقول أحدهم: يا ليت هذا لم يخلقوا.
ويقول الآخر: ويا ليتهم إذا خلقوا علموا لماذا خلقوا؟
ويقول الآخر: ويا ليتهم إذا علموا لماذا خلقوا عملوا بما علموا.
ويقول الرابع: ويا ليتهم إذا لم يعملوا بما علموا أتابوا مما عملوا.
فبين الحق تعالى: انه ما خلق العباد لأنفسهم إنما خلقهم ليعبدون ويوحدوه.
فانك لا تشتري عبدا ليخدم نفسه، إنما تشتريه ليكون لك خادما.
فهذه الآية: حجة على كل عبد اشتغل بحظ نفسه عن حق ربه، وبهواه عن طاعة مولاه. ولذلك سمع إبراهيم بن ادهم ـ رحمه الله عليه، وهو كان سبب توبته لما خرج متصيدا، هاتفا يهتف به من قربوس سرجه يا إبراهيم.
ألهذا خلقت؟ أم بهذا أمرت.
ثم سمع الثانية: يا إبراهيم. ما لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت، فالفقيه من فهم سر الإيجاد فعمل له، وهذا هو الفقه الحقيقي الذي من أعطيه فقد أعطى المنة العظمى.
وفيه قال مالك رحمه الله: ليس الفقه بكثرة الرواية، وإنما الفقه نور يضعه الله في القلب.
وسمعت شيخنا أبا العباس رحمه الله يقول: (الفقيه من انفقأ الحجاب عن عيني قلبه).
فمن فقه عن سر الإيجاد بأنه ما أوجده إلا لطاعته، وما خلقه إلا لخدمته، كان هذا الفقه منه سببا لزهده في الدنيا، وإقباله على الأخرى، وإهماله لحظوظ نفسه، واشتغاله بحقوق سيده، مفكرا في المعاد، قائما بالاستعداد حتى قال بعضهم: (لو قيل لي غدا تموت لم أجد مستزاد).
وقال بعضهم: وقد قالت له أمه يا بني مالك لا تأكل الخبز؟ فقال: بين مضغ الخبز وأكل الفتيت قراءة خمسين آية.
فهؤلاء قوم أذهل عقولهم عن هذه الدار، ترقب هول المطلع، وأهوال القيامة، وملاقاة جبار السموات والأرض فغيبهم ذلك عن الاستيقاظ لملاذ هذه الدار، والميل إلى مسراتها، حتى قال بعض العارفين:
دخلت على بعض المشايخ بالمغرب في داره، فقمت لأملأ ماء للوضوء، فقام الشيخ ليملأ عني فأبيت فأبى إلا أن يملأ وأمسك طرف الحبل بيده، وفي الدار عنده بجانب البئر شجرة زيتون قد خيمت على الدار، فقلت: يا سيدي لم لا تربط طرف هذا الحبل بهذه الشجرة؟ فقال:
أو ها هنا شجرة؟ إن لي في هذه الدار ستين عاما، ما اعرف أن في هذه الدار شجرة.
فافتح رحمك الله سمعك لهذه الحكاية وأمثالها تعلم أن لله عبادا اشغلهم به عن كل شيء، ولم يشغلهم عنه شيء أذهل عقوهم عظمته، وأدهش نفوسهم هيبته، فاستقر في أسرارهم وده ومحبته.
جعلنا الله منهم، ولا أخرجنا عنهم.
ومثل هذه الحكاية: كان رجل بالصعيد من الأولياء بمسجد طلب منه أحد من يخدمه أن يأخذ جريدة من أجدى نخلتين كانتا في المسجد، فأذن له فقال: يا سيدي من أيهما آخذ؟ من الصفراء أو من الحمراء؟ فقال:
يا بني: أن لي بهذا المسجد أربعين عاما، لا اعرف الصفراء من الحمراء.
ويحكى عن بعضهم انه كان يعبر عليه أولاد في داره فيقول: أولاد من هؤلاء؟ أولاد من هؤلاء؟
فيقال له: أولادك.
فكان لا يعرفهم حتى يعرف بهم، لاشتغاله بالله تعالى.
وكان بعض المشايخ يقول في أولاده إذ رآهم: هؤلاء الأيتام، وان كان أبوهم حيا.
والاسترسال عن هذه اللامعة، يخرجنا عن غرض الكتاب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى