إظهار رتبة الخليل عند الملائكة
صفحة 1 من اصل 1
إظهار رتبة الخليل عند الملائكة
إظهار رتبة الخليل عند الملائكة
فائدة جليلة: (اعلم أن الملائكة لما قال لهم الحق سبحانه وتعالى {أني جاعل في الأرض خليفة} يعني آدم وذريته قالوا: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال أني اعلم ما لا تعلمون}.
فكان عدم استغاثة إبراهيم عليه السلام بجبرائيل عليه السلام في ذلك الموطن احتجاجا من الله عليهم، كأنه يقول: كيف رأيتهم عبدي هذا يا من قال {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} فظهر بذلك قوله سبحانه وتعالى {أني اعلم ما لا تعلمون}.
جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فيصعد الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم، كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون.
قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: كأن الحق سبحانه وتعالى يقول لهم: يا من قال{أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} كيف تركتم عبادي؟
فكان مراد الحق سبحانه وتعالى (بإرسال جبرائيل عليه السلام إظهار رتبة الخليل عند ملائكته، وتبيينا لشرف قدره، وفخامة أمره، وكيف يمكن إبراهيم عليه السلام أن يستغيث بشيء دونه وهو لا يرى إلا إياه، ولا يشهد بسواه. وإنما سمي الخليل خليلا، لأنه تخلل سره بمحبة الله وعظمته وأحديته، فلم يبق فيه متسع لغيره كما قيل:
قد تخللت مسلك للروح مني *** وبذا سمي الخليل خليلا
فإذا ما نطقت كنت كلامي *** وإذا ما صمت كنت الغليلا
تنبيه وإعلام
اعلم إن الحق سبحانه وتعالى بسط إبراهيم عليه السلام بنور الرضا وأعطاه روح الاستسلام، وصان قلبه عن النظر إلى الأنام فما كانت النار عليه بردا وسلاما، إلا لما كان قلبه مفوضا إلى الله استسلاما، فمن الاستسلام كان عليه السلام، وعن تصحيح باطن المقام كان ما ظهر عليه من الإجلال والإعظام.
فافهم من ذلك أيها المؤمن: أن من استسلم إلى الله في واردات الامتحان أعاد الله عليه شوكها ريحانا، وخوفا أمانا.
فإذا قذفك الشيطان في منجنيق الامتحان، فعرضت لك الأكوان قائلة ألك حاجة؟ فقل: أما إليك فلا، وأما إلى الله فبلى.
فان قالت لك: سله؟ فقل: حسبي من سؤالي علمه بحالي. فان الله يعيد عليك نار الدنيا بردا وسلاما، ويعطيك منة وإكراما. لأن الله سبحانه وتعالى فتح بالأنبياء والرسل سبيل الهدى، فسلك وراءهم المقتدون، والتزم اتباعهم المؤمنون، كما قال سبحانه وتعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}.
وقال في شأن يونس عليه السلام:
{فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين}.
أي كذلك ننجي المؤمنين المتبعين لأنواره الطالبين من الله بالذلة والافتقار، واللابسين شعار المسكنة والانكسار.
عبرة وهداية
انعطاف: في قصة إبراهيم عليه السلام، هذه بيان للمعتبرين، وهداية للمتبصرين، وهو أن من خرج عن تدبيره لنفسه، كان الله سبحانه وتعالى هو المتولي بحسن التدبير له.
ألا ترى أن إبراهيم عليه السلام لما لم يدبر لنفسه ولا اهتم بها بل ألقاها إلى الله تعالى وأسلمها إليه، وتوكل في كل شأنه عليه فلما كان كذلك كان عاقبة استسلامه وجود السلامة والإكرام، وبقاء الثناء عليه على ممر الأيام وقد أمرنا الله تعالى أن لا نخرج عن ملته، وأن نرعى حق تسميته بقوله تعالى: {ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل}.
فحق على كل من كان إبراهيميا، أن يكون عن تدبيره لنفسه بربا، ومن منازعة الله خليا، ومن اعتراضه عريا:
{ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه}.
وملته لازمها التفويض إلى تعالى، والاستسلام في واردات الأحكام واعلم أن المراد، هو أن لا يكون لك مع الله مراد، ولنا في هذا المعنى شعر.
مرادي منك نسيان المراد *** إذا رمت السبيل إلى الرشاد
وأن تدع الوجود فلا تراها *** وتصبح ماسكا حبل اعتماد
إلى كم غفلة عني وأني *** على حفظ الرعاية والوداد
إلى كم أنت تنظر مبدعاتي *** وتصبح هائما في كل وادي
وتترك أن تميل إلى جنابي *** لعمرك قد عدلت عن السداد
وودي فيك لو تدري قديم *** ويوم ألست يشهد بانفرادي
فهل رب سواي فترتجيه *** غدا ينجيك من كرب شداد
فوصف العجز عم الكون طرا *** فمفتقر بمفتقر ينادي
فبي قد قامت الأكوان طرا *** وأظهرت المظاهر من مرادي
أفي داري وفي ملكي وملكي *** توجه للسوى وجه اعتمادي
فحدق أعين الإيمان وانظر *** ترى الأكوان تؤذن بالنفاد
فمن عدم إلى عدم مصير *** وأنت إلى الفنا لا شك غاد
وها خلعي عليك فلا تزلها *** وصن وجه الرجاء عن العباد
ببابي أوقف الآمال طرا *** ولا تأتي لحضرتنا بزاد
ووصفك فالزمنه وكن ذليلا *** ترى مني المنى طوع القياد
وكن عبدا لنا والعبد يرضى *** بما تقضي الموالي من مراد
أأستر وصفك الأدنى بوصفي *** فتجزى ذاك جهلا بالعناد
وهل شاركتني في الملك حتى *** غدوت منازعي والرشد باد
فان رمت الوصول إلى جنابي *** فهذي النفس فاحذرها وعاد
وخض بحر الفناء عسى ترانا *** وأعددنا إلى يوم المعاد
وكن مستمطرا منا لتلقى *** جميل الصنع من مولى جواد
ولا تستهد يوما من سوانا *** فما أحد سوانا اليوم هاد
فائدة جليلة: (اعلم أن الملائكة لما قال لهم الحق سبحانه وتعالى {أني جاعل في الأرض خليفة} يعني آدم وذريته قالوا: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال أني اعلم ما لا تعلمون}.
فكان عدم استغاثة إبراهيم عليه السلام بجبرائيل عليه السلام في ذلك الموطن احتجاجا من الله عليهم، كأنه يقول: كيف رأيتهم عبدي هذا يا من قال {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} فظهر بذلك قوله سبحانه وتعالى {أني اعلم ما لا تعلمون}.
جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فيصعد الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم، كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون.
قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: كأن الحق سبحانه وتعالى يقول لهم: يا من قال{أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} كيف تركتم عبادي؟
فكان مراد الحق سبحانه وتعالى (بإرسال جبرائيل عليه السلام إظهار رتبة الخليل عند ملائكته، وتبيينا لشرف قدره، وفخامة أمره، وكيف يمكن إبراهيم عليه السلام أن يستغيث بشيء دونه وهو لا يرى إلا إياه، ولا يشهد بسواه. وإنما سمي الخليل خليلا، لأنه تخلل سره بمحبة الله وعظمته وأحديته، فلم يبق فيه متسع لغيره كما قيل:
قد تخللت مسلك للروح مني *** وبذا سمي الخليل خليلا
فإذا ما نطقت كنت كلامي *** وإذا ما صمت كنت الغليلا
تنبيه وإعلام
اعلم إن الحق سبحانه وتعالى بسط إبراهيم عليه السلام بنور الرضا وأعطاه روح الاستسلام، وصان قلبه عن النظر إلى الأنام فما كانت النار عليه بردا وسلاما، إلا لما كان قلبه مفوضا إلى الله استسلاما، فمن الاستسلام كان عليه السلام، وعن تصحيح باطن المقام كان ما ظهر عليه من الإجلال والإعظام.
فافهم من ذلك أيها المؤمن: أن من استسلم إلى الله في واردات الامتحان أعاد الله عليه شوكها ريحانا، وخوفا أمانا.
فإذا قذفك الشيطان في منجنيق الامتحان، فعرضت لك الأكوان قائلة ألك حاجة؟ فقل: أما إليك فلا، وأما إلى الله فبلى.
فان قالت لك: سله؟ فقل: حسبي من سؤالي علمه بحالي. فان الله يعيد عليك نار الدنيا بردا وسلاما، ويعطيك منة وإكراما. لأن الله سبحانه وتعالى فتح بالأنبياء والرسل سبيل الهدى، فسلك وراءهم المقتدون، والتزم اتباعهم المؤمنون، كما قال سبحانه وتعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}.
وقال في شأن يونس عليه السلام:
{فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين}.
أي كذلك ننجي المؤمنين المتبعين لأنواره الطالبين من الله بالذلة والافتقار، واللابسين شعار المسكنة والانكسار.
عبرة وهداية
انعطاف: في قصة إبراهيم عليه السلام، هذه بيان للمعتبرين، وهداية للمتبصرين، وهو أن من خرج عن تدبيره لنفسه، كان الله سبحانه وتعالى هو المتولي بحسن التدبير له.
ألا ترى أن إبراهيم عليه السلام لما لم يدبر لنفسه ولا اهتم بها بل ألقاها إلى الله تعالى وأسلمها إليه، وتوكل في كل شأنه عليه فلما كان كذلك كان عاقبة استسلامه وجود السلامة والإكرام، وبقاء الثناء عليه على ممر الأيام وقد أمرنا الله تعالى أن لا نخرج عن ملته، وأن نرعى حق تسميته بقوله تعالى: {ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل}.
فحق على كل من كان إبراهيميا، أن يكون عن تدبيره لنفسه بربا، ومن منازعة الله خليا، ومن اعتراضه عريا:
{ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه}.
وملته لازمها التفويض إلى تعالى، والاستسلام في واردات الأحكام واعلم أن المراد، هو أن لا يكون لك مع الله مراد، ولنا في هذا المعنى شعر.
مرادي منك نسيان المراد *** إذا رمت السبيل إلى الرشاد
وأن تدع الوجود فلا تراها *** وتصبح ماسكا حبل اعتماد
إلى كم غفلة عني وأني *** على حفظ الرعاية والوداد
إلى كم أنت تنظر مبدعاتي *** وتصبح هائما في كل وادي
وتترك أن تميل إلى جنابي *** لعمرك قد عدلت عن السداد
وودي فيك لو تدري قديم *** ويوم ألست يشهد بانفرادي
فهل رب سواي فترتجيه *** غدا ينجيك من كرب شداد
فوصف العجز عم الكون طرا *** فمفتقر بمفتقر ينادي
فبي قد قامت الأكوان طرا *** وأظهرت المظاهر من مرادي
أفي داري وفي ملكي وملكي *** توجه للسوى وجه اعتمادي
فحدق أعين الإيمان وانظر *** ترى الأكوان تؤذن بالنفاد
فمن عدم إلى عدم مصير *** وأنت إلى الفنا لا شك غاد
وها خلعي عليك فلا تزلها *** وصن وجه الرجاء عن العباد
ببابي أوقف الآمال طرا *** ولا تأتي لحضرتنا بزاد
ووصفك فالزمنه وكن ذليلا *** ترى مني المنى طوع القياد
وكن عبدا لنا والعبد يرضى *** بما تقضي الموالي من مراد
أأستر وصفك الأدنى بوصفي *** فتجزى ذاك جهلا بالعناد
وهل شاركتني في الملك حتى *** غدوت منازعي والرشد باد
فان رمت الوصول إلى جنابي *** فهذي النفس فاحذرها وعاد
وخض بحر الفناء عسى ترانا *** وأعددنا إلى يوم المعاد
وكن مستمطرا منا لتلقى *** جميل الصنع من مولى جواد
ولا تستهد يوما من سوانا *** فما أحد سوانا اليوم هاد
_________________
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى