المجاهدة عند الصوفية
المجاهدة عند الصوفية
المجاهدة
تمهيد
تعريف المجاهدة: قال الراغب الأصفهاني في كتابه (المفردات في ترغيب القرآن)( [1]): الجهاد والمجاهدة استفراغ الوسع في مدافعة العدو والجهاد ثلاثة أضرب : مجاهدة العدو الظاهرة ومجاهدة الشيطان ومجاهدة النفس وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى ﴿وجاهدوا في الله حق جهاده﴾( [2]) وقوله: ﴿وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله﴾( [3]).
ولا شك أن النفس الإنسانية قابلة لتغيير صفاتها الناقصة وتبديل عاداتها المذمومة وإلا لم يكن هناك فائدة من بعثة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ولا ضرورة لمن بعده من ورثته العلماء العاملين والمرشدين المصلحين.
وإذا كان كثير من سباع الطيور والبهائم قد امكن ترويضها وتبديل كثير من صفاتها فالإنسان الذي كرمه الله تعالى بالعقل وخلقه في احسن تقويم من باب أولى.
وليس المراد من مجاهدة النفس استئصال صفاتها بل المراد تصعيدها من سيء إلى حسن وتسييرها على مراد الله تعالى وابتغاء مرضاته.
فصفة الغضب مذمومة حين يغضب المرء لنفسه أما إذا غضب لله تعالى فعندها يصبح الغضب ممدوحا كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يغضب إذا انتهكت حرمات الله أو عطل حد من حدوده ولكنه حين أوذي في الله وضرب وأدمي عقبه يوم الطائف لم يغضب لنفسه بل دعا لمن آذوه بالهداية والتمس لهم العذر فقال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون( [4]).
وكذلك صفة الكبر فهي مذمومة حين يتكبر المسلم على إخوته المسلمين أما حين يتكبر على المتكبرين الكافرين فتصبح هذه الصفة محمودة لأنها في سبيل الله وضمن حدود شرعه.
وهكذا معظم الصفات المذمومة تحول بالمجاهدة وتصعد إلى صفات ممدوحة.
فمجاهدة النفس فطمها وحملها على خلاف هواها المذموم وإلزامها تطبيق شرع الله تعالى أمرا ونهيا.
الأدلة على مشروعية المجاهدة:
أ- من القرآن الكريم :
قال تعالى ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ﴾( [5]).
قال العلامة المفسر القرطبي في تفسير هذه الآية (قال السدي وغيره : إن هذه الآية نزلت قبل فرض القتال) وهذا يدل على أن المراد بالجهاد هنا هو جهاد النفس كما قال العلامة المفسر ابن جزي في تفسيرها: يعني جهاد النفس .
ب- من السنة الشريفة:
عن فضالة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «المجاهد من جاهد نفسه في الله»( [6]).
وفي رواية «في طاعة الله»( [7]).
حكم المجاهدة :
تزكية النفس فرض عين ولا تتم إلا بالمجاهدة ومن هنا كانت المجاهدة فرض عين أيضا من باب: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
قال الشيخ عبدالغني النابلسي رحمه الله : المجاهدة في النفس عبادة ولا تحصل لأحد إلا بالعلم وهي فرض عين على كل مكلف( [8]).
طريقة المجاهدة:
وأول مرحلة في المجاهدة عدم رضى المرء عن نفسه وإيمانه بوصفها الذي أخبر عنه خالقها ومبدعها ﴿إن النفس لأمارة بالسوء﴾( [9]) وعلمه ان النفس اكبر قاطع عن الله تعالى( [10]) كما أنها أعظم موصل إليه وذلك ان النفس حينما تكون أمارة بالسوء لا تتلذذ إلا بالمعاصي والمخالفات ولكنها بعد مجاهدتها وتزكيتها تصبح راضية مرضية لا تسر إلا بالطاعات والموافقات والاستئناس بالله تعالى.
وإذا اكتشف المسلم عيوب نفسه وصدق في طلب تهذيبها لم يعد عنده متسع في الوقت للانشغال بعيوب الناس وإضاعة العمر في تعداد اخطائهم وإذا رأيت أحدا من الناس قد صرف وقته في إحصاء أخطاء الآخرين غافلا عن عيوب نفسه فاعلم أنه جاهل ممكور به قال ابو مدين:
ولا تر العيب إلا فيك معتقدا عيبا بدا بينا لكنه استترا
وقال بعضهم :
لا تلم المرء على فعله وأنت منسوب إلى مثله
من ذم شيئا قد أتى مثله فإنما دل على جهله
ولذا قالوا: لا ترعيب غيرك ما دام فيك عيب والعبد لا يخلو من عيب أبدا .
فإذا عرف المسلم ذلك أقبل على نفسه بفطمها عن شهواتها المنحرفة وعاداتها الناقصة ويلزمها بتطبيق الطاعات والقربات.
ويتدرج في المجاهدة على حسب سيره فهو في بادىء الأمر يتخلى عن المعاصي التي تتعلق بجوارحه السبعة وهي:
اللسان والأذنان والعينان واليدان والرجلان والبطن والفرج( [11]) ثم يحلي هذه الجوارح السبعة بالطاعات المناسبة لكل منها( [12]) فهذه الجوارح السبعة منافذ على القلب إما أن تصب عليه ظلمات المعاصي فتكدره وتمرضه وإما أن تدخل عليه أنوار الطاعات فتشفيه وتنوره.
ثم ينتقل في المجاهدة إلى الصفات فيبدل صفاته الناقصة كالكبر والرياء والغضب... بصفات كاملة كالتواضع والإخلاص والحلم.
وبما أن طريق المجاهدة وعر المسالك متشعب الجوانب يصعب على السالك ان يلجه منفردا كان من المفيد عمليا صحبة مرشد خبير بعيوب النفس عالم بطرق معالجتها ومجاهدتها يستمد المزيد من صحبته خبرة عملية بأساليب تزكية نفسه كما يكتسب من روحانيته نفحات قدسية تدفع المريد لى تكميل نفسه وشخصيته وترفعه فوق مستوى النقائص والمنكرات فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المرشد الأول والمزكي الأعظم الذي ربى أصحابه الكرام وزكى نفوسهم بقاله وحاله كما وصفه الله تعالى بقوله ﴿ هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين﴾( [13]).
والذي يحقق النفع للمريد هو استقامته على صحبة مرشده واستسلامه له كاستسلام المريض للطبيب فإذا ما أدخل الشيطان على قلب المريد داء الغرور والاكتفاء الذاتي فأعجب بنفسه واستغنى عن ملازمة شيخه باء بالفشل ووقف وهو يظن انه سائر وقطع وهو يظن أنه موصول( [14]).
صور من مجاهدة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته الكرام:
1- عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: (ما شبع آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض )( [15]).
2- وعنها رضي الله عنها قالت : (كان فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أُدمٍ( [16]) وحشوه ليف)( [17]).
3- وعن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (جئت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما فوجدته جالسا مع أصحابه وقد عصب بطنه من الجوع فذهبت إلى أبي طلحة وهو زوج أم سليم بنت ملحان فقلت : يا أبتاه قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عصب بطنه بعصابة فسألت بعض أصحابه فقالوا: من الجوع فدخل أبو طلحة على أمي فقال: هل من شيء؟ قالت نعم عندي كسر من خبز وتمرات فإن جاءنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشبعناه وإن جاء آخر معه قل عنهم وذكر تمام الحديث)( [18]).
4- وعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لقد رأيتني وإني لأخرُّ فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى حجرة عائشة رضي الله عنها مغشيا علي فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون( [19]) وما بي من جنون ما بي إلا الجوع( [20]) .
5- وعن سيدنا فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا صلى بالناس يخر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة( [21]) وهم اصحاب الصفة حتى يقول الأعراب هؤلاء مجانين فإذا صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انصرف إليه فقال: (لو تعلمون ما لكم عند الله تعالى لأحببتم أن تزداوا فاقة وحاجة)( [22]).
6- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لقد رأيت سبعين من أهل الصفة ما فيهم رجل عليه رداء إما إزار وإما كساء قد ربطوا في أعناقهم منها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته)( [23]).
7- وعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه أنه مر بقوم بين أيديهم شاة مصلية فدعوه فأبى أن يأكل وقال خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير( [24]) .
8- وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم ما يجد من الدقل( [25]) ما يملأ بطنه( [26]).
من أقوال العارفين بالله في اهمية المجاهدة
1- قال الإمام البركوي رحمه الله تعالى: المجاهدة: وهي فطم النفس وحملها على خلاف هواها في عموم الأوقات فهي بضاعة العباد ورأس مال الزهاد ومدار صلاح النفوس وتذليلها وملاك تقوية الأرواح وتصفيتها ووصلوها إلى حضرة ذي الجلال والإكرام فعليك أيها السالك بالتشمير في منع النفس عن الهوى وحملها على المجاهدة إن شئت من الله الهدى قال الله تعالى ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾( [27]) وقال أيضا ﴿ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه﴾( [28]).
2- وقال أبو علي الدقاق رحمه الله تعالى : من زين ظاهره بالمجاهدة حسن الله سرائره بالمشاهدة وقال الله تعالى ﴿ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾ وعلم أنه من لم يكن في بدايته صاحب مجاهدة لم يجد من هذه الطريقة شمة( [29]).
3- وقال أبو عثمان المغربي رحمه الله تعالى : (من ظن أنه يفتح له بهذه الطريقة أو يكشف له عن شيء منها لا بلزوم المجاهدة فهو في غلط).
4- وقال الإمام الجنيد رحمه الله تعالى : سمعت السري السقطي يقول: يا معشر الشباب جدوا قبل أن تبلغوا مبلغي فتضعفوا وتقصروا كما ضعفت وقصرت. وكان في ذلك الوقت لا يلحقه الشباب في العبادة.
5- وقال ابن عجيبة رحمه الله تعالى : لابد للمريد في أول دخوله الطريق من مجاهدة ومكابدة وصدق وتصديق وهي مظهر ومجلاة للنهايات فمن أشرقت بدايته أشرقت نهايته فمن رأيناه جادا في طلب الحق باذلا نفسه وفلسه وروحه وعزه وجاهه ابتغاء الوصول إلى التحقق بالعبودية والقيام بوظائف الربوبية علمنا إشراق نهايته بالوصول إلى محبوبه وإذا رأيناه مقصرا علمنا قصوره عما هنالك( [30]).
6- وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى في تعليقاته على الرسالة القشيرية : إن نجاة النفس أن يخالف العبد هواها ويحملها على ما طلب منها ربها.
رد الشبهات حول المجاهدة:
إن قال قائل: إن رجال التصوف يحرمون ما أحل الله من أنواع اللذائذ والمتع وقد قال الله تعالى ﴿ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ﴾( [31]).
وقال تعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين﴾ فنقول: إن رجال التصوف لم يجعلوا الحلال حراما إذ أسمى مقاصدهم هو التقيد بشرع الله ولكنهم حين عرفوا أن تزكية النفس فرض عين وان للنفس أخلاقا سيئة وتعلقات شهوانية توصل صاحبها إلى الردى وتعيقه عن الترقي في مدارج الكمال وجدوا لزاما عليهم ان يهذبوا نفوسهم ويحرروها من سجن الهوى.
وبهذا المعنى يقول الصوفي الكبير الحكيم الترمذي رحمه الله تعالى الله ردا على هذه الشبهة وجوابا لمن احتج بالآية الكريمة ﴿ قل من حرم زينة الله ..﴾ فهذا الاحتجاج تعنيف ومن القول تحريف لأنا لم نرد بهذا التحريم ولكنا أردنا تأديب النفس حتى تأخذ الأدب وتعلم كيف ينبغي أن تعمل في ذلك ألا ترى إلى قوله جل وعلا ﴿ إنما حرم ربي الواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق ﴾( [32]) فالبغي في الشيء الحلال حرام والفخر حرام والمباهاة حرام والرياء حرام والسرف حرام فإنما أوتيت النفس هذا المنع من أجل أنها مالت إلى هذه الأشياء بقلبها حتى فسد القلب فلما رأيت النفس تتناول زينة الله والطيبات من الرزق تريد بذلك تغنيا او مباهاة أو رياء علمت أنها خلطت حراما بحلال فضيعت الشكر وإنما رزقت لتشكر لا لتكفر فلما رأيت سوء أدبها منعتها حتى إذا ذلت وانقمعت ورآني ربي مجاهدا في ذاته حق جهاده هداني سبيله كما وعد الله تعالى ﴿ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ﴾( [33]) فصرت عنده بالمجاهدة محسنا فكان الله معي ومن كان مع الله فمعه الفئة التي لا تغلب والحارس الذي لا ينام والهادي الذي لا يضل وقذف في القلب نورا عاجلا في دار الدنيا حتى يوصله إلى ثواب الآجل وتجافى عن دار الغرور بما قذف في قلبه من النور فأبصر به عيوب الدنيا ودواهيها وآفاتها وخداعها وخرابها فغاب عن قلبه البغي والرياء والسمعة والمباهاة والفخر والخيلاء والحسد لأن ذلك إنما كان أصله من تعظيم الدنيا وحلاوتها في قلبه وحبه لها وكان سبب نجاته من هذه الآفات برحمة الله رياضته هذه النفس بمنع الشهوات منها( [34]). وقد تسرع بعض الناس فزعموا جهلا أن التصوف في مجاهداته ينحدر من أصل بوذي أو براهيمي ويلتقي مع الانحرافات الدينية في النصرانية وغيرها التي تعتبر تعذيب الجسد طريقا إلى إشراق الروح وانطلاقها ومنهم من جعل التصوف امتدادا لنزعة الرهبنة التي ظهرت في ثلاثة رهط سألو عن عبادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما أخبروا عنها كأنهم تقالوها فقال أحدهم: أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر وقال الثاني: أما أنا فأقوم الليل ولا أنام وقال الثالث: أما أنا فاعتزل النساء ولا أتزوج ولما عرض أمرهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صحح لهم أفكارهم وردهم إلى الصراط المستقيم والنهج القويم( [35]).
والجواب على ذلك أن التصوف لم يكن في يوم من الأيام شرعة مستقلة ولا دينا جديدا ولكنه تطبيق عملي لدين الله تعالى واقتداء كامل برسوله عليه الصلاة والسلام وإنما سرت الشبهة على هؤلاء المتسرعين لأنهم وجدوا في التصوف اهتماما بتزكية النفس وتربيتها وتصعيدها ومجاهدتها على أسس شرعية ضمن نطاق الدين الحنيف فقاسوا تلك الانحرافات الدينية على التصوف قياسا أعمى دون تمحيص أو تمييز غائبين عن مواقف المجاهدة العظيمة التي مر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته الكرام مما لو سمع به أحد هؤلاء المنكرين ولم يعلم أنه موقف لرسول الله لاتهم صاحبه بأنه متنطع بالعبادة وأنه يشاد الدين ويحرم على نفسه ما أحل الله لها ولكنه ثمة فرق كبير بين المجاهدة المشروعة المقيدة بدين الله تعالى وبين المغالاة والانحراف وتحريم الحلال وتعذيب الجسد كما عليه البوذيون الكافرون.
ومن الظلم والبهتان أن يحكم على كل من جاهد نفسه وزكاها أنه ينحدر من أصل بوذي أو براهيمي كما يزعم المستشرقون ومن خدع بهم أو أنه يقتدي بهؤلاء الرهط الذين تقالوا عبادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما يقوله المتسرعون السطحيون مع أن رسول الله صحح لهم خطأهم فرجعوا إلى هديه وسننه.
وإذا وجد في تاريخ التصوف من حرم الحلال أو قام بتعذيب الجسد على غرار الانحرافات الدينية السابقة فهو مبتدع ومبتعد عن طريق التصوف لذا ينبغي التفريق بين التصوف والصوفي فليس بانحرافه ممثلا للتصوف كما أن المسلم بانحرافه لا يمثل الإسلام.
والمعترضون لم يفرقوا بين الصوفي والتصوف وبين المسلم والإسلام فجعلوا تلازما بينهما فوقعوا في الكاملين قياسا على المنحرفين.
وبعد فإن منتهى آمال السالكين ترقية نفوسهم فإن ظفروا بها وصلوا إلى مطلوبهم والنفس تترقى بالمجاهدة والرياضة من كونها أمارة إلى كونها لوامة وملهمة وراضية ومرضية ومطمئنة ... الخ فالمجاهدة ضرورية للسالك في جميع مراحل سيره إلى الله تعالى ولا تنتهي إلا بالوصول إلى درجة العصمة وهذه لا تكون إلا للأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام( [36]) فالأولياء يصلون لدرجة الحفظ والأنبياء لدرجة العصمة.
إذا فالمجاهدة أصل من أصول طريق الصوفية وقد قالوا: (من حقق الأصول نال الوصول ومن ترك الأصول حرم الوصول).
تمهيد
تعريف المجاهدة: قال الراغب الأصفهاني في كتابه (المفردات في ترغيب القرآن)( [1]): الجهاد والمجاهدة استفراغ الوسع في مدافعة العدو والجهاد ثلاثة أضرب : مجاهدة العدو الظاهرة ومجاهدة الشيطان ومجاهدة النفس وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى ﴿وجاهدوا في الله حق جهاده﴾( [2]) وقوله: ﴿وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله﴾( [3]).
ولا شك أن النفس الإنسانية قابلة لتغيير صفاتها الناقصة وتبديل عاداتها المذمومة وإلا لم يكن هناك فائدة من بعثة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ولا ضرورة لمن بعده من ورثته العلماء العاملين والمرشدين المصلحين.
وإذا كان كثير من سباع الطيور والبهائم قد امكن ترويضها وتبديل كثير من صفاتها فالإنسان الذي كرمه الله تعالى بالعقل وخلقه في احسن تقويم من باب أولى.
وليس المراد من مجاهدة النفس استئصال صفاتها بل المراد تصعيدها من سيء إلى حسن وتسييرها على مراد الله تعالى وابتغاء مرضاته.
فصفة الغضب مذمومة حين يغضب المرء لنفسه أما إذا غضب لله تعالى فعندها يصبح الغضب ممدوحا كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يغضب إذا انتهكت حرمات الله أو عطل حد من حدوده ولكنه حين أوذي في الله وضرب وأدمي عقبه يوم الطائف لم يغضب لنفسه بل دعا لمن آذوه بالهداية والتمس لهم العذر فقال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون( [4]).
وكذلك صفة الكبر فهي مذمومة حين يتكبر المسلم على إخوته المسلمين أما حين يتكبر على المتكبرين الكافرين فتصبح هذه الصفة محمودة لأنها في سبيل الله وضمن حدود شرعه.
وهكذا معظم الصفات المذمومة تحول بالمجاهدة وتصعد إلى صفات ممدوحة.
فمجاهدة النفس فطمها وحملها على خلاف هواها المذموم وإلزامها تطبيق شرع الله تعالى أمرا ونهيا.
الأدلة على مشروعية المجاهدة:
أ- من القرآن الكريم :
قال تعالى ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ﴾( [5]).
قال العلامة المفسر القرطبي في تفسير هذه الآية (قال السدي وغيره : إن هذه الآية نزلت قبل فرض القتال) وهذا يدل على أن المراد بالجهاد هنا هو جهاد النفس كما قال العلامة المفسر ابن جزي في تفسيرها: يعني جهاد النفس .
ب- من السنة الشريفة:
عن فضالة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «المجاهد من جاهد نفسه في الله»( [6]).
وفي رواية «في طاعة الله»( [7]).
حكم المجاهدة :
تزكية النفس فرض عين ولا تتم إلا بالمجاهدة ومن هنا كانت المجاهدة فرض عين أيضا من باب: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
قال الشيخ عبدالغني النابلسي رحمه الله : المجاهدة في النفس عبادة ولا تحصل لأحد إلا بالعلم وهي فرض عين على كل مكلف( [8]).
طريقة المجاهدة:
وأول مرحلة في المجاهدة عدم رضى المرء عن نفسه وإيمانه بوصفها الذي أخبر عنه خالقها ومبدعها ﴿إن النفس لأمارة بالسوء﴾( [9]) وعلمه ان النفس اكبر قاطع عن الله تعالى( [10]) كما أنها أعظم موصل إليه وذلك ان النفس حينما تكون أمارة بالسوء لا تتلذذ إلا بالمعاصي والمخالفات ولكنها بعد مجاهدتها وتزكيتها تصبح راضية مرضية لا تسر إلا بالطاعات والموافقات والاستئناس بالله تعالى.
وإذا اكتشف المسلم عيوب نفسه وصدق في طلب تهذيبها لم يعد عنده متسع في الوقت للانشغال بعيوب الناس وإضاعة العمر في تعداد اخطائهم وإذا رأيت أحدا من الناس قد صرف وقته في إحصاء أخطاء الآخرين غافلا عن عيوب نفسه فاعلم أنه جاهل ممكور به قال ابو مدين:
ولا تر العيب إلا فيك معتقدا عيبا بدا بينا لكنه استترا
وقال بعضهم :
لا تلم المرء على فعله وأنت منسوب إلى مثله
من ذم شيئا قد أتى مثله فإنما دل على جهله
ولذا قالوا: لا ترعيب غيرك ما دام فيك عيب والعبد لا يخلو من عيب أبدا .
فإذا عرف المسلم ذلك أقبل على نفسه بفطمها عن شهواتها المنحرفة وعاداتها الناقصة ويلزمها بتطبيق الطاعات والقربات.
ويتدرج في المجاهدة على حسب سيره فهو في بادىء الأمر يتخلى عن المعاصي التي تتعلق بجوارحه السبعة وهي:
اللسان والأذنان والعينان واليدان والرجلان والبطن والفرج( [11]) ثم يحلي هذه الجوارح السبعة بالطاعات المناسبة لكل منها( [12]) فهذه الجوارح السبعة منافذ على القلب إما أن تصب عليه ظلمات المعاصي فتكدره وتمرضه وإما أن تدخل عليه أنوار الطاعات فتشفيه وتنوره.
ثم ينتقل في المجاهدة إلى الصفات فيبدل صفاته الناقصة كالكبر والرياء والغضب... بصفات كاملة كالتواضع والإخلاص والحلم.
وبما أن طريق المجاهدة وعر المسالك متشعب الجوانب يصعب على السالك ان يلجه منفردا كان من المفيد عمليا صحبة مرشد خبير بعيوب النفس عالم بطرق معالجتها ومجاهدتها يستمد المزيد من صحبته خبرة عملية بأساليب تزكية نفسه كما يكتسب من روحانيته نفحات قدسية تدفع المريد لى تكميل نفسه وشخصيته وترفعه فوق مستوى النقائص والمنكرات فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المرشد الأول والمزكي الأعظم الذي ربى أصحابه الكرام وزكى نفوسهم بقاله وحاله كما وصفه الله تعالى بقوله ﴿ هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين﴾( [13]).
والذي يحقق النفع للمريد هو استقامته على صحبة مرشده واستسلامه له كاستسلام المريض للطبيب فإذا ما أدخل الشيطان على قلب المريد داء الغرور والاكتفاء الذاتي فأعجب بنفسه واستغنى عن ملازمة شيخه باء بالفشل ووقف وهو يظن انه سائر وقطع وهو يظن أنه موصول( [14]).
صور من مجاهدة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته الكرام:
1- عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: (ما شبع آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض )( [15]).
2- وعنها رضي الله عنها قالت : (كان فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أُدمٍ( [16]) وحشوه ليف)( [17]).
3- وعن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (جئت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما فوجدته جالسا مع أصحابه وقد عصب بطنه من الجوع فذهبت إلى أبي طلحة وهو زوج أم سليم بنت ملحان فقلت : يا أبتاه قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عصب بطنه بعصابة فسألت بعض أصحابه فقالوا: من الجوع فدخل أبو طلحة على أمي فقال: هل من شيء؟ قالت نعم عندي كسر من خبز وتمرات فإن جاءنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشبعناه وإن جاء آخر معه قل عنهم وذكر تمام الحديث)( [18]).
4- وعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لقد رأيتني وإني لأخرُّ فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى حجرة عائشة رضي الله عنها مغشيا علي فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون( [19]) وما بي من جنون ما بي إلا الجوع( [20]) .
5- وعن سيدنا فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا صلى بالناس يخر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة( [21]) وهم اصحاب الصفة حتى يقول الأعراب هؤلاء مجانين فإذا صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انصرف إليه فقال: (لو تعلمون ما لكم عند الله تعالى لأحببتم أن تزداوا فاقة وحاجة)( [22]).
6- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لقد رأيت سبعين من أهل الصفة ما فيهم رجل عليه رداء إما إزار وإما كساء قد ربطوا في أعناقهم منها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته)( [23]).
7- وعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه أنه مر بقوم بين أيديهم شاة مصلية فدعوه فأبى أن يأكل وقال خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير( [24]) .
8- وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم ما يجد من الدقل( [25]) ما يملأ بطنه( [26]).
من أقوال العارفين بالله في اهمية المجاهدة
1- قال الإمام البركوي رحمه الله تعالى: المجاهدة: وهي فطم النفس وحملها على خلاف هواها في عموم الأوقات فهي بضاعة العباد ورأس مال الزهاد ومدار صلاح النفوس وتذليلها وملاك تقوية الأرواح وتصفيتها ووصلوها إلى حضرة ذي الجلال والإكرام فعليك أيها السالك بالتشمير في منع النفس عن الهوى وحملها على المجاهدة إن شئت من الله الهدى قال الله تعالى ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾( [27]) وقال أيضا ﴿ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه﴾( [28]).
2- وقال أبو علي الدقاق رحمه الله تعالى : من زين ظاهره بالمجاهدة حسن الله سرائره بالمشاهدة وقال الله تعالى ﴿ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾ وعلم أنه من لم يكن في بدايته صاحب مجاهدة لم يجد من هذه الطريقة شمة( [29]).
3- وقال أبو عثمان المغربي رحمه الله تعالى : (من ظن أنه يفتح له بهذه الطريقة أو يكشف له عن شيء منها لا بلزوم المجاهدة فهو في غلط).
4- وقال الإمام الجنيد رحمه الله تعالى : سمعت السري السقطي يقول: يا معشر الشباب جدوا قبل أن تبلغوا مبلغي فتضعفوا وتقصروا كما ضعفت وقصرت. وكان في ذلك الوقت لا يلحقه الشباب في العبادة.
5- وقال ابن عجيبة رحمه الله تعالى : لابد للمريد في أول دخوله الطريق من مجاهدة ومكابدة وصدق وتصديق وهي مظهر ومجلاة للنهايات فمن أشرقت بدايته أشرقت نهايته فمن رأيناه جادا في طلب الحق باذلا نفسه وفلسه وروحه وعزه وجاهه ابتغاء الوصول إلى التحقق بالعبودية والقيام بوظائف الربوبية علمنا إشراق نهايته بالوصول إلى محبوبه وإذا رأيناه مقصرا علمنا قصوره عما هنالك( [30]).
6- وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى في تعليقاته على الرسالة القشيرية : إن نجاة النفس أن يخالف العبد هواها ويحملها على ما طلب منها ربها.
رد الشبهات حول المجاهدة:
إن قال قائل: إن رجال التصوف يحرمون ما أحل الله من أنواع اللذائذ والمتع وقد قال الله تعالى ﴿ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ﴾( [31]).
وقال تعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين﴾ فنقول: إن رجال التصوف لم يجعلوا الحلال حراما إذ أسمى مقاصدهم هو التقيد بشرع الله ولكنهم حين عرفوا أن تزكية النفس فرض عين وان للنفس أخلاقا سيئة وتعلقات شهوانية توصل صاحبها إلى الردى وتعيقه عن الترقي في مدارج الكمال وجدوا لزاما عليهم ان يهذبوا نفوسهم ويحرروها من سجن الهوى.
وبهذا المعنى يقول الصوفي الكبير الحكيم الترمذي رحمه الله تعالى الله ردا على هذه الشبهة وجوابا لمن احتج بالآية الكريمة ﴿ قل من حرم زينة الله ..﴾ فهذا الاحتجاج تعنيف ومن القول تحريف لأنا لم نرد بهذا التحريم ولكنا أردنا تأديب النفس حتى تأخذ الأدب وتعلم كيف ينبغي أن تعمل في ذلك ألا ترى إلى قوله جل وعلا ﴿ إنما حرم ربي الواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق ﴾( [32]) فالبغي في الشيء الحلال حرام والفخر حرام والمباهاة حرام والرياء حرام والسرف حرام فإنما أوتيت النفس هذا المنع من أجل أنها مالت إلى هذه الأشياء بقلبها حتى فسد القلب فلما رأيت النفس تتناول زينة الله والطيبات من الرزق تريد بذلك تغنيا او مباهاة أو رياء علمت أنها خلطت حراما بحلال فضيعت الشكر وإنما رزقت لتشكر لا لتكفر فلما رأيت سوء أدبها منعتها حتى إذا ذلت وانقمعت ورآني ربي مجاهدا في ذاته حق جهاده هداني سبيله كما وعد الله تعالى ﴿ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ﴾( [33]) فصرت عنده بالمجاهدة محسنا فكان الله معي ومن كان مع الله فمعه الفئة التي لا تغلب والحارس الذي لا ينام والهادي الذي لا يضل وقذف في القلب نورا عاجلا في دار الدنيا حتى يوصله إلى ثواب الآجل وتجافى عن دار الغرور بما قذف في قلبه من النور فأبصر به عيوب الدنيا ودواهيها وآفاتها وخداعها وخرابها فغاب عن قلبه البغي والرياء والسمعة والمباهاة والفخر والخيلاء والحسد لأن ذلك إنما كان أصله من تعظيم الدنيا وحلاوتها في قلبه وحبه لها وكان سبب نجاته من هذه الآفات برحمة الله رياضته هذه النفس بمنع الشهوات منها( [34]). وقد تسرع بعض الناس فزعموا جهلا أن التصوف في مجاهداته ينحدر من أصل بوذي أو براهيمي ويلتقي مع الانحرافات الدينية في النصرانية وغيرها التي تعتبر تعذيب الجسد طريقا إلى إشراق الروح وانطلاقها ومنهم من جعل التصوف امتدادا لنزعة الرهبنة التي ظهرت في ثلاثة رهط سألو عن عبادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما أخبروا عنها كأنهم تقالوها فقال أحدهم: أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر وقال الثاني: أما أنا فأقوم الليل ولا أنام وقال الثالث: أما أنا فاعتزل النساء ولا أتزوج ولما عرض أمرهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صحح لهم أفكارهم وردهم إلى الصراط المستقيم والنهج القويم( [35]).
والجواب على ذلك أن التصوف لم يكن في يوم من الأيام شرعة مستقلة ولا دينا جديدا ولكنه تطبيق عملي لدين الله تعالى واقتداء كامل برسوله عليه الصلاة والسلام وإنما سرت الشبهة على هؤلاء المتسرعين لأنهم وجدوا في التصوف اهتماما بتزكية النفس وتربيتها وتصعيدها ومجاهدتها على أسس شرعية ضمن نطاق الدين الحنيف فقاسوا تلك الانحرافات الدينية على التصوف قياسا أعمى دون تمحيص أو تمييز غائبين عن مواقف المجاهدة العظيمة التي مر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته الكرام مما لو سمع به أحد هؤلاء المنكرين ولم يعلم أنه موقف لرسول الله لاتهم صاحبه بأنه متنطع بالعبادة وأنه يشاد الدين ويحرم على نفسه ما أحل الله لها ولكنه ثمة فرق كبير بين المجاهدة المشروعة المقيدة بدين الله تعالى وبين المغالاة والانحراف وتحريم الحلال وتعذيب الجسد كما عليه البوذيون الكافرون.
ومن الظلم والبهتان أن يحكم على كل من جاهد نفسه وزكاها أنه ينحدر من أصل بوذي أو براهيمي كما يزعم المستشرقون ومن خدع بهم أو أنه يقتدي بهؤلاء الرهط الذين تقالوا عبادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما يقوله المتسرعون السطحيون مع أن رسول الله صحح لهم خطأهم فرجعوا إلى هديه وسننه.
وإذا وجد في تاريخ التصوف من حرم الحلال أو قام بتعذيب الجسد على غرار الانحرافات الدينية السابقة فهو مبتدع ومبتعد عن طريق التصوف لذا ينبغي التفريق بين التصوف والصوفي فليس بانحرافه ممثلا للتصوف كما أن المسلم بانحرافه لا يمثل الإسلام.
والمعترضون لم يفرقوا بين الصوفي والتصوف وبين المسلم والإسلام فجعلوا تلازما بينهما فوقعوا في الكاملين قياسا على المنحرفين.
وبعد فإن منتهى آمال السالكين ترقية نفوسهم فإن ظفروا بها وصلوا إلى مطلوبهم والنفس تترقى بالمجاهدة والرياضة من كونها أمارة إلى كونها لوامة وملهمة وراضية ومرضية ومطمئنة ... الخ فالمجاهدة ضرورية للسالك في جميع مراحل سيره إلى الله تعالى ولا تنتهي إلا بالوصول إلى درجة العصمة وهذه لا تكون إلا للأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام( [36]) فالأولياء يصلون لدرجة الحفظ والأنبياء لدرجة العصمة.
إذا فالمجاهدة أصل من أصول طريق الصوفية وقد قالوا: (من حقق الأصول نال الوصول ومن ترك الأصول حرم الوصول).
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى