الدف و مشروعيته
الدف و مشروعيته
الدف
وأما ما جاء من الأدلة على جواز ضرب الدف فقد أخرج البخاري عن خالد ابن ذكوان قال: قالت الربيع بنت معوذ: جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدخل علي صبيحة عرسي فجلس على فراشي كمجلسك مني فجعلت جويرات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل آبائي يوم بدر إذ قالت إحداهن: وفينا نبي الله يعلم ما في غد، فقال صلى الله عليه وآله وسلم «دعي هذا وقولي ما كنت تقولين»( [1]).
وقوله: دعي هذا وقولي بالذي كنت تقولين: فيه إشارة إلى جواز سماع المدح، مما ليس فيه مبالغة تقضي إلى الغلو.
ويستفاد من هذا الحديث مشروعية إعلان النكاح بالدف والغناء المباح.
وأخرج البخاري أيضا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم يا عائشة ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو( [2]).
وفي رواية شريك : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
«فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قلت: تقول ماذا؟ قال: تقول:
أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم
ولولا الذهب الأحمر ما حلت بواديكم
ولولا الحنطة السمرا ء ما سمنت عذاريكم( [3])
وفي الحديث دلالة على جواز اللهو في وليمة النكاح كضرب الدف والغناء لإعلان النكاح وإظهاره وانتشاره حتى تثبت الحقوق فيه.
وسئل مالك عن اللهو يكون فيه البوق فقال: إن كان كبيرا مشتهرا فإني أكرهه وإن كان خفيفا فلا بأس بذلك وقال مالك: لا بأس بالدف في وليمة العرس.
وقال اصبغ من المالكية: ولا يجوز الغناء في العرس ولا في غيره إلا مثل ما يقول نساء الأنصار أو رجز خفيف( [4]).
ودخل الشعبي رحمه الله تعالى إلى وليمة فأقبل على أهلها فقال: مالكم كأنكم اجتمعتم على جنازة!! أين الغناء والدف؟ [إن الله عز وجل ليؤيد حسان بروح القدس ما يفاخر أو ينافح عن رسول الله]( [5]).
ودليل الغناء مع الدف وقت النكاح لإعلانه وتشجيعه قوله عليه الصلاة والسلام (فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح)( [6]).
وكذلك متفق على إباحة الدف بقوله عليه الصلاة والسلام «اعلنوا النكاح واضربوا عليه بالغربال»( [7]).
وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال«أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف»( [8]) وهو مباح في النكاح وغيره أي ضرب الدف لأنه روى الإمام الترمذي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن امرأة جاءته فقالت: إني نذرت إن رجعت من سفرك سالما أن أضرب على رأسك بالدف فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوفي بنذرك»( [9]) ولو كان مكروها لم يأمرها به وإن كان منذورا( [10]).
وأخرج ابن ماجه عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر ببعض المدينة فإذا هو بجوار يضربن بدفهن ويتغنين ويقلن:
نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم «الله يعلم أني أحبكن»( [11]).
وأخرج الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف»( [12]).
قالوا: لا بأس بضرب الدف يوم العيد لما روي عن عائشة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان والنبي صلى الله عليه وآله وسلم متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن وجهه فقال: «دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد( [13]) وتلك الأيام أيام منى.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث قالت: وليستا بمغنيتين( [14]).
وقد نص الفقهاء على جواز الدف والضرب به لعرس وختان وقدوم غائب وولادة وعيد وشفاء مريض وغير ذلك وإن كان فيه جلاجل لإطلاق الخير ودعوى أنه لم يكن فيه جلاجل تحتاج إلى إثباته والجلاجل إما نحو حلق تجعل داخله كدف العرب أو صنوج عراض من صفر تجعل من خروق دائرته كدف العجم وكلها جائزة ومن قال بالكراهة فقوله مردود وسواء ضرب به رجل أو أنثى وتخصيصه بالنساء مردود أيضا كما أفاده السبكي( [15]).
• وما جاء من أقوال وحكم للعلماء في الدف:
حكى الإمام البيهقي عن شيخه الإمام الحليمي ولم يخالفه إذا أبحنا الدف فإنما نبيحه للنساء خاصة أهـ.
وعبارة منهجه: وضرب الدف لا يحل لغير النساء لأنه في الأصل من أعمالهن وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتشبهين بالنساء . أهـ.
ونازعه السبكي في الحلبيات بأن الجمهور لم يفرقوا بين الرجال والنساء.
قال: فتفريق الحليمي بينهما ضعيف والأصل اشتراك الذكور والإناث في الأحكام إلا ما ورد الشرع فيه بالفرقة ولم يرد هنا.
وليس ذلك مما يختص بالنساء ليقال: يحرم على الرجال التشبه بهن فيه فينبه على العموم وقد جاء :«اعنلوا النكاح واضربوا عليه بالدف»( [16]).
وقال الإمام الغزالي رضي الله عنه في الإحياء: يباح في العرس والعيد وقدوم الغائب وكل سرور حادث( [17]). وهنا الدليل واضح بقوله صلى الله عليه وآله وسلم (اضربوا) فالواو لجمع المذكر السالم ولو كان القصد فقط النساء لقال: (اضربن عليه بالدفوف) فهذا ظاهر في الجواز للرجال والله أعلم.
ويقول الشيخ ابن حجر الهيثمي في رسالته كف الرعاع: المعتمد من مذهبنا أنه حلال بلا كراهة في عرس وختان وتركه أفضل وهكذا حكمه في غيرهما فيكون مباحا أيضا على الأصح في المنهاج بلا كراهة وظاهر ندبه لكل سرور مطلوب( [18]).
وذكر الشيخ عبدالرؤوف المناوي رحمه الله في شرحه الكبير على الجامع الصغير للسيوطي رحمه الله تعالى : عند قوله عليه الصلاة والسلام : «أعلنوا النكاح واجعلوه بالمساجد واضربوا عليه بالدفوف» وقد أفاد الخبر حل ضرب الدف في العرس ومثله كل حادث سرور ومذهب الشافعية: أن الضرب فيه مباح مطلقا ولو بجلاجل وقد وقع الضرب به في حضرة شارع الملة ومبين الحل من الحرمة وأقره ولا فرق بين ضربه من امرأة أو رجل على الأصح( [19]).
وسئل أبو يوسف رحمه الله تعالى عن الدف أتكرهه في غير العرس قال: لا أكرهه( [20]).
• وقال الإمام الجليل بهاء الدين الرواس رحمه الله وقدس سره :
نعم إن السماع قد تكاثرت فيه الأقوال وتباينت عليه الأحوال إثباتا ونفيا فمنهم من يلحقه بالفسق ومنهم من يشهد أنه واضح الحق فيتجاذبون بين الإفراط والتفريط والحق الاقتصاد وهو التفصيل في المسموع أما أصوات الملاهي فغير ما هو من شعار أهل الشرب منها مثل الدف ونحوه فعند الإمام الشافعي الأعظم رضي الله عنه فسحة وللقول فيها تفاصيل حررتها بقصيدة لي وهي:
اضرب الدف وجانب جاهلا حكمة الشرع لغي ما درى
قد أباح الدف قدما مالك وعن الأصحاب يروي الخبرا
والإمام الشافعي المنتقى تبع القول وقوى الأثرا
وكذا النعمان قد قيده لنكاح أو لعيد وجرى
وأتى عن أحمد بينهما خبر خذ نصه معتبرا
إن يكن في العيد أو في مثله من دواعي الخير زين لا مرا
وحكى فيه ثوبا بينا لطباق جاء عن خير الورى
نكتة الإجماع إن جاءت على حكم نص أبدا لن تنكرا
هذه الأخبار عن أربعة لبقاء الدين أفنوا العمرا
ولشأن النص سر آخر نثر الأقوام منه الدررا
كل ما حرك قلبا ساكنا ودعا العقل به معتبرا
وأجال الروح في برزخها تذكر الله وتبغي مظهرا
فهو بر والذي يفعله فعل البر ولله سرى
إن في الدف وفي رنته نغمة يعرفها من ذكرا
صوته ذكر وفي بحته أنة تذكر أوقات السرى
نضرب الدف ومنه عندنا ذاكرا نسمعه لن يفترا
وبهذا اللف من دورته دورة الكوكب إن ما أبدرا
يرفع العزم إلى الله وقد يحكي معنى كيف تقضي العمرا
كم صباح دار بالليل وكم من هلال بالليالي انحدرا
وبه معنى رقيق مخبر كيف شق الهاشمي القمرا
وبه رق إلى الرق عزي كل نفس طيشها قد كبرا
وبه الدفة تروي خبرالـ ـدفة الملساء عمن قبرا
ويريك الجلد منه ميتا أذهب العين وأبقى الأثرا
ويريك الخشب الملوي فيـ ـه بأن الفقد يلوي الشجرا
دورة في نسجها دائرة تبرز النقطة فافهم ما جرى
وبرن الجلد من ضاربه طلب الهمة ممن قدرا
فإذا يترك يغدو ساكنا وإذا يضرب طورا احضرا
لك هذا الرق من قلبك إن لم ترعه خلته ما ذكرا
وإذا هز بحال ضارب داوم الذكر وخاف الخطرا
قام في الدف مناد كامن إن رأى الكف بدا واشتهرا
خذ به الكف عن الدنيا وقم بيد الذكر له مستظهرا
وافهمن من جلده معنى إذا أنت حققت كما الجسم يرى
رق حتى طاب منه صوته بعد شد فافهمن ما أضمرا
واعمل الرقة خلقا ثم شد لها العزم لتعطى مظهرا
وانظر اللوح الذي دار به قد غدا في جلده مستترا
فاستر الكامن من حال وكن لمحيط ساتر مفتقرا
واحذر المس لنار بالذي خالف الشرع لتكفى الغيرا
جلدة الدف إذا النار بها عبتث تدخل في نوع الثرى
يذهب الستر وتبقى خشبا ما بها صوت ولا السر يرى
فاحذر النار وكن ذا فطنة دائما مستشعرا مستبصرا
وافهم الحكم بهذا عيدنا عن نبي هابه ليث الشرى
سيد قد أيد الدين به وبه قد شرفت أم القرى
فاضرب الدف على حكمته ودع اللاهي بما فيه افترى
ومن الأشياء خذ تسبيحها مثل ما في الآي نصا ذكرا
وارشد العالم واهجر جاهلا نظر الشمس كأن ما نظر
واهمل الحاسد في حيرته عرف الحق وولى مدبرا
ولدي كن مهدوي المرتقى أحمديا واستدق النظرا
إن موسى من أولي العزم وقد لخفاء الحكم لام الخضرا
فاحكم استدلالك الدهر وكن ثابت العزم مكينا وقرا
قد نظمنا حكمة الدف لمن قلبه سر التدلي وقرا
وكتبناه سطورا لفتى فهم النظم وللسطر قرا
جاء شعرا مهدويا رمزه بمعانيه أطاش الشُّعرا
راح في طي مباين نظمه درنا منسلكا منتثرا
عنه آيات المعاني أحكمت خبرا يحيي قلوب الفقرا
وطوى معنى لطيفا سائغا كلما أورد سرا أصدرا( [21])
• وقال الشيخ عبدالغني النابلسي:
وأما ضرب الدف والرقص فقد جاءت الرخصة في إباحته للفرح والسرور في أيام الأعياد والعرس وقدوم الغائب والوليمة والعقيقة وقد ثبت جواز ذلك بالنص( [22]).
ومن ذلك كله يتبين أن الغناء في الأفراح والأحزان جائز ولكن ضمن القيود والضوابط التي وضعها العلماء لهذه الإباحة وسيأتي الكلام عنه مفصلا في باب الإنشاد والسماع إن شاء الله تعالى.
ويقول الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته (ج3/ص575) يجوز الغناء المباح وضرب الدف في العرس والختان بقوله صلى الله عليه وآله وسلم «أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالغربال» (وتحرم الأغاني المهيجة للشرور والمشتملة على وصف الجمال والفجور ومعاقرة الخمور في الزفاف وغيره).
وفي مجموع رسائل الشيخ محمد الحامد في الكلام على الدف ما نصه (ص 63):
(اللهو في العرس هو الضرب بالدف والغناء السالم من الفسوق).
وقال الشيخ كريم راجح حفظه الله تعالى: قلت للشيخ ملا رمضان البوطي رحمه الله لماذا لا نحرم الدف فقال الشيخ ملا رحمه الله: كيف نحرم شيئا أحله الشرع؟! وهذا مسعته من الشيخ كريم راجح حفظه الله تعالى.
وفي هذا القدر كفاية لطالب الحق والدليل والحمد لله رب العالمين.
.........................................................................................
( [1]) أخرجه البخاري (4001) و (5147) وأبو داود (4922) والترمذي (1090) والطبراني (24/698) والبيهقي (7/289) وأحمد (6/359 - 360) وابن ماجه (1897) وابن حبان (5878).
( [2]) أخرجه البخاري (5162) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (9ج2/ص 203.
( [3]) عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني (ج2/ ص149) وأخرجه الطبراني في الأوسط (3289) والهيثمي في مجمع الزوائد (5737).
( [4]) المفصل (ج4/ ص63).
( [5]) أخرجه البخاري (3212) ومسلم (6334) والترمذي (2846) وأحمد بن حنبل (5/222) وأبو داود (5013) مختصرا والنسائي (718).
( [6]) أخرجه الترمذي (1088) وقال حديث حسن والنسائي (3369) وابن ماجه (1896) وأحمد (3/418) .
( [7]) أخرجه ابن ماجه (1895) وأبو نعيم (3/265).
( [8]) أخرجه الترمذي (1089) والسيوطي في الجامع الصغير(1198).
( [9]) رواه أبو داود (3212).
( [10]) المفصل (ج4/71).
( [11]) سنن ابن ماجه (1899) وقال: (إسناده صحيح ورجاله ثقات).
( [12]) أخرجه الترمذي (1089) والسيوطي في الجامع الصغير (1198).
( [13]) أخرجه مسلم (2060).
( [14]) أخرجه البخاري (952) ومسلم (2058) وابن ماجه (1891) وأحمد (6/99) والبغوي (1111) والبيهقي (10/224) وابن حبان (5877).
( [15]) نيل الأوطار للشوكاني (6/337 -338).
( [16]) أخرجه الترمذي (1089).
( [17]) الزواجر ج2 ص291.
( [18]) كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع / 290 -291 /0.
( [19]) إيضاح الدلالات في سماع الآلات ص54- 55.
( [20]) الفتاوى الهندية ص 352.
( [21]) طي السجل ص 139 -142.
( [22]) إيضاح الدلالات ص66.
وأما ما جاء من الأدلة على جواز ضرب الدف فقد أخرج البخاري عن خالد ابن ذكوان قال: قالت الربيع بنت معوذ: جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدخل علي صبيحة عرسي فجلس على فراشي كمجلسك مني فجعلت جويرات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل آبائي يوم بدر إذ قالت إحداهن: وفينا نبي الله يعلم ما في غد، فقال صلى الله عليه وآله وسلم «دعي هذا وقولي ما كنت تقولين»( [1]).
وقوله: دعي هذا وقولي بالذي كنت تقولين: فيه إشارة إلى جواز سماع المدح، مما ليس فيه مبالغة تقضي إلى الغلو.
ويستفاد من هذا الحديث مشروعية إعلان النكاح بالدف والغناء المباح.
وأخرج البخاري أيضا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم يا عائشة ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو( [2]).
وفي رواية شريك : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
«فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قلت: تقول ماذا؟ قال: تقول:
أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم
ولولا الذهب الأحمر ما حلت بواديكم
ولولا الحنطة السمرا ء ما سمنت عذاريكم( [3])
وفي الحديث دلالة على جواز اللهو في وليمة النكاح كضرب الدف والغناء لإعلان النكاح وإظهاره وانتشاره حتى تثبت الحقوق فيه.
وسئل مالك عن اللهو يكون فيه البوق فقال: إن كان كبيرا مشتهرا فإني أكرهه وإن كان خفيفا فلا بأس بذلك وقال مالك: لا بأس بالدف في وليمة العرس.
وقال اصبغ من المالكية: ولا يجوز الغناء في العرس ولا في غيره إلا مثل ما يقول نساء الأنصار أو رجز خفيف( [4]).
ودخل الشعبي رحمه الله تعالى إلى وليمة فأقبل على أهلها فقال: مالكم كأنكم اجتمعتم على جنازة!! أين الغناء والدف؟ [إن الله عز وجل ليؤيد حسان بروح القدس ما يفاخر أو ينافح عن رسول الله]( [5]).
ودليل الغناء مع الدف وقت النكاح لإعلانه وتشجيعه قوله عليه الصلاة والسلام (فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح)( [6]).
وكذلك متفق على إباحة الدف بقوله عليه الصلاة والسلام «اعلنوا النكاح واضربوا عليه بالغربال»( [7]).
وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال«أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف»( [8]) وهو مباح في النكاح وغيره أي ضرب الدف لأنه روى الإمام الترمذي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن امرأة جاءته فقالت: إني نذرت إن رجعت من سفرك سالما أن أضرب على رأسك بالدف فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوفي بنذرك»( [9]) ولو كان مكروها لم يأمرها به وإن كان منذورا( [10]).
وأخرج ابن ماجه عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر ببعض المدينة فإذا هو بجوار يضربن بدفهن ويتغنين ويقلن:
نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم «الله يعلم أني أحبكن»( [11]).
وأخرج الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف»( [12]).
قالوا: لا بأس بضرب الدف يوم العيد لما روي عن عائشة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان والنبي صلى الله عليه وآله وسلم متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن وجهه فقال: «دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد( [13]) وتلك الأيام أيام منى.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث قالت: وليستا بمغنيتين( [14]).
وقد نص الفقهاء على جواز الدف والضرب به لعرس وختان وقدوم غائب وولادة وعيد وشفاء مريض وغير ذلك وإن كان فيه جلاجل لإطلاق الخير ودعوى أنه لم يكن فيه جلاجل تحتاج إلى إثباته والجلاجل إما نحو حلق تجعل داخله كدف العرب أو صنوج عراض من صفر تجعل من خروق دائرته كدف العجم وكلها جائزة ومن قال بالكراهة فقوله مردود وسواء ضرب به رجل أو أنثى وتخصيصه بالنساء مردود أيضا كما أفاده السبكي( [15]).
• وما جاء من أقوال وحكم للعلماء في الدف:
حكى الإمام البيهقي عن شيخه الإمام الحليمي ولم يخالفه إذا أبحنا الدف فإنما نبيحه للنساء خاصة أهـ.
وعبارة منهجه: وضرب الدف لا يحل لغير النساء لأنه في الأصل من أعمالهن وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتشبهين بالنساء . أهـ.
ونازعه السبكي في الحلبيات بأن الجمهور لم يفرقوا بين الرجال والنساء.
قال: فتفريق الحليمي بينهما ضعيف والأصل اشتراك الذكور والإناث في الأحكام إلا ما ورد الشرع فيه بالفرقة ولم يرد هنا.
وليس ذلك مما يختص بالنساء ليقال: يحرم على الرجال التشبه بهن فيه فينبه على العموم وقد جاء :«اعنلوا النكاح واضربوا عليه بالدف»( [16]).
وقال الإمام الغزالي رضي الله عنه في الإحياء: يباح في العرس والعيد وقدوم الغائب وكل سرور حادث( [17]). وهنا الدليل واضح بقوله صلى الله عليه وآله وسلم (اضربوا) فالواو لجمع المذكر السالم ولو كان القصد فقط النساء لقال: (اضربن عليه بالدفوف) فهذا ظاهر في الجواز للرجال والله أعلم.
ويقول الشيخ ابن حجر الهيثمي في رسالته كف الرعاع: المعتمد من مذهبنا أنه حلال بلا كراهة في عرس وختان وتركه أفضل وهكذا حكمه في غيرهما فيكون مباحا أيضا على الأصح في المنهاج بلا كراهة وظاهر ندبه لكل سرور مطلوب( [18]).
وذكر الشيخ عبدالرؤوف المناوي رحمه الله في شرحه الكبير على الجامع الصغير للسيوطي رحمه الله تعالى : عند قوله عليه الصلاة والسلام : «أعلنوا النكاح واجعلوه بالمساجد واضربوا عليه بالدفوف» وقد أفاد الخبر حل ضرب الدف في العرس ومثله كل حادث سرور ومذهب الشافعية: أن الضرب فيه مباح مطلقا ولو بجلاجل وقد وقع الضرب به في حضرة شارع الملة ومبين الحل من الحرمة وأقره ولا فرق بين ضربه من امرأة أو رجل على الأصح( [19]).
وسئل أبو يوسف رحمه الله تعالى عن الدف أتكرهه في غير العرس قال: لا أكرهه( [20]).
• وقال الإمام الجليل بهاء الدين الرواس رحمه الله وقدس سره :
نعم إن السماع قد تكاثرت فيه الأقوال وتباينت عليه الأحوال إثباتا ونفيا فمنهم من يلحقه بالفسق ومنهم من يشهد أنه واضح الحق فيتجاذبون بين الإفراط والتفريط والحق الاقتصاد وهو التفصيل في المسموع أما أصوات الملاهي فغير ما هو من شعار أهل الشرب منها مثل الدف ونحوه فعند الإمام الشافعي الأعظم رضي الله عنه فسحة وللقول فيها تفاصيل حررتها بقصيدة لي وهي:
اضرب الدف وجانب جاهلا حكمة الشرع لغي ما درى
قد أباح الدف قدما مالك وعن الأصحاب يروي الخبرا
والإمام الشافعي المنتقى تبع القول وقوى الأثرا
وكذا النعمان قد قيده لنكاح أو لعيد وجرى
وأتى عن أحمد بينهما خبر خذ نصه معتبرا
إن يكن في العيد أو في مثله من دواعي الخير زين لا مرا
وحكى فيه ثوبا بينا لطباق جاء عن خير الورى
نكتة الإجماع إن جاءت على حكم نص أبدا لن تنكرا
هذه الأخبار عن أربعة لبقاء الدين أفنوا العمرا
ولشأن النص سر آخر نثر الأقوام منه الدررا
كل ما حرك قلبا ساكنا ودعا العقل به معتبرا
وأجال الروح في برزخها تذكر الله وتبغي مظهرا
فهو بر والذي يفعله فعل البر ولله سرى
إن في الدف وفي رنته نغمة يعرفها من ذكرا
صوته ذكر وفي بحته أنة تذكر أوقات السرى
نضرب الدف ومنه عندنا ذاكرا نسمعه لن يفترا
وبهذا اللف من دورته دورة الكوكب إن ما أبدرا
يرفع العزم إلى الله وقد يحكي معنى كيف تقضي العمرا
كم صباح دار بالليل وكم من هلال بالليالي انحدرا
وبه معنى رقيق مخبر كيف شق الهاشمي القمرا
وبه رق إلى الرق عزي كل نفس طيشها قد كبرا
وبه الدفة تروي خبرالـ ـدفة الملساء عمن قبرا
ويريك الجلد منه ميتا أذهب العين وأبقى الأثرا
ويريك الخشب الملوي فيـ ـه بأن الفقد يلوي الشجرا
دورة في نسجها دائرة تبرز النقطة فافهم ما جرى
وبرن الجلد من ضاربه طلب الهمة ممن قدرا
فإذا يترك يغدو ساكنا وإذا يضرب طورا احضرا
لك هذا الرق من قلبك إن لم ترعه خلته ما ذكرا
وإذا هز بحال ضارب داوم الذكر وخاف الخطرا
قام في الدف مناد كامن إن رأى الكف بدا واشتهرا
خذ به الكف عن الدنيا وقم بيد الذكر له مستظهرا
وافهمن من جلده معنى إذا أنت حققت كما الجسم يرى
رق حتى طاب منه صوته بعد شد فافهمن ما أضمرا
واعمل الرقة خلقا ثم شد لها العزم لتعطى مظهرا
وانظر اللوح الذي دار به قد غدا في جلده مستترا
فاستر الكامن من حال وكن لمحيط ساتر مفتقرا
واحذر المس لنار بالذي خالف الشرع لتكفى الغيرا
جلدة الدف إذا النار بها عبتث تدخل في نوع الثرى
يذهب الستر وتبقى خشبا ما بها صوت ولا السر يرى
فاحذر النار وكن ذا فطنة دائما مستشعرا مستبصرا
وافهم الحكم بهذا عيدنا عن نبي هابه ليث الشرى
سيد قد أيد الدين به وبه قد شرفت أم القرى
فاضرب الدف على حكمته ودع اللاهي بما فيه افترى
ومن الأشياء خذ تسبيحها مثل ما في الآي نصا ذكرا
وارشد العالم واهجر جاهلا نظر الشمس كأن ما نظر
واهمل الحاسد في حيرته عرف الحق وولى مدبرا
ولدي كن مهدوي المرتقى أحمديا واستدق النظرا
إن موسى من أولي العزم وقد لخفاء الحكم لام الخضرا
فاحكم استدلالك الدهر وكن ثابت العزم مكينا وقرا
قد نظمنا حكمة الدف لمن قلبه سر التدلي وقرا
وكتبناه سطورا لفتى فهم النظم وللسطر قرا
جاء شعرا مهدويا رمزه بمعانيه أطاش الشُّعرا
راح في طي مباين نظمه درنا منسلكا منتثرا
عنه آيات المعاني أحكمت خبرا يحيي قلوب الفقرا
وطوى معنى لطيفا سائغا كلما أورد سرا أصدرا( [21])
• وقال الشيخ عبدالغني النابلسي:
وأما ضرب الدف والرقص فقد جاءت الرخصة في إباحته للفرح والسرور في أيام الأعياد والعرس وقدوم الغائب والوليمة والعقيقة وقد ثبت جواز ذلك بالنص( [22]).
ومن ذلك كله يتبين أن الغناء في الأفراح والأحزان جائز ولكن ضمن القيود والضوابط التي وضعها العلماء لهذه الإباحة وسيأتي الكلام عنه مفصلا في باب الإنشاد والسماع إن شاء الله تعالى.
ويقول الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته (ج3/ص575) يجوز الغناء المباح وضرب الدف في العرس والختان بقوله صلى الله عليه وآله وسلم «أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالغربال» (وتحرم الأغاني المهيجة للشرور والمشتملة على وصف الجمال والفجور ومعاقرة الخمور في الزفاف وغيره).
وفي مجموع رسائل الشيخ محمد الحامد في الكلام على الدف ما نصه (ص 63):
(اللهو في العرس هو الضرب بالدف والغناء السالم من الفسوق).
وقال الشيخ كريم راجح حفظه الله تعالى: قلت للشيخ ملا رمضان البوطي رحمه الله لماذا لا نحرم الدف فقال الشيخ ملا رحمه الله: كيف نحرم شيئا أحله الشرع؟! وهذا مسعته من الشيخ كريم راجح حفظه الله تعالى.
وفي هذا القدر كفاية لطالب الحق والدليل والحمد لله رب العالمين.
.........................................................................................
( [1]) أخرجه البخاري (4001) و (5147) وأبو داود (4922) والترمذي (1090) والطبراني (24/698) والبيهقي (7/289) وأحمد (6/359 - 360) وابن ماجه (1897) وابن حبان (5878).
( [2]) أخرجه البخاري (5162) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (9ج2/ص 203.
( [3]) عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني (ج2/ ص149) وأخرجه الطبراني في الأوسط (3289) والهيثمي في مجمع الزوائد (5737).
( [4]) المفصل (ج4/ ص63).
( [5]) أخرجه البخاري (3212) ومسلم (6334) والترمذي (2846) وأحمد بن حنبل (5/222) وأبو داود (5013) مختصرا والنسائي (718).
( [6]) أخرجه الترمذي (1088) وقال حديث حسن والنسائي (3369) وابن ماجه (1896) وأحمد (3/418) .
( [7]) أخرجه ابن ماجه (1895) وأبو نعيم (3/265).
( [8]) أخرجه الترمذي (1089) والسيوطي في الجامع الصغير(1198).
( [9]) رواه أبو داود (3212).
( [10]) المفصل (ج4/71).
( [11]) سنن ابن ماجه (1899) وقال: (إسناده صحيح ورجاله ثقات).
( [12]) أخرجه الترمذي (1089) والسيوطي في الجامع الصغير (1198).
( [13]) أخرجه مسلم (2060).
( [14]) أخرجه البخاري (952) ومسلم (2058) وابن ماجه (1891) وأحمد (6/99) والبغوي (1111) والبيهقي (10/224) وابن حبان (5877).
( [15]) نيل الأوطار للشوكاني (6/337 -338).
( [16]) أخرجه الترمذي (1089).
( [17]) الزواجر ج2 ص291.
( [18]) كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع / 290 -291 /0.
( [19]) إيضاح الدلالات في سماع الآلات ص54- 55.
( [20]) الفتاوى الهندية ص 352.
( [21]) طي السجل ص 139 -142.
( [22]) إيضاح الدلالات ص66.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى