مالك بن أنس و تعظيمه للآثار النبوية لتأديب النفس
مالك بن أنس و تعظيمه للآثار النبوية لتأديب النفس
القَبَس من سيرة الإمام مالك بن أنس في تعظيم الآثار النبوية لتأديب النفس
الحمد لله المتفضِّل بجزيل المواهب والعطاء. إختصّ برحمته مَن يشاء. ووفّق لمعرفته مَن اجتبى من عباده الأولياء. وخواصّه الأصفياء. ((ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)). فسبحانه من إله خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات .وتوّجهم بتاج القبول والسعادات. فانهلّت عليهم سحائب الرحمات. فكان منهم أئمّة يُقْتَدى بهم في سائر الأوقات. فانتشر ذكرهم بين المخلوقات. وعمّت أنوارهم على جميع البريّات. وأشهد أن لا إله إلاّ الله. وحده لا شريك له. أفاض على أوليائه وأحبّائه وأصفيائه من النّور الحأمّديّ أنوارا، ونوّر قلوبهم بمحبّة الجناب النبويّ. فملئت ببركته صلى الله عليه وسلم معارف وأسرارا، فهُمْ من فيض بحره يغترفون، ومن رَوْض مواهبه يقتطفون، ويجتنون ثمارا وأزهارا، فاستضاءت بأنوارهم الخليقة، وسلكوا بهم من الدّين طريقه، حتّى تبيّن لهم الهدى استبصارا، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدا عبده ورسوله. وصفيّه من خلقه وخليله. جاء وهّاجا في الظلام الحالِك. ليُزيل الجهل والكفر وكلَّ ذلك. وأرشد ودعا إلى خير المسالك. ونهى وحذّر من المهالك. ونشر النور والحق هنا وهنالك. ورضي الله تعالى عن وُرّاثِه مِن بَعْده الذين نشروا الدين في سائر الممالك. فمنهم أبو حنيفة وأحمد والشافعي ومالك.
يا حاضرين سماع الذكر في الأُذُنِ وسالكين قويم النهج والسُّنَنِ
إنْ شئتُمُ تظفَروا بالفضل والمننِ وتَسْلَموا من جميع البؤس والمحنِ
صلوا على مَن أتى بالفرض والسُّننِ
اللهم صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد النبيّ الطاهر الأبرّ. وعلى آله ذوي العزّ الشامخ والنسب الأفخر. وعلى صحابته المخصوصين بالإيمان الكامل والسرّ الأبهر. صلاة تتحفنا بها برضوانك الأكبر. ونكون بها ممّن أكرمته بزيارة سيّد البشر. صلى الله عليه وسلم. وجال في مدينته الطيّبة ومتّع فيها النظر. ونال بالتبّرك بآثاره الشريفة غاية الوطر. بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين. يا ربّ العالمين. أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون. منذ أن أكرم الله تعالى هذه الأُمّة المحمدية ببعثة نبيّها صلى الله عليه وسلم. وأفواج العلماء والمرشدين يتعاقبون فيها. دعاة مخلصين. ومربّين ربانيّين. ومشائخ حكماء. داعين إلى الحق. حاكمين بالقسط. آمرين بالمعروف. ناهين عن المنكر. وإنّ العناية بسِيَر الرجال تورث الإحساس بالعزة. وتبعث الشعور بالقوة. وتهدي إلى التمسّك بالحق. وتقود إلى السموّ في الخُلُق. وحديثنا اليوم عن عَلَمٍ بارز من أعلام الإسلام قاطبة. رجلٍ ننتمي إليه. ونعبد ربّنا على مذهبه. ألا وهو إمام دار الهجرة. ووارث العلوم النبوية والسنن المصطفوية في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. إنّه الإمام مالك بن أنس. رضي الله عنه. وجزاه عنّا كل خير. وجزى الله كل علماء المسلمين المخلصين خيرا. وتغمّدهم برحمته. وصبّ على قبورهم وابل الإحسان. وأمطرهم بغزير عفوه. آمين يا رب العالمين. أيّها المسلمون. إمامنا مالك عَلَمٌ من أعلام السنّة. على إمامته أجمعت الأُمّة. فمجرّد ذِكْرِه يزيد الإيمان والهمّة. قال الإمام الذهبي: قد كان هذا الإمام من الكبراء والسادة العلماء، ذا حشمة وتجمّل وعبيد ودار فاخرة، ونعمة ظاهرة، ورفعة في الدنيا والآخرة، كان يقبل الهدايا، ويأكل طيّباً، ويعمل صالحاً، وما أحسن قول عبد الله بن المبارك فيه:
صَمُوتٌ إِذَا مَا الصَّمْتُ زَيَّنَ أَهْلَهُ وَفَتَّاقُ أَبْكَارِ الْكَلَامِ الْمُخَتَّمِ
وَعَى مَا وَعَى الْقُرْآنَ مِنْ كُلِّ حِكْمَةٍ وَنِيطَتْ لَهُ الْآدَابُ بِاللَّحْمِ وَالدَّمِ
وقال أبو مصعب: كانوا يزدحمون على باب مالك حتى يقتتلوا من الزحام، وكنّا نكون عنده فلا يكلّم ذا ذا، ولا يلتفت ذا إلى ذا، والناس قائلون برءوسهم هكذا. وكانت السلاطين تهابه وهم قابلون منه ومستمعون، وكان يقول: لا ونعم، ولا يقال له: من أين قلتَ هذا؟ وقال بعضهم في مدح الإمام مالك:
يدع الجواب فلا يراجَع هيبة والسائلون نواكس الأذقانِ
نور الوقار وعز سلطان التقى فهو المهيب وليس ذا سلطانِ
أيّها المسلمون. إنّ الدارس لسيرة الإمام مالك رحمه الله يقف على شيء من أسباب هذه الهيبة وهذا القَبول، فمن ذلك: أنّه كان كثير التعظيم والتوقير لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، فعن ابن أبي أويس قال: كان مالك إذا أراد أن يحدّث توضّأ وجلس على صدر فراشه، وسرّح لحيته، وتمكّن في الجلوس بوقار وهيبة، ثم حدّث. فقيل له في ذلك، فقال: أحب أن أعظّم حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحدّث به إلا على طهارة متمكّناً. وكان يكره أن يحدّث في الطريق وهو قائم أو مستعجل. قال: أحب أن أفهم ما يحدّث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومَن أعزَّ دينَ الله أعزّه اللهُ عز وجل، ومَن نصر دينَ الله نصره اللهُ عز وجل، قال تعالى في سورة الحج(وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ)). وعن معن بن عيسى قال: كان مالك بن أنس إذا أراد أن يجلس للحديث اغتسل وتبخّر وتطيّب، فإذا رفع أحد صوته في مجلسه زجره، وقال: قال الله تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ))، فمن رفع صوته عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنّما رفع صوته فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن ابن القاسم قال: قيل لـمالك: لِمَ لَمْ تأخذ عن عمرو بن دينار؟ قال: أتيته فوجدته يأخذون عنه قياماً فأجللت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آخذه قائماً. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الْمَهْدِيّ الخليفة العباسي لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ حَاجًّا جَاءَهُ مَالِك فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ الْمَهْدِي ابْنَيْهِ الْهَادِي وَهَارُونَ الرَّشِيدِ أَنْ يَسْمَعَا منْهُ. فَطَلَبَاهُ إِلَيْهِمَا فَامْتَنَعَ، فَعَاتَبَهُ الْمَهْدِي فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْعِلْمِ نَضَارَةٌ، يُؤتَى أَهْلُهُ. وَفِي رِوَايَةٍ: الْعِلْمُ أَهْلٌ أَنْ يُوَقَّرَ وَيُوَقَّرَ أَهْلُهُ. فَأَمَرَهُمَا وَالِدُهُمَا بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ. فَسَأَلَهُ مُؤَدِّبُهُمَا أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ هَذِهِ الْبَلْدَةِ يَقْرَءُونَ عَلَى الْعَالِمِ كَمَا يَقْرَأُ الصِّبْيَانِ عَلَى الْمُعَلِّمِ. فَإِذَا أَخْطُوا أَفْتَاهُم. فَرَجَعُوا إِلَى الْخَلِيفَة فَعَاتَبَهُ الْمَهْدِيُّ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: سَمِعْنَا هَذَا الْعِلْم مِنِ رِجَالٍ فِي الرَّوْضَة سَعِيد بن الْمُسَيّب وَأَبُو سَلَمَة وَعُرْوَة وَالْقَاسِم بن مُحَمَّد وَسَالِم بن عَبْد اللهِ وَعَدَّ آخَرِينَ كُلّ هَؤُلاءِ يُقْرَأُ عَلَيْهمْ وَلا يَقْرَؤُون. فَقَالَ الْمَهْدِيُّ: فِي هَؤُلاءِ قُدْوَةٌ. صِيرُوا إِلَيْهِ فَاقْرَؤا عَلَيْهِ. وذكر ابن عساكر في كتابه (كشف المغطّا في فضل الموطّأ) قَالَ: قَدِمَ هَارُونُ الرَّشِيدُ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ قَدْ بَلَغَهُ أَنَّ مَالِكَ بْنَ أنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عِنْدَهُ الْمُوَطَّأُ يَقْرَأُهُ عَلَى النَّاسِ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ الْبَرْمَكِيَّ، فَقَالَ: أَقْرِئْهُ السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: يَحْمِلْ إِلَيَّ الْكِتَابَ فَيَقْرَأُهُ عَلَيَّ، فَأَتَاهُ الْبَرْمَكِّيُّ، فَقَالَ لَهُ: أَقْرِئْهُ السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ الْعِلْمَ يُزَارُ وَلَا يَزُورُ، وَإِنَّ الْعِلْمَ يُؤْتَى وَلَا يَأْتِي. فَأَتَاهُ الْبَرْمَكِيُّ فَأَخْبَرَهُ. وَكَانَ عِنْدَهُ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، يَبْلُغَ أَهْلَ الْعِرَاقِ أَنَّكَ وَجَّهْتَ إِلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي أَمْرٍ فَخَالَفَكَ اعْزِمْ عَلَيْهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ، إِذْ دَخَلَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فَسَلَّمَ وَجَلَسَ، فَقَالَ: يَا بْنَ أَبِي عَامِرٍ، أَبْعَثُ إِلَيْكَ فَتُخَالِفُنِي؟! فَقَالَ مَالِكٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، وَذَكَرَهُ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ الْوَحْيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ(لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والمجاهدين))، قَالَ: وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. إِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرٌ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي فَضْلِ الْجِهَادِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(لَا أَدْرِي)). وَقَلَمِي رَطْبٌ مَا جَفَّ. حَتَّى وَقَعَ فَخِذُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخْذِي، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا زَيْدُ. اكْتُبْ ((غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ)). وَيَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَرْفٌ وَاحِدٌ بُعِثَ فِيهِ جِبْرِيلُ، وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِينَ أَلْفَ عَامٍ، أَلَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أُعِزَّهُ وَأُجِلَّهُ، وَإِنِّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَفَعَكَ وَجَعَلَكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِعِلْمِكَ، فَلَا تَكُنْ أَنْتَ أَوَّلَ مَنْ يَضَعُ عِزَّ الْعِلْمِ فَيَضَعُ اللَّهُ عِزَّكَ. قَالَ: فَقَامَ الرَّشِيدُ فَمَشَى مَعَ مَالِكٍ إِلَى مَنْزلِهِ يَسْمَعُ مِنْهُ الْمُوَطَّأَ، وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى الْمِنَصَّةِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَى مَالِكٍ، قَالَ: تَقْرَأَهُ عَلَيَّ؟ قَالَ مَالِكٌ: مَا قَرَأْتُهُ عَلَى أَحَدٍ مُنْذُ زَمَانٍ. قَالَ: فَتُخْرِجُ النَّاسَ عَنِّي حَتَّى أَقْرَأَهُ أَنَا عَلَيْكَ، فَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّ الْعِلْمَ إِذَا مُنِعَ مِنَ الْعَامَّةِ لِأَجْلِ الْخَاصَّةِ لَمْ يَنْفَعِ اللَّهُ بِهِ الْخَاصَّةَ، فَأُمِرَ لَهُ مَعْنُ بْنُ عِيسَى الْقَزَّازُ لِيَقْرَأَهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا بَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ لِيَقْرَأَهُ، قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لِهَارُونَ الرَّشِيدِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا، وَإِنَّهُمْ لَيُحِبُّونَ التَّوَاضُعَ لِلْعِلْمِ، فَنَزَلَ هَارُونَ عَنِ الْمِنَصَّةِ، فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيهِ .وفيما أخرجه أبو الحسن بن فهر في كتاب (فضائل مالك)، عن عبد الله بن رافع وغيره أنّ الإمام مالك قال لهارون الرشيد: يا أمير المؤمنين لا تَكُنْ أوَّلَ من وَضَعَ العِلْمَ فيُضَيِّعُكَ الله. أيّها المسلمون. إنّ المحب دائما يحنّ إلى موطن محبوبه، لأنّه يذكره به. وتأنس روحه بالقرب منه، ولهذا نُقِل عن امرئ القيس قولُه وقد تعلّق قلبه بديار ليلى:
أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدارَا
وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي وَلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارَا
إذا كان هذا حال قيس مع مسكن ليلى فقط، فكيف بنا والأمر يتعلّق بحضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم. وبمدينته المنوّرة. طيْبة الطيّبة. وصدق مَن قال:
لطيبة عرّج إنّ بين قبابها حبيبا لأدواء القلوب طبيب
إذالم تَطِب في طَيْبَةٍ عندَ طَيِّبٍ به طَيْبَةٌ طابت فأينَ تَطيبُ
وإن لَم يُجِب في أرضها رَبُّنا الدُعا ففي أيِّ أرضٍ للدُعاء يُجيبُ
أيا ساكِني أكنافِ طيبَةَ كُلُّكُم إلى القَلبِ من أجلِ الحبيبِ حَبيبُ
فقد تعلّق الإمام مالك بالمدينة المنوّرة تعلّقا شديدا. فعاش عمره كاملاً بها، ولم يغادرها إلا حينما توجّه إلى مكة حاجا أو معتمرا فقط. وكان درسه في المسجد النبوي الشريف. وبالتحديد في أقدس وأعظم مكان فيه. ما بين منبر النبي صلى الله عليه وسلم وبيته. في الروضة الشريفة. التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم(ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة)). وقد جلس الإمام مالك في الروضة الشريفة لمدة سبعين عاما! وكان كثيرا ما يبكي بها عند حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: لعلّي أجلس مكانه. يمنّي النفس أن يطأ بجسده موضعا وطئه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .ثم يبكي ويقول: أمالك بن أنس الفقير الضعيف يُحدِّثُ في روضة الرسول صلى الله عليه وسلم؟! فيبكي حتى يقول الحضور: أبقيت دموع؟! ثم يقول: قوموا عنّي، لا أستطيع أن أكمل. ولشدة تعظيمه لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يثير العجب. أنّه كان لا يمشي في المدينة المنوّرة متنعلاً ولا راكباً. ولا يقضي فيها حاجته. احتراماً وتعظيماً وتكريماً لتراب المدينة الذي مشى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد بعث له هارون الرشيد مجموعة من الإبل كهدية فتصدّق بها جميعا وأعطى واحدا لتلميذه الشافعي. فقال له الشافعي: أبقِ واحدة لنفسك لتركبها. فقال مالك: أنا لا أركب في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومع ذلك لم يحرّمها على تلاميذه، فالأمر لا يتعلّق بتحريم الركوب في المدينة بقدر ما هو تقدير وتعظيم وإجلال لمن تشرّفت أرض المدينة بأقدامه، صلى الله عليه وسلم. فكان يستحي أن تطأ دابّته موضعا لامس قدم النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر القاضي عياض في ترتيب المدارك: لمّا جاء أمير المؤمنين المهدي إلى المدينة المنوّرة استقبله الإمام مالك وقال له: يا أمير المؤمنين. إنّك تدخل الآن المدينة فتمرّ بقوم عن يمينك ويسارك وهم أولاد المهاجرين والأنصار. فسلِّم عليهم. فإنّه ما على وجه الأرض قوم خير من أهل المدينة، ولا خير من المدينة. فقال له: ومِن أين قلتَ ذلك يا أبا عبد الله؟ قال: لأنّه لا يُعْرَف قبر نبيٍّ اليوم على وجه الأرض غير قبر سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومَن كان قبر سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندهم فينبغي أن يُعْرَف فضلهم على غيرهم. ففعل المهدي ما أمره به. فأشار الإمام مالك إلى أنّ المقتضيَ للتفضيل هو وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم. ومجاورة أهلها له. وذكر القاضي عياض أيضا في مداركه عن محمد بن مسلمة قال: سمعتُ مالكا يقول: دخلتُ على المهدي فقال: أوصني، فقلتُ: أوصيك بتقوى الله وحده، والعطفِ على أهل بلد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجيرانِه؛ فإنّه بلغنا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال(المدينة مهاجري، ومنها مبعثي، وبها قبري، وأهلها جيراني، وحقيق على أمّتي حفظ جيراني؛ فمن حفظهم فيّ كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة، ومن لم يحفظ وصيتي في جيراني سقاه الله من طينة الخبال)). يُروى أنّه شكى أحد مزارعي المدينة المنورة من غير قصْد. فقال هذه تربة رديّة. فأخذوه إلى إمامنا مالك رضي الله عنه. فأمر أن يُضْرَب ثلاثين درّة. وأمر بحبسه. وقال: ما أحوجه إلى ضرب عنقه. تربة دُفِن فيها النبيّ صلّى الله عليه و سلّم ويزعم أنّها غير طيّبة. لا تلومونا على حبّ طَيْبة. فقد أورثنا إمامنا مالك قبسا من نار قلبه وحبّه لها. أيّها المسلمون. إنّ من شدّة تعظيم الإمام مالك للمدينة المنورة أنّه كَرِه أن يقال: زُرْنا قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكأنّه أراد أن يقول القائل زرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة دون لفظ القبر، لأنّ القبر مهجور بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم(صلوا في بيوتكم ولا تجعلوها قبوراً)). قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: إنّه إنّما كَرِه اللفظ أدباً لا أصل الزيارة فإنّها من أفضل الأعمال وأجلّ القربات المُوصِلة إلى ذي الجلال، وأنّ مشروعيّتها محل إجماع بلا نزاع. وقال الإمام الحافظ ابن عبد البر: إنّما كَرِه مالك أن يقال: طواف الزيارة وزرنا قبر النبي صلى الله عليه وسلم لاستعمال الناس ذلك بعضهم لبعض، أيْ فيما بينهم. فكره تسوية النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مع الناس. أي عمومهم بهذا اللفظ، وأحب أن يُخَصّ بأن يقال: سَلَّمْنا على النبي صلى الله عليه وسلم. جزى الله عنّا إمامنا مالكا رضي الله عنه. ما هو أهلُه. ملأ القلوب حبّا وحنينا إلى دار الهجرة. وفسّر لنا سرّ حنيننا إلى طيبة. روى لنا عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قَالَ(اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ. وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ بِهِ لِمَكَّةَ. وَمِثْلَهُ مَعَهُ. اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ. كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدّ). ضاعف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم دعوة الخليل على قلوبنا بالحنين والشّوق. كان شوقنا إلى مكة جمراً تتقلّب عليه قلوبنا، ببركة دعوة الخليل إبراهيم عليه السّلام. لماّ دعا وقال(واجعل أفئدة من النّاس تهوي إليهم)). فصبّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على جمر الشّوق إلى المدينة المنوّرة. جمراً مثلَه معَه. لا تلومونا على حبّ طيبة. فإنّا قد أُصبنا بدعوة ساكنها صلّى الله عليه وسلّم. أيّها المسلمون. جرت عادة الله تعالى أنّ كل ذي نعمة محسود. ولا نعمة بعد الإسلام تعدل نعمة العلم والفضل. وفضل الإمام مالك مشهور. لذلك وقع فيه الوشاة. وتكلموا فيه بما لا يليق. حتى قال الإمام أحمد: إذا رأيتَ الرجل يبغض مالكا فاعلم أنّه مبتدع. فوشى به حسّاده إلى والي المدينة جعفر بن سليمان. وقالوا: إنّه لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء. وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت الأحنف في طلاق المُكرَه أنّه لا يجوز. لأنّه يقاس على ذلك أنّ بيعة المكرَه ليست بشيء، فلو أُكره إنسان على مبايعة إمام معيَّن فإنّ هذه البيعة تكون غير شرعية. ثم دسّ إليه من يسأله على رءوس الناس. وبسبب ذلك ضُرب بالسياط وانخلعت كتفه. ولمّا ضُرِب حُلِق وحُمِل على بعير، فقيل له: ناد على نفسك، فقال: ألا مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فأنا مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي وأنا أقول: طلاق المكرَه ليس بشيء، قال: فبلغ جعفر بن سليمان أنه ينادي على نفسه بذلك، فقال: أدركوه، وأنزلوه. قال الدراوردي: لمّا أُحضر مالك لضربه في البيعة التي أفتى بها. وكنت أقرب الخلق منه. سمعته يقول: كلما ضُرب سوطًا: اللهم اغفر لهم، فإنّهم لا يعلمون. حتى فُرغ من ضربه. قَالَ الْإِبْيَانِيُّ: مَا زَالَ مَالِكٌ بَعْدَ ذَلِكَ الضَّرْبِ فِي رِفْعَةٍ مِنْ النَّاسِ وَإِعْظَامٍ حَتَّى كَأَنَّمَا كَانَتْ تِلْكَ الْأَسْوَاطُ إلَّا حُلِيًّا حُلِّيَ بِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَكان رضي الله عنه يَذْكُرُ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: مَا أَغْبِطُ أَحَدًا لَمْ يُصِبْهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَذًى. وَقَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي حَاشِيَةِ الْمُوَطَّإِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ: كَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ إلَى مَالِكٍ يَحُضُّهُ عَلَى الِانْفِرَادِ وَالْعَمَلِ وَتَرْكِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ. فَكَتَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ: إنَّ اللَّهَ قَسَّمَ الْأَعْمَالَ كَمَا قَسَّمَ الْأَرْزَاقَ. فَرُبَّ رَجُلٍ فَتَحَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَفْتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ. وَآخَرَ فَتَحَ لَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَلَمْ يَفْتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ. وَآخَرَ فَتَحَ لَهُ فِي الْجِهَادِ وَلَمْ يَفْتَحْ لَهُ فِي الصَّلَاةِ. وَنَشْرُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ الْبِرِّ. وَقَدْ رَضِيتُ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ لِي مِنْ ذَلِكَ وَمَا أَظُنُّ مَا أَنَا فِيهِ بِدُونِ مَا أَنْتَ فِيهِ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ كُلُّنَا عَلَى خَيْرٍ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ وَالسَّلَامُ. وقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَأْتِي الْمَسْجِدَ وَيَشْهَدُ الصَّلَاةَ وَالْجَنَائِزَ وَيَعُودُ الْمَرْضَى وَيَقْضِي الْحُقُوقَ وَيُجِيبُ الدَّعْوَةَ ثُمَّ تَرَكَ الْجُلُوسَ فِي الْمَسْجِدِ فَكَانَ يُصَلِّي وَيَنْصَرِفُ ثُمَّ تَرَكَ عِيَادَةَ الْمَرْضَى وَشُهُودَ الْجَنَائِزِ فَكَانَ يَأْتِي أَصْحَابَهَا فَيُعَزِّيهِمْ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَلَمْ يَكُنْ يَشْهَدُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا الْجُمُعَةَ وَلَا يَأْتِي أَحَدًا يُعَزِّيهِ وَلَا يَقْضِي لَهُ حَقًّا. فَاحْتَمَلَ النَّاسُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ. وَكَانَ رُبَّمَا قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَيَقُولُ: لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِعُذْرِهِ. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمَدَارِكِ: ثُمَّ تَرَكَ عِيَادَةَ الْمَرْضَى وَشُهُودَ الْجَنَائِزِ وَكَانَ أَصْحَابُهَا يَأْتُونَ إلَيْهِ فَيُعَزِّيهِمْ. ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: فَاحْتَمَلَ النَّاسُ لَهُ كُلَّ ذَلِكَ وَكَانُوا أَرْغَبَ فِيهِ وَأَشَدَّ تَعْظِيمًا. فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ سُئِلَ عَنْ تَخَلُّفِهِ عَنْ الْمَسْجِدِ وَكَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ سَبْعَ سِنِينَ قَبْلَ مَوْتِهِ فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الدُّنْيَا وَأَوَّلِهِ مِنْ الْآخِرَةِ مَا أَخْبَرْتُكُمْ. بِي سَلَسُ بَوْلٍ فَكَرِهْت أَنْ آتِيَ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَرِهْت أَنْ أَذْكُرَ عِلَّتِي فَأَشْكُوَ رَبِّي. ويُروى أنّه لَمَّا حَجَّ الْمَنْصُورُ أَقَادَهُ مِنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَأَرْسَلَهُ لِيَقْتَصَّ مِنْهُ. فَقَالَ مالك: أَعُوذُ بِاَللَّهِ، وَاَللَّهِ مَا اُرْتُفِعَ مِنْهَا سَوْطٌ عَنْ جِسْمِي إلَّا وَأَنَا أَجْعَلُهُ فِي حِلٍّ مِنْ ذَاكَ الْوَقْتِ لِقَرَابَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: حُمِلَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ وَدَخَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ، قَالَ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي جَعَلْت ضَارِبِي فِي حِلٍّ. ثُمَّ قَالَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي: قَدْ تَخَوَّفْت أَنْ أَمُوتَ أَمْسِ فَأَلْقَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْتَحِي مِنْهُ بِأَنْ يَدْخُلَ بَعْضُ آلِهِ النَّارَ بِسَبَبِي. فَمَا كَانَ إلَّا مُدَّةٌ حَتَّى غَضِبَ الْمَنْصُورُ عَلَى ضَارِبِهِ فَضَرَبَهُ وَنِيلَ مِنْهُ أَمْرٌ شَدِيدٌ. أيّها المسلمون. عاش الإمام مالك بن أنس مكرَّمًا، محفوفًا بالمهابة والسكينة، لا يجيء أحد إلى المسجد النبوي، إلا عرج على مالك يستمع إليه، وينقل عنه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستفتيه فيما يقع له من أمور. وهكذا كان الإمام مالك رضي الله عنه، الرجل الكريم العظيم الجليل يعيش في مرض قد يتنافى مع كل ما كان يظهر به من تجمّل، ولكن صبر صبرًا جميلاً، فكان صبره من غير أنين ولا شكوى ولا إعلام للناس، فرضي الله عنه وأرضاه، وغفر له، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنّة. آمين. وقال محمد بن سعد: اشتكى مالك أيامًا يسيرة، فسألت بعض أهلنا عما قال عند الموت، فقالوا: تشهَّد، ثم قال: لله الأمر من قبل ومن بعد. وتوفي صبيحة أربع عشرة من ربيع الأوّل سنة تسع وسبعين ومائة في خلافة هارون الرشيد، وصلّى عليه عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وهو يومئذٍ والٍ على المدينة، ودُفن بالبقيع، وكان ابن خمس وثمانين سنة. قال أسد بن موسى: رأيت مالك بن أنس بعد موته. وعليه ثياب خضر، وهو على ناقة تطير بين السماء والأرض. فقلت: يا أبا عبد الله، أليس قد مت؟! قال: بلى، قلت: إلامَ صرت؟ قال: قدمت على ربي، وكلّمني كفاحًا، وقال: سلني أعطكَ، وتمنَّ عليَّ أُرضِك . فجزى الله الإمام مالك عن الأمّة الإسلامية خير الجزاء، ورزقنا الله جميعاً علماءَ ربانيّين. ودعاةً مصلحين، هادين مهتَدين. يحسن الإقتداء بهم. والتأسّي بسيرتهم. واجعلنا اللهم مِمَّنْ قلت فيهم(وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رءوف رَحِيمٌ)). بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين. يا ربّ العالمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين. اه.
الحمد لله المتفضِّل بجزيل المواهب والعطاء. إختصّ برحمته مَن يشاء. ووفّق لمعرفته مَن اجتبى من عباده الأولياء. وخواصّه الأصفياء. ((ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)). فسبحانه من إله خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات .وتوّجهم بتاج القبول والسعادات. فانهلّت عليهم سحائب الرحمات. فكان منهم أئمّة يُقْتَدى بهم في سائر الأوقات. فانتشر ذكرهم بين المخلوقات. وعمّت أنوارهم على جميع البريّات. وأشهد أن لا إله إلاّ الله. وحده لا شريك له. أفاض على أوليائه وأحبّائه وأصفيائه من النّور الحأمّديّ أنوارا، ونوّر قلوبهم بمحبّة الجناب النبويّ. فملئت ببركته صلى الله عليه وسلم معارف وأسرارا، فهُمْ من فيض بحره يغترفون، ومن رَوْض مواهبه يقتطفون، ويجتنون ثمارا وأزهارا، فاستضاءت بأنوارهم الخليقة، وسلكوا بهم من الدّين طريقه، حتّى تبيّن لهم الهدى استبصارا، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدا عبده ورسوله. وصفيّه من خلقه وخليله. جاء وهّاجا في الظلام الحالِك. ليُزيل الجهل والكفر وكلَّ ذلك. وأرشد ودعا إلى خير المسالك. ونهى وحذّر من المهالك. ونشر النور والحق هنا وهنالك. ورضي الله تعالى عن وُرّاثِه مِن بَعْده الذين نشروا الدين في سائر الممالك. فمنهم أبو حنيفة وأحمد والشافعي ومالك.
يا حاضرين سماع الذكر في الأُذُنِ وسالكين قويم النهج والسُّنَنِ
إنْ شئتُمُ تظفَروا بالفضل والمننِ وتَسْلَموا من جميع البؤس والمحنِ
صلوا على مَن أتى بالفرض والسُّننِ
اللهم صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد النبيّ الطاهر الأبرّ. وعلى آله ذوي العزّ الشامخ والنسب الأفخر. وعلى صحابته المخصوصين بالإيمان الكامل والسرّ الأبهر. صلاة تتحفنا بها برضوانك الأكبر. ونكون بها ممّن أكرمته بزيارة سيّد البشر. صلى الله عليه وسلم. وجال في مدينته الطيّبة ومتّع فيها النظر. ونال بالتبّرك بآثاره الشريفة غاية الوطر. بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين. يا ربّ العالمين. أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون. منذ أن أكرم الله تعالى هذه الأُمّة المحمدية ببعثة نبيّها صلى الله عليه وسلم. وأفواج العلماء والمرشدين يتعاقبون فيها. دعاة مخلصين. ومربّين ربانيّين. ومشائخ حكماء. داعين إلى الحق. حاكمين بالقسط. آمرين بالمعروف. ناهين عن المنكر. وإنّ العناية بسِيَر الرجال تورث الإحساس بالعزة. وتبعث الشعور بالقوة. وتهدي إلى التمسّك بالحق. وتقود إلى السموّ في الخُلُق. وحديثنا اليوم عن عَلَمٍ بارز من أعلام الإسلام قاطبة. رجلٍ ننتمي إليه. ونعبد ربّنا على مذهبه. ألا وهو إمام دار الهجرة. ووارث العلوم النبوية والسنن المصطفوية في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. إنّه الإمام مالك بن أنس. رضي الله عنه. وجزاه عنّا كل خير. وجزى الله كل علماء المسلمين المخلصين خيرا. وتغمّدهم برحمته. وصبّ على قبورهم وابل الإحسان. وأمطرهم بغزير عفوه. آمين يا رب العالمين. أيّها المسلمون. إمامنا مالك عَلَمٌ من أعلام السنّة. على إمامته أجمعت الأُمّة. فمجرّد ذِكْرِه يزيد الإيمان والهمّة. قال الإمام الذهبي: قد كان هذا الإمام من الكبراء والسادة العلماء، ذا حشمة وتجمّل وعبيد ودار فاخرة، ونعمة ظاهرة، ورفعة في الدنيا والآخرة، كان يقبل الهدايا، ويأكل طيّباً، ويعمل صالحاً، وما أحسن قول عبد الله بن المبارك فيه:
صَمُوتٌ إِذَا مَا الصَّمْتُ زَيَّنَ أَهْلَهُ وَفَتَّاقُ أَبْكَارِ الْكَلَامِ الْمُخَتَّمِ
وَعَى مَا وَعَى الْقُرْآنَ مِنْ كُلِّ حِكْمَةٍ وَنِيطَتْ لَهُ الْآدَابُ بِاللَّحْمِ وَالدَّمِ
وقال أبو مصعب: كانوا يزدحمون على باب مالك حتى يقتتلوا من الزحام، وكنّا نكون عنده فلا يكلّم ذا ذا، ولا يلتفت ذا إلى ذا، والناس قائلون برءوسهم هكذا. وكانت السلاطين تهابه وهم قابلون منه ومستمعون، وكان يقول: لا ونعم، ولا يقال له: من أين قلتَ هذا؟ وقال بعضهم في مدح الإمام مالك:
يدع الجواب فلا يراجَع هيبة والسائلون نواكس الأذقانِ
نور الوقار وعز سلطان التقى فهو المهيب وليس ذا سلطانِ
أيّها المسلمون. إنّ الدارس لسيرة الإمام مالك رحمه الله يقف على شيء من أسباب هذه الهيبة وهذا القَبول، فمن ذلك: أنّه كان كثير التعظيم والتوقير لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، فعن ابن أبي أويس قال: كان مالك إذا أراد أن يحدّث توضّأ وجلس على صدر فراشه، وسرّح لحيته، وتمكّن في الجلوس بوقار وهيبة، ثم حدّث. فقيل له في ذلك، فقال: أحب أن أعظّم حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحدّث به إلا على طهارة متمكّناً. وكان يكره أن يحدّث في الطريق وهو قائم أو مستعجل. قال: أحب أن أفهم ما يحدّث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومَن أعزَّ دينَ الله أعزّه اللهُ عز وجل، ومَن نصر دينَ الله نصره اللهُ عز وجل، قال تعالى في سورة الحج(وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ)). وعن معن بن عيسى قال: كان مالك بن أنس إذا أراد أن يجلس للحديث اغتسل وتبخّر وتطيّب، فإذا رفع أحد صوته في مجلسه زجره، وقال: قال الله تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ))، فمن رفع صوته عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنّما رفع صوته فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن ابن القاسم قال: قيل لـمالك: لِمَ لَمْ تأخذ عن عمرو بن دينار؟ قال: أتيته فوجدته يأخذون عنه قياماً فأجللت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آخذه قائماً. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الْمَهْدِيّ الخليفة العباسي لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ حَاجًّا جَاءَهُ مَالِك فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ الْمَهْدِي ابْنَيْهِ الْهَادِي وَهَارُونَ الرَّشِيدِ أَنْ يَسْمَعَا منْهُ. فَطَلَبَاهُ إِلَيْهِمَا فَامْتَنَعَ، فَعَاتَبَهُ الْمَهْدِي فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْعِلْمِ نَضَارَةٌ، يُؤتَى أَهْلُهُ. وَفِي رِوَايَةٍ: الْعِلْمُ أَهْلٌ أَنْ يُوَقَّرَ وَيُوَقَّرَ أَهْلُهُ. فَأَمَرَهُمَا وَالِدُهُمَا بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ. فَسَأَلَهُ مُؤَدِّبُهُمَا أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ هَذِهِ الْبَلْدَةِ يَقْرَءُونَ عَلَى الْعَالِمِ كَمَا يَقْرَأُ الصِّبْيَانِ عَلَى الْمُعَلِّمِ. فَإِذَا أَخْطُوا أَفْتَاهُم. فَرَجَعُوا إِلَى الْخَلِيفَة فَعَاتَبَهُ الْمَهْدِيُّ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: سَمِعْنَا هَذَا الْعِلْم مِنِ رِجَالٍ فِي الرَّوْضَة سَعِيد بن الْمُسَيّب وَأَبُو سَلَمَة وَعُرْوَة وَالْقَاسِم بن مُحَمَّد وَسَالِم بن عَبْد اللهِ وَعَدَّ آخَرِينَ كُلّ هَؤُلاءِ يُقْرَأُ عَلَيْهمْ وَلا يَقْرَؤُون. فَقَالَ الْمَهْدِيُّ: فِي هَؤُلاءِ قُدْوَةٌ. صِيرُوا إِلَيْهِ فَاقْرَؤا عَلَيْهِ. وذكر ابن عساكر في كتابه (كشف المغطّا في فضل الموطّأ) قَالَ: قَدِمَ هَارُونُ الرَّشِيدُ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ قَدْ بَلَغَهُ أَنَّ مَالِكَ بْنَ أنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عِنْدَهُ الْمُوَطَّأُ يَقْرَأُهُ عَلَى النَّاسِ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ الْبَرْمَكِيَّ، فَقَالَ: أَقْرِئْهُ السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: يَحْمِلْ إِلَيَّ الْكِتَابَ فَيَقْرَأُهُ عَلَيَّ، فَأَتَاهُ الْبَرْمَكِّيُّ، فَقَالَ لَهُ: أَقْرِئْهُ السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ الْعِلْمَ يُزَارُ وَلَا يَزُورُ، وَإِنَّ الْعِلْمَ يُؤْتَى وَلَا يَأْتِي. فَأَتَاهُ الْبَرْمَكِيُّ فَأَخْبَرَهُ. وَكَانَ عِنْدَهُ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، يَبْلُغَ أَهْلَ الْعِرَاقِ أَنَّكَ وَجَّهْتَ إِلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي أَمْرٍ فَخَالَفَكَ اعْزِمْ عَلَيْهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ، إِذْ دَخَلَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فَسَلَّمَ وَجَلَسَ، فَقَالَ: يَا بْنَ أَبِي عَامِرٍ، أَبْعَثُ إِلَيْكَ فَتُخَالِفُنِي؟! فَقَالَ مَالِكٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، وَذَكَرَهُ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ الْوَحْيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ(لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والمجاهدين))، قَالَ: وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. إِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرٌ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي فَضْلِ الْجِهَادِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(لَا أَدْرِي)). وَقَلَمِي رَطْبٌ مَا جَفَّ. حَتَّى وَقَعَ فَخِذُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخْذِي، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا زَيْدُ. اكْتُبْ ((غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ)). وَيَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَرْفٌ وَاحِدٌ بُعِثَ فِيهِ جِبْرِيلُ، وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِينَ أَلْفَ عَامٍ، أَلَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أُعِزَّهُ وَأُجِلَّهُ، وَإِنِّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَفَعَكَ وَجَعَلَكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِعِلْمِكَ، فَلَا تَكُنْ أَنْتَ أَوَّلَ مَنْ يَضَعُ عِزَّ الْعِلْمِ فَيَضَعُ اللَّهُ عِزَّكَ. قَالَ: فَقَامَ الرَّشِيدُ فَمَشَى مَعَ مَالِكٍ إِلَى مَنْزلِهِ يَسْمَعُ مِنْهُ الْمُوَطَّأَ، وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى الْمِنَصَّةِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَى مَالِكٍ، قَالَ: تَقْرَأَهُ عَلَيَّ؟ قَالَ مَالِكٌ: مَا قَرَأْتُهُ عَلَى أَحَدٍ مُنْذُ زَمَانٍ. قَالَ: فَتُخْرِجُ النَّاسَ عَنِّي حَتَّى أَقْرَأَهُ أَنَا عَلَيْكَ، فَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّ الْعِلْمَ إِذَا مُنِعَ مِنَ الْعَامَّةِ لِأَجْلِ الْخَاصَّةِ لَمْ يَنْفَعِ اللَّهُ بِهِ الْخَاصَّةَ، فَأُمِرَ لَهُ مَعْنُ بْنُ عِيسَى الْقَزَّازُ لِيَقْرَأَهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا بَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ لِيَقْرَأَهُ، قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لِهَارُونَ الرَّشِيدِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا، وَإِنَّهُمْ لَيُحِبُّونَ التَّوَاضُعَ لِلْعِلْمِ، فَنَزَلَ هَارُونَ عَنِ الْمِنَصَّةِ، فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيهِ .وفيما أخرجه أبو الحسن بن فهر في كتاب (فضائل مالك)، عن عبد الله بن رافع وغيره أنّ الإمام مالك قال لهارون الرشيد: يا أمير المؤمنين لا تَكُنْ أوَّلَ من وَضَعَ العِلْمَ فيُضَيِّعُكَ الله. أيّها المسلمون. إنّ المحب دائما يحنّ إلى موطن محبوبه، لأنّه يذكره به. وتأنس روحه بالقرب منه، ولهذا نُقِل عن امرئ القيس قولُه وقد تعلّق قلبه بديار ليلى:
أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدارَا
وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي وَلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارَا
إذا كان هذا حال قيس مع مسكن ليلى فقط، فكيف بنا والأمر يتعلّق بحضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم. وبمدينته المنوّرة. طيْبة الطيّبة. وصدق مَن قال:
لطيبة عرّج إنّ بين قبابها حبيبا لأدواء القلوب طبيب
إذالم تَطِب في طَيْبَةٍ عندَ طَيِّبٍ به طَيْبَةٌ طابت فأينَ تَطيبُ
وإن لَم يُجِب في أرضها رَبُّنا الدُعا ففي أيِّ أرضٍ للدُعاء يُجيبُ
أيا ساكِني أكنافِ طيبَةَ كُلُّكُم إلى القَلبِ من أجلِ الحبيبِ حَبيبُ
فقد تعلّق الإمام مالك بالمدينة المنوّرة تعلّقا شديدا. فعاش عمره كاملاً بها، ولم يغادرها إلا حينما توجّه إلى مكة حاجا أو معتمرا فقط. وكان درسه في المسجد النبوي الشريف. وبالتحديد في أقدس وأعظم مكان فيه. ما بين منبر النبي صلى الله عليه وسلم وبيته. في الروضة الشريفة. التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم(ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة)). وقد جلس الإمام مالك في الروضة الشريفة لمدة سبعين عاما! وكان كثيرا ما يبكي بها عند حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: لعلّي أجلس مكانه. يمنّي النفس أن يطأ بجسده موضعا وطئه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .ثم يبكي ويقول: أمالك بن أنس الفقير الضعيف يُحدِّثُ في روضة الرسول صلى الله عليه وسلم؟! فيبكي حتى يقول الحضور: أبقيت دموع؟! ثم يقول: قوموا عنّي، لا أستطيع أن أكمل. ولشدة تعظيمه لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يثير العجب. أنّه كان لا يمشي في المدينة المنوّرة متنعلاً ولا راكباً. ولا يقضي فيها حاجته. احتراماً وتعظيماً وتكريماً لتراب المدينة الذي مشى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد بعث له هارون الرشيد مجموعة من الإبل كهدية فتصدّق بها جميعا وأعطى واحدا لتلميذه الشافعي. فقال له الشافعي: أبقِ واحدة لنفسك لتركبها. فقال مالك: أنا لا أركب في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومع ذلك لم يحرّمها على تلاميذه، فالأمر لا يتعلّق بتحريم الركوب في المدينة بقدر ما هو تقدير وتعظيم وإجلال لمن تشرّفت أرض المدينة بأقدامه، صلى الله عليه وسلم. فكان يستحي أن تطأ دابّته موضعا لامس قدم النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر القاضي عياض في ترتيب المدارك: لمّا جاء أمير المؤمنين المهدي إلى المدينة المنوّرة استقبله الإمام مالك وقال له: يا أمير المؤمنين. إنّك تدخل الآن المدينة فتمرّ بقوم عن يمينك ويسارك وهم أولاد المهاجرين والأنصار. فسلِّم عليهم. فإنّه ما على وجه الأرض قوم خير من أهل المدينة، ولا خير من المدينة. فقال له: ومِن أين قلتَ ذلك يا أبا عبد الله؟ قال: لأنّه لا يُعْرَف قبر نبيٍّ اليوم على وجه الأرض غير قبر سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومَن كان قبر سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندهم فينبغي أن يُعْرَف فضلهم على غيرهم. ففعل المهدي ما أمره به. فأشار الإمام مالك إلى أنّ المقتضيَ للتفضيل هو وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم. ومجاورة أهلها له. وذكر القاضي عياض أيضا في مداركه عن محمد بن مسلمة قال: سمعتُ مالكا يقول: دخلتُ على المهدي فقال: أوصني، فقلتُ: أوصيك بتقوى الله وحده، والعطفِ على أهل بلد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجيرانِه؛ فإنّه بلغنا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال(المدينة مهاجري، ومنها مبعثي، وبها قبري، وأهلها جيراني، وحقيق على أمّتي حفظ جيراني؛ فمن حفظهم فيّ كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة، ومن لم يحفظ وصيتي في جيراني سقاه الله من طينة الخبال)). يُروى أنّه شكى أحد مزارعي المدينة المنورة من غير قصْد. فقال هذه تربة رديّة. فأخذوه إلى إمامنا مالك رضي الله عنه. فأمر أن يُضْرَب ثلاثين درّة. وأمر بحبسه. وقال: ما أحوجه إلى ضرب عنقه. تربة دُفِن فيها النبيّ صلّى الله عليه و سلّم ويزعم أنّها غير طيّبة. لا تلومونا على حبّ طَيْبة. فقد أورثنا إمامنا مالك قبسا من نار قلبه وحبّه لها. أيّها المسلمون. إنّ من شدّة تعظيم الإمام مالك للمدينة المنورة أنّه كَرِه أن يقال: زُرْنا قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكأنّه أراد أن يقول القائل زرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة دون لفظ القبر، لأنّ القبر مهجور بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم(صلوا في بيوتكم ولا تجعلوها قبوراً)). قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: إنّه إنّما كَرِه اللفظ أدباً لا أصل الزيارة فإنّها من أفضل الأعمال وأجلّ القربات المُوصِلة إلى ذي الجلال، وأنّ مشروعيّتها محل إجماع بلا نزاع. وقال الإمام الحافظ ابن عبد البر: إنّما كَرِه مالك أن يقال: طواف الزيارة وزرنا قبر النبي صلى الله عليه وسلم لاستعمال الناس ذلك بعضهم لبعض، أيْ فيما بينهم. فكره تسوية النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مع الناس. أي عمومهم بهذا اللفظ، وأحب أن يُخَصّ بأن يقال: سَلَّمْنا على النبي صلى الله عليه وسلم. جزى الله عنّا إمامنا مالكا رضي الله عنه. ما هو أهلُه. ملأ القلوب حبّا وحنينا إلى دار الهجرة. وفسّر لنا سرّ حنيننا إلى طيبة. روى لنا عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قَالَ(اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ. وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ بِهِ لِمَكَّةَ. وَمِثْلَهُ مَعَهُ. اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ. كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدّ). ضاعف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم دعوة الخليل على قلوبنا بالحنين والشّوق. كان شوقنا إلى مكة جمراً تتقلّب عليه قلوبنا، ببركة دعوة الخليل إبراهيم عليه السّلام. لماّ دعا وقال(واجعل أفئدة من النّاس تهوي إليهم)). فصبّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على جمر الشّوق إلى المدينة المنوّرة. جمراً مثلَه معَه. لا تلومونا على حبّ طيبة. فإنّا قد أُصبنا بدعوة ساكنها صلّى الله عليه وسلّم. أيّها المسلمون. جرت عادة الله تعالى أنّ كل ذي نعمة محسود. ولا نعمة بعد الإسلام تعدل نعمة العلم والفضل. وفضل الإمام مالك مشهور. لذلك وقع فيه الوشاة. وتكلموا فيه بما لا يليق. حتى قال الإمام أحمد: إذا رأيتَ الرجل يبغض مالكا فاعلم أنّه مبتدع. فوشى به حسّاده إلى والي المدينة جعفر بن سليمان. وقالوا: إنّه لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء. وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت الأحنف في طلاق المُكرَه أنّه لا يجوز. لأنّه يقاس على ذلك أنّ بيعة المكرَه ليست بشيء، فلو أُكره إنسان على مبايعة إمام معيَّن فإنّ هذه البيعة تكون غير شرعية. ثم دسّ إليه من يسأله على رءوس الناس. وبسبب ذلك ضُرب بالسياط وانخلعت كتفه. ولمّا ضُرِب حُلِق وحُمِل على بعير، فقيل له: ناد على نفسك، فقال: ألا مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فأنا مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي وأنا أقول: طلاق المكرَه ليس بشيء، قال: فبلغ جعفر بن سليمان أنه ينادي على نفسه بذلك، فقال: أدركوه، وأنزلوه. قال الدراوردي: لمّا أُحضر مالك لضربه في البيعة التي أفتى بها. وكنت أقرب الخلق منه. سمعته يقول: كلما ضُرب سوطًا: اللهم اغفر لهم، فإنّهم لا يعلمون. حتى فُرغ من ضربه. قَالَ الْإِبْيَانِيُّ: مَا زَالَ مَالِكٌ بَعْدَ ذَلِكَ الضَّرْبِ فِي رِفْعَةٍ مِنْ النَّاسِ وَإِعْظَامٍ حَتَّى كَأَنَّمَا كَانَتْ تِلْكَ الْأَسْوَاطُ إلَّا حُلِيًّا حُلِّيَ بِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَكان رضي الله عنه يَذْكُرُ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: مَا أَغْبِطُ أَحَدًا لَمْ يُصِبْهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَذًى. وَقَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي حَاشِيَةِ الْمُوَطَّإِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ: كَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ إلَى مَالِكٍ يَحُضُّهُ عَلَى الِانْفِرَادِ وَالْعَمَلِ وَتَرْكِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ. فَكَتَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ: إنَّ اللَّهَ قَسَّمَ الْأَعْمَالَ كَمَا قَسَّمَ الْأَرْزَاقَ. فَرُبَّ رَجُلٍ فَتَحَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَفْتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ. وَآخَرَ فَتَحَ لَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَلَمْ يَفْتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ. وَآخَرَ فَتَحَ لَهُ فِي الْجِهَادِ وَلَمْ يَفْتَحْ لَهُ فِي الصَّلَاةِ. وَنَشْرُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ الْبِرِّ. وَقَدْ رَضِيتُ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ لِي مِنْ ذَلِكَ وَمَا أَظُنُّ مَا أَنَا فِيهِ بِدُونِ مَا أَنْتَ فِيهِ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ كُلُّنَا عَلَى خَيْرٍ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ وَالسَّلَامُ. وقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَأْتِي الْمَسْجِدَ وَيَشْهَدُ الصَّلَاةَ وَالْجَنَائِزَ وَيَعُودُ الْمَرْضَى وَيَقْضِي الْحُقُوقَ وَيُجِيبُ الدَّعْوَةَ ثُمَّ تَرَكَ الْجُلُوسَ فِي الْمَسْجِدِ فَكَانَ يُصَلِّي وَيَنْصَرِفُ ثُمَّ تَرَكَ عِيَادَةَ الْمَرْضَى وَشُهُودَ الْجَنَائِزِ فَكَانَ يَأْتِي أَصْحَابَهَا فَيُعَزِّيهِمْ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَلَمْ يَكُنْ يَشْهَدُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا الْجُمُعَةَ وَلَا يَأْتِي أَحَدًا يُعَزِّيهِ وَلَا يَقْضِي لَهُ حَقًّا. فَاحْتَمَلَ النَّاسُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ. وَكَانَ رُبَّمَا قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَيَقُولُ: لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِعُذْرِهِ. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمَدَارِكِ: ثُمَّ تَرَكَ عِيَادَةَ الْمَرْضَى وَشُهُودَ الْجَنَائِزِ وَكَانَ أَصْحَابُهَا يَأْتُونَ إلَيْهِ فَيُعَزِّيهِمْ. ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: فَاحْتَمَلَ النَّاسُ لَهُ كُلَّ ذَلِكَ وَكَانُوا أَرْغَبَ فِيهِ وَأَشَدَّ تَعْظِيمًا. فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ سُئِلَ عَنْ تَخَلُّفِهِ عَنْ الْمَسْجِدِ وَكَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ سَبْعَ سِنِينَ قَبْلَ مَوْتِهِ فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الدُّنْيَا وَأَوَّلِهِ مِنْ الْآخِرَةِ مَا أَخْبَرْتُكُمْ. بِي سَلَسُ بَوْلٍ فَكَرِهْت أَنْ آتِيَ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَرِهْت أَنْ أَذْكُرَ عِلَّتِي فَأَشْكُوَ رَبِّي. ويُروى أنّه لَمَّا حَجَّ الْمَنْصُورُ أَقَادَهُ مِنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَأَرْسَلَهُ لِيَقْتَصَّ مِنْهُ. فَقَالَ مالك: أَعُوذُ بِاَللَّهِ، وَاَللَّهِ مَا اُرْتُفِعَ مِنْهَا سَوْطٌ عَنْ جِسْمِي إلَّا وَأَنَا أَجْعَلُهُ فِي حِلٍّ مِنْ ذَاكَ الْوَقْتِ لِقَرَابَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: حُمِلَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ وَدَخَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ، قَالَ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي جَعَلْت ضَارِبِي فِي حِلٍّ. ثُمَّ قَالَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي: قَدْ تَخَوَّفْت أَنْ أَمُوتَ أَمْسِ فَأَلْقَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْتَحِي مِنْهُ بِأَنْ يَدْخُلَ بَعْضُ آلِهِ النَّارَ بِسَبَبِي. فَمَا كَانَ إلَّا مُدَّةٌ حَتَّى غَضِبَ الْمَنْصُورُ عَلَى ضَارِبِهِ فَضَرَبَهُ وَنِيلَ مِنْهُ أَمْرٌ شَدِيدٌ. أيّها المسلمون. عاش الإمام مالك بن أنس مكرَّمًا، محفوفًا بالمهابة والسكينة، لا يجيء أحد إلى المسجد النبوي، إلا عرج على مالك يستمع إليه، وينقل عنه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستفتيه فيما يقع له من أمور. وهكذا كان الإمام مالك رضي الله عنه، الرجل الكريم العظيم الجليل يعيش في مرض قد يتنافى مع كل ما كان يظهر به من تجمّل، ولكن صبر صبرًا جميلاً، فكان صبره من غير أنين ولا شكوى ولا إعلام للناس، فرضي الله عنه وأرضاه، وغفر له، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنّة. آمين. وقال محمد بن سعد: اشتكى مالك أيامًا يسيرة، فسألت بعض أهلنا عما قال عند الموت، فقالوا: تشهَّد، ثم قال: لله الأمر من قبل ومن بعد. وتوفي صبيحة أربع عشرة من ربيع الأوّل سنة تسع وسبعين ومائة في خلافة هارون الرشيد، وصلّى عليه عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وهو يومئذٍ والٍ على المدينة، ودُفن بالبقيع، وكان ابن خمس وثمانين سنة. قال أسد بن موسى: رأيت مالك بن أنس بعد موته. وعليه ثياب خضر، وهو على ناقة تطير بين السماء والأرض. فقلت: يا أبا عبد الله، أليس قد مت؟! قال: بلى، قلت: إلامَ صرت؟ قال: قدمت على ربي، وكلّمني كفاحًا، وقال: سلني أعطكَ، وتمنَّ عليَّ أُرضِك . فجزى الله الإمام مالك عن الأمّة الإسلامية خير الجزاء، ورزقنا الله جميعاً علماءَ ربانيّين. ودعاةً مصلحين، هادين مهتَدين. يحسن الإقتداء بهم. والتأسّي بسيرتهم. واجعلنا اللهم مِمَّنْ قلت فيهم(وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رءوف رَحِيمٌ)). بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين. يا ربّ العالمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين. اه.
مواضيع مماثلة
» الامام مالك بن أنس
» عقيدة الإمام مالك بن أنس
» أحمد بن امَحمد بن مالك
» علي بن امَحمد بن مالك الفلاني
» الرد على من يقول ان الامام مالك قال الله فوق السماء
» عقيدة الإمام مالك بن أنس
» أحمد بن امَحمد بن مالك
» علي بن امَحمد بن مالك الفلاني
» الرد على من يقول ان الامام مالك قال الله فوق السماء
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى