جمعية علماء المسلمين و الوهابية
صفحة 1 من اصل 1
جمعية علماء المسلمين و الوهابية
بسم الله و الصلاة و السلام على سيّد خلق الله
كثُر الحديث مؤخّراً حول منهج جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في العقيدة على وجه الخصوص و مثله معه موقف رموز الجمعية من بعض القضايا التي كثُر فيها الجدال بين المؤيّدين و المُثبتين لها من تراث الجمعية ؛ من ناحية ؛ وبين المُعارضين لها و المستبعدين لأنّ تكون هذه الأمور مذهبًا للجمعية ؛ من جهة أخرى !
فهل كان ابن باديس : ضد الأشاعرة !!! ؛ حارب التصوّف حلوه و مرّه !!! ؛ يُبدّع المتوسلين بالنبي و يرميهم بالشرك !!! ؛ يُبدّع احياء المولد النبوي الشريف !!!...وغيرها من الأصليات عند سلفية اليوم ؟!
ماذا نجدُ في تراث الجمعية :
أوّلاً : جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ؛ تقرّر تدريس التوحيد وفق أصول الأشاعرة و معلومٌ أنّ الأشاعرة ليسوا من أهل السنة و الجماعة عند السلفية المعاصرة !
و قد كان العلامة بن باديس أدرج ضمن قائمة العلوم التي كان يدرّسها لطلبة العلم ، المتون التي تحكي أصول الأشاعرة في العقائد و أصول التصوّف الصحيح في السلوك ؛ كمتن بن عاشر المعروف بـ : " المرشد المعين على الضروري من علوم الدين " للعلامة عبد الواحد ابن عاشر الفاسي ، الذي استفتح متنه بقوله :
فِي عَقْدِ الأَشْعَرِيِّ و فِقْهِ مَالِك **** و فِي طَرِيقَةِ الجُنَيْدِ السَّالِك
فهل جمعية العلماء المسلمين كانت تدرّس الأجيال حملة دين الله الينا ((( التصوفي الخرافي !!!))) و ((( عقيدة التعطيل !!!))) كما تصفهما السلفية المعاصرة !
فتأمّل !
ثانِيًا : قال الشيخ حمّاني تلميذ العلامة ابن باديس - رحمهما الله - و مرآة جمعية علماء المسلمين [ فتاوى الشيخ أحمد حمّاني الجزء الثاني صفحة 597 ، منشوارت وزارة الشؤون الدينية - الجزائر ] : و قد قبل أسلافنا تأويل الأشاعرة كما قبلوا تفويض السلف.اهـــ
و قال أيضاً رحمه الله [انظر : فتاوى الشيخ أحمد حمّاني الجزء الأوّل صفحة 261 ، منشوارت وزارة الشؤون الدينية - الجزائر ] : ومن تمعّن في نصوص الشريعة جيّدا ، و درس حجج الفرق المتنازعة بإنصاف ، حكم بأنّ الحق بجانب أهل السنة و الجماعة ، الذين منهم الأشاعرة.اهـــ
و ها هو تلميذ الجمعية البار الشيخ حمّاني يُقرّر أنّ :
أ- سلفنا قبل التأويل
بـ- سلفنا قبل التفويض
جـ - الأشاعرة من أهل السنة و الجماعة
و كلّ من التأويل و التفويض رضي بهما كبار علماء الأمة ؛ قال الإمام النووي في [ المنهاج شرح صحيح مسلم بن حجاج ] :
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَنْزِل رَبّنَا كُلّ لَيْلَة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَيَقُول : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيب لَهُ )
هَذَا الْحَدِيث مِنْ أَحَادِيث الصِّفَات , وَفِيهِ مَذْهَبَانِ مَشْهُورَانِ لِلْعُلَمَاءِ سَبَقَ إِيضَاحهمَا فِي كِتَاب الْإِيمَان وَمُخْتَصَرهمَا أَنَّ أَحَدهمَا وَهُوَ مَذْهَب جُمْهُور السَّلَف وَبَعْض الْمُتَكَلِّمِينَ :أَنَّهُ يُؤْمِن بِأَنَّهَا حَقّ عَلَى مَا يَلِيق بِاَللَّهِ تَعَالَى , وَأَنَّ ظَاهِرهَا الْمُتَعَارَف فِي حَقّنَا غَيْر مُرَاد , وَلَا يَتَكَلَّم فِي تَأْوِيلهَا مَعَ اِعْتِقَاد تَنْزِيه اللَّه تَعَالَى عَنْ صِفَات الْمَخْلُوق , وَعَنْ الِانْتِقَال وَالْحَرَكَات وَسَائِر سِمَات الْخَلْق . وَالثَّانِي مَذْهَب أَكْثَر الْمُتَكَلِّمِينَ وَجَمَاعَات مِنْ السَّلَف وَهُوَ مَحْكِيّ هُنَا عَنْ مَالِك وَالْأَوْزَاعِيِّ : أَنَّهَا تُتَأَوَّل عَلَى مَا يَلِيق بِهَا بِحَسْب مَوَاطِنهَا . فَعَلَى هَذَا تَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيث تَأْوِيلَيْنِ أَحَدهمَا : تَأْوِيل مَالِك بْن أَنَس وَغَيْره مَعْنَاهُ : تَنْزِل رَحْمَته وَأَمْره وَمَلَائِكَته كَمَا يُقَال : فَعَلَ السُّلْطَان كَذَا إِذَا فَعَلَهُ أَتْبَاعه بِأَمْرِهِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ عَلَى الِاسْتِعَارَة , وَمَعْنَاهُ : الْإِقْبَال عَلَى الدَّاعِينَ بِالْإِجَابَةِ وَاللُّطْف . وَاللَّهُ أَعْلَم .اهـــ
و معلومٌ أنّ التأويل و التفويض ؛ عند السلفية المُعاصرة : ((( ضلال !!! ))) و ((( تعطيل!!!))) !
و معلوم أيضاً أنّ الأشاعرة من الفرق الضالة عند السلفية المُعاصرة !
فتأمّل !
ثالثًا : تلامذة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الى يومنا هذا يُدرّسون لطلبتهم العقيدة الأشعرية التي تلقوها من شيوخهم ؛ كما يفعل الفاضل الطاهر آيت علجت و غيره من اخوانه ؛ و هم أعلم بمنهج الجمعية في العقيدة من غيرهم مصداقه قوله تعالى [ سورة فاطر : 14 ] : وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ و قوله أيضاً [ سورة الفرقان : 59 ] : فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا
فكيف نعدل عن قول ابن الدّار في الدّار !
فتأمّل !
رابعًا : الشيخ ابن باديس رحمه الله أوّل من طبع و قام بتحقيق كتاب "العواصم من القواصم" لقاضي قضاة المالكية الإمام ابن العربي الأشعري ؛ فأثنى - ابن باديس - على الكتاب في مقال حافل و خصّ بالذكر دحض صاحب الكتاب لعقائد الظاهرية و الباطنية.
فإذا علمت أنّ العلامة ابن العربي أصّل في كتابه هذا للعقيدة وفق أصول الأشاعرة و نقض وفق هذه الأصول مذاهب الظاهرية في العقيدة كالذين يحملون حديث النزول على ظاهره كما ذكر رحمه الله ؛ ظهر جليًّا مذهب العلامة ابن باديس رحمه الله.
قال الشيخ ابن باديس رحمه الله في التعريف بكتاب العواصم من القواصم للإمام ابن العربي [ ابن باديس حياته و آثاره ؛ جمع و دراسة عمّار طالبي الجزء 4 ص 129 طبعة دار الغرب الإسلامي ]:
قد كتب هذا الامام في علوم الاسلام الكتب الممتعة الواسعة و سار فيها كلها على خطة البحث و التحقيق و النظر و الاستدلال بعلم صحيح و فكر ثاقب و عارضة واسعة و عبارة راقية في البلاغة و أسلوب حلو جذاب في التعبير.
وهذا كتاب ( العواصم من القواصم ) من آخر ما ألف قد سار فيه على تلك الخطة ، و جمع فيه على صغر حجمه بين سائر كتبه العلمية فوائد جمة و علوماً كثيرة ، فتعرض فيه لآراء في العلم باطلة ، و عقائد في الدين ضالة ، وسماها قواصم ، وأعقبها بالآراء الصحيحة و العقائد الحقة المؤيدة بأدلتها النقلية ، و براهينها العقلية المزيفة لتلك الآراء و المبطلة لتلك العقائد و سماها عواصم ، فانتظم ذالك مناظرة السفسطائيين و الطبائعيين والإلاهيين ، و مناظرة الباطنية و الحلولية ، وأرباب الاشارات من غلاة الصوفية و ظاهرية العقائد ، و ظاهرية الاحكام ، وغلاة الشيعة و الفرقة المتعصبة للاشخاص باسم الاسلام.اهـــ
ثم قال موضحاً طريقة الإمام ابن العربي رحمه الله في كتابه ذاك frown رمز تعبيري نفس المصدر 4 ص 129 - 130 ] :
سالكاً- ابن العربي - في سبيل الاحتجاج لعقائد الاسلام ، وابطال العقائد المحدثة عليه من المنتمين اليه السبيل الأقوم الأرشد ، سبيل الاستدلال بالآيات القرآنية و الأحاديث النبوية التي هي أدلة نقلية في نصوصها عقلية برهانية في مدلولها ، و هذه الطريقة التي أرادها بقوله في هذا الكتاب ( وهكذا هي حقيقة الملة من أراد أن يدخل فيها داخلة رد عنها اليها بأدلتها ) و هي طريقة القرآن الذي اتضح به كمال الشريعة في عقائدها و أدلتها.
و اذ لم يكن بد من الخطأ لغير المعصوم فليس تفاضل الناس في السلامة منه ، وانما تفاضلهم في قلته و كثرة الصواب التي تغمره . وللامام ابن العربي في كتابه هذا مما ذكرناه في وصفه من كمال ما يذهب بما قد يكون فيه من بعض خطأ يسير لا يسلم منه بشر ، و حسب كتابه هذا أن يكون مورداً معيناً لطلاب العقائد الاسلامية الحقة بأدلتها القاطعة ، و أصول الاسلام الخالية مما أحدثه المحدثون من خراب و تدجيل ، وأن يكون انموذجاً راقياً في التحقيق في البحث و التعمق في النظر و الاستقلال في الفكر و الرجوع الى الدليل و الاعتضاد بانظار الأئمة الكبار . وأن يكون صفحة تاريخ صادق لما كانت عليه الحالة الفكرية للمسلمين بالشرق و الغرب في عصر المؤلف و هو القرن الخامس الهجري ، وكفى بهذا كله باعثاً لنا على طبعه و نشره و تعميم فائدته.اهـــ
و من رجع الى الكتاب المذكور "العواصم من القواصم" يجدُ أنّ العلاّمة ابن العربي المالكي يقصد بظاهرية العقائد الذين يحملون المتشابه على ظاهره كحديث النزول و آيات الإستواء و... وغيرها و معلوم أنّ هذا المذهب الذي نقضه ابن العربي هو مذهب السلفية المعاصرة و منه يُعلم منهج العلامة ابن باديس في العقيدة الموافق لما عليه جمهور علماء المسلمين إذ لا يصحُ شرعاً و لا عقلاً أن يُثني الشيخ ابن باديس على عقائد ((( أهل البدع و الضلال !!!!)))
فتأمّل !
خامسًا : الشيخ ابن باديس يتأوّل في الأخبار الإضافية.
عَن أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ نَفَرٌ ثَلَاثَةٌ فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَ وَاحِدٌ فَلَمَّا وَقَفَا عَلَى مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَا فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا وَأَمَّا الْآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ
قال الشيخ ابن باديس عند شرح الحديث [ ابن باديس حياته و آثاره جمع و دراسة عمّار الطّالبي الجزء الثاني صفحة 293 طبعة دار الغرب الإسلامي ] : فاستحيا الله منه : ترك عقابه و لم يحرمه من ثواب . أعرض : التفت الى جهة أخرى فذهب اليها . فأعرض الله عنه : حرمه من الثواب.اهــ
قال ربنا [ الذاريات : 47 ] : وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ
قال الشيخ ابن باديس [ ابن باديس حياته و آثاره جمع و دراسة عمّار طالبي الجزء الثاني صفحة 90 طبعة دار الغرب الإسلامي ] : بِأَيْدٍ : بقوة.اهــ
تأويلات محضة وفق أصول الأشاعرة. و هي عند السلفية المعاصرة من مذاهب ((( أهل البدع و المُعطلة !!!))).
فتأمّل !
سادسًا : حجيّة خبر الواحد عند العلامة ابن باديس رحمه الله تُخالف تمامًا مذهب السلفية المُعاصرة !
قال الشيخ ابن باديس رحمه الله [ ابن باديس حياته و آثاره جمع و دراسة الدكتور عمّارالطّالبي الجزء الثاني صفحة 72 ] :
لمّا كان العرب لم يأتهم نذير قبل النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلمّ - بنّص هذه الآية وغيرها فهم في فترتهم ناجون لقوله تعالى : " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً " [ سورة الإسراء الأية 15 ] و " أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ " [ سورة المائدة الأية 15 ] وغيرهما ، وكلّها آيات قواطع في نجاة أهل الفترة ولا يستثنى من ذلك إلاّ من جاء فيهم نصّ ثابت خاص كعمر بن لحي ، أوّل من سيّب السّوائب وبدّل في شريعة إبراهيم وغيّر وحلّل للعرب وحرّم، فأبَوَا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ناجيان بعموم هذه الأدلّة ولا يعارض تلك القواطع حديث مسلم عن أنس (رضي اللّه عنه) : (أنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى اللّه عليه وعلى آله وسلمّ : يا رسول اللّه أين أبي ؟ قال في النّار، فلمّا قفا الرّجـل دعاه فقال : إنّ أبي وأباك في النّار)، لأنّه خبر آحاد فلا يعارض القواطع وهو قابل للتّأويل بحمل الأب على العمّ مجازا يحسنه المشاكلة اللّفظية ومناسبته لجبر خاطر الرّجل وذلك من رحمته صلّى اللّه عليه وسلمّ وكريم أخلاقه.اهــــ
و هو يرى أيضاً نجاة والدي المُصطفى صلوات ربي و سلامه عليه خلافًا للسلفية المعاصرة !
و عند السلفية المُعاصرة هذا المنهج الذي استعمله ابن باديس في هذه المسألة ؛ يُعتبر منهج الفرق الضالة - على حدّ تعبيرهم ! - التي تدعوا لردّ صحيح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم بالعقل !
و له نصوص أخرى تجدها في تفسيره للقرآن الكريم.
فتأمّل !
سابعًا : جمعية علماء المسلمين الجزائريين تدعوا لإحياء المولد النبوي الشريف على الطريقة الشرعية ؛ في حين السلفية المعاصرة تشنّ حربًا في غير عدو على كلّ من يفعل ذالك و تعتبرهم غير صادقين في حبّهم لنبيّهم بله يُروّجون للبدع !
قال الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله [ "مجالس التّذكير من حديث البشير النّذير" ، من مطبوعات وزارة الشؤون الدينية ، صفحة 287 ] :
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، وعلى اسم الجزائر الرّاسخة في إسلامها، المتمسّكة بأمجاد قوميتها وتاريخها ـ أفتتح الذّكرى الأولى بعد الأربعمائة والألف من ذكريات مولد نبي الإنسانيّة ورسول الرّحمة سيّدنا ومولانا محمّد بن عبد اللّه عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام ـ في هذا النّادي العظيم الّذي هو وديعة الأمّة الجزائريّة عند فضلاء هذه العاصمة ووجهائها.لسنا وحدنا في هذا الموقف الشّريف لإحياء هذه الذّكرى العظيمة، بل يشاركنا فيها نحو خمسمائة مليون من البشر في أقطار المعمور كلّهم تخفق أفئدتهم فرحا وسرورا وتخضع أرواحهم إجلالا وتعظيما لمولد سيّد العالمين.اهــــ
وقال أيضا [ نفس المصدر ، صفحة 289 ] :
ما الدّاعي إلى إحياء هذه الذّكرى ؟
المحبّة في صاحبها.
إنّ الشّيء يحبّ لحسنه أو لإحسانه وصاحب هذه الذّكرى قد جمع ـ على أكمل وجه ـ بينهما.اهــــ
وقال [ المصدر ذاته ، صفحة 289-290 ] :
فمن الحقّ والواجب أن يكون هذا النّبيّ الكريم أحبّ إلينا من أنفسنا وأموالنا ومن النّاس أجمعين ولو لم يقل لنا في حديثه الشّريف : "لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والنّاس أجمعين" وكم فينا من يحبّه هذه المحبّة ولم يسمع بهذا الحديث ؟ فهذه المحبّة تدعونا إلى تجديد ذكرى مولده في كلّ عام.
ما الغاية من تجديد هذه الذّكرى ؟
استثمار هذه المحبّة.اهــــ
قال الشيخ محمّد البشير الإبرهيمي [ " آثار الإمام محمّد البشير الإبرهيمي " جمع و تقديم نجله الدكتور أحمد طالِب الإبرهيمي ، طبعة دار الغرب الإسلامي ، الجزء الثاني صفحة 341 ] :
أوقفنا مقالات " تاريخ المولد النبوي في المغرب العربي " عن قصد لأنها طالت ، و لأن ما كُتب منها يدخل في رسالة مستقلة ، و لأن المهم منها إنما هو الجانب التاريخي ، أما الحكم الشرعي فيها فنحن لا نقر ذالك الإستحسان الذي يبالغ فيه بعض من نقل الكاتب كلامهم من علماء تلك العصور ، فهم يجعلون من حبّ المولود العظيم عذراً في ارتكاب بدع المولد ، و مسوغًا لأعمال الملوك الذين لا غاية لهم من تلك الموالد إلا الدعاية لأنفسهم ، و قرن أسمائهم باسم النبي صلى الله عليه و سلم في مديح الشعراء ، و استجلاب العامة بذالك كله . و لو أنهم جعلوا تلك الإحتفالات ذرائع لإصلاح حال الأمة ، و حملها على الرجوع الى السنن النبوية ، و الإهتداء بالهدي المحمدي ، لكان لفعلهم محمل سديد ، وأثر حميد ، لأن الأمور بمقاصدها.
أما الحبُّ الصحيح لمحمَّد صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم فهو الذي يَدَعُ صاحبَه عن البدع، ويحملُه على الاقتداء الصحيح، كما كان السلف يحبُّونه، فيُحيون سُننه، ويَذُودون عن شريعته ودينه، من غير أن يقيموا له الموالد و ينفقُوا منها الأموال الطائلة التي تفتقر المصالحُ العامَّةُ إلى القليل منها فلا تَجدُه.
ونحن نحتفل بالمولد على طريقة غير تلك الطريقة، و بأسلوب غير ذلك الأسلوب ، فنجلي فيه السيرة النبوية ، والأخلاق المحمدية ، ونكشف عما فيها من السر ، و ما لها من الأثر في إصلاحنا إذا اتبعناها ، و في هلاكنا إذا أعرضنا عنها ، ففي احتفالاتنا تجديد للصلة بنبيّنا في الجهات التي هو بها نبيّنا و نحن فيها أمّته.اهــــ
و قال الشيخ البشير الإبراهيمي أيضاً [ نفس المصدر : " آثار الإمام محمّد البشير الإبرهيمي " ، صفحة 343] :
إحياء ذكرى المولد النبوي إحياء لمعاني النبوة ، و تذكير بكل ما جاء به محمد صلى الله عليه و سلم من هدى ، وما كان عليه من كمالات نفسية ، فعلى المتكلمين في هذه الذكرى أن يذكّروا المسلمين بما كان عليه نبيهم من خلق عظيم ، وبما كان لديهم من استعلاء بتلك الأخلاق.
لهذه الناحية الحية نجيز إقامَ هذه الاحتفالات، ونعدّها مواسم تربية ، ودروس هداية ، والقائلون ببدعيتها إنما تمثلوها في الناحية الميتة من قصص المولد الشائعة.اهــــ
فتأمّل !
ثامنًا : الشيخ بن باديس يجيز التوسل بذات النبي صلى الله عليه و سلم.
قال الشيخ ابن باديس رحمه الله [ ابن باديس حياته و آثاره ؛ جمع و دراسة عمّار الطّالبي الجزء 3 ص 37 طبعة دار الغرب الإسلامي ] :
نصحني سيدي الطالب اذا يسر الله لي زيارة القبر الشريف أن أسأله عليه و آله الصلاة و السلام الشفاعة ، و قد يسر الله لي ذالك و له الحمد و المنة منذ عشرين سنة ، وقد دعوت الله وحده و توسلت له بنبيه و توجهت اليه به أن يميتني على ملته ، و يجعلني من أنصار سنته ، وأهل شفاعته ، الى أشياء أخرى قد استجاب الله تعالى بعضه ( المحقق : كذا في الأصل و لعله : بعضها ) ، وأنا أرجو الاستجابة في الباقي.اهــــ
و قال رحمه الله [ نفس المصدر ، الجزء 3 ص 160] :
اعلم ان السادة العارفين هم أرسخ الناس قدما في محبة النبي صلى الله عليه و سلم و تعظيم حرمته ، و مراعاة شريف جانبه ، وتعزيره و توقيره و بره . تجد ذالك في صلواتهم عليه ، وفي ادعيتهم لله تعالى عند ذكره ، و التوسل به ، و في مناجاتهم له عند الشوق اليه ، و في تأليفهم عند الكلام في حقه.اهــــ
و قال أيضاً [ نفس المصدر ، الجزء 2 ص 192 ] :
الرّاجح هو الوجه الأوّل الّذي يجيز التّوسّل بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم نظرا لمقامه العظيم عند ربّه لوجهين، الأوّل : أنّ ذلك هـو ظاهر اللّفظ ولا موجب للتّقدير ولا منافاة بين أن يكون في قوله أسألك وأتوجّه إليك بنبّيك وقوله إنّي توجّهت بك قد سأل بذاته، وفي قوله اللّهم شفّعه فيّ قد سأل قبول دعائه له وسؤاله...والثّاني أنّه لمّا كان جائزا السّؤال من المخلوقين بما له مقام عظيم عندهم فلا مانع من أن يسأل اللّه تعالى بنبيّه بحسب مقامه العظيم عنده.اهـــ
و قد توسّع في بسط المسألة ، فليرجع الى كلامه كل من يريد التحقيق ؛ تجده في "ابن باديس حياته و آثاره جمع و دراسة عمّار الطّالبي الجزء 2 ص 187 طبعة دار الغرب الإسلامي ".
و معلوم أنّ التوسل عند السلفية المعاصرة من البدع الخطيرة و الكبائر التي أوقعت الأمة في الشركيات ؛ بزعمهم !
فتأمّل !
تاسعًا : الشيخ بن باديس يجيز التوسل بذوات الصالحين.
قال ابن باديس [ نفس المصدر ، الجزء 2 ص 196 ] : التوسّل بذات غيره من أهل المكانة المحقّقة له وجه في القياس.اهـــ
و معلوم أنّ التوسل بذوات الصالحين من الشركيات عند السلفية المعاصرة !
فتأمّل !
عاشراً : الشيخ ابن باديس يُفرّق بين التصوّف الأصيل المُنضبط بتعاليم الشريعة ؛ و بين التصوّف الدخيل الذي يروّج له الأدعياء.
قال الشيخ بن باديس رحمه الله عند ترجمة الشيخ عمر المختار الصوفي السنوسي طريقةً و الأشعري عقيدةً [ "آثار الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس" ، الطبعة الأولى لوزارة الشؤون الدينية ، الجزء 3 صفحة 73- 74 ] :
"سيّد الشُّهداء و رأس الأبرار"
رحمه اللّه رحمة واسعة ، وحشره مع النّبيّين والصّديقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقا، اغتالت يد الطّغيان الاستعماري، بطلا من خيرة أبطال العرب ورأسا من أعظم رؤوسهم، ومجاهدا كان يقف في طليعة مجاهديهم، وصنديدا غالبته الأيّام فغلبها ، وصارعته الحوادث فصارعَها، وحاربته دولة من أكبر دول الأرض بجنودها ودبّاباتها وطيّاراتها، فثبت أمامها ثبات الرّاسيات، متذرّعا بالإيمان متحصّنا بقوّة العزيمة معتدا باللّه، ولطالما انتصر وظفر، ولطالما انكسر واندحر، فما زاده النّصر إلاّ عزيمة وما زاده الانْدِحارُ إلاّ ثباتا ، واعتكف على قتال المعتدين الظّالمين وحوش الاستعمار الإيطالي، فكان في حربهم شريفا مسلما، مستميت ساعة الملحمة، رؤوف حليم ساعة وضع الحرب لأوزارها.
ذلك هو سيّدي عمر المختار زعيم السّنوسييّن ببرقة ، الّذي جاهد عشرين عاما دفاعا عن بيضة الإسلام وكرامة الوطن ضدّ الطّغاة المستعبدين، ولم تترك السّلطة الإيطالـيّة من وسيلة سافلة وحشيّة إلاّ ارتكبتها لإخماد مقاومته، فأغلقت سائر زوايا السّنوسيّة في البلاد ، و صادرت أملاكها ثمّ حصرت ثمانين ألفا من بقايا السّكان الّذين نجوا من المذابح وفظائع القتال الإيطالي، ضمن منطقة محاطة بالأسلاك الشّائكة كي لا يلتحقوا عبعمر المختارع، وأقامت على التّخوم المصريّة حراسة شديدة جدّا، كلّ ذلك وصنديد برقة رابض لا يأخذه في سبيل اللّه ضعف ولا وهن وكان يجول في ميادين القتال ممتطيّا صهوة جوادهِ الأدهم ، وقد وهن عظمه ولم يتدارك الوهن قلبه، واشتعل رأسه شيبا واكتست لحيته لون القمر، وما استطاعت الثّمانون عاما الّتي قضاها في طاعة اللّه وجهاد في سبيله أن تقوِّس له ظهرا أو تضع له هامة.
إلى أن أقام له الإيطاليون كمينا، فأسروه إثر قتال عنيف وأبت الوحشيّة الإيطالية إلاّ أن تقيم برهانا جديدا على فقدها كلّ شرف وتجرّدها عن كلّ عاطفة نبيلة، فحكمت عليه حالا بالإعدام، ونفّذت ذلك الحكم رميا بالرّصاص.
ألا في سبيل تلك الرّوح الطّاهرة النّقيّة الّتي رجعت إلى ربّها راضية مرضيّة، تستنزل نقمته وسوط عذابه على أدناس الاستعمار الإيطالي المتكالبين، وما اللّه بغافل عمّا يعمل الظّالمون وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.اهـــ
و السلفية المُعاصرة تروّج أنّ التصوّف دخيلٌ على الشريعة و الصوفية بالجملة عملاء للأعداء !
فتأمّل !
تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ
هذا و الله أعلم
كثُر الحديث مؤخّراً حول منهج جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في العقيدة على وجه الخصوص و مثله معه موقف رموز الجمعية من بعض القضايا التي كثُر فيها الجدال بين المؤيّدين و المُثبتين لها من تراث الجمعية ؛ من ناحية ؛ وبين المُعارضين لها و المستبعدين لأنّ تكون هذه الأمور مذهبًا للجمعية ؛ من جهة أخرى !
فهل كان ابن باديس : ضد الأشاعرة !!! ؛ حارب التصوّف حلوه و مرّه !!! ؛ يُبدّع المتوسلين بالنبي و يرميهم بالشرك !!! ؛ يُبدّع احياء المولد النبوي الشريف !!!...وغيرها من الأصليات عند سلفية اليوم ؟!
ماذا نجدُ في تراث الجمعية :
أوّلاً : جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ؛ تقرّر تدريس التوحيد وفق أصول الأشاعرة و معلومٌ أنّ الأشاعرة ليسوا من أهل السنة و الجماعة عند السلفية المعاصرة !
و قد كان العلامة بن باديس أدرج ضمن قائمة العلوم التي كان يدرّسها لطلبة العلم ، المتون التي تحكي أصول الأشاعرة في العقائد و أصول التصوّف الصحيح في السلوك ؛ كمتن بن عاشر المعروف بـ : " المرشد المعين على الضروري من علوم الدين " للعلامة عبد الواحد ابن عاشر الفاسي ، الذي استفتح متنه بقوله :
فِي عَقْدِ الأَشْعَرِيِّ و فِقْهِ مَالِك **** و فِي طَرِيقَةِ الجُنَيْدِ السَّالِك
فهل جمعية العلماء المسلمين كانت تدرّس الأجيال حملة دين الله الينا ((( التصوفي الخرافي !!!))) و ((( عقيدة التعطيل !!!))) كما تصفهما السلفية المعاصرة !
فتأمّل !
ثانِيًا : قال الشيخ حمّاني تلميذ العلامة ابن باديس - رحمهما الله - و مرآة جمعية علماء المسلمين [ فتاوى الشيخ أحمد حمّاني الجزء الثاني صفحة 597 ، منشوارت وزارة الشؤون الدينية - الجزائر ] : و قد قبل أسلافنا تأويل الأشاعرة كما قبلوا تفويض السلف.اهـــ
و قال أيضاً رحمه الله [انظر : فتاوى الشيخ أحمد حمّاني الجزء الأوّل صفحة 261 ، منشوارت وزارة الشؤون الدينية - الجزائر ] : ومن تمعّن في نصوص الشريعة جيّدا ، و درس حجج الفرق المتنازعة بإنصاف ، حكم بأنّ الحق بجانب أهل السنة و الجماعة ، الذين منهم الأشاعرة.اهـــ
و ها هو تلميذ الجمعية البار الشيخ حمّاني يُقرّر أنّ :
أ- سلفنا قبل التأويل
بـ- سلفنا قبل التفويض
جـ - الأشاعرة من أهل السنة و الجماعة
و كلّ من التأويل و التفويض رضي بهما كبار علماء الأمة ؛ قال الإمام النووي في [ المنهاج شرح صحيح مسلم بن حجاج ] :
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَنْزِل رَبّنَا كُلّ لَيْلَة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَيَقُول : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيب لَهُ )
هَذَا الْحَدِيث مِنْ أَحَادِيث الصِّفَات , وَفِيهِ مَذْهَبَانِ مَشْهُورَانِ لِلْعُلَمَاءِ سَبَقَ إِيضَاحهمَا فِي كِتَاب الْإِيمَان وَمُخْتَصَرهمَا أَنَّ أَحَدهمَا وَهُوَ مَذْهَب جُمْهُور السَّلَف وَبَعْض الْمُتَكَلِّمِينَ :أَنَّهُ يُؤْمِن بِأَنَّهَا حَقّ عَلَى مَا يَلِيق بِاَللَّهِ تَعَالَى , وَأَنَّ ظَاهِرهَا الْمُتَعَارَف فِي حَقّنَا غَيْر مُرَاد , وَلَا يَتَكَلَّم فِي تَأْوِيلهَا مَعَ اِعْتِقَاد تَنْزِيه اللَّه تَعَالَى عَنْ صِفَات الْمَخْلُوق , وَعَنْ الِانْتِقَال وَالْحَرَكَات وَسَائِر سِمَات الْخَلْق . وَالثَّانِي مَذْهَب أَكْثَر الْمُتَكَلِّمِينَ وَجَمَاعَات مِنْ السَّلَف وَهُوَ مَحْكِيّ هُنَا عَنْ مَالِك وَالْأَوْزَاعِيِّ : أَنَّهَا تُتَأَوَّل عَلَى مَا يَلِيق بِهَا بِحَسْب مَوَاطِنهَا . فَعَلَى هَذَا تَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيث تَأْوِيلَيْنِ أَحَدهمَا : تَأْوِيل مَالِك بْن أَنَس وَغَيْره مَعْنَاهُ : تَنْزِل رَحْمَته وَأَمْره وَمَلَائِكَته كَمَا يُقَال : فَعَلَ السُّلْطَان كَذَا إِذَا فَعَلَهُ أَتْبَاعه بِأَمْرِهِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ عَلَى الِاسْتِعَارَة , وَمَعْنَاهُ : الْإِقْبَال عَلَى الدَّاعِينَ بِالْإِجَابَةِ وَاللُّطْف . وَاللَّهُ أَعْلَم .اهـــ
و معلومٌ أنّ التأويل و التفويض ؛ عند السلفية المُعاصرة : ((( ضلال !!! ))) و ((( تعطيل!!!))) !
و معلوم أيضاً أنّ الأشاعرة من الفرق الضالة عند السلفية المُعاصرة !
فتأمّل !
ثالثًا : تلامذة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الى يومنا هذا يُدرّسون لطلبتهم العقيدة الأشعرية التي تلقوها من شيوخهم ؛ كما يفعل الفاضل الطاهر آيت علجت و غيره من اخوانه ؛ و هم أعلم بمنهج الجمعية في العقيدة من غيرهم مصداقه قوله تعالى [ سورة فاطر : 14 ] : وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ و قوله أيضاً [ سورة الفرقان : 59 ] : فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا
فكيف نعدل عن قول ابن الدّار في الدّار !
فتأمّل !
رابعًا : الشيخ ابن باديس رحمه الله أوّل من طبع و قام بتحقيق كتاب "العواصم من القواصم" لقاضي قضاة المالكية الإمام ابن العربي الأشعري ؛ فأثنى - ابن باديس - على الكتاب في مقال حافل و خصّ بالذكر دحض صاحب الكتاب لعقائد الظاهرية و الباطنية.
فإذا علمت أنّ العلامة ابن العربي أصّل في كتابه هذا للعقيدة وفق أصول الأشاعرة و نقض وفق هذه الأصول مذاهب الظاهرية في العقيدة كالذين يحملون حديث النزول على ظاهره كما ذكر رحمه الله ؛ ظهر جليًّا مذهب العلامة ابن باديس رحمه الله.
قال الشيخ ابن باديس رحمه الله في التعريف بكتاب العواصم من القواصم للإمام ابن العربي [ ابن باديس حياته و آثاره ؛ جمع و دراسة عمّار طالبي الجزء 4 ص 129 طبعة دار الغرب الإسلامي ]:
قد كتب هذا الامام في علوم الاسلام الكتب الممتعة الواسعة و سار فيها كلها على خطة البحث و التحقيق و النظر و الاستدلال بعلم صحيح و فكر ثاقب و عارضة واسعة و عبارة راقية في البلاغة و أسلوب حلو جذاب في التعبير.
وهذا كتاب ( العواصم من القواصم ) من آخر ما ألف قد سار فيه على تلك الخطة ، و جمع فيه على صغر حجمه بين سائر كتبه العلمية فوائد جمة و علوماً كثيرة ، فتعرض فيه لآراء في العلم باطلة ، و عقائد في الدين ضالة ، وسماها قواصم ، وأعقبها بالآراء الصحيحة و العقائد الحقة المؤيدة بأدلتها النقلية ، و براهينها العقلية المزيفة لتلك الآراء و المبطلة لتلك العقائد و سماها عواصم ، فانتظم ذالك مناظرة السفسطائيين و الطبائعيين والإلاهيين ، و مناظرة الباطنية و الحلولية ، وأرباب الاشارات من غلاة الصوفية و ظاهرية العقائد ، و ظاهرية الاحكام ، وغلاة الشيعة و الفرقة المتعصبة للاشخاص باسم الاسلام.اهـــ
ثم قال موضحاً طريقة الإمام ابن العربي رحمه الله في كتابه ذاك frown رمز تعبيري نفس المصدر 4 ص 129 - 130 ] :
سالكاً- ابن العربي - في سبيل الاحتجاج لعقائد الاسلام ، وابطال العقائد المحدثة عليه من المنتمين اليه السبيل الأقوم الأرشد ، سبيل الاستدلال بالآيات القرآنية و الأحاديث النبوية التي هي أدلة نقلية في نصوصها عقلية برهانية في مدلولها ، و هذه الطريقة التي أرادها بقوله في هذا الكتاب ( وهكذا هي حقيقة الملة من أراد أن يدخل فيها داخلة رد عنها اليها بأدلتها ) و هي طريقة القرآن الذي اتضح به كمال الشريعة في عقائدها و أدلتها.
و اذ لم يكن بد من الخطأ لغير المعصوم فليس تفاضل الناس في السلامة منه ، وانما تفاضلهم في قلته و كثرة الصواب التي تغمره . وللامام ابن العربي في كتابه هذا مما ذكرناه في وصفه من كمال ما يذهب بما قد يكون فيه من بعض خطأ يسير لا يسلم منه بشر ، و حسب كتابه هذا أن يكون مورداً معيناً لطلاب العقائد الاسلامية الحقة بأدلتها القاطعة ، و أصول الاسلام الخالية مما أحدثه المحدثون من خراب و تدجيل ، وأن يكون انموذجاً راقياً في التحقيق في البحث و التعمق في النظر و الاستقلال في الفكر و الرجوع الى الدليل و الاعتضاد بانظار الأئمة الكبار . وأن يكون صفحة تاريخ صادق لما كانت عليه الحالة الفكرية للمسلمين بالشرق و الغرب في عصر المؤلف و هو القرن الخامس الهجري ، وكفى بهذا كله باعثاً لنا على طبعه و نشره و تعميم فائدته.اهـــ
و من رجع الى الكتاب المذكور "العواصم من القواصم" يجدُ أنّ العلاّمة ابن العربي المالكي يقصد بظاهرية العقائد الذين يحملون المتشابه على ظاهره كحديث النزول و آيات الإستواء و... وغيرها و معلوم أنّ هذا المذهب الذي نقضه ابن العربي هو مذهب السلفية المعاصرة و منه يُعلم منهج العلامة ابن باديس في العقيدة الموافق لما عليه جمهور علماء المسلمين إذ لا يصحُ شرعاً و لا عقلاً أن يُثني الشيخ ابن باديس على عقائد ((( أهل البدع و الضلال !!!!)))
فتأمّل !
خامسًا : الشيخ ابن باديس يتأوّل في الأخبار الإضافية.
عَن أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ نَفَرٌ ثَلَاثَةٌ فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَ وَاحِدٌ فَلَمَّا وَقَفَا عَلَى مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَا فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا وَأَمَّا الْآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ
قال الشيخ ابن باديس عند شرح الحديث [ ابن باديس حياته و آثاره جمع و دراسة عمّار الطّالبي الجزء الثاني صفحة 293 طبعة دار الغرب الإسلامي ] : فاستحيا الله منه : ترك عقابه و لم يحرمه من ثواب . أعرض : التفت الى جهة أخرى فذهب اليها . فأعرض الله عنه : حرمه من الثواب.اهــ
قال ربنا [ الذاريات : 47 ] : وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ
قال الشيخ ابن باديس [ ابن باديس حياته و آثاره جمع و دراسة عمّار طالبي الجزء الثاني صفحة 90 طبعة دار الغرب الإسلامي ] : بِأَيْدٍ : بقوة.اهــ
تأويلات محضة وفق أصول الأشاعرة. و هي عند السلفية المعاصرة من مذاهب ((( أهل البدع و المُعطلة !!!))).
فتأمّل !
سادسًا : حجيّة خبر الواحد عند العلامة ابن باديس رحمه الله تُخالف تمامًا مذهب السلفية المُعاصرة !
قال الشيخ ابن باديس رحمه الله [ ابن باديس حياته و آثاره جمع و دراسة الدكتور عمّارالطّالبي الجزء الثاني صفحة 72 ] :
لمّا كان العرب لم يأتهم نذير قبل النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلمّ - بنّص هذه الآية وغيرها فهم في فترتهم ناجون لقوله تعالى : " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً " [ سورة الإسراء الأية 15 ] و " أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ " [ سورة المائدة الأية 15 ] وغيرهما ، وكلّها آيات قواطع في نجاة أهل الفترة ولا يستثنى من ذلك إلاّ من جاء فيهم نصّ ثابت خاص كعمر بن لحي ، أوّل من سيّب السّوائب وبدّل في شريعة إبراهيم وغيّر وحلّل للعرب وحرّم، فأبَوَا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ناجيان بعموم هذه الأدلّة ولا يعارض تلك القواطع حديث مسلم عن أنس (رضي اللّه عنه) : (أنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى اللّه عليه وعلى آله وسلمّ : يا رسول اللّه أين أبي ؟ قال في النّار، فلمّا قفا الرّجـل دعاه فقال : إنّ أبي وأباك في النّار)، لأنّه خبر آحاد فلا يعارض القواطع وهو قابل للتّأويل بحمل الأب على العمّ مجازا يحسنه المشاكلة اللّفظية ومناسبته لجبر خاطر الرّجل وذلك من رحمته صلّى اللّه عليه وسلمّ وكريم أخلاقه.اهــــ
و هو يرى أيضاً نجاة والدي المُصطفى صلوات ربي و سلامه عليه خلافًا للسلفية المعاصرة !
و عند السلفية المُعاصرة هذا المنهج الذي استعمله ابن باديس في هذه المسألة ؛ يُعتبر منهج الفرق الضالة - على حدّ تعبيرهم ! - التي تدعوا لردّ صحيح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم بالعقل !
و له نصوص أخرى تجدها في تفسيره للقرآن الكريم.
فتأمّل !
سابعًا : جمعية علماء المسلمين الجزائريين تدعوا لإحياء المولد النبوي الشريف على الطريقة الشرعية ؛ في حين السلفية المعاصرة تشنّ حربًا في غير عدو على كلّ من يفعل ذالك و تعتبرهم غير صادقين في حبّهم لنبيّهم بله يُروّجون للبدع !
قال الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله [ "مجالس التّذكير من حديث البشير النّذير" ، من مطبوعات وزارة الشؤون الدينية ، صفحة 287 ] :
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، وعلى اسم الجزائر الرّاسخة في إسلامها، المتمسّكة بأمجاد قوميتها وتاريخها ـ أفتتح الذّكرى الأولى بعد الأربعمائة والألف من ذكريات مولد نبي الإنسانيّة ورسول الرّحمة سيّدنا ومولانا محمّد بن عبد اللّه عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام ـ في هذا النّادي العظيم الّذي هو وديعة الأمّة الجزائريّة عند فضلاء هذه العاصمة ووجهائها.لسنا وحدنا في هذا الموقف الشّريف لإحياء هذه الذّكرى العظيمة، بل يشاركنا فيها نحو خمسمائة مليون من البشر في أقطار المعمور كلّهم تخفق أفئدتهم فرحا وسرورا وتخضع أرواحهم إجلالا وتعظيما لمولد سيّد العالمين.اهــــ
وقال أيضا [ نفس المصدر ، صفحة 289 ] :
ما الدّاعي إلى إحياء هذه الذّكرى ؟
المحبّة في صاحبها.
إنّ الشّيء يحبّ لحسنه أو لإحسانه وصاحب هذه الذّكرى قد جمع ـ على أكمل وجه ـ بينهما.اهــــ
وقال [ المصدر ذاته ، صفحة 289-290 ] :
فمن الحقّ والواجب أن يكون هذا النّبيّ الكريم أحبّ إلينا من أنفسنا وأموالنا ومن النّاس أجمعين ولو لم يقل لنا في حديثه الشّريف : "لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والنّاس أجمعين" وكم فينا من يحبّه هذه المحبّة ولم يسمع بهذا الحديث ؟ فهذه المحبّة تدعونا إلى تجديد ذكرى مولده في كلّ عام.
ما الغاية من تجديد هذه الذّكرى ؟
استثمار هذه المحبّة.اهــــ
قال الشيخ محمّد البشير الإبرهيمي [ " آثار الإمام محمّد البشير الإبرهيمي " جمع و تقديم نجله الدكتور أحمد طالِب الإبرهيمي ، طبعة دار الغرب الإسلامي ، الجزء الثاني صفحة 341 ] :
أوقفنا مقالات " تاريخ المولد النبوي في المغرب العربي " عن قصد لأنها طالت ، و لأن ما كُتب منها يدخل في رسالة مستقلة ، و لأن المهم منها إنما هو الجانب التاريخي ، أما الحكم الشرعي فيها فنحن لا نقر ذالك الإستحسان الذي يبالغ فيه بعض من نقل الكاتب كلامهم من علماء تلك العصور ، فهم يجعلون من حبّ المولود العظيم عذراً في ارتكاب بدع المولد ، و مسوغًا لأعمال الملوك الذين لا غاية لهم من تلك الموالد إلا الدعاية لأنفسهم ، و قرن أسمائهم باسم النبي صلى الله عليه و سلم في مديح الشعراء ، و استجلاب العامة بذالك كله . و لو أنهم جعلوا تلك الإحتفالات ذرائع لإصلاح حال الأمة ، و حملها على الرجوع الى السنن النبوية ، و الإهتداء بالهدي المحمدي ، لكان لفعلهم محمل سديد ، وأثر حميد ، لأن الأمور بمقاصدها.
أما الحبُّ الصحيح لمحمَّد صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم فهو الذي يَدَعُ صاحبَه عن البدع، ويحملُه على الاقتداء الصحيح، كما كان السلف يحبُّونه، فيُحيون سُننه، ويَذُودون عن شريعته ودينه، من غير أن يقيموا له الموالد و ينفقُوا منها الأموال الطائلة التي تفتقر المصالحُ العامَّةُ إلى القليل منها فلا تَجدُه.
ونحن نحتفل بالمولد على طريقة غير تلك الطريقة، و بأسلوب غير ذلك الأسلوب ، فنجلي فيه السيرة النبوية ، والأخلاق المحمدية ، ونكشف عما فيها من السر ، و ما لها من الأثر في إصلاحنا إذا اتبعناها ، و في هلاكنا إذا أعرضنا عنها ، ففي احتفالاتنا تجديد للصلة بنبيّنا في الجهات التي هو بها نبيّنا و نحن فيها أمّته.اهــــ
و قال الشيخ البشير الإبراهيمي أيضاً [ نفس المصدر : " آثار الإمام محمّد البشير الإبرهيمي " ، صفحة 343] :
إحياء ذكرى المولد النبوي إحياء لمعاني النبوة ، و تذكير بكل ما جاء به محمد صلى الله عليه و سلم من هدى ، وما كان عليه من كمالات نفسية ، فعلى المتكلمين في هذه الذكرى أن يذكّروا المسلمين بما كان عليه نبيهم من خلق عظيم ، وبما كان لديهم من استعلاء بتلك الأخلاق.
لهذه الناحية الحية نجيز إقامَ هذه الاحتفالات، ونعدّها مواسم تربية ، ودروس هداية ، والقائلون ببدعيتها إنما تمثلوها في الناحية الميتة من قصص المولد الشائعة.اهــــ
فتأمّل !
ثامنًا : الشيخ بن باديس يجيز التوسل بذات النبي صلى الله عليه و سلم.
قال الشيخ ابن باديس رحمه الله [ ابن باديس حياته و آثاره ؛ جمع و دراسة عمّار الطّالبي الجزء 3 ص 37 طبعة دار الغرب الإسلامي ] :
نصحني سيدي الطالب اذا يسر الله لي زيارة القبر الشريف أن أسأله عليه و آله الصلاة و السلام الشفاعة ، و قد يسر الله لي ذالك و له الحمد و المنة منذ عشرين سنة ، وقد دعوت الله وحده و توسلت له بنبيه و توجهت اليه به أن يميتني على ملته ، و يجعلني من أنصار سنته ، وأهل شفاعته ، الى أشياء أخرى قد استجاب الله تعالى بعضه ( المحقق : كذا في الأصل و لعله : بعضها ) ، وأنا أرجو الاستجابة في الباقي.اهــــ
و قال رحمه الله [ نفس المصدر ، الجزء 3 ص 160] :
اعلم ان السادة العارفين هم أرسخ الناس قدما في محبة النبي صلى الله عليه و سلم و تعظيم حرمته ، و مراعاة شريف جانبه ، وتعزيره و توقيره و بره . تجد ذالك في صلواتهم عليه ، وفي ادعيتهم لله تعالى عند ذكره ، و التوسل به ، و في مناجاتهم له عند الشوق اليه ، و في تأليفهم عند الكلام في حقه.اهــــ
و قال أيضاً [ نفس المصدر ، الجزء 2 ص 192 ] :
الرّاجح هو الوجه الأوّل الّذي يجيز التّوسّل بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم نظرا لمقامه العظيم عند ربّه لوجهين، الأوّل : أنّ ذلك هـو ظاهر اللّفظ ولا موجب للتّقدير ولا منافاة بين أن يكون في قوله أسألك وأتوجّه إليك بنبّيك وقوله إنّي توجّهت بك قد سأل بذاته، وفي قوله اللّهم شفّعه فيّ قد سأل قبول دعائه له وسؤاله...والثّاني أنّه لمّا كان جائزا السّؤال من المخلوقين بما له مقام عظيم عندهم فلا مانع من أن يسأل اللّه تعالى بنبيّه بحسب مقامه العظيم عنده.اهـــ
و قد توسّع في بسط المسألة ، فليرجع الى كلامه كل من يريد التحقيق ؛ تجده في "ابن باديس حياته و آثاره جمع و دراسة عمّار الطّالبي الجزء 2 ص 187 طبعة دار الغرب الإسلامي ".
و معلوم أنّ التوسل عند السلفية المعاصرة من البدع الخطيرة و الكبائر التي أوقعت الأمة في الشركيات ؛ بزعمهم !
فتأمّل !
تاسعًا : الشيخ بن باديس يجيز التوسل بذوات الصالحين.
قال ابن باديس [ نفس المصدر ، الجزء 2 ص 196 ] : التوسّل بذات غيره من أهل المكانة المحقّقة له وجه في القياس.اهـــ
و معلوم أنّ التوسل بذوات الصالحين من الشركيات عند السلفية المعاصرة !
فتأمّل !
عاشراً : الشيخ ابن باديس يُفرّق بين التصوّف الأصيل المُنضبط بتعاليم الشريعة ؛ و بين التصوّف الدخيل الذي يروّج له الأدعياء.
قال الشيخ بن باديس رحمه الله عند ترجمة الشيخ عمر المختار الصوفي السنوسي طريقةً و الأشعري عقيدةً [ "آثار الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس" ، الطبعة الأولى لوزارة الشؤون الدينية ، الجزء 3 صفحة 73- 74 ] :
"سيّد الشُّهداء و رأس الأبرار"
رحمه اللّه رحمة واسعة ، وحشره مع النّبيّين والصّديقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقا، اغتالت يد الطّغيان الاستعماري، بطلا من خيرة أبطال العرب ورأسا من أعظم رؤوسهم، ومجاهدا كان يقف في طليعة مجاهديهم، وصنديدا غالبته الأيّام فغلبها ، وصارعته الحوادث فصارعَها، وحاربته دولة من أكبر دول الأرض بجنودها ودبّاباتها وطيّاراتها، فثبت أمامها ثبات الرّاسيات، متذرّعا بالإيمان متحصّنا بقوّة العزيمة معتدا باللّه، ولطالما انتصر وظفر، ولطالما انكسر واندحر، فما زاده النّصر إلاّ عزيمة وما زاده الانْدِحارُ إلاّ ثباتا ، واعتكف على قتال المعتدين الظّالمين وحوش الاستعمار الإيطالي، فكان في حربهم شريفا مسلما، مستميت ساعة الملحمة، رؤوف حليم ساعة وضع الحرب لأوزارها.
ذلك هو سيّدي عمر المختار زعيم السّنوسييّن ببرقة ، الّذي جاهد عشرين عاما دفاعا عن بيضة الإسلام وكرامة الوطن ضدّ الطّغاة المستعبدين، ولم تترك السّلطة الإيطالـيّة من وسيلة سافلة وحشيّة إلاّ ارتكبتها لإخماد مقاومته، فأغلقت سائر زوايا السّنوسيّة في البلاد ، و صادرت أملاكها ثمّ حصرت ثمانين ألفا من بقايا السّكان الّذين نجوا من المذابح وفظائع القتال الإيطالي، ضمن منطقة محاطة بالأسلاك الشّائكة كي لا يلتحقوا عبعمر المختارع، وأقامت على التّخوم المصريّة حراسة شديدة جدّا، كلّ ذلك وصنديد برقة رابض لا يأخذه في سبيل اللّه ضعف ولا وهن وكان يجول في ميادين القتال ممتطيّا صهوة جوادهِ الأدهم ، وقد وهن عظمه ولم يتدارك الوهن قلبه، واشتعل رأسه شيبا واكتست لحيته لون القمر، وما استطاعت الثّمانون عاما الّتي قضاها في طاعة اللّه وجهاد في سبيله أن تقوِّس له ظهرا أو تضع له هامة.
إلى أن أقام له الإيطاليون كمينا، فأسروه إثر قتال عنيف وأبت الوحشيّة الإيطالية إلاّ أن تقيم برهانا جديدا على فقدها كلّ شرف وتجرّدها عن كلّ عاطفة نبيلة، فحكمت عليه حالا بالإعدام، ونفّذت ذلك الحكم رميا بالرّصاص.
ألا في سبيل تلك الرّوح الطّاهرة النّقيّة الّتي رجعت إلى ربّها راضية مرضيّة، تستنزل نقمته وسوط عذابه على أدناس الاستعمار الإيطالي المتكالبين، وما اللّه بغافل عمّا يعمل الظّالمون وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.اهـــ
و السلفية المُعاصرة تروّج أنّ التصوّف دخيلٌ على الشريعة و الصوفية بالجملة عملاء للأعداء !
فتأمّل !
تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ
هذا و الله أعلم
مواضيع مماثلة
» شيوخ جمعية العلماء متأثرون بمحمد عبده
» حول جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بقلم ياسين بن ربيع
» علماء غريس معسكر
» الفقيه الشيخ عبد الكريم مخلوفي
» الشهب الأثرية بما عليه جمعية العلماء
» حول جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بقلم ياسين بن ربيع
» علماء غريس معسكر
» الفقيه الشيخ عبد الكريم مخلوفي
» الشهب الأثرية بما عليه جمعية العلماء
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى