عبد الكريم بن محمد البكر ي بن عبد الكريم
الصالحين :: طلاب العلم :: العلماء :: علماء ادرار
صفحة 1 من اصل 1
عبد الكريم بن محمد البكر ي بن عبد الكريم
عبد الكريم بن محمد البكر ي بن عبد الكريم الملقّب بأبي البركات
المتوفى (1174هـ-1760م)
اسمه ونسبه:
عبد الكريم بن محمد البكري بن عبد الكريم الملقّب بأبي البركات.
تحليته:
***الفقيه العابد القانت، الذّاكر الصامت، قاضي القضاة بالديار التواتية، وحامل لواء الملة الإسلامية، كان أديبا سخيا، للحقوق الشّرعية موفِّيا.
*** كان إماما عادلا متفنّنا في علوم شتى،كبير القدر وافر الحرمة، ومعوّلا عليه، وتولى القضاء الأكبر، وانتهت إليه الرّياسة في الدنيا بأسرها.
***كان فقيها مالكيا كبيرا، بارعا في اللّغة والتّصريف، إماما في التّفسير والقراءات، تخضع لقوله الحكماء، وتنصت لموعظته الجهّال والعلماء.
***الشيخ قاضي الجماعة التّواتية.
تاريخ ومكان الميلاد:
***ولد عام 1096هـ-1684م بتمنطيط.
شيوخه:
1-أخذ عن والده.
2-محمد بن إبراهيم حفظ عليه القرآن.
3-أخوه محمد الصالح.
تلاميذه:
1-ابنه سيدي عبد الحق.
2-ابن أخيه سيدي عبد الكريم الحاجب بن سيدي محمد الصالح.
3-العلامة محمد بن الحاج عبد الله.
4-أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الكريم بن امحمد الأمريني وغيرهم.
مؤلفاته:
*** له وصية لابنه سيدي عبد الحقّ، نصّها بعد الحمدلة والصّلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: "ممّن ليس بشيء إلى مَن لا قيمة له، ولدنا محمد عبد الحق -حفظك الله ورعاك وبعين رعايته رعاك- فليعلم الواقف عليه أنّي ولّيتك هذا الأمر الذي يُضاعف فيه للمحسن ثوابا، وللمسيء عقابا، ولم يكن الباعث على ذلك حبّ الوالد لولده، وإنما هو لما تبين لي من ظاهر أمرك -والله أعلم- بسرائرك، ولقد علِمت أنه ليس أحد أعزّ عليّ منك، والله شاهدٌ أنّي بريء مِن حيفك، فالزم الحقّ ينزلك الله منازل أهل الحق، يوم لا يقضى بين الناس إلا بالحق، وهم لا يظلمون، فطهّر يدك عن إضرار المسلمين، وبطنك عن أموالهم، ولسانك عن أعراضهم، فإذا فعلت ذلك فليس عليك سبيل ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الشورى:42] واعلم: إنّما هَلَكُوا بِمنعهم الحقّ حتى يشترى ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾ [النمل:52]، اليوم في الدّورِ وغدًا في القبور، وإلى الله عاقبة الأمور، فاتَّقِ الله، وسَلْهُ التّوفيق لي ولك ولجميع المسلمين، وأوصيك بآية منزلة وحديث مرويّ قال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ [البقرة: 83] وقال عليه الصّلاة والسّلام: حسِّن خلقك للناس أو مع النّاس، أو كما قال، ففي ذلك -إن شاء الله- كفاية لـ: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر:18]، وإياك وبطانة السوء، وحسِّن ظنّك بالمسلمين، وصن أذنك عن أخبارهم، تسلم مِن عداوتهم، وأوف لذي الحقوق حقوقهم؛ تُعان عليهم؛ وتستجلب مودّتهم، وشاور ذوي العقل والدّين يسلم لك دينك، ويقلُّ عتابُهُم عليك، وتجاوز عن هفوات يقلُّ ندمُك، وتأنّ في الحكم يقلُّ خطؤك، واصبر على ما تكره تصل إلى ما تحبُّ والسّلام.
وقفات مهمة في حياته:
***تولّى القضاء بعد موت والده، وكان جُلّ جلساته مبنيّة على الصّلح نظرا لضعف توات، وربّما يرضي المدّعي مِن ماله ويقول له: اسمح في الباقي.
***تولّى قضاء الجماعة التّواتية، وشاركه في هذا المنصب لأوّل مرّة الشّيخ عمر بن عبد القادر التّنلاني، وربّما كان ذلك لكثرة أعباء هذا المنصب.
*** لَمَّا بلغت وفاة أبيه سنة 1133هـ-1720م، للسلطان مولاي إسماعيل قلّد خطة القضاء لابنه الشيخ سيدي عبد الكريم بن البكري، فلم يزل قائما بأمور المسلمين إلى أن طاف عليه طائف المرض، فقلّد ما حمله لابنه العلامة الشيخ عبد الحقّ بإشارة أخيه الشيخ سيدي محمد بن البكري، سنة أربع وسبعين ومائة وألف.
*** تميز -رحمه الله- بقوّة حفظه وذكائه، فكان يحفظ "المختصر" و"صحيح البخاري" وغيرهما من الأمّهات حفظا عجيبا.
***ومما ميّز فترة قضائه -رحمه الله- أنه ذات مرة كان قادما مِن فاس، فالتقى بجش كبير من البرابر، فسألهم عن وجهتهم فقالو نبتغي غزو بعض قرى توات، فقال لهم -رحمه الله- أعطيكم جميع ما أملك من أموال وعبيد ودوابٍّ على أن ترجعوا عن هذا الأمر فقالو نفعل، ولكن تزيدنا على ذلك، فجميع ما عندك يقصر عند التّفرقة على الجيش، فقال لهم بيعوني فإن ثمني -والله أعلم- باهض، فقالو له: من يشتريك؟ قال لهم: السلطان مولاي عبد الله بن مولاي إسماعيل سلطان المغرب، فوقع الاتّفاق على ذلك، فلما وصلوا إلى السلطان عظم عليه ما فعل الرّجل، وقال له نعم الرّجل أنت حقن الله بك دماء مسلمين مظلومين، ثم تبيّن له -رحمه الله- أنّ السلطان يريد البطش بالرّجل فقال له: ناشدتك الله يا أمير المومنين أنْ تخلي سبيله، فأطلق السّلطان سراحه وأجزل له العطاء، ولَمّا قضى سيدي عبد الكريم مآربه بفاس وهمّ بالرّجوع لبلده وجد رؤساء تلك القبائل من البرابر في انتظاره فأكرموه غاية الإكرام، وجعلوه واحدا منهم، فلمّا طلب منهم الخرو ج إلى بلده أجزلوا له في العطاء، وأرسلوا معه مائة فارس بجميع مؤونتهم حافِّين به إلى بلده، فلمّا نزلوا بأرض بودة المباركة جاء البشير إلى أخيه سيدي محمد البكري معلِّما بوصوله، وذاكرا له خبر البربر الذين هم معه، فأعدّ العدّة لاستقبالهم بِما يليق، وأرسل بعض أعيان تيميس وتمنطيط وأولاد الحاج وبعض أعيان بودة قدموا مع الشيخ والبرابر، فالتقى الجمعان بين تيمي وتمنطيط واعتُبِرَ ذلك اليوم عيدا من الأعياد، ومشهدا من المشاهد، فقام الشيخ سيدي محمد بلبكري وقال: بعد الحمدلة والصّلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، يا معشر البرابر إني كنت كثيرا أجمع نفسي على أن أقدُم إليكم، وأجعل الخير التام بينكم وبين قبائل "توات"، والآن وقد جمعنا الله بفضله على غير ميعاد ولا اتّفاق...إلخ، والحاصل أنّه سعى هو وأخوه سيدي عبد الكريم، أن يجعلوا الخير بين أهل "توات" والقبائل البربرية حتى يرتفع الشنآن ويكثر في البلاد الأمان، ومما يدل على فصاحة الرجل وبلاغته: أن ابنه سيدي البكري أخطأ فراسله بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم، والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد: فالإعلام لولدنا سيدي البكري أنّ الشيخ سيدي عبد المولَى رفع شكواه منك إلينا متظلِّما، فارفق بنفسك، واترك عنك ما ذكر مِن التّخريب، والتّزوير والتّكذيب، والجور والفجور، وواري نفسك تحت الخدور، لأنّك أشدّ بلاء من المجدور فإيّاك وإيّاك، وإلّا وقعت في المحذور، فإلَى متى ينقطع تساهلك وتلاعبك بأمور الشّريعة، وإلى متى تعترف بجهلك يا خبيثَ السريرة، إن لم تخف ويلك مِن النار، فاتق ما يلحقك بسبب جرمك من الاحتقار، وهتك الحرمة والعار، فبالله فأخبرني بالذى حملك على الخوض في قضايا الناس، وخصوصا مَن تَزَيَّا منهم بزيِّ العرب، أتجعل عِرضك هدفا للسبّ والقذف، فتأهّب أن يكون بدنك وطنا للسّوط والخوف، ألم تعلم يا أحمق؛ أن العبيد بين الخلق وخالقهم، فإن أطعته خدموك، وإن خدمتهم خذلوك، والخذلان يكون بالضّرب والشتم والسّجن والقيد، فاستعدّ لهذه الأمور، وإن خدمت الخلق ونسيت الحق، وإن حملك على ما صدر منك من التخليط بين القبائل بأنواع القبائح التي لم تُؤثر عن الأوائل والأواخر، ما كنت تكتبه في سجلاتك الخائنة، وأحكامك الكاذبة، من قولك: نائبُ والده، فإنِّي قطُّ ما أنَبَتُكَ، ولا أقمتك مقامي، لأنّي لا أجعل على الناس من يفسد لهم دينَهم ودنياهم، فدينهم بكلام الباطل، ودنياهم بالقتل والظلم، فالإثم عليك لأنّي بريء مما كنتَ تصنع لا عليّ في ذلك، فإن كنت تسمع النصح وتتلقاه بالقبول، فارجع إلى بلدك ولازم دارك، واترك عنك الطّمع في النّاس لأنه يفسد عليك ما تصلحه، وقد قيل: ما هدم الدّينَ مثل البدع، ولا أفسد الرّجال مثل الطمع، روِّض نفسك وتكلف القراءة واطلبها من الناس الذين هم العلماء، لأنك جاهل، فإن جهلت أنّك جاهل فجهلك مركب، وإن علمت أنك جاهل فبسيط، وكلتا الحالتين مذمومتين، فاختر لنفسك وإن أبيت فلا تلومنّ إلّا نفسك، وأحكامنا تجري عليك أين ما كنت والسلام. وكتب عُبيد ربه محمد عبد الكريم بن البكري.
ثم لَمَّا دخل عليه مستعذرا خاطبه قائلا: إني لأكره أن تدنِس على بساطي هذا بنعلك فكيف أن تدنِس علي ديني بفعلك، فتاب وأناب وتخلّى عن القضاء والفتوى، فأدركته العناية الربانية والشفاعة المحمدية، وقد بقي في القضاء حتّى أنهك جسمه المرضُ فترك أمره وشؤونه لابنه سيدي عبد الحقّ.
***استخلف ابنه في [تولّي خطّة القضاء]في مرضه الذي مات فيه بإثر أخيه الشيخ سيدي محمد بن
البكري، سنة أربع وسبعين ومائة وألف[1174هـ-1760م]، وكتب له بعهد في ذلك، وفيه وصية.
تاريخ ومكان الوفاة:
توفي وهو مستقبلل القبلة وقت صلاة الجمعة الثامن عشر ربيع الثاني عام 1174هـ-1760م.
المتوفى (1174هـ-1760م)
اسمه ونسبه:
عبد الكريم بن محمد البكري بن عبد الكريم الملقّب بأبي البركات.
تحليته:
***الفقيه العابد القانت، الذّاكر الصامت، قاضي القضاة بالديار التواتية، وحامل لواء الملة الإسلامية، كان أديبا سخيا، للحقوق الشّرعية موفِّيا.
*** كان إماما عادلا متفنّنا في علوم شتى،كبير القدر وافر الحرمة، ومعوّلا عليه، وتولى القضاء الأكبر، وانتهت إليه الرّياسة في الدنيا بأسرها.
***كان فقيها مالكيا كبيرا، بارعا في اللّغة والتّصريف، إماما في التّفسير والقراءات، تخضع لقوله الحكماء، وتنصت لموعظته الجهّال والعلماء.
***الشيخ قاضي الجماعة التّواتية.
تاريخ ومكان الميلاد:
***ولد عام 1096هـ-1684م بتمنطيط.
شيوخه:
1-أخذ عن والده.
2-محمد بن إبراهيم حفظ عليه القرآن.
3-أخوه محمد الصالح.
تلاميذه:
1-ابنه سيدي عبد الحق.
2-ابن أخيه سيدي عبد الكريم الحاجب بن سيدي محمد الصالح.
3-العلامة محمد بن الحاج عبد الله.
4-أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الكريم بن امحمد الأمريني وغيرهم.
مؤلفاته:
*** له وصية لابنه سيدي عبد الحقّ، نصّها بعد الحمدلة والصّلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: "ممّن ليس بشيء إلى مَن لا قيمة له، ولدنا محمد عبد الحق -حفظك الله ورعاك وبعين رعايته رعاك- فليعلم الواقف عليه أنّي ولّيتك هذا الأمر الذي يُضاعف فيه للمحسن ثوابا، وللمسيء عقابا، ولم يكن الباعث على ذلك حبّ الوالد لولده، وإنما هو لما تبين لي من ظاهر أمرك -والله أعلم- بسرائرك، ولقد علِمت أنه ليس أحد أعزّ عليّ منك، والله شاهدٌ أنّي بريء مِن حيفك، فالزم الحقّ ينزلك الله منازل أهل الحق، يوم لا يقضى بين الناس إلا بالحق، وهم لا يظلمون، فطهّر يدك عن إضرار المسلمين، وبطنك عن أموالهم، ولسانك عن أعراضهم، فإذا فعلت ذلك فليس عليك سبيل ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الشورى:42] واعلم: إنّما هَلَكُوا بِمنعهم الحقّ حتى يشترى ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾ [النمل:52]، اليوم في الدّورِ وغدًا في القبور، وإلى الله عاقبة الأمور، فاتَّقِ الله، وسَلْهُ التّوفيق لي ولك ولجميع المسلمين، وأوصيك بآية منزلة وحديث مرويّ قال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ [البقرة: 83] وقال عليه الصّلاة والسّلام: حسِّن خلقك للناس أو مع النّاس، أو كما قال، ففي ذلك -إن شاء الله- كفاية لـ: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر:18]، وإياك وبطانة السوء، وحسِّن ظنّك بالمسلمين، وصن أذنك عن أخبارهم، تسلم مِن عداوتهم، وأوف لذي الحقوق حقوقهم؛ تُعان عليهم؛ وتستجلب مودّتهم، وشاور ذوي العقل والدّين يسلم لك دينك، ويقلُّ عتابُهُم عليك، وتجاوز عن هفوات يقلُّ ندمُك، وتأنّ في الحكم يقلُّ خطؤك، واصبر على ما تكره تصل إلى ما تحبُّ والسّلام.
وقفات مهمة في حياته:
***تولّى القضاء بعد موت والده، وكان جُلّ جلساته مبنيّة على الصّلح نظرا لضعف توات، وربّما يرضي المدّعي مِن ماله ويقول له: اسمح في الباقي.
***تولّى قضاء الجماعة التّواتية، وشاركه في هذا المنصب لأوّل مرّة الشّيخ عمر بن عبد القادر التّنلاني، وربّما كان ذلك لكثرة أعباء هذا المنصب.
*** لَمَّا بلغت وفاة أبيه سنة 1133هـ-1720م، للسلطان مولاي إسماعيل قلّد خطة القضاء لابنه الشيخ سيدي عبد الكريم بن البكري، فلم يزل قائما بأمور المسلمين إلى أن طاف عليه طائف المرض، فقلّد ما حمله لابنه العلامة الشيخ عبد الحقّ بإشارة أخيه الشيخ سيدي محمد بن البكري، سنة أربع وسبعين ومائة وألف.
*** تميز -رحمه الله- بقوّة حفظه وذكائه، فكان يحفظ "المختصر" و"صحيح البخاري" وغيرهما من الأمّهات حفظا عجيبا.
***ومما ميّز فترة قضائه -رحمه الله- أنه ذات مرة كان قادما مِن فاس، فالتقى بجش كبير من البرابر، فسألهم عن وجهتهم فقالو نبتغي غزو بعض قرى توات، فقال لهم -رحمه الله- أعطيكم جميع ما أملك من أموال وعبيد ودوابٍّ على أن ترجعوا عن هذا الأمر فقالو نفعل، ولكن تزيدنا على ذلك، فجميع ما عندك يقصر عند التّفرقة على الجيش، فقال لهم بيعوني فإن ثمني -والله أعلم- باهض، فقالو له: من يشتريك؟ قال لهم: السلطان مولاي عبد الله بن مولاي إسماعيل سلطان المغرب، فوقع الاتّفاق على ذلك، فلما وصلوا إلى السلطان عظم عليه ما فعل الرّجل، وقال له نعم الرّجل أنت حقن الله بك دماء مسلمين مظلومين، ثم تبيّن له -رحمه الله- أنّ السلطان يريد البطش بالرّجل فقال له: ناشدتك الله يا أمير المومنين أنْ تخلي سبيله، فأطلق السّلطان سراحه وأجزل له العطاء، ولَمّا قضى سيدي عبد الكريم مآربه بفاس وهمّ بالرّجوع لبلده وجد رؤساء تلك القبائل من البرابر في انتظاره فأكرموه غاية الإكرام، وجعلوه واحدا منهم، فلمّا طلب منهم الخرو ج إلى بلده أجزلوا له في العطاء، وأرسلوا معه مائة فارس بجميع مؤونتهم حافِّين به إلى بلده، فلمّا نزلوا بأرض بودة المباركة جاء البشير إلى أخيه سيدي محمد البكري معلِّما بوصوله، وذاكرا له خبر البربر الذين هم معه، فأعدّ العدّة لاستقبالهم بِما يليق، وأرسل بعض أعيان تيميس وتمنطيط وأولاد الحاج وبعض أعيان بودة قدموا مع الشيخ والبرابر، فالتقى الجمعان بين تيمي وتمنطيط واعتُبِرَ ذلك اليوم عيدا من الأعياد، ومشهدا من المشاهد، فقام الشيخ سيدي محمد بلبكري وقال: بعد الحمدلة والصّلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، يا معشر البرابر إني كنت كثيرا أجمع نفسي على أن أقدُم إليكم، وأجعل الخير التام بينكم وبين قبائل "توات"، والآن وقد جمعنا الله بفضله على غير ميعاد ولا اتّفاق...إلخ، والحاصل أنّه سعى هو وأخوه سيدي عبد الكريم، أن يجعلوا الخير بين أهل "توات" والقبائل البربرية حتى يرتفع الشنآن ويكثر في البلاد الأمان، ومما يدل على فصاحة الرجل وبلاغته: أن ابنه سيدي البكري أخطأ فراسله بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم، والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد: فالإعلام لولدنا سيدي البكري أنّ الشيخ سيدي عبد المولَى رفع شكواه منك إلينا متظلِّما، فارفق بنفسك، واترك عنك ما ذكر مِن التّخريب، والتّزوير والتّكذيب، والجور والفجور، وواري نفسك تحت الخدور، لأنّك أشدّ بلاء من المجدور فإيّاك وإيّاك، وإلّا وقعت في المحذور، فإلَى متى ينقطع تساهلك وتلاعبك بأمور الشّريعة، وإلى متى تعترف بجهلك يا خبيثَ السريرة، إن لم تخف ويلك مِن النار، فاتق ما يلحقك بسبب جرمك من الاحتقار، وهتك الحرمة والعار، فبالله فأخبرني بالذى حملك على الخوض في قضايا الناس، وخصوصا مَن تَزَيَّا منهم بزيِّ العرب، أتجعل عِرضك هدفا للسبّ والقذف، فتأهّب أن يكون بدنك وطنا للسّوط والخوف، ألم تعلم يا أحمق؛ أن العبيد بين الخلق وخالقهم، فإن أطعته خدموك، وإن خدمتهم خذلوك، والخذلان يكون بالضّرب والشتم والسّجن والقيد، فاستعدّ لهذه الأمور، وإن خدمت الخلق ونسيت الحق، وإن حملك على ما صدر منك من التخليط بين القبائل بأنواع القبائح التي لم تُؤثر عن الأوائل والأواخر، ما كنت تكتبه في سجلاتك الخائنة، وأحكامك الكاذبة، من قولك: نائبُ والده، فإنِّي قطُّ ما أنَبَتُكَ، ولا أقمتك مقامي، لأنّي لا أجعل على الناس من يفسد لهم دينَهم ودنياهم، فدينهم بكلام الباطل، ودنياهم بالقتل والظلم، فالإثم عليك لأنّي بريء مما كنتَ تصنع لا عليّ في ذلك، فإن كنت تسمع النصح وتتلقاه بالقبول، فارجع إلى بلدك ولازم دارك، واترك عنك الطّمع في النّاس لأنه يفسد عليك ما تصلحه، وقد قيل: ما هدم الدّينَ مثل البدع، ولا أفسد الرّجال مثل الطمع، روِّض نفسك وتكلف القراءة واطلبها من الناس الذين هم العلماء، لأنك جاهل، فإن جهلت أنّك جاهل فجهلك مركب، وإن علمت أنك جاهل فبسيط، وكلتا الحالتين مذمومتين، فاختر لنفسك وإن أبيت فلا تلومنّ إلّا نفسك، وأحكامنا تجري عليك أين ما كنت والسلام. وكتب عُبيد ربه محمد عبد الكريم بن البكري.
ثم لَمَّا دخل عليه مستعذرا خاطبه قائلا: إني لأكره أن تدنِس على بساطي هذا بنعلك فكيف أن تدنِس علي ديني بفعلك، فتاب وأناب وتخلّى عن القضاء والفتوى، فأدركته العناية الربانية والشفاعة المحمدية، وقد بقي في القضاء حتّى أنهك جسمه المرضُ فترك أمره وشؤونه لابنه سيدي عبد الحقّ.
***استخلف ابنه في [تولّي خطّة القضاء]في مرضه الذي مات فيه بإثر أخيه الشيخ سيدي محمد بن
البكري، سنة أربع وسبعين ومائة وألف[1174هـ-1760م]، وكتب له بعهد في ذلك، وفيه وصية.
تاريخ ومكان الوفاة:
توفي وهو مستقبلل القبلة وقت صلاة الجمعة الثامن عشر ربيع الثاني عام 1174هـ-1760م.
مواضيع مماثلة
» عبد الكريم بن محمد الصالح بن محمد البكري
» محمد الجزولي بن محمد بن عبد الكريم
» محمد بن محمد البكري بن عبد الكريم
» امَحمد بن عبد الكريم بن محمد
» محمد البكري بن عبد الكريم
» محمد الجزولي بن محمد بن عبد الكريم
» محمد بن محمد البكري بن عبد الكريم
» امَحمد بن عبد الكريم بن محمد
» محمد البكري بن عبد الكريم
الصالحين :: طلاب العلم :: العلماء :: علماء ادرار
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى