الذكر الجهري
الذكر الجهري
الذكر الجهري
قال الله تعالى ﴿الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم﴾( [1]).
وقال تعالى ﴿والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما﴾( [2]).
وقال تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا﴾( [3]).
أحاديث وآثار تبين استحباب الجهر بالذكر والحث عليه
إما تصريحا أو التزاما
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يتلمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا قال: فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ قال: يقولون يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك قال فيقول: هل رأوني؟ قال فيقولون لا والله ما رأوك قال: فيقول: كيف لو رأوني؟ قال يقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدا وأكثر لك تسبيحا قال يقول فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة قال: يقول: وهل رأوها؟قال يقولون لا والله يا رب ما رأوها قال يقول فكيف لو أنهم رأوها؟ قال فيقلون لو أنهم راوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا وأعظم فيها رغبة قال فمم يتعوذون ؟ قال: يقولون من النار قال يقول وهل رأوها ؟ قال يقولون لا والله ما رأوها قال يقول فكيف لو رأوها؟ قال يقولون لو رأوها كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة قال فيقول : فأشهدكم أني قد غفرت لهم قال يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم»( [4]).
وفي رواية عن جابر رضي الله عنه قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا أيها الناس إن لله سرايا من الملائكة تحل وتقف على مجالس الذكر في الأرض فارتعوا في رياض الجنة قالوا وأين رياض الجنة؟ قال: مجالس الذكر فاغدوا وروحوا في ذكر الله وذكروا أنفسكم من كان يحب أن يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده فإن الله ينزل العبد منه حيث أنزله من نفسه( [5]).
2- وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال : حلق الذكر»( [6]).
3- وعن معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده فقال: إنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة»( [7]).
4- وعن عبدالرحمن بن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في بعض أبياته ﴿واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي﴾( [8])،فخرج يلتمسهم فوجد قومه يذكرون الله تعالى منهم ثائر الرأس وجاف الجلد وذو الثوب الواحد فلما رآهم جلس معهم وقال«الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم»( [9]).
وفي رواية لأحمد في الزهد عن ثابت قال: كان سلمان في عصابة يذكرون الله فمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكفوا فقال: «ما كنتم تقولون؟ قلنا نذكر الله قال: إني رأيت الرحمة تنزل عليكم فأحببت أن أشارككم فيها ثم قال: الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم».
فكف سيدنا سلمان وأصحابه عن الذكر لقدوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم دليل على أنهم كانوا يجهرون فيه قبل قدومه وهذا دليل الجهر به.
5- وعن زيد بن أسلم رضي الله عنه قال: قال ابن الأدرع : انطلقت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة، فمر برجل بالمسجد يرفع صوته قلت: يا رسول الله عسى أن يكون ذلك مرائيا؟ قال: لا ولكنه أواه وفي رواية عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل يقال له ذو البجادين : إنه آواه وذلك أنه كان يذكر الله( [10]).
وقال الحسن بن مسلم: كان رجل من أهل نجد إن دعا رفع صوته وإن صلى رفع صوته وإن قرأ رفع صوته فشكاه أبو ذر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إن هذا الأعرابي قد آذاني لئن دعا ليرفعن صوته ولئن قرأ ليرفعن صوته فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم «دعه فإنه أواه»( [11]).
6- وعن ابن الزبير رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سلم من صلاته قال بصوته الأعلى : (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ولا حول ولا قوة إلا بالله )( [12]).
7- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة وبنى له بيتا في الجنة » وفي بعض طرقه (فنادى) ( [13]).
8- وعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال: هل فيكم غريب يعني (أهل الكتاب) قلنا : لا يا رسول الله فأمر بغلق الباب فقال: ارفعوا أيديكم فقولا لا إله إلا الله فرفعنا أيدينا ساعة ثم وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده ثم قال: «الحمد لله اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني عليها الجنة إنك لا تخلف الميعاد ثم قال أبشروا فإن الله قد غفر لكم»( [14]).
9- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «أنا عند ظن عبدي بي .. وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه»( [15]) والذكر في الملأ لا يكون إلا عن جهر.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرفالناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( [16]).
10- وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم «ما من قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده»( [17]).
11- وأخرج بقية من مخلد عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بمجلسين أحد المجلسين يدعون الله ويرغبون إليه والآخر يعلمون العلم فقال: «كلا المجلسين خيرا وأحدهما أفضل من الآخر» فإقراراه صلى الله عليه وآله وسلم لمجلس الدعاء والذكر الذي يفهم منه الجهر فيما بالخيرية دليل على جواز الجهر فيهما.
12- وعن عبدالله بن معضل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم « ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات »( [18]) والاجتماع على ذكر الله دليل الجهرية.
13- وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن أبي رزي العقيلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «ألا أدلك على ملاك الأمر الذي تصيب به خيري الدنيا والآخرة ؟ قال: بلى ، قال: عليك بمجالس الذكر وإذا خلوت فحرك لسانك بذكر الله».
14- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يقول الرب تعالى يوم القيامة : سيعلم أهل الجمع من أهل الكرم ، قيل: ومن أهل الكرم يا رسول الله ؟ قال: أهل مجالس الذكر في المساجد »( [19]).
15- وعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال «لأن أذكر الله تعالى مع قوم بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس أحب الي مما طلعت عليه الشمس ولأن أذكر الله مع قوم بعد صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس أحب إلي من الدنيا وما فيها»( [20]).
16- وعن أبي الجوزاء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اكثروا ذكر الله حتى يقول المنافقون إنكم مراؤون»( [21]).
17- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون»( [22]).
18- وعن السائب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «جائني جبريل فقال: مر أصحابك يرفعوا أصواتهم بالتكبير »( [23]).
وأخرج المروزي في كتاب العيدين أنه كان كل من عبدالله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما يأتيان السوق أيام العشر فيكبران لا يأتينا السوق إلا لذلك.
وكذلك نقل عن سيدنا عمر أنه كان يكبر في قبته فيكبر أهل المسجد فيكبر أهل السوق حتى ترتج منى تكبيرا.
وقال ميمون بن مهران: أدركت الناس وإنهم ليكبرون في العشر حتى كنت أشبهها بالأمواج من كثرتها.
وأخرج ابن جرير في تفسيره عن سيدنا ابن عباس في قوله تعالى ﴿فما بكت عليهم السماء والأرض﴾( [24]) قال : إن المؤمن إذا مات بكى عيه من الأرض الموضع الذي كان يصلي فيه ويذكر الله فيه.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي عبيد قال: (إن المؤمن إذا مات نادت بقاع الأرض: عبد الله المؤمن مات فتبكي الأرض والسماء فيقول الرحمن ما يبكيكما على عبدي؟ فيقولون: ربنا لم يمش في ناحية منا قط إلا وهو يذكرك) فلو لم يكن الذكر جهرا لما سمعته الأرض والجبال.
وقد صح أن سيدنا أبا بكر كان يسر في قراءة القرآن وكان سيدنا عمر يجهر فيها فلما سألهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن السبب أجاب سيدنا أبو بكر بمآثره الإسرار لمجاهدة النفس وتعليمها طرق الإخلاص وأن من يناجيه يسمع كلامه وأجاب سيدنا عمر بمآثرة الجهر لإيقاظ الوسنان وطرد الشيطان وإرضاء الرحمن.
وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يأمر من يقرأ القرآن في المسجد أن يسمع قراءته.
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يأمر رجلا يقرأ عليه وعلى أصحابه وهم يستمعون لأنه أكثر عملا وأبلغ في التدبر ونفعه متعد لإيقاظ قلوب الغافلين.
وذكر ابن الجزري في كتاب الحصن الحصين(أن كل ذكر مشروع أي مأمور به في الشرع واجبا كان او مستحبا لا يعتد بشيء منه حتى يتلفظ به ويسمع نفسه).
وقال الإمام السيوطي رحمه الله أنه وردت أحاديث تقتضي استحباب الجهر بالذكر واحاديث تقتضي استحباب الإسرار به والجمع بينهما أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص ثم قال: إذا تأملت ما أوردنا من الأحاديث عرفت من مجموعها أنه لا كراهة البتة في الجهر بالذكر بل فيه ما يدل على استحبابه إما تصيحا أو التزاما وأما معارضته بحديث (خير الذكر الخفي) فهو تظهر فيه معارضة احاديث الجهر بالقرآن بحديث (المسر بالقرآن كالمسر بالصدقة) وقد جمع النووي بينهما بأن الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء أو تأذى به مصلون أو نيام والجهر أفضل من غير ذلك لأن العمل فيه أكثر ولأن فائدته تتعدى ويطرد النوم ويزيد في النشاط وقال بعضهم (يستحب الجهر ببعض القراءة والإسرار لأن المسر قد يمل فيأنس بالجهر والجاهر قد يكل فيستريح بالإسرار) .
وقال الشيخ عبدالوهاب الشعراني رحمه الله تعالى (وأجمعوا على انه يجب على المريد الجهر بالذكر بقوة تامة بحيث لا يبقى منه متسع إلا ويهتز من فوق رأسه إلى إصبع قدميه)( [25]).
وقال الشيخ ابن عطاء الله : وينبغي إن كان الذاكرون جماعة فالأولى في حقهم رفع الصوت بالذكر مع توافق الأصوات بطريقة موزونة فذكر الجماعة على قلب واحد أكثر تأثيرا وأشد قوة فيرفع الحجب عن القلب وأما أن هذا معارض بقوله تعالى ﴿واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية ودون الجهر من القول﴾( [26]) فالحق ما بينه الإمام السيوطي في كتابه (نتيجة الفكر في الجهر بالذكر) حيث قال: إن الجواب عن هذه الآية يكون من ثلاثة أوجه: الأول: إنها مكية لأنها من الأعراف وهي مكية كآية الإسراء﴿ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها﴾( [27]) وقد نزلت حين كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجهر بالقرآن فيسمعه المشركون فيسبون القرآن ومن أنزله فامره الله بترك الجهر سدا للذريعة كما نهى عن سب الأصنام في قوله: ﴿ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم﴾( [28]) وقد زال هذا المعنى.
والثاني: أن جماعة من المفسرين منهم عبدالرحمن بن يزيد بن أسلم شيخ مالك وابن جرير حملوا الآية على الذكرحال قراءة القرآن وأنه أمره بالذكر على هذه الصفة تعظيما للقرآن الكريم أن ترفع الأصوات عنده ويقويه اتصاله بقوله تعالى ﴿وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون﴾( [29]) قلت: وكأنه لما أمر بالإنصات خشي من ذلك الإخلاد إلى البطالة فنبه على أنه وإن كان مأمورا بالسكوت باللسان إلا أن تمكين الذكر بالقلب باق حتى لا يغفل عن ذكر الله ولذا ختم الآية بقوله﴿ ولا تكن من الغافلين﴾( [30]).
الثالث: ما ذكره علماء الصوفية من أن الأمر في الآية خاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم واما غيره فمن هو محل الوساوس والخواطر فمأمور بالجهر لأنه أشد تأثيرا في دفعها وأما قوله تعالى ﴿ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين﴾( [31]) فالجواب عنه من وجهين : إحدهما: أن الراجح في تفسيره أنه تجاوز المأمور أو اختراع دعوة لا أصل لها في الشرع فعن عبدالله بن مغفل رضي الله عنه أنه سمع ابنه يقول: (اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول«يكون في الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور»( [32]) وقرأ هذه الآية فهذا تفسير صحابي وهو أعلم بالمراد).
الثاني: على تقدير التسليم فالآية في الدعاء لا في الذكر والدعاء بخصوصه الأفضل فيه الإسرار لأنه أقرب إلى الإجابة ولذا قال تعالى ﴿إذ نادى ربه نداء خفيا﴾( [33]).
هذا وقد نص الإمام النووي رحمه الله في فتاويه على أن الجهر بالذكر حيث لا محذور شرعا مشروع مندوب إليه بل هو افضل من الإخفاء في مذهب الإمام الشافعي وهو ظاهر مذهب الإمام أحمد وإحدى الروايتين عن الإمام مالك بنقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري وهو قول قاضيخان في فتاويه وقد قال العلامة الطحاوي في حاشيته على مراقي الفلاح (لا يمنع من الجهر بالذكر في المساجد احترازا عن الدخول تحت قوله تعالى ﴿ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه﴾( [34]) )( [35]).
وقال الشيخ حسنين مخلوف رحمه الله تعالى : (الأحاديث الصحيحة مع إثباته مشروعية الجماعة وفضلها في الذكر تثبت الجهرية (ايضا) وفضله فيه لأنه هو الذي صيرهم جماعة (كما هو المعهود لغة وعرفا).. إلى أن قال: (وبالتأمل في عموم الآيات والأحاديث وما نقله الآلوسي في آية الدعاء تعلم انه لا وجه للقول بكراهة الجهر بالذكر جماعة) إذا خلا من الموانع الشرعية ولم يكن فيه إخلال بشيء من آدابه المعروفة.
وقال الشيخ محمد الحامد رحمه الله تعالى : والذكر جائز في انفراد وفي اجتماع بشرط أن لا يكون من الذاكرين جهر يتأذى به الجيران والنائمون والعالمون والعابدون.
.................................................................
( [1]) سورة آل عمران الآية (191).
( [2]) سورة الأحزاب الآية (35).
( [3]) سورة الأحزاب الآية (41- 42).
( [4]) أخرجه البخاري (8/107) ومسلم (8/68) والترمذي (3600) وأحمد (2/251).
( [5]) أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه (1820) والبزار (3064).
( [6]) تقدم تخريجه .
( [7]) أخرجه أحمد (14/205) والترمذي (3379).
( [8]) سورة الكهف الآية (28).
( [9]) الحاوي للفتاوى للإمام السيوطي مجلد 2 ص 27 رقم 1.
( [10]) أخرجه أحمد (4/159).
( [11]) أخرجه عبدالرزاق في المصنف (6559).
( [12]) رواه مسلم (594) والترمذي (299).
( [13]) أخرجه الحاكم (1974).
( [14]) أخرجه الحاكم (1844).
( [15]) أخرجه البخاري (6970) ومسلم (2675) وأحمد (14/268) والترمذي (2388).
( [16]) أخرجه البخاري (805 - 806).
( [17]) تقدم تخريجه ص (173).
( [18]) أخرجه أحمد (14/202) وأبو يعلى (4141) والبزار (3061) والطبراني في الأوسط (1579) والهيثمي في مجمع الزوائد (16764).
( [19]) أخرجه احمد (14/2059 وأبو يعلى (1046) و (1403) وابن حبان (816) والهيثمي في مجمع الزوائد (16763).
( [20]) ذكره السيوطي في الجامع الصغير(7199) ورمز لحسنه.
( [21]) ذكره السيوطي في الجامع الصغير (1398).
( [22]) تقدم تخريجه ص (182).
( [23]) أخرجه أحمد (11/180) وأبو داود (1814) والترمذي (829) وصححه النسائي (2752) وابن ماجه (2923) والحاكم (1653) وابن خزيمة (2628).
( [24]) سورة الدخان الآية (29).
( [25]) الأنوار القدسية (1/38).
( [26]) سورة الأعراف الآية (205).
( [27]) سورة الإسراء الآية (110).
( [28]) سورة الأنعام الآية (108).
( [29]) سورة الأعراف الآية (204).
( [30]) سورة الأعراف الآية (205).
( [31]) سورة الأعراف الآية (55).
( [32]) أخرجه ابن ماجه (3864) والحاكم في مستدركه وصححه (1979).
( [33]) سورة مريم الآية (3).
( [34]) سورة البقرة الآية(114).
( [35]) مراقي الفلاح ص (208) وانظر حاشية ابن عابدين.
قال الله تعالى ﴿الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم﴾( [1]).
وقال تعالى ﴿والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما﴾( [2]).
وقال تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا﴾( [3]).
أحاديث وآثار تبين استحباب الجهر بالذكر والحث عليه
إما تصريحا أو التزاما
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يتلمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا قال: فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ قال: يقولون يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك قال فيقول: هل رأوني؟ قال فيقولون لا والله ما رأوك قال: فيقول: كيف لو رأوني؟ قال يقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدا وأكثر لك تسبيحا قال يقول فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة قال: يقول: وهل رأوها؟قال يقولون لا والله يا رب ما رأوها قال يقول فكيف لو أنهم رأوها؟ قال فيقلون لو أنهم راوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا وأعظم فيها رغبة قال فمم يتعوذون ؟ قال: يقولون من النار قال يقول وهل رأوها ؟ قال يقولون لا والله ما رأوها قال يقول فكيف لو رأوها؟ قال يقولون لو رأوها كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة قال فيقول : فأشهدكم أني قد غفرت لهم قال يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم»( [4]).
وفي رواية عن جابر رضي الله عنه قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا أيها الناس إن لله سرايا من الملائكة تحل وتقف على مجالس الذكر في الأرض فارتعوا في رياض الجنة قالوا وأين رياض الجنة؟ قال: مجالس الذكر فاغدوا وروحوا في ذكر الله وذكروا أنفسكم من كان يحب أن يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده فإن الله ينزل العبد منه حيث أنزله من نفسه( [5]).
2- وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال : حلق الذكر»( [6]).
3- وعن معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده فقال: إنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة»( [7]).
4- وعن عبدالرحمن بن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في بعض أبياته ﴿واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي﴾( [8])،فخرج يلتمسهم فوجد قومه يذكرون الله تعالى منهم ثائر الرأس وجاف الجلد وذو الثوب الواحد فلما رآهم جلس معهم وقال«الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم»( [9]).
وفي رواية لأحمد في الزهد عن ثابت قال: كان سلمان في عصابة يذكرون الله فمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكفوا فقال: «ما كنتم تقولون؟ قلنا نذكر الله قال: إني رأيت الرحمة تنزل عليكم فأحببت أن أشارككم فيها ثم قال: الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم».
فكف سيدنا سلمان وأصحابه عن الذكر لقدوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم دليل على أنهم كانوا يجهرون فيه قبل قدومه وهذا دليل الجهر به.
5- وعن زيد بن أسلم رضي الله عنه قال: قال ابن الأدرع : انطلقت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة، فمر برجل بالمسجد يرفع صوته قلت: يا رسول الله عسى أن يكون ذلك مرائيا؟ قال: لا ولكنه أواه وفي رواية عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل يقال له ذو البجادين : إنه آواه وذلك أنه كان يذكر الله( [10]).
وقال الحسن بن مسلم: كان رجل من أهل نجد إن دعا رفع صوته وإن صلى رفع صوته وإن قرأ رفع صوته فشكاه أبو ذر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إن هذا الأعرابي قد آذاني لئن دعا ليرفعن صوته ولئن قرأ ليرفعن صوته فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم «دعه فإنه أواه»( [11]).
6- وعن ابن الزبير رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سلم من صلاته قال بصوته الأعلى : (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ولا حول ولا قوة إلا بالله )( [12]).
7- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة وبنى له بيتا في الجنة » وفي بعض طرقه (فنادى) ( [13]).
8- وعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال: هل فيكم غريب يعني (أهل الكتاب) قلنا : لا يا رسول الله فأمر بغلق الباب فقال: ارفعوا أيديكم فقولا لا إله إلا الله فرفعنا أيدينا ساعة ثم وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده ثم قال: «الحمد لله اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني عليها الجنة إنك لا تخلف الميعاد ثم قال أبشروا فإن الله قد غفر لكم»( [14]).
9- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «أنا عند ظن عبدي بي .. وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه»( [15]) والذكر في الملأ لا يكون إلا عن جهر.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرفالناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( [16]).
10- وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم «ما من قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده»( [17]).
11- وأخرج بقية من مخلد عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بمجلسين أحد المجلسين يدعون الله ويرغبون إليه والآخر يعلمون العلم فقال: «كلا المجلسين خيرا وأحدهما أفضل من الآخر» فإقراراه صلى الله عليه وآله وسلم لمجلس الدعاء والذكر الذي يفهم منه الجهر فيما بالخيرية دليل على جواز الجهر فيهما.
12- وعن عبدالله بن معضل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم « ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات »( [18]) والاجتماع على ذكر الله دليل الجهرية.
13- وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن أبي رزي العقيلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «ألا أدلك على ملاك الأمر الذي تصيب به خيري الدنيا والآخرة ؟ قال: بلى ، قال: عليك بمجالس الذكر وإذا خلوت فحرك لسانك بذكر الله».
14- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يقول الرب تعالى يوم القيامة : سيعلم أهل الجمع من أهل الكرم ، قيل: ومن أهل الكرم يا رسول الله ؟ قال: أهل مجالس الذكر في المساجد »( [19]).
15- وعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال «لأن أذكر الله تعالى مع قوم بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس أحب الي مما طلعت عليه الشمس ولأن أذكر الله مع قوم بعد صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس أحب إلي من الدنيا وما فيها»( [20]).
16- وعن أبي الجوزاء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اكثروا ذكر الله حتى يقول المنافقون إنكم مراؤون»( [21]).
17- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون»( [22]).
18- وعن السائب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «جائني جبريل فقال: مر أصحابك يرفعوا أصواتهم بالتكبير »( [23]).
وأخرج المروزي في كتاب العيدين أنه كان كل من عبدالله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما يأتيان السوق أيام العشر فيكبران لا يأتينا السوق إلا لذلك.
وكذلك نقل عن سيدنا عمر أنه كان يكبر في قبته فيكبر أهل المسجد فيكبر أهل السوق حتى ترتج منى تكبيرا.
وقال ميمون بن مهران: أدركت الناس وإنهم ليكبرون في العشر حتى كنت أشبهها بالأمواج من كثرتها.
وأخرج ابن جرير في تفسيره عن سيدنا ابن عباس في قوله تعالى ﴿فما بكت عليهم السماء والأرض﴾( [24]) قال : إن المؤمن إذا مات بكى عيه من الأرض الموضع الذي كان يصلي فيه ويذكر الله فيه.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي عبيد قال: (إن المؤمن إذا مات نادت بقاع الأرض: عبد الله المؤمن مات فتبكي الأرض والسماء فيقول الرحمن ما يبكيكما على عبدي؟ فيقولون: ربنا لم يمش في ناحية منا قط إلا وهو يذكرك) فلو لم يكن الذكر جهرا لما سمعته الأرض والجبال.
وقد صح أن سيدنا أبا بكر كان يسر في قراءة القرآن وكان سيدنا عمر يجهر فيها فلما سألهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن السبب أجاب سيدنا أبو بكر بمآثره الإسرار لمجاهدة النفس وتعليمها طرق الإخلاص وأن من يناجيه يسمع كلامه وأجاب سيدنا عمر بمآثرة الجهر لإيقاظ الوسنان وطرد الشيطان وإرضاء الرحمن.
وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يأمر من يقرأ القرآن في المسجد أن يسمع قراءته.
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يأمر رجلا يقرأ عليه وعلى أصحابه وهم يستمعون لأنه أكثر عملا وأبلغ في التدبر ونفعه متعد لإيقاظ قلوب الغافلين.
وذكر ابن الجزري في كتاب الحصن الحصين(أن كل ذكر مشروع أي مأمور به في الشرع واجبا كان او مستحبا لا يعتد بشيء منه حتى يتلفظ به ويسمع نفسه).
وقال الإمام السيوطي رحمه الله أنه وردت أحاديث تقتضي استحباب الجهر بالذكر واحاديث تقتضي استحباب الإسرار به والجمع بينهما أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص ثم قال: إذا تأملت ما أوردنا من الأحاديث عرفت من مجموعها أنه لا كراهة البتة في الجهر بالذكر بل فيه ما يدل على استحبابه إما تصيحا أو التزاما وأما معارضته بحديث (خير الذكر الخفي) فهو تظهر فيه معارضة احاديث الجهر بالقرآن بحديث (المسر بالقرآن كالمسر بالصدقة) وقد جمع النووي بينهما بأن الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء أو تأذى به مصلون أو نيام والجهر أفضل من غير ذلك لأن العمل فيه أكثر ولأن فائدته تتعدى ويطرد النوم ويزيد في النشاط وقال بعضهم (يستحب الجهر ببعض القراءة والإسرار لأن المسر قد يمل فيأنس بالجهر والجاهر قد يكل فيستريح بالإسرار) .
وقال الشيخ عبدالوهاب الشعراني رحمه الله تعالى (وأجمعوا على انه يجب على المريد الجهر بالذكر بقوة تامة بحيث لا يبقى منه متسع إلا ويهتز من فوق رأسه إلى إصبع قدميه)( [25]).
وقال الشيخ ابن عطاء الله : وينبغي إن كان الذاكرون جماعة فالأولى في حقهم رفع الصوت بالذكر مع توافق الأصوات بطريقة موزونة فذكر الجماعة على قلب واحد أكثر تأثيرا وأشد قوة فيرفع الحجب عن القلب وأما أن هذا معارض بقوله تعالى ﴿واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية ودون الجهر من القول﴾( [26]) فالحق ما بينه الإمام السيوطي في كتابه (نتيجة الفكر في الجهر بالذكر) حيث قال: إن الجواب عن هذه الآية يكون من ثلاثة أوجه: الأول: إنها مكية لأنها من الأعراف وهي مكية كآية الإسراء﴿ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها﴾( [27]) وقد نزلت حين كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجهر بالقرآن فيسمعه المشركون فيسبون القرآن ومن أنزله فامره الله بترك الجهر سدا للذريعة كما نهى عن سب الأصنام في قوله: ﴿ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم﴾( [28]) وقد زال هذا المعنى.
والثاني: أن جماعة من المفسرين منهم عبدالرحمن بن يزيد بن أسلم شيخ مالك وابن جرير حملوا الآية على الذكرحال قراءة القرآن وأنه أمره بالذكر على هذه الصفة تعظيما للقرآن الكريم أن ترفع الأصوات عنده ويقويه اتصاله بقوله تعالى ﴿وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون﴾( [29]) قلت: وكأنه لما أمر بالإنصات خشي من ذلك الإخلاد إلى البطالة فنبه على أنه وإن كان مأمورا بالسكوت باللسان إلا أن تمكين الذكر بالقلب باق حتى لا يغفل عن ذكر الله ولذا ختم الآية بقوله﴿ ولا تكن من الغافلين﴾( [30]).
الثالث: ما ذكره علماء الصوفية من أن الأمر في الآية خاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم واما غيره فمن هو محل الوساوس والخواطر فمأمور بالجهر لأنه أشد تأثيرا في دفعها وأما قوله تعالى ﴿ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين﴾( [31]) فالجواب عنه من وجهين : إحدهما: أن الراجح في تفسيره أنه تجاوز المأمور أو اختراع دعوة لا أصل لها في الشرع فعن عبدالله بن مغفل رضي الله عنه أنه سمع ابنه يقول: (اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول«يكون في الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور»( [32]) وقرأ هذه الآية فهذا تفسير صحابي وهو أعلم بالمراد).
الثاني: على تقدير التسليم فالآية في الدعاء لا في الذكر والدعاء بخصوصه الأفضل فيه الإسرار لأنه أقرب إلى الإجابة ولذا قال تعالى ﴿إذ نادى ربه نداء خفيا﴾( [33]).
هذا وقد نص الإمام النووي رحمه الله في فتاويه على أن الجهر بالذكر حيث لا محذور شرعا مشروع مندوب إليه بل هو افضل من الإخفاء في مذهب الإمام الشافعي وهو ظاهر مذهب الإمام أحمد وإحدى الروايتين عن الإمام مالك بنقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري وهو قول قاضيخان في فتاويه وقد قال العلامة الطحاوي في حاشيته على مراقي الفلاح (لا يمنع من الجهر بالذكر في المساجد احترازا عن الدخول تحت قوله تعالى ﴿ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه﴾( [34]) )( [35]).
وقال الشيخ حسنين مخلوف رحمه الله تعالى : (الأحاديث الصحيحة مع إثباته مشروعية الجماعة وفضلها في الذكر تثبت الجهرية (ايضا) وفضله فيه لأنه هو الذي صيرهم جماعة (كما هو المعهود لغة وعرفا).. إلى أن قال: (وبالتأمل في عموم الآيات والأحاديث وما نقله الآلوسي في آية الدعاء تعلم انه لا وجه للقول بكراهة الجهر بالذكر جماعة) إذا خلا من الموانع الشرعية ولم يكن فيه إخلال بشيء من آدابه المعروفة.
وقال الشيخ محمد الحامد رحمه الله تعالى : والذكر جائز في انفراد وفي اجتماع بشرط أن لا يكون من الذاكرين جهر يتأذى به الجيران والنائمون والعالمون والعابدون.
.................................................................
( [1]) سورة آل عمران الآية (191).
( [2]) سورة الأحزاب الآية (35).
( [3]) سورة الأحزاب الآية (41- 42).
( [4]) أخرجه البخاري (8/107) ومسلم (8/68) والترمذي (3600) وأحمد (2/251).
( [5]) أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه (1820) والبزار (3064).
( [6]) تقدم تخريجه .
( [7]) أخرجه أحمد (14/205) والترمذي (3379).
( [8]) سورة الكهف الآية (28).
( [9]) الحاوي للفتاوى للإمام السيوطي مجلد 2 ص 27 رقم 1.
( [10]) أخرجه أحمد (4/159).
( [11]) أخرجه عبدالرزاق في المصنف (6559).
( [12]) رواه مسلم (594) والترمذي (299).
( [13]) أخرجه الحاكم (1974).
( [14]) أخرجه الحاكم (1844).
( [15]) أخرجه البخاري (6970) ومسلم (2675) وأحمد (14/268) والترمذي (2388).
( [16]) أخرجه البخاري (805 - 806).
( [17]) تقدم تخريجه ص (173).
( [18]) أخرجه أحمد (14/202) وأبو يعلى (4141) والبزار (3061) والطبراني في الأوسط (1579) والهيثمي في مجمع الزوائد (16764).
( [19]) أخرجه احمد (14/2059 وأبو يعلى (1046) و (1403) وابن حبان (816) والهيثمي في مجمع الزوائد (16763).
( [20]) ذكره السيوطي في الجامع الصغير(7199) ورمز لحسنه.
( [21]) ذكره السيوطي في الجامع الصغير (1398).
( [22]) تقدم تخريجه ص (182).
( [23]) أخرجه أحمد (11/180) وأبو داود (1814) والترمذي (829) وصححه النسائي (2752) وابن ماجه (2923) والحاكم (1653) وابن خزيمة (2628).
( [24]) سورة الدخان الآية (29).
( [25]) الأنوار القدسية (1/38).
( [26]) سورة الأعراف الآية (205).
( [27]) سورة الإسراء الآية (110).
( [28]) سورة الأنعام الآية (108).
( [29]) سورة الأعراف الآية (204).
( [30]) سورة الأعراف الآية (205).
( [31]) سورة الأعراف الآية (55).
( [32]) أخرجه ابن ماجه (3864) والحاكم في مستدركه وصححه (1979).
( [33]) سورة مريم الآية (3).
( [34]) سورة البقرة الآية(114).
( [35]) مراقي الفلاح ص (208) وانظر حاشية ابن عابدين.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى